قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- :
" اعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد، وهو حال وصفة للقلب يكتنفها أمران: علم وعمل ، العلم يقدمه ؛ لأنه أصله وشرطه ، والعمل يتبعه ؛ لأنه ثمرته وفروعه ؛ وذلك لأن كل عمل - اعني كل حركة وسكون اختياري- فإنه لا يتم إلا بثلاثة أمور : علم ، وإرادة ، وقدرة ؛ لأنه لا يريد الإنسان ما لا يعلمه ، فلا بد أن يعلم ، ولا يعلم ما لم يرد ، فلا بد من إرادة ، ومعنى الإرادة : انبعاث القلب إلى ما يراه موافقاً للغرض ، إما في الحال أو في المال.
فقد خلق الإنسان بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه ، ويخالفه بعض الأمور ، فيحتاج إلى جلب الموافق الملائم إلى نفسه ، ودفع الضار المنافي عن نفسه فاضطر بالضرورة إلى معرفة وإدراك للشيء الضار والنافع حتى يجلب هذا ، ويهرب من هذا ، فإن من لا يبصر الغذاء ولا يعرفه لا يمكنه أن يتناوله ، ومن لا يبصر النار لا يمكنه الهرب منها ، فخلق الله الهداية والمعرفة ، وجعل لها أسباباً ، وهي الحواس الظاهرة والباطنة .
فالنية عبارة عن الصفة المتوسطة ، وهي الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض ، إما في الحال وإما في المال ، فالمحرك الأول هو الغرض والباعث ، والغرض والباعث هو : القصد المنوى ، والانبعاث هو القصد والنية ، وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هو العمل ".
إحياء علوم الدين ( 4 / 365)
نقلا من كتاب منطلقات طالب العلم ، الشيخ محمد يعقوب -حفظه الله- ، ط 2.
تعليق