أخوتي مستخدمي الإنترنت:
أرجو أن تقرأوا كلماتي، وتنظروا في رسالتي، في وقت خلوتكم، حيث لا أحد يشغل فكركم، ويقطع حبل استرسالكم، فأنا أحب أن نسير أنا و أنتم حتى نصل سويا إلى أمر نتفق عليه ونتعاون على تنفيذه.
أخوتي:
لن أحدثك عن الإنترنت وتاريخها وما فيها من عجائب وأسرار، ومواهب وأفكار، فربما كنتم أعلم بذلك مني ولكن جئت لأذكر نفسي أولاً ثم أذكركم بقضايا مهمة، وحقائق لا ينبغي أن تغيب عن بال أحد ممن يرجو الله والدار الآخرة ـ وأحسبكم من هذا الصنف ـ والله حسيبكم.
أخوتي:
ها أنتم دخلتم غرفتكم، وأغلقتم الباب على انفسكم، ثم بدأتم بتشغيل جهازكم، ثم دخلتم على عالم الإنترنت..
يا ترى من أي الأصناف أنتم؟
هل أنتم من هواة البحث العلمي؟
فإن كنت كذلك فهنيئا لكم فقد وقعتم على حاجتكم، وفزتم بمرادكم، فجدوا واجتهدوا وخذوا منها ما تريدون ولكن انتبهوا من داء الإدمان فيها فإنها مهلكة لكم ولمن تعولوا.
في استبانة وزعت في مقاهي الإنترنت في دولة خليجية وجد أن 68 % من مرتادي هذه المقاهي يقضون أكثر من 3 ساعات يومياً على الإنترنت!! ومنهم من يزيد على 10 ساعات!!
ويقول المهندس أنور الحربي مدير تحرير مجلة آفاق الانترنت: (قد أجرينا استبيانا على عينة تمثل 500 شخصا من الذكور والإناث واتضح لدينا أن هناك بالفعل بوادر نشوء مشكلة جديدة تسمى إدمان الإنترنت
مما يترتب عليه مشاكل عائلية، وعزلة عن المجتمع، ففي استبانة وزعتها مجلة سعودية أكد 40 % من رواد المقاهي أن الإنترنت أثرت على علاقاتهم الاجتماعية وجعلتهم أكثر انعزالاً من ذي قبل)
وقد ذكرت دكتورة أمريكية في محاضرة عن إدمان الإنترنت أنها قد وصلت إلى نتيجة بعدة أسئلة تطرح على مستخدم الشبكة، فإذا أجاب على أحدها بالإيجاب فهو مدمن إنترنت، ومن تلك الأسئلة:
- هل هدد ارتباطك بالإنترنت وظيفتك أو علاقتك الأسرية؟
- هل ترى في الإنترنت وسيلة للهرب من مشاكل حياتك اليومية؟
- هل تكذب بشأن عدد الساعات التي تمضيها مع الإنترنت؟ إلى غير ذلك من الأسئلة
وإن كنت من هواة البحث عن الصور الماجنة، والمواقع الفاسدة..
أرجو أن لا تغضب مني ـ فو الله إني أريد نصحك ونجاتك من الوقوع في حبائل الشهوات، ومستنقع الملذات، والتي نهايتها بائسة، وخاتمتها سيئة.
تذكر إن راودتك نفسك في فعل ذلك أن الله - تعالى -مطلع عليك، عالم بسرائرك، رقيب على أعمالك، لا تخفى عليه خافية من أمرك، فإن غابت عنك عيون الخلق فعين الخالق لم تغب، وإن نامت العيون فعين الله - تعالى -لم تنم
يقول الله تعالى
((إِنَّ اللّهَ لاَ يَخفَىَ عَلَيهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ وَلاَ فِي السَّمَاء))(سورة آل عمران: 5)
ويقول - سبحانه
((يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصٌّدُورُ))(سورة غافر: 19).
فهل يليق بك أن تعصي الله - سبحانه - وهو يراك؟ هل يليق بك أن تعصي الله - تعالى -وأنت تعيش في أرضه؟ وتسكن تحت سمائه؟ وتأكل من رزقه؟ أيليق بعاقل مثلك أن يتجرأ على مولاه وهو يراه؟!!
أيليق بعاقل أن يشاهد الحرام، ويتمتع بالحرام وخالقه ومولاه ينظر إليه؟!!
