السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى{ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٢٨﴾ }[الأنعام]
المشكلة الكبرى التي تواجهنا عادة في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى عندما نمشي على سطر ونترك سطر أو لما نركز بعض الوقت ويأتي الفتور أو لما نأخذ الطريق ثم تأتي الانتكاسات وينقلب الواحد منا على عقبيه بعد إذ هداه الله...
المشكلة في مسألة الصدق والإخلاص...
هي مسألة الصدق والكذب....
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾} [العنكبوت]
أخبر الله تبارك وتعالى أنه يوم القيامة لا ينفع العبد ولا ينجيه من عذاب الله جل وعلا إلا الصدق
{قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِ*ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّ*ضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَ*ضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١٩﴾}[المائدة ]
شخصية الدرس :مسعر بن كدام
* الإمام مسعر بن كدام بن زهير بن عبيدة كنيته أبو سلمة كوفي حافظ من حفاظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي سنة 155 وقيل سنة 151 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* قال العلماء في شأنه:
- قال الحسن بن عمارة : إن لم يدخل إلا مثل مسعر إن أهل الجنة لقليل
- وقال أنس بن عمر :رأيت مسعرًا كأن جبهته ركبة عنز من أثر السجود
- قال يعلى بن عبيد : كان مسعر جامعًا للعلم والورع..
- قال سفيان: كان مسعر من معادن الصدق
- قال ابن عيينة: ما رأيت أفضل من مسعر
وهذه هي المفاتيح كي تعرف مفاتيح معدن الصدق :
*أولا: كان مسعر أسود الرأس واللحية وكان أحول..
هنا لفتة لأجل أصحاب الحالات الخاصة ومن ابتُلوا بشئ من ذلك فما منا من أحد إلا وفيه عيب سواء عيب خُلقي أو عنده نقص سواء هنا أو هناك
فبالتالي إياك أن تعيش عقدتك..
* ثانيًا : خوفه من الله..
في الحلية قالوا لما حضرت مسعرا الوفاة دخل عليه سفيان الثوري , فوجده جزعا , فقال له : لم تجزع ؟ فوالله لوددت أني مت الساعة , فقال مسعر : أقعدوني , فأعاد عليه سفيان الكلام ,فقال : إنك إذا لواثق بعملك يا سفيان , لكني والله لكأني على شاهق جبل , لا أدري أين أهبط
فبكى سفيان ، فقال : أنت أخوف لله عز وجل مني
* ثالثًا : عبادته
- قال محمد بن مسعر:كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن. فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع عليه هجعةً خففةً؛ ثم يثب كالرجل الذي ضل منه شيء فهو يطلبه وإنما هو السواك والطهور، ثم إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك
- قال شعبة بن الحجاج :كنا نسمي مسعر المُصحف (يعني من إتقانه)
- قال ابن السماك :رأيت مسعر في النوم فقلت أي العمل وجدت أنفع؟ قال ذكر الله
* رابعًأ : بره بأمه
- استسقت أم مسعر ماء منه في بعض الليل فذهب فجاء بقربة ماءٍ؛ فوجدها قد غلبها النوم فثبت بالشربة على يديه حتى أصبح
- كان مسعر يقول : لولا أمي لما فارقت المسجد إلا لما لابد منه (قلب معلق بالمساجد) وكان إن دخل بكى وإن خرج بكى وإن صلى بكى وإن جلس بكى
فكان بكّاء من خشية الله
* خامسًا : كان طويل الصمت
وهذه هي أيات العُباد العابد الرباني الصالح سمته هكذا رزان وهدوء وطول صمت{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِ*ضُونَ ﴿٣﴾ }
[المؤمنون]
- كان أبو خالد الأحمر يقول: "لم يكن في أترابه (زملاؤه وأقرانه ومن مثله في السن) مثله في طول الصمت
* سادسًا : أخلاقه وأدبه
فكان يقول : العلم شرف الأحساب يرفع الخسيس في نسبه ومن قعد به حسبه نهض به أدبه
* سابعًا : زهده
- فكان يقول : من صبر على الخل والبقل لم يُستعبد
- وقال مرة لرجل عليه ثياب جيدة قال أنت من أصحاب الحديث؟ قال نعم
قال ليس هذا من آلة طلب الحديث
وهذا الكلام يُحمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يحب أن يكون ملبسه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال..المهم ألا تكون عبد الخميصة عبد المنظر والشكل
* ثامنًا : اجتهاده
- كان سفيان بن عيينة يقول :ما رأيت في يوم مسعرا إلا وهو أفضل من اليوم الذي كان قبله
إما أن تكون في زيادة فأنت في رحمة الله وإما أن تكون في نقصان فأنت في لعنة وإما يومك كأمسك فأنت مغبون خاسر لأن الإيمان يزيد وينقص فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص..
