مجلة البيان*|*قضايا دعوية
الوصايا العشر في التعامل مع الحوادث والنوازل
7/26/2014*عبد العزيز بن ناصر الجُلَيِّل*
العدد : 326*عدد الزيارات : 1924*عدد التعليقات : 0ShareShare**
الوصايا العشر في التعامل مع الحوادث والنوازل، هذه بعض الوصايا التي أوصي بها نفسي وإخواني المسلمين، لا سيما الدعاة والمجاهدين منهم، وذلك في خضم هذه الحوادث الكبيرة والنوازل المتسارعة والمتلاحقة التي يشهدها
واقعنا اليوم، والتي هلك فيها من هلك، سواء بيده أو لسانه أو قلمه، إما بغلو وإفراط، وإما بتقصير وتفريط, وإما بعجلة وطيش؛ صادرة كلها إما عن شهوة وهوى، أو شبهة وتأويل، أو مزيج منهما.
وسوف لن أتعرض في هذه الوصايا لحدث أو نازلة بعينها، ولن أتطرق إلى موقف معين من فرد أو طائفة؛ وإنما أسوق هنا بعض ما ظهر لي من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
وبعض ما استقرأته من مواقف السلف الصالح مع النوازل والحوادث، في صورة وصايا أحسبها نافعة بإذن الله عز وجل في أي حدث ينزل بالأمة، ليصل بها المسلم إلى الموقف الحق والرأي السديد، ويَسْلَم من التخبط والشطط والعدوان.
الوصية الأولى:اللجوء إلى الله عز وجل ودعاؤه والتضرع بين يديه وسؤاله الهداية للحق؛ لأنه سبحانه هو وحده الهادي والموفق للحق والثبات عليه، قال الله عز وجل:*{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}*[إبراهيم: 27]، وقال عز وجل عن نبيه نوح عليه السلام مع ابنه:*{قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إلَّا مَن رَّحِمَ}*[هود: 43]،
وقال عن دعاء خليله إبراهيم عليه السلام:*{قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}*[الأنعام: ٧٧]،
وقال سبحانه عن دعاء نبيه موسى عليه السلام:{إنْ هِيَ إلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إنَّا هُدْنَا إلَيْكَ}[الأعراف: 155، 156]. فهذا باب عظيم من أبواب العصمة من الفتن والانحراف ينبغي على من أراد لنفسه الهداية إلى الحق
أن يسأل ذلك ممن يملكها وحده، وهو الله سبحانه.
ولو تأملنا أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الهداية، لرأينا كثيراً منها في الثبات على الدين والهداية إلى الحق. وأكتفي بالدعاء العظيم الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه في كل ليلة في استفتاح صلاة التهجد، ألا وهو قوله: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل. فاطر السموات والأرض. عالم الغيب والشهادة.
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»[1].
وإذا علم الله عز وجل صدق عبده وتوكله عليه، وفقه للأسباب التي يهديه بها إلى الحق والسداد، أما إذا نسي العبد هذا الأمر وقلّ دعاؤه وسؤاله لربه عز وجل وأُعجب بنفسه وبرأيه؛ فإن الله عز وجل يكله إلى نفسه ويتخلى عنه،
ومن تخلى الله عز وجل عنه فلا تسأل عن خيبته وضلاله وخسرانه.
الوصية الثانية:*الحذر من الهوى ودخول حظ النفس في تفسير الأحداث والمواقف منها؛ لأن الهوى وحظ النفس يقودان صاحبهما إلى التعصب والتحزب لهذه الطائفة أو تلك، أو لهذا الموقف أو ذاك، وهذا من ضعف التجرد لله عز وجل في طلب الحق.
ومن هذه صفته فإنه يحرم في الغالب التوفيق والهداية والسداد.
وقد يدخل العبد في أمر حمية لله عز وجل وهو متجرد لا هوى له فيه فلا يلبث أن يدخل حظ النفس والحمية لها فيفسد
عليه قصده فيحرم السداد. وهذا يقتضي اليقظة الشديدة للنفس ونوازعها وحظوظها.
وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (وكذلك الحمية لله والحمية للنفس، فالأولى يثيرها تعظيم الأمر والآمر، والثانية يثيرها تعظيم النفس والغضب لفوات حظوظها)[2].
وإن مما يتنافى مع التجرد لله في طلب الحق وتحديد المواقف، التعصب لشخص أو طائفة وتقليدهم وحصر الحق فيهم وتخطئة أو تضليل من سواهم، وكأن هذا المقلد يدّعي العصمة لمن قلده، وهذا يتنافى مع منهج أهل السنة والجماعة، الذين شعارهم قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: «وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا»[3].
لذا يرفعون شعار (اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال)، وشعار (اقبل الحق ممن أتى به ولو كان بغيضاً)، ويرفضون وينبذون شعار (من لم يكن معي فهو ضدي).
لذا يجب الحذر من هذه الصفة ومجاهدة النفس في قبول الحق بدليله، ولو خالف هواها، ولو خالف قول من تحب.
فهذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع محبته العظيمة لصديق الأمة الأكبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لما لم يظهر له الحق في قتال المرتدين في بداية الأمر لم يقلد أبا بكر رضي الله عنه،
بل ناظره وناقشه حتى أزال أبو بكر رضي الله عنه الشبهة عنه وانشرح صدر عمر رضي الله عنه للحق فانقاد له.
هذا مع أبي بكر الصديق التقي النقي المسدد، فكيف بمن دونه ودونه؟ فالحذر الحذر من اتخاذ موقف من المواقف لأن فلاناً من الناس أو طائفة من الطوائف قالت به، حتى يتبيّن الدليل الشرعي في صحته من خطئه، ومن ثم قبوله أو رفضه، وما أحسن وصية عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما
في قوله: (ولا يمنعك من قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه
الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل)[4].