إذا ما خلوتَ بربية في ظلمة والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيان
فاستحِ من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
حكي عن إبراهيم بن أدهم أن رجلاً أتاه فقال: يا أبا إسحاق أنا رجل مسرف على نفسي، وقد أحببت أن تحدثني بشيء من الزهد لعل الله يلين قلبي وينوره، قال إبراهيم: إن قبلت مني ستاً خصال أوصيك بها فلا يضرك ما عملت بعدها.
فقال وما هي؟
قال: أول خصلة أوصيك بها: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل رزقه!!
قال: فإذا كان المشرق والمغرب والبر والبحر والسهل والجبل رزقه، فمن أين آكل؟ فقال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه!!
قال: لا والله، هات الثانية.
قال: يا هذا إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن في بلده!!
فقال الرجل: يا إبراهيم هذه والله أشد من الأولى، ففي أي جهة أسكن؟
قال: يا هذا أفيحسن بك أن تسكن في بلده وتأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا والله. هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تخليه يراك!!
قال: يا إبراهيم كيف يكون هذا وهو يعلم السرائر ويكشف الضمائر؟
قال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن بلده، وتعصيه وهو يراك؟
فقال: لا والله. هات الرابعة.
قال: إذا جاء ملك الموت يقبض روحك، فقل: أخرني حتى أتوب!!
فقال: ليس يقبل مني.
فقال: إذا علمت أنك لا تقدر على دفع ملك الموت فلعله يجيئك قبل أن تتوب!!
قال: صدقت، هات الخامسة.
قال: إذا جاءك منكر ونكير فخاصمهما بقولك إن استعطت!!
فقال: ليس ذلك إليّ، هات السادسة.
قال: إذا كان غداً بين يدي الله - تعالى -وأمر بك إلى النار: فقل لا أذهب إليها!!
فقال: يا إبراهيم حسبي، حسبي، حسبي.
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ساعـــةً *** ولا أن ما تُخفيهِ عنه يـغيبُ
يقول عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مكة فعرسنا ـ أي أقمنا ـ في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم؟ فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيدك: أكلها الذئب؟ قال: فأين الله؟ قال: فبكى عمر - رضي الله عنه - ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تُعتقك في الآخرة.
فما أحوجنا لمراقبة الله - تعالى -في السر والعلن.
ألم يقل الله تعالى
((قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ))
(سورة النور: 30).
فلماذا تخالف أمره؟ هل استهانة بحق الله - تعالى -؟ معاذ الله أن تفعل ذلك!!
قال حميد الطويل لسليمان بن علي: عظني، فقال: لئن كنت إذا عصيت خاليا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت)
إذن هي استهانة بالمعصية وأنها صغيرة من صغائر الذنوب؟!!
يقول بلال بن سعد السكوني - رحمه الله -: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت
نعم أنت تعصي العظيم في سلطانه وملكه، العظيم في أسمائه وصفاته، العظيم في سمعه وبصره. فكيف تتجرأ على معصية القادر على كل شيء؟ كيف تتجرأ على من إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون؟!!
قال رجل للجنيد - رحمه الله - : بم استعين على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه.
ثم تذكر ـ رحمك الله ـ العواقب الوخيمة المترتبة على النظر إلى الحرام في الدنيا والآخرة، وكما قيل:
وأعقل الناس من لم يرتكب سبباً حتى يفكر ما تجني عواقـبـه
وقد ذكر العلماء قصصا تدل على ذلك فمنها:
1- ما ذكره عبد الرحمن بن أحمد بن عيسى قال: كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه، فرآني أستاذي انظر إليه، فقال: يا بني لتجدن غبها ولو بعد حين، فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي ذلك الغب، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه فأصبحت وقد نسيت القرآن كله.
