الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
سيدنا وإمامنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أما بعد..
فما أجمل ولا أعظم من أن يكون المسلم خلقه القرآن
وأحرى بالداعية أن يتخلق بالقرآن؛ فذلك أدعى له ومُستبان، قٌرباً وتَقرُباً للعزيزِ الرَّحمَن، وصفاءً بدعوته لعِبَادِ المنَّان
فأنصح نفسي أولا، ثم إخواني وأبنائي الأفاضل، وأخواتي وبناتي الفضليات
بتجديد العهد مع الله والنية الخالصة، وحصر أسلوب الدعوة إلى الله تعالى على التخلق بالقرآن والاقتداء بالنبي العدنان
أنصح نفسي وإياكم يا أهل الخيرات بفهم الآيات والأحاديث والآثار، ثم العمل بها، مرتكزين على إكتساب وتعلم حسن الأخلاق
لما لها من ثمرات عظيمة؛ أولها الأجر العظيم عند الله سبحانه، ثم إثراء أسلوب الدعوة بما يجمع شتات قلوب المسلمين
لنجاهد كلنا في سبيل الله بعودة أخلاق الإسلام إلى أهله؛ الذين فقدوا الكثير والكثير من حسن الخلق
إن حسن الخلق يترتب عليه أشياء كثيرة تنهض بمجتمعات الأمة الإسلامية، ولن نصل إلى نهوضها مع كثير من الدعاة والعامة يفتقرون إلى حسن الخلق!
إلا ما رحم ربي سبحانه الذي أكرمنا بأهل خيرات أمثالكم وغيركم، فيهم آمال عريضة ستتحقق بأمر الله تعالى
فلنتدبر جميعنا آيات الذكر الحكيم وبخاصة التي تحث على حسن الخلق
نقرؤها جيدا لنتدبر ألفاظها ونفهم معانيها لما سيترتب عليه من فضل كبير يعود علينا أولا ثم على كل مدعو
ولننظر جميعنا إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
كيف كان خلقه وتعامله مع غيره، مع فضله العظيم من لدن العزيز الحكيم، كيف كان تعامله مع الصغير والكبير، ومع أعداء الإسلام والكافرين
ولنقرأ جميعنا سير الصالحين، كيف كانت أحوالهم وكيف كانت أخلاقهم
وسبحان الله العظيم القائل في كتابه الكريم:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ القلم: ٤
كيف لمسلم أن يقرأ هذه الآية -ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة- ولا يسارع في إتباع هديه صلى الله عليه وسلم؟!
وكيف يقرأ المسلم غيرها من الآيات الدالة على حسن الخلق ولا يسارع بالعمل بها إمتثالا لأوامر الله تعالى؟!
وكيف لمسلم قرأ مثل هذه الآيات والأحاديث ويبقى سييء الخلق؟!
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ الإسراء: 9
وقال سبحانه:
﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل: 90
وقال سبحانه:
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ الأعراف: 33
هذه الآيات ونظائرها كثيرة في كتاب الله تعالى، وكلها من مصادر الأخلاق،
والرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من تخلق بأخلاق القرآن الكريم وألزم نفسه بآداب القرآن، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(( كان خلقُه القرآنَ ))
الراوي: عائشة أم المؤمنين - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4811، خلاصة حكم المحدث: صحيح
قال الحافظ ابن كثير:
(ومعنى هذا أنه قد ألزم نفسه ألا يفعل إلا ما أمره به القرآن، ولا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن، فصار امتثال أمر ربه خلقاً له وسجية،
صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين)
فالدعوة إلى الله عز وجل، يقوم بها كل مسلم تحلى بالأخلاق الحسنة، ليس الدعاة فقط،
وكثير من الناس يدخلون في الدين لأنهم يرون أن أهل هذا الدين على خلق، وأن الدعاة إلى الله عندهم أخلاق، والشواهد في هذا الباب كثيرة
لا يتسع المجال لذكرها، لكن أغلبنا يعرفها في سير السلف الصالح، وفي حياتنا المعاصرة أيضا
فالاستقامة على الأخلاق لها أثر كبير، ونفعها بليغ، ولا أدَلّ على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة، حتى شهدوا له بالصدق والأمانة
ولنعلم جميعنا أن أكثر ما يُدخِل الناس الجنة؛ تقوى الله وحُسنُ الخُلق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أحَبُّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ أحسَنُهُمْ خُلُقًا ))
الراوي: أسامة بن شريك - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 179، خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ أقربَكم مني منزلًا يومَ القيامةِ أحاسنُكم أخلاقًا في الدُّنيا ))
الراوي: أبو هريرة - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1573، خلاصة حكم المحدث: حسن
أسأل الله لي ولكم أن يُحَسِّن اخلاقنا كما حَسَّن خَلْقَنا،
وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول وفي العمل
أسألكم الدعاء بارك الله فيكم جميعا
تعليق