قال الله تعالى {وَلَقَدْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴿٢٤﴾} [الحجر ]
* تاسعًا: فهمه وفقه
وأنا عجبتني هذه الكلمة
- قال رجل له: تحب أن يُهدى إليك عيوبك؟ فقال : نعم من ناصح أما من موبخ فلا
هذا الكلام يحل لك مشاكل فلما يأتي إليك أحد يوبخك فيعمل لك إحباط واكتئاب ويأس من نفسك لما يقول لك أنت مهمل وغافل وفيك كذا وكذا فتيأس من نفسك
من موبخ لا أما الناصح برفق وأدب وموعظة فيكون أحب الناس إليك الذي أهدى إليك عيوبك
* عاشرًا : صدقه
- في ترجمته في تاريخ الإسلام حدثوا عنه أنه قال : دعاني أبو جعفر المنصور ليوليني فقلت إن أهلي يقولون لي لا نرضى اشتراءك لنا بشئ بدرهمين وأنت توليني أصلحك الله إن لنا قرابة وحقًا فأعفني
- رجل أتاه فأثنى عليه فقال : تثني عليّ أنا؟ وأنا أبني بالأَجُر وأقبض جوائز السلطان
- كان يقول :من همته نفسه تبين ذلك عليه
- وكان إذا سُئل الحديث كان يقول : لأن يُنزع ضرسي أحب إليّ من أُسأل عن حديث
ما هو الصدق وما هي أنواعه ؟!!!
الصدق الذي هو مطابقة الخبر للواقع وهو ثلاثة أنواع كما قال ابن القيم
أولًا الصدق في الأقوال:
هو استقامة اللسان أن تقول ما بداخلك أو ما تعرفه ولا تتلون ولا تداهن.. الصدق في كلمة واحدة "لا تمثل"
قال تعالى { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّـهِ رَ*بِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣﴾ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾ } [ الأنعام ]
كذّاب لأنه عاش الكذب لأنه كذب الكذبة وصدقها
ثانيًا الصدق في الأعمال:
قال بعضهم :لو عرضت قولي على عملي خشيت أن أكون مكذبًا"
قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٣﴾} [ الصف ]
والصدق في الأحوال:
كذب الأحوال عندما يكون قلبه في مكان وكلامه وأعماله في مكان آخر!!!!
كيف نتعلم الصدق؟!!!
إن النفس البشرية على قول المتخصصين في العلاقات الإنسانية يقولون أن النفس لا تتحرك إلا أن تُستفز وهذه المستفزات تسمى المحفزات وهي تولد الرغبات والرغبات تحتاج إلى فكر ثم عمل فاستمرار..
فدائمًا هكذا معرفة فضل الشئ تثير الإنسان للفعل
فما هو فضل الصدق؟!!