2- وقال عمرو بن مرة: نظرت إلى امرأة فأعجبتني، فكفّ بصري فأرجو أن يكون ذلك جزائي
3- ومن العواقب كذلك: أنك تعرض نفسك لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، لأنه ثبت في الحديث أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وشارب الخمر في الدنيا يحرم منه في الآخرة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيّق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام، فاته نظيره يوم القيامة
فكيف تفرط بمن قال النبي فيها: ((وَلَنَصِيفُ ـ أي خمار- امرَأَةٍ, مِن الجَنَّةِ خَيرٌ مِن الدٌّنيَا وَمِثلِهَا مَعَهَا))رواه أحمد؟! كيف تفريط بمن ترى مخ ساقها من بياضها وجمالها؟
4- وأعظم من ذلك سوء الخاتمة ـ عياذا بالله من ذلك ـ ذكر ابن القيم - رحمه الله -: أنه كان بمصر رجلٌ يلزم مسجداً للأذان والصلاة، وعليه بهاء الطاعة ونور العبادة فَرَقِيَ يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دارٌ لنصراني فاطَّلع فيها، فرأى ابنة صاحب الدار، فافتُـتِنَ بها، فترك الأذان، ونزل إليها، ودخل الدار عليها، فقالت له: ما شأنك؟! وما تريد؟! قال: أريدك! قالت: لماذا؟ قال: قد سلبت لُبّي وأخذتِ بمجامع قلبي. قالت: لا أجيبك إلى ريبة أبدا. قال: أتزوجُك قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك، قال: اتنصر. قالت: إن فعلت أفعلُ، فتنصَّر الرجل ليتزوجها، وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رَقِيَ إلى سطحٍ, كان في الدار، فسقط منه، فمات، فلم يظفر بها، وفاته دينه، فعياذا بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تِبنَةً من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذا، وإنما أبكى خوفا من سوء الخاتمة.
وهذا من أعظم الفقه:
أن يخاف الرجل أن تَخذُلَهُ ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
وقد ذكر الإمام أحمد عن أبى الدرداء: أنه لما احتُضِرَ جعل يُغمى عليه ثم يُفيق ويقرأ ((وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لَم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ, وَنَذَرُهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ))(سورة الأنعام: 110).
فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن تكون حجابا بينهم وبين الخاتمة الحسنى.
فهل تأمن على نفسك من سوء الخاتمة؟!!
ثم : إني سائلك فأرجو أن تكون صادقا مع نفسك:
أتحب أن يأتيك ملك الموت فيقطع منك حبل الوتين وأنت تنظر إلى تلك الصور الساقطة؟
أتحب لو أدخلت قبرك وأُجلست للمساءلة أكان يسّرك أنك رأيت تلك الصورة الماجنة؟
إذا أعطي الناس كتبهم ولا تدري أتأخذ كتابك بيمينك أم بشمالك؟
أكان يسرك أنك قضيت تلك الساعة في الحديث مع فتاة أجنبية عنك بكلام يستحي أن يقوله الزوج لزوجته؟ وتتعرف عليها وتواعدها أحياناً.
إذا مررت على الصراط ولا تدري هل تنجو أو لا تنجو؟
أكان يسرّك أنك قضيت تلك الليلة في متابعة الحرام؟
ولو أنا إذا مـتـنا تركنا لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا مـتـنا بـعثنا فيسأل ربنا عن كل شيء
إذن ـ ـ اتق الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك، فهل يشكر المنعم بمعصيته؟
إذا كنت في نعمةٍ, فارعها فإن المعاصي تُزيلُ النـعـم
وحطها بطاعة ربِّ العبادِ فربٌّ العبادِ سريعُ النقم
إن جلوسك أمام شاشة الحاسب، ومتابعتك للصور الماجنة، و المواقع الفاسدة خطيئة تحتاج إلى توبة، وأعظم من ذلك أن تدل زملائك وأصحابك إلى مثل هذه المواقع الفاسدة وترسلها لهم عبر البريد الإلكتروني أو غيره فهذه سيئة أخرى تبؤ بإثمها وتتحمل وزرها يوم القيامة، وتتحمل تبعات هذا الإنسان الذي ضل وانحرف عن الصراط المستقيم، وربما أضل آخرين، فتعود سيئاتهم إلى سيئاتك يقول الله- تبارك وتعالى
((لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِن أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلٌّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ, أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ))
(سورة النحل: 25).
وقال - تعالى
((وَلَيَحمِلُنَّ أَثقَالَهُم وَأَثقَالًا مَّعَ أَثقَالِهِم)).
قال مجاهد: يحملون أثقالهم ـ ذنوبهم ـ وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئا. يقول النبي : ((مَن سَنَّ فِي الإِسلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثلُ أَجرِ مَن عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنقُصُ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ وَمَن سَنَّ فِي الإِسلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعدَهُ كُتِبَ عَلَيهِ مِثلُ وِزرِ مَن عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنقُصُ مِن أَوزَارِهِم شَيءٌ))
رواه مسلم (1017).
لا تحمل نفسك ما لا تطيق؟ فنحن جميعا عاجزون عن تحمل أخطائنا فكيف بأخطاء غيرنا؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
تعليق