إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    لماذا لا يرضى الكثير عن حظِّه في الحياة ويعيش شاكياً متذمراً؟ لماذا أصبحت الشكوى عند الكثير من النَّاس سمةً غالبةً عليهم؟

    فمِنَ النَّاس مَنْ تراه في جُلِّ أحواله شاكياً متذمِّراً مما حوله، لا يعجبه شيء في الحياة، يشكو إن أصابه خير أو شر، أو كان في غنى أو فقر، لأنَّه يستطيع أنْ يجد في كلِّ ذلك ما يزعجه ويُكَدِّر خاطرَه، وينسى في كلِّ أمرٍ الجانبَ المشرق وما يَسُرُّه فيه.


    وترى الشَّوكَ في الوُرُودِ، وتَعْمَى --- أنْ تَرَى فَوقَهَا النَّدَى إكليلا


    ومثل هذا الصنف لا يحبُّ النَّاس الاستماع إلى حديثه، فالنَّاس عندهم من الهموم ما يكفيهم وليسوا بحاجة إلى أن يسمعوا ما يزيدهم.




    وقال الشيخ عمر السهروردي:

    ويمنعني الشَّكوى إلى النَّاس أنَّني --- عليلٌ ومَنْ أشكو إليه عليلُ

    ويمنعني الشـَكوى إلى الله أنَّهُ --- عليمٌ بما أشكوه قـبلَ أقولُ


    تجد مَنْ متَّعه الله بالصحة والعافية، أو من يملك الأموال الكثيرة، عابس الوجه لا يبتسم إلا إذا فعل ذلك مخطئاً، وسرعان ما يعود إلى صوابه ويتذكر همومه ويشكوها للناس.







    فما هو السبب في ذلك؟


    إنه قصور النظر، وقلة المعرفة بحكمة الله من خلقه وتدبيره لشؤونهم، وعدم الرضا عن الله، والشُّكر له.

    ويوشك مَنْ هذا حالُه أنْ تزولَ عنه النِّعَم،

    قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، ابراهيم 7


    ، قال الشيخ ابن عطاء الله: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها».

    وقال الحكماء: «الشُّكرُ قَيْدُ الموجود، وصَيْدُ المفقود». وقبل هذا وذاك رضا الواحد المعبود.
    وقال الإمام الغزالي: الشُّكرُ قَيْدُ النِّعَم به تدوم وتبقى، وبتركه تزول وتتحول،

    قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، الرعد 11


    نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل، فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.



    وإذا اعْتَرَتْكَ بليةٌ فاصـبرْ لها --- صـبرَ الكريمِ فإنَّه بـكَ أعلـمُ

    وإذا شكوتَ إلى ابن آدمَ إنَّما --- تشكو الرَّحيمَ إلى الذي لا يرحمُ





    ولو نظر هذا الشاكي إلى حاله لوجد نفسَهُ غارقاً في نِعَمٍ عظيمة، لا يستطيع شكرها لو بقي طوال حياته ساجداً شكراً لله تعالى، فلماذا ينسى هذه النِّعَم التي لا تُعَدُّ ولا تحصى ويذكر بعض المصائب التي لا تُذكر بجانب ما أكرمه الله من فضله.


    وإنَّ أعظمَ نعمة هي نعمة الإسلام، والله بفضله ورحمته جعلَكَ مِنَ المسلمين، و«كفى من جزائه إيَّاك على الطاعة أنْ رضيك لها أهلاً»، و«كفى العاملينَ جزاءً ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته، وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته»،


    فيا مَنْ يشكو هل تريد أنْ يكون عندك كلُّ ما تريد مِنَ الدُّنيا وأنت على غير دين الإسلام؟


    إنَّ الإسلام هو الذي يجعلك خالداً في جنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الجنة التي إذا غُمِسَ فيها أشدُّ النَّاس بؤساً وبلاءً في الدُّنيا ينسى كلَّ شدَّة وشقاء، ويقول لربِّه: (مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)، ومَنْ لم يمت على الإسلام فمصيره جهنَّمُ خالداً فيها-أعاذنا الله من ذلك-.


    ألا يستحي الإنسان من ربِّه أنْ يكونَ ديدنُهُ الشكوى إلى المخلوقين، وهو عاجز عن شكر ما وهبه الله له.