1. أن نكون مع أهل الصدق الذين أثنى الله عليهم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴿١١٩﴾} [التوبة ]
2. الصدق سبيل الطاعة
قال صلى الله عليه وسلم " عليكم بالصِّدقِ . فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ . وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ . وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا " [صحيح مسلم (2607 ) ]
أنا لا أدري عن النبي صلى الله عليه وسلم يُبلغ فيه إنسان منزلة الصدق قيل اللهم إلا هذا الحديث وحديث
" جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّك رسولُ اللَّهِ وصلَّيتُ الصَّلواتِ الخمسِ وأدَّيتُ الزَّكاةَ وصُمتُ رمضانَ وقمتُه فمِمَّن أنا قال مِن الصِّدِّيقين والشُّهداءِ "
[الألباني ، صحيح الترغيب والترهيب ، 1/184 ]
3. الصدق من أعظم أسباب الفلاح والنجاح
قال تعالى { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّـهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ } [محمد:21]
ابن عباس كان يقول :أربع من كنّ فيه ربح الصدق، الحياء، حسن الخلق، الشكر
4. الصدق سبيل البركة
قال صلى الله عليه وسلم "البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا ، فإنْ صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما ، وإن كَذبا وكَتما مُحِقت بركةُ بيعِهما " [صحيح البخاري (2110 )]
5. الصدق ينجيك من النفاق
لأن الله لما قسم الناس قسمهم في سورة الأحزاب قسمهم إلى قسمين
{ لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٢٤﴾ } [الأحزاب]
إذن عكس المنافق هو الصادق إذن الصدق يداوي من النفاق
6. تُبلغ التقوى
قال تعالى { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿٣٣﴾ } [الزمر ]
7. أن تكون رجل؟ فالرجولة الحق أن الرجل يصدق مع الله
قال تعالى { مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِ*جَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ* ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾} [الأحزاب ]
8. الصدق طمأنينة
قال صلى الله عليه وسلم : "دَع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك ، فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ ، والكذِبَ رِيبةٌ " [الألباني،صحيح الترغيب والترهيب، (2930)]
9. قال صلى الله عليه وسلم
" مَن سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ من قلبِهِ صادقًا بلَّغَهُ اللَّهُ مَنازلَ الشُّهداءِ، وإن ماتَ على فراشِهِ "
[ الألباني، صحيح الترمزي (1653) ]
ذُكر الصدق فى القرآن فى خمس أشياء وهم:
1،2 . قال تعالى { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } [الإسراء:80]
فاذا ابتديت أو انتهيت ، اذا خرجت أو دخلت فعليك بتحرير الصدق قبل وآخر العمل
3. قال تعالى {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء:84]
لسان الصدق : الثناء الحسن
ماهو الثناء؟ الذي هو من باب الصيت والرفعة لا
أنا أريد الثناء الآخر الذي هو مرت عليه جنازة فقال الناس فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت
ارجعوا لكُتيب صغير للدكتور محمد موسى الشريف اسمه (أثر المرء في دنياه)
4. { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } [يونس:2]
فُسِّر قدم الصدق بمحمد صلى اللهُ عليه وسلم و بالجنة، وفسر بالعمل الصالح أوأن يكون لك بصمة
5.{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* ﴿٥٤﴾ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ* ﴿٥٥﴾} [ القمر]
فإذا كان لك مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق وقدم صدق بُلغت مقعد صدق الذي هو الجنة
كيف تعرف أنك صادق أم كاذب ؟!!
1. كراهية الشهرة
2. هدوء النفس وراحة البال
3. عدم الإلتفات إلى مدح الناس ولا إلى زمهم
4. كن في الخلوة كالجلوة، كن في السر كالعلانية
5. لا تُظهر خلاف ما تبطن إياك والمداهنة
6. أقِر بين يدي الله بعيوبك نفسك فهذا أنفع الصدق كما قال أحمد بن عاصم الأنطاكي
7.اشتغل بما يعنيك، واترك ما لا يعنيك فإن سهل بن عبد الله التستري قال: من تكلم فيما لايعنيه، حُرِم الصدق
الواجب العملي :
1. أكثر من سيد الإستغفار لتعتاد ذل النفس، وتعظيم نعمة الرب
2.لا تخادع وتمكر بل فتش عن عيوبك، واعترف بها حتى تصدق
3.إياك والمعاريض تستخدمها فقط عند الضرورة والضرورة تُقدَّر بقدرها. ليس باستمرار ، لا تُكثر من المعاريض فتعتاد الكذب.
