الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعد..
فكل عام وأنتم جميعا على دوام حسن الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله تعالى بخصال الخير
في أيامنا القادمة المباركة الطيبة العامرة بالنفحات والخيرات، أحيانا الله وإياكم وبلغنا بفضله شهر رمضان،
في أيامنا القادمة، وفي الليالي العامرة بالرحمات من رب البريات؛ هيا معا نتذكر الفضائل والخيرات، وفضل ليلة النصف من شعبان
فقد صحَّت ثلاثة أحاديث شريفة في ليلة النصف من شعبان:
الحديث الأول:
--------------
خرَّجه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة، قال فيه نبي الله صلى الله عليه وسلم:
« يَطَّلِعُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ».
والحديث الثاني:
--------------
فقد خَرَّجَهُ البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وقال: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم:
« يطَّلِعُ اللهُ إلى عبادِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ ؛ فيغفِرُ للمؤمنين، ويُمهِلُ الكافرين، ويدَعُ أهلَ الحقدِ بحقدِهم حتى يدَعوه ».
وأما الحديث الثالث:
--------------
فخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني في ظلال الجنة: صحيح لغيره، وهو قول نبينا صلى الله عليه وسلم:
« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لأَهْلِ الأَرْضِ؛ إِلا مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ».
وأنقل لكم أيها الأفاضل الكرام بتصرف، جزء من مقالين بهما فائدة إن شاء الله:
(1) شهر شعبان فضائل وأحكام:
___________________________
هذه اليلة عظيمة شريفة كريمة، ينزل فيها الرب العظيم جل وعلا نزولاً يليق بجلاله وكماله
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى: 11
إلى سماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض؛
إلا لمشرك أو مشاحن كما صح الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الألباني رحمه الله:
[ما ورد في فضلها من الأحاديث، وإن كانت مفرداتها ضعيفة الأسانيد، فبعضها يقوي بعضًا، ولكن ليس في الشرع ما يدل على خصوص إحيائها].
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين أحاديث نزول الرب تعالى كل ليلة، فحديث ليلة النصف مطلق، وحديث كل ليلة مقيد بالثلث الأخير من الليل.
وفسرت المشاحنة إما لعموم المسلمين، وهذا صحيح، والواجب أن يكون صدر المسلم سليمًا لإخوانه، وإن نزغ الشيطان نزغًا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليدفع عن نفسه ذلك، وليسارع إلى أخيه يضع يده في يده، وإما بالمشاحنة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم كما يفعل الرافضة، والعلمانيون الزنادقة،
خلافًا لقول المؤمنين:
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر:10
فمن كانت بينه وبين أخيه شحناء، فليبادر برفعها قبل ليلة النصف تعرضًا لنيل مغفرة الله تعالى ورحمته سبحانه وتعالى.
والحذر كذلك من مظاهر الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر، وليعش المسلم على توحيده الخالص لله رب العالمين.
وليس لليلة النصف إحياء مخصوص كصلاة الرغائب وغيرها، أو تجميع الناس لصلاة القيام في المسجد، فكل هذا من البدع، وكل بدعة ضلالة،
والمبتدع من أبعد الناس عن الله
« من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منْهُ فَهوَ ردٌّ » ، أي: مردود، ولأن الأصل في القيام الانفراد،
ولم يرد عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولا عن القرون الخيرية أنهم فعلوا ذلك، وما لم يكن يومئذٍ ديناً فليس اليوم دين.
فأنت -أخي- في هذه الليلة تبحث عن رضوان الله،
وتتعرض لمغفرته، فلا تكن ببدعتك هذه بعيدًا عن الله. ونسأل الله أن يغفر لنا جميعًا وأن يتقبلنا.
(2) ما يستفاد من أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان:
___________________________
خمسـة أمـور:
===============
1- ينزل ربنا تبارك وتعالى في هذه الليلة.
_________________________________
ومما لا ريب فيه أنّ هذا يكون في كل ليلة في الثلث الأخير،
كما مرَّ معنا قبل قليل، أما في ليلة النصف من شعبان؛
فإن النزول يكون في الليلة كلها كما أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم،
والليلة تبدأ بغروب الشمس.
2- وعليه فإنَّ المسلمَ ينبغي أن يكثر من الدعاء في هذه الليلة،
_________________________________
قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى رحمه الله متحدثاً عن هذه الليلة:
[ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا، وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا ].
فكيف ينكر على من حث الناس على أن يكثروا من الدعاء فيها، والحديث صحيح، ولمن قال بذلك سلف، وهو الإمام الشافعي يرحمه الله؟
3- أنَّ الله واسع المغفرة.
__________________
فمـا أرحـم الله بنـــا!
فإنه يحب العفو كما نعته بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وتأمل هذين الحديثين:
الأول: ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يحكي عن ربه عز وجل:
« أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي.
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي.
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ.
ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي.
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ » رواه الإمام مسلم.
أي: ما دمت تذنب وتستغفر فإني أغفر لك.
والثاني: قال نبينا صلى الله عليه وسلم:
« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ.
قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي » رواه الإمام أحمد.
قال تعالى:
{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } النساء:110
4/ لا حَـظَّ للمشرك من هذه المغفرة.
_________________________________
فإن رحمة الله التي وسعت كل شيء لم تسع الشرك وأهله، قال تعالى:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } النساء:48
وقال:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } النساء:116
5- ولا حَــظَّ للمشاحن كذلك.
_________________________________
و المشـاحـن: الذي بينه وبين أخيه شحناء، فكم حرم نفسه من الخير!!
وقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
« تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ:
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ».
وقال صلى الله عليه وسلم:
« فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ، لا أقولُ : إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ » رواه أبو داود والترمذي.
فالخصومات ثلمة (خسارة لا تُعوض) في الدين، ونقص في الإيمان.
تعليق