    وهَبْ أنَّ ملكاً أعطى رجلاً مِنَ الخير والمال الكثير، وأغدق عليه في العطاء، وكفاه ما أهمه، ومع ذلك ترى هذا الرجل متناسياً لما أعطاه الملك، متكرِّهاً مما حوله، ألا يُعَدُّ هذا مِنْ لؤم النفس وخستها، فكيف مَنْ يكون هذا حاله مع الخالق الرازق المنعم المتفضِّل.






    أيها الشاكي! تريد من الله أن يرضى عنك، وأنت لم ترضَ بقضائه وقدره؟ إنَّ الجزاء من جنس العمل، فإنْ كنتَ راضياً بالله وحُكْمه وتدبيره، فإنَّ الله راضِ عنك، وإن كنتَ ساخطاً متذمراً فالله أولى أن يسخط عليك،

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط).



    ومِنْ فضل الله وكرمه على عباده أنَّه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، ولا يضيع منهم شيئاً حتى الصبر على الشوكة يشاكها، وهذا يكفي لأنْ يشكرَ العبد ربَّه حتى على ما يراه في نظره مصيبة، فهي عند الصبر والاحتساب عليها، خرجت عن كونها مصيبة إلى نعمة ومنحة تستوجب الشكر عليها وصارت في ميزان حسناته،



    قال إمام الحرمين: وشدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها، لأنَّ تلك الشدائد نِعَمٌ بالحقيقة لأنَّها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة.

    فعلى المؤمن أنْ يشكرَ الله ويحمده في كلِّ حال،


    قال الإمام ابن القيم: ومقام الشُّكر جامع لجميع مقامات الإيمان ولذلك كان أرفعها وأعلاها، وهو فوق الرِّضا وهو يتضمن الصَّبر من غير عكس، ويتضمن التوكُّل والإنابة والحب والإخبات والخشوع والرجاء فجميع المقامات مندرجة فيه، لا يستحقُّ صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع المقامات له،
    ولهذا كان الإيمان نصفين: نصف صبر ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر، فرجع الإيمان كلُّه شكراً، والشاكرون هم أقلُّ العباد كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} .

    فالمؤمن يحمد الله على كل حال، كما قال ابن ناصر الدين الدمشقي:

    يجري القضاءُ وفيه الخيرُ نافلة --- لمـؤمنٍ واثقٍ باللهِ لا لاهي
    إنْ جـاءَه فـرحٌ أو نابه ترحٌ --- في الحالتين يقولُ: الحمدُ للهِ


    فإن أردتَ السَّعادة والسُّرور، والفرح والفلاح والحبور، والرَّوْح والنعيم الذي ليس فوقه نعيم، فعليك بالإيمان بالله حقاً، والرِّضا والتسليم لأمره وحكمه وتدبيره، الإيمان الذي وَصَفَ نعيمَهُ مَنْ يتحلى به فقال:


    «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف»،
    وقال آخر: مساكين أهل الدُّنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: «محبة الله ومعرفته وذكره»،
    وقال آخر: «إنَّه لتمرُّ بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً»، وقال آخر: «إنَّه لتمرُّ بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيِّب».
    وهو النعيم الذي يشبه نعيم أهل الجنة، قال بعض العلماء: ليس في الدُّنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة.
    قال الإمام ابن القيم: والله تعالى إنَّما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل صالحاً،
    كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
    فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدُّنيا بالحياة الطيبة، والحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين، فهم أحياء في الدارين، ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدُّنيا والآخرة وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين، فإن طيب النفس وسرور القلب، وفرحه ولذته، وابتهاجه وطمأنينته، وانشراحه ونوره، وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة، والشبهات الباطلة، هو النعيم على الحقيقة، ولا نسبة لنعيم البدن إليه.


    ولا تظنَّ أنَّ قوله تعالى:{إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الانفطار 13-14
    مختصٌّ بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دُورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دُورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدُّنيا أطيب من برِّ القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الربِّ تبارك وتعالى ومحبَّته، والعمل على موافقته؟ وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟

    فهذه هي السَّعادة الحقيقية التي كلَّما ازداد المؤمن منها ازدادَتْ سعادتُه، وكلَّما ابتعد عنها نقصتْ سعادتُه بقدر ابتعاده عنها.
    فمَنْ شعر بضيق أو همٍّ أو غَمٍّ فليتعهد إيمانه ويراجع يقينه بالله حتى يذهب عنه ما يجد.