4. لاتركن إلى المعاذير فتقع في الكذب
قال تعالى {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿٤٩﴾} [التوبة]
للاستماع
http://hanyhilmy.com/main/play.php?catsmktba=2619
قال تعالى{ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٢٨﴾ }[الأنعام]
المشكلة الكبرى التي تواجهنا عادة في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى عندما نمشي على سطر ونترك سطر أو لما نركز بعض الوقت ويأتي الفتور أو لما نأخذ الطريق ثم تأتي الانتكاسات وينقلب الواحد منا على عقبيه بعد إذ هداه الله...
المشكلة في مسألة الصدق والإخلاص...
هي مسألة الصدق والكذب....
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾} [العنكبوت]
أخبر الله تبارك وتعالى أنه يوم القيامة لا ينفع العبد ولا ينجيه من عذاب الله جل وعلا إلا الصدق
{قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِ*ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّ*ضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَ*ضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١٩﴾}[المائدة ]
شخصية الدرس :مسعر بن كدام
* الإمام مسعر بن كدام بن زهير بن عبيدة كنيته أبو سلمة كوفي حافظ من حفاظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي سنة 155 وقيل سنة 151 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* قال العلماء في شأنه:
- قال الحسن بن عمارة : إن لم يدخل إلا مثل مسعر إن أهل الجنة لقليل
- وقال أنس بن عمر :رأيت مسعرًا كأن جبهته ركبة عنز من أثر السجود
- قال يعلى بن عبيد : كان مسعر جامعًا للعلم والورع..
- قال سفيان: كان مسعر من معادن الصدق
- قال ابن عيينة: ما رأيت أفضل من مسعر
وهذه هي المفاتيح كي تعرف مفاتيح معدن الصدق :
*أولا: كان مسعر أسود الرأس واللحية وكان أحول..
هنا لفتة لأجل أصحاب الحالات الخاصة ومن ابتُلوا بشئ من ذلك فما منا من أحد إلا وفيه عيب سواء عيب خُلقي أو عنده نقص سواء هنا أو هناك
فبالتالي إياك أن تعيش عقدتك..
* ثانيًا : خوفه من الله..
في الحلية قالوا لما حضرت مسعرا الوفاة دخل عليه سفيان الثوري , فوجده جزعا , فقال له : لم تجزع ؟ فوالله لوددت أني مت الساعة , فقال مسعر : أقعدوني , فأعاد عليه سفيان الكلام ,فقال : إنك إذا لواثق بعملك يا سفيان , لكني والله لكأني على شاهق جبل , لا أدري أين أهبط
فبكى سفيان ، فقال : أنت أخوف لله عز وجل مني
* ثالثًا : عبادته
- قال محمد بن مسعر:كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن. فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع عليه هجعةً خففةً؛ ثم يثب كالرجل الذي ضل منه شيء فهو يطلبه وإنما هو السواك والطهور، ثم إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك
- قال شعبة بن الحجاج :كنا نسمي مسعر المُصحف (يعني من إتقانه)
- قال ابن السماك :رأيت مسعر في النوم فقلت أي العمل وجدت أنفع؟ قال ذكر الله
* رابعًأ : بره بأمه
- استسقت أم مسعر ماء منه في بعض الليل فذهب فجاء بقربة ماءٍ؛ فوجدها قد غلبها النوم فثبت بالشربة على يديه حتى أصبح
- كان مسعر يقول : لولا أمي لما فارقت المسجد إلا لما لابد منه (قلب معلق بالمساجد) وكان إن دخل بكى وإن خرج بكى وإن صلى بكى وإن جلس بكى
فكان بكّاء من خشية الله
* خامسًا : كان طويل الصمت
وهذه هي أيات العُباد العابد الرباني الصالح سمته هكذا رزان وهدوء وطول صمت{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِ*ضُونَ ﴿٣﴾ }
[المؤمنون]
- كان أبو خالد الأحمر يقول: "لم يكن في أترابه (زملاؤه وأقرانه ومن مثله في السن) مثله في طول الصمت
* سادسًا : أخلاقه وأدبه
فكان يقول : العلم شرف الأحساب يرفع الخسيس في نسبه ومن قعد به حسبه نهض به أدبه
* سابعًا : زهده
- فكان يقول : من صبر على الخل والبقل لم يُستعبد
- وقال مرة لرجل عليه ثياب جيدة قال أنت من أصحاب الحديث؟ قال نعم
قال ليس هذا من آلة طلب الحديث
وهذا الكلام يُحمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يحب أن يكون ملبسه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال..المهم ألا تكون عبد الخميصة عبد المنظر والشكل
* ثامنًا : اجتهاده
- كان سفيان بن عيينة يقول :ما رأيت في يوم مسعرا إلا وهو أفضل من اليوم الذي كان قبله
إما أن تكون في زيادة فأنت في رحمة الله وإما أن تكون في نقصان فأنت في لعنة وإما يومك كأمسك فأنت مغبون خاسر لأن الإيمان يزيد وينقص فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص..