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن المعلمي – رحمه الله تعالى – في كتابه النفيس: التنكيل؛ مجموعة من الأسباب التي توقع في الهوى والتعصب للباطل، أسوقها هنا على وجه الاختصار والتصرف اليسير لنحذرها ونتوقاها،
فمن ذلك:•*أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل، فالإنسان ينشأ على دين أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه أو معلمه على أنه الحق، ويكون عليه مدة من الزمن، ثم إذا تبيّن له أنه باطل شق عليه
أن يعترف بذلك، لا سيما إذا كان آباؤه وأجداده أو شيوخه وزملاؤه على ذلك، فيشق عليه أن يخطئهم، ويرى أن في ذلك استنقاصهم، وأن نقصهم مستلزم لنقصه.
•*أن يكون قد صار له في الباطل جاه وشهرة ومعيشة، فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل، فتذهب تلك الفوائد.•*الكبر – أعاذنا الله منه –، حيث يكون الإنسان على جهالة أو باطل فيجيء آخر فيبيّن له الحجة، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص وأن ذلك الرجل هو الذي هداه. ولهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الاعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبيّن له ببحثه ونظره، ويشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بيّن له.
•*الحسد – أعاذنا الله منه -، وذلك إذا كان غيره هو الذي بيّن له الحق، فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل والعلم والإصابة، فيعظم في عيون الناس، فيحسده على ذلك[5].
والمقصود الحذر من هذه الآفات، وإن وجودها يدل على الهوى وعدم التجرد والإخلاص لله تعالى.وأختم هذه الوصية بوصية عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، حيث يقول: (لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه ويخالفه إذا خالف هواه، فإذاً أنت لا تثاب على ما وافقته من الحق وتعاقب على ما تركته منه، لأنك إنما اتبعت هواك في الموضعين)[6].
الوصية الثالثة:حُسن الظن بالله عز وجل وأنه سبحانه حكيم لطيف عدل في قضائه وقدره، وأن رحمته في قضائه للمسلم قد سبقت غضبه. ومن ذلك ما قدره سبحانه على الأمة من نوازل وحوادث، حيث إنها مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وله الحكمة البالغة في ذلك.وتأتي أهمية هذه الوصية في
أثرها على اطمئنان القلوب ورد الوساوس الشيطانية التي تبث اليأس والإحباط والشبهات في النفوس، واليقين بأن العاقبة للمتقين.*الوصية الرابعة:ضرورة العلم بالشرع والبصيرة في الدين
والوعي بالواقع وأثر ذلك في معرفة الحق والسداد في المواقف، فبالعلم تزول الشبهات التي تغطي على الحق، وغالب من لم يوفق للحق الجهلة من الناس، سواء كان هذا الجهل في الدين وأصوله وأحكامه، أو في الواقع وفهمه والوعي بسبيل المجرمين.
وإن من أهم ما ينبغي العناية به العلم بالقواعد الشرعية وأدلتها ودورها في فقه الموازنات والتعارضات التي تظهر عادة في الحوادث والنوازل، وإن إغفال هذا الجانب المهم من العلم الشرعي هو الذي يوقع في التخبطات والاختلافات. والمقصود هنا بفقه الموازنات فقه قواعد الترجيح بين المصالح المتعارضة أو المفاسد المتعارضة، أو بين المفاسد والمصالح،
وذلك حين يتعذر الجمع بين مصلحتين متعارضتين أو مفسدتين متعارضتين، أو بين مصلحة ومفسدة متعارضتين، وهذا العلم موجود في كتب الأصول، فلا بد من العناية بفقه الموازنات وإعماله وإنزاله في فهم النوازل والمواقف منها. وهذا الفقه لا يتم ويصير نافعاً إلا بمعرفة الواقع والوعي به وبأحوال الوقائع والنوازل وتفاصيلها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وإن إغفال هذا النوع من الفقه وتجاهله يؤدي إلى تخبط في المواقف وانحراف ومفاسد كثيرة. وفي هديه صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة من هذا، من ذلك: تركه قتل بعض من أظهر نفاقه كراهة أن يقال إنه يقتل أصحابه، وتركه إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام لأن قريشاً كانوا في أول إسلامهم؛ فخشي من الفتنة، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في الغزو وفي البلاد الحربية؟!الوصية الخامسة: التثبت التثبتإن مما يسهم اليوم في مجانبة الحق والصواب
في المواقف: المسارعة في نقل وتداول الأخبار ونقل الأحداث دون توثيق وتثبت منها، والتعامل معها كأنها صدق وحق لا ريب فيه، ومن ثم تتخذ المواقف والأحكام المتسرعة على أساسها، ما ينجم عنه الأحكام والمواقف الجائرة التي قد يندم صاحبها عليها،
لكن حين لا ينفع الندم؛ لأنها قد طارت كل مطير. ويشتد خطر هذه المواقف وإثمها إذا كانت قد صدرت من متبوع في علم أو دعوة أو جهاد.وتتأكد أهمية التثبت والتوثق بصورة أكبر في زماننا اليوم، الذي كثرت فيه وسائل النقل والتواصلات الاجتماعية السريعة، وتسارع الناس في نشر أي خبر والحكم عليه دون أدنى تثبت منه؛ حرصاً من الناشر على السبق والشهرة في نقل الأخبار، أو حرصاً على إلحاق الأذى والتهم بخصمه،
وفي هذا مخالفة لقوله تعالى:*{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـئُـولًا}*[الإسراء: 36]، وقوله تعالى:*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}*[الحجرات: ٦]، وقوله تعالى:*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِـمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا}*[النساء: 94].
تعليق