    ومن مظاهر الحياة الطيبة التي خصَّ الله بها عباده المؤمنين في الدُّنيا:

    1- ولاية الله عز وجل، فقد قال تعالى:

    {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
    البقرة 257


    2- ومحبة الله عز وجل للمؤمنين ومحبة الخلق لهم،

    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}.
    مريم 96


    3- ومدافعة الله عن المؤمنين ونصرهم على أعدائهم،

    قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.
    غافر 51

    4- والاستخلاف في الأرض والتمكين:

    {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}.
    النور 55


    5- والأمن والطمأنينة قال تعالى في بقية الآية السابقة: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنَاً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}،
    النور 55

    وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
    الانعام 82



    6- وحصول العزة وتمام الكرامة والشرف:

    قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}،
    وفي مقابل ذلك قال:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى}.


    7- وحصول نور البصيرة التي تفرِّق بين الحقِّ والباطل،

    قال تعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}.
    الانفال 29


    قال الإمام الغزالي: (فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصَّدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية، ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة).


    فالنعيم الحقيقي ليس بالمتع الزائلة، ولا باللذات الفانية، وإنما بتوثيق الصلة بالله والمعرفة به.
    إنَّ حصول اليقين للقلب بالقضاء السابق والتقدير الماضي يُعين العبد على أنْ ترضى نفسُه بما أصابه، فمن استطاع أنْ يعمل في اليقين بالقضاء والقدر على الرِّضا بالمقدور فليفعل، فإنْ لم يستطع الرِّضا، فإنَّ في الصَّبر على المكروه خيراً كثيراً.



    فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب:


    إحداهما: أنْ يرضى بذلك، وهذه درجةٌ عاليةٌ رفيعة جداً،


    فيعلم أنَّها من عند الله، فيسلِّمُ لها ويرضى.

    وعن أنس أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
    (إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط) .

    وصاحبُ الرِّضا في راحة ولذة وسرور، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ اللَّهَ بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضا, وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ» .
    فالرَّاضي لا يتمنَّى غيرَ ما هو عليه من شدَّةٍ ورخاء، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما. وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر.


    فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ،


    قال الله تعالى:
    {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}،
    قال بعض السَّلف: الحياة الطيبة: هي الرِّضا والسَّعادة.

    وقال عبد الواحد بن زيد: الرِّضا باب الله الأعظم وجنة الدُّنيا ومستراح العابدين.

    وأهل الرِّضا تارةً يلاحظون حكمة المُبْتَلِي وخيرته لعبده في البلاء، وأنَّه غيرُ متَّهم في قضائه، وتارةً يُلاحظون ثوابَ الرِّضا بالقضاء، فيُنسيهم ألم المقتضي به، وتارةً يُلاحظون عظمةَ المبتلي وجلالَه وكمالَه، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعرون بالألم، وهذا يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ، حتى رُبَّما تلذَّذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، وسُئلَ السَّرِيُّ: هل يجد المحبُّ ألم البلاء ؟ فقالَ: لا.
    سأل رجل الفضيل بن عياض فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: «إذا كان عطاؤه ومنعه إياك عندك سواء، فقد بلغت الغاية من حُبِّه» .

    وقيل ليحيى في مرضه الذي مات فيه:
    يُعَافِيكَ اللهُ إِنْ شَاءَ اللهُ, قَالَ: أَحَبُّهُ إِلَيَّ: أَحَبُّهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
    وقال أحمد بن أبي الحوَارِيّ: قَالَ لِي أَبُو سُلَيْمَانَ: يَا أَحْمَدُ، أَيَكُونُ شَيءٌ أَعْظَمَ ثَوَاباً مِنَ الصَّبْرِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، الرِّضا عَنِ الله! قَالَ: وَيْحَكَ، قُلْتُ: إِذَا كَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُوفِي الصَّابِرِينَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُ بِالرَّاضِي عَنْهِ.

    وقال الْفُضَيْلَ بن عِيَاض: أَصلُ الزُّهْدِ: الرِّضا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    وقال بَعْضُ الْخُلَفَاءِ لِأَبِي حَازِمٍ: مَا مَالُكَ ؟ فَقَالَ: الرِّضا عَنِ اللهِ، وَالْغِنَى عَنِ النَّاس.