قال الله تعالى {وَلَقَدْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴿٢٤﴾} [الحجر ]
* تاسعًا: فهمه وفقه
وأنا عجبتني هذه الكلمة
- قال رجل له: تحب أن يُهدى إليك عيوبك؟ فقال : نعم من ناصح أما من موبخ فلا
هذا الكلام يحل لك مشاكل فلما يأتي إليك أحد يوبخك فيعمل لك إحباط واكتئاب ويأس من نفسك لما يقول لك أنت مهمل وغافل وفيك كذا وكذا فتيأس من نفسك
من موبخ لا أما الناصح برفق وأدب وموعظة فيكون أحب الناس إليك الذي أهدى إليك عيوبك
* عاشرًا : صدقه
- في ترجمته في تاريخ الإسلام حدثوا عنه أنه قال : دعاني أبو جعفر المنصور ليوليني فقلت إن أهلي يقولون لي لا نرضى اشتراءك لنا بشئ بدرهمين وأنت توليني أصلحك الله إن لنا قرابة وحقًا فأعفني
- رجل أتاه فأثنى عليه فقال : تثني عليّ أنا؟ وأنا أبني بالأَجُر وأقبض جوائز السلطان
- كان يقول :من همته نفسه تبين ذلك عليه
- وكان إذا سُئل الحديث كان يقول : لأن يُنزع ضرسي أحب إليّ من أُسأل عن حديث
ما هو الصدق وما هي أنواعه ؟!!!
الصدق الذي هو مطابقة الخبر للواقع وهو ثلاثة أنواع كما قال ابن القيم
أولًا الصدق في الأقوال:
هو استقامة اللسان أن تقول ما بداخلك أو ما تعرفه ولا تتلون ولا تداهن.. الصدق في كلمة واحدة "لا تمثل"
قال تعالى { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّـهِ رَ*بِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣﴾ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾ } [ الأنعام ]
كذّاب لأنه عاش الكذب لأنه كذب الكذبة وصدقها
ثانيًا الصدق في الأعمال:
قال بعضهم :لو عرضت قولي على عملي خشيت أن أكون مكذبًا"
قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٣﴾} [ الصف ]
والصدق في الأحوال:
كذب الأحوال عندما يكون قلبه في مكان وكلامه وأعماله في مكان آخر!!!!
كيف نتعلم الصدق؟!!!
إن النفس البشرية على قول المتخصصين في العلاقات الإنسانية يقولون أن النفس لا تتحرك إلا أن تُستفز وهذه المستفزات تسمى المحفزات وهي تولد الرغبات والرغبات تحتاج إلى فكر ثم عمل فاستمرار..
فدائمًا هكذا معرفة فضل الشئ تثير الإنسان للفعل
فما هو فضل الصدق؟!!
1. أن نكون مع أهل الصدق الذين أثنى الله عليهم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴿١١٩﴾} [التوبة ]
2. الصدق سبيل الطاعة
قال صلى الله عليه وسلم " عليكم بالصِّدقِ . فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ . وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ . وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا " [صحيح مسلم (2607 ) ]
أنا لا أدري عن النبي صلى الله عليه وسلم يُبلغ فيه إنسان منزلة الصدق قيل اللهم إلا هذا الحديث وحديث
" جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّك رسولُ اللَّهِ وصلَّيتُ الصَّلواتِ الخمسِ وأدَّيتُ الزَّكاةَ وصُمتُ رمضانَ وقمتُه فمِمَّن أنا قال مِن الصِّدِّيقين والشُّهداءِ "
[الألباني ، صحيح الترغيب والترهيب ، 1/184 ]
3. الصدق من أعظم أسباب الفلاح والنجاح
قال تعالى { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّـهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ } [محمد:21]
ابن عباس كان يقول :أربع من كنّ فيه ربح الصدق، الحياء، حسن الخلق، الشكر
4. الصدق سبيل البركة
قال صلى الله عليه وسلم "البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا ، فإنْ صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما ، وإن كَذبا وكَتما مُحِقت بركةُ بيعِهما " [صحيح البخاري (2110 )]
5. الصدق ينجيك من النفاق
لأن الله لما قسم الناس قسمهم في سورة الأحزاب قسمهم إلى قسمين
{ لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٢٤﴾ } [الأحزاب]
إذن عكس المنافق هو الصادق إذن الصدق يداوي من النفاق
6. تُبلغ التقوى
قال تعالى { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿٣٣﴾ } [الزمر ]
7. أن تكون رجل؟ فالرجولة الحق أن الرجل يصدق مع الله
قال تعالى { مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِ*جَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ* ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾} [الأحزاب ]
8. الصدق طمأنينة
قال صلى الله عليه وسلم : "دَع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك ، فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ ، والكذِبَ رِيبةٌ " [الألباني،صحيح الترغيب والترهيب، (2930)]
9. قال صلى الله عليه وسلم
" مَن سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ من قلبِهِ صادقًا بلَّغَهُ اللَّهُ مَنازلَ الشُّهداءِ، وإن ماتَ على فراشِهِ "
[ الألباني، صحيح الترمزي (1653) ]
ذُكر الصدق فى القرآن فى خمس أشياء وهم:
1،2 . قال تعالى { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } [الإسراء:80]
فاذا ابتديت أو انتهيت ، اذا خرجت أو دخلت فعليك بتحرير الصدق قبل وآخر العمل
3. قال تعالى {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء:84]
لسان الصدق : الثناء الحسن
ماهو الثناء؟ الذي هو من باب الصيت والرفعة لا
أنا أريد الثناء الآخر الذي هو مرت عليه جنازة فقال الناس فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت
ارجعوا لكُتيب صغير للدكتور محمد موسى الشريف اسمه (أثر المرء في دنياه)
4. { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } [يونس:2]
فُسِّر قدم الصدق بمحمد صلى اللهُ عليه وسلم و بالجنة، وفسر بالعمل الصالح أوأن يكون لك بصمة
5.{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* ﴿٥٤﴾ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ* ﴿٥٥﴾} [ القمر]
فإذا كان لك مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق وقدم صدق بُلغت مقعد صدق الذي هو الجنة
كيف تعرف أنك صادق أم كاذب ؟!!
1. كراهية الشهرة
2. هدوء النفس وراحة البال
3. عدم الإلتفات إلى مدح الناس ولا إلى زمهم
4. كن في الخلوة كالجلوة، كن في السر كالعلانية
5. لا تُظهر خلاف ما تبطن إياك والمداهنة
6. أقِر بين يدي الله بعيوبك نفسك فهذا أنفع الصدق كما قال أحمد بن عاصم الأنطاكي
7.اشتغل بما يعنيك، واترك ما لا يعنيك فإن سهل بن عبد الله التستري قال: من تكلم فيما لايعنيه، حُرِم الصدق
الواجب العملي :
1. أكثر من سيد الإستغفار لتعتاد ذل النفس، وتعظيم نعمة الرب
2.لا تخادع وتمكر بل فتش عن عيوبك، واعترف بها حتى تصدق
3.إياك والمعاريض تستخدمها فقط عند الضرورة والضرورة تُقدَّر بقدرها. ليس باستمرار ، لا تُكثر من المعاريض فتعتاد الكذب.
4. لاتركن إلى المعاذير فتقع في الكذب
قال تعالى {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿٤٩﴾} [التوبة]
للاستماع
http://hanyhilmy.com/main/play.php?catsmktba=2619
تعليق