    وقال بعضهم: «كَمَالُ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ التَّوَاضُعُ لَهُ، وَكَمَالُ التَّوَاضُعِ الرِّضا».
    وقال أبو سليمان الدارني: «الرِّضا عن الله عز وجل والرحمة للخلق درجة المرسلين».


    والدرجة الثانية: أنْ يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر،

    قال الله عز وجل:
    {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}،
    وقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.


    قال الحسن: الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معولُ المؤمن.


    والفرق بين الرِّضا والصبر: أنَّ الصَّبر: كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم، وتمنِّي زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرِّضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم، وإنْ وجدَ الإحساسُ بالألم، لكن الرِّضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرِّضا، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية.


    وقد أمر الله تعالى بالصبر الجميل فقال: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً}، عن الحسن رضي الله عنه قال: الصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى إلا إلى الله.

    قال الإمام الرازي: فالصبر الجميل هو:

    أنْ يعرف أنَّ منـزل ذلك البلاء هو الله تعالى، ثم يعلم أنَّ الله سبحانه مالك الملك، ولا اعتراض على المالك في أنْ يتصرَّف في ملك نفسه، فيصير استغراق قلبه في هذا المقام مانعاً له من إظهار الشكاية. (وهذا الوجه الأول).
    والوجه الثاني: أنَّه يعلم أنَّ منـزل هذا البلاء، حكيم لا يجهل، وعالم لا يغفل، عليم لا ينسى، رحيم لا يطغى، وإذا كان كذلك فكان كلُّ ما صدر عنه حكمة وصواباً، فعند ذلك يسكت ولا يعترض.
    والوجه الثالث: أنَّه ينكشف له أنَّ هذا البلاء من الحق، فاستغراقه في شهود نور المُبْلي، يمنعه من الاشتغال بالشكاية عن البلاء، ولذلك قيل: المحبة التامة لا تزداد بالوفاء ولا تنقص بالجفاء، فهذا هو الصبر الجميل.
    أما إذا كان الصبر لا لأجل الرِّضا بقضاء الحق سبحانه بل كان لسائر الأغراض، فذلك الصبر لا يكون جميلاً، والضابط في جميع الأفعال والأقوال والاعتقادات أنَّ كلَّ ما كان لطلب عبودية الله تعالى كان حسناً وإلا فلا.

    وقال يحيى بن معاذ: الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر.

    وقال ذو النون المصري: الصبر التباعد من المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة.

    وقال أبو علي الدقاق: فاز الصابرون بعزِّ الدارين؛ لأنَّهم نالوا مِنَ الله معيَّته فإنَّ الله مع الصابرين.


    قال صفي الدين الحلي:

    كُنْ عن هُمُومِكَ مُعْرِضَا --- وكِلِ الأُمُورَ إلى القَضَا
    وابـشرْ بِخَيرٍ عَاجِـلٍ --- تنسى به مَا قَدْ مَـضَى
    فلَرُبَّمَـا اتَّسَعَ المضيقُ --- ورُبَّمـَا ضـَاقَ الفَضَا
    ولَرُبَّ أمـرٍ مُسْخـِطٍ --- لَكَ فـي عواقبه رِضَا
    اللهُ يفـعلُ ما يـشاء --- فـلا تكـنْ مُعْتَرِضـَا
    اللهُ عَوَّدَكَ الجـمـيلَ --- فَقِسْ عَلَى مَا قَدْ مَضَى



    وعروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه قطعت ساقُه ومات ولدُه في يومٍ واحد،
    فلما جاءه النَّاس ليخفِّفوا عنه ويواسوه، قال: إني واللَّه لراضٍ عن ربي، فقد أعطاني اللَّهُ أربعة من الولد فأخذ واحداً وأبقى ثلاثة فالحمد لله، وأعطاني أربعة أطراف فأخذ واحداً وأبقى ثلاثة، فالحمد لله.


    قال بعض العلماء: من كان نظره في وقت النِّعَم إلى المُنْعِم لا إلى النِّعْمَة، كان نظرُهُ في وقت البلاء إلى المُبْلي لا إلى البلاء، فيكون في جميع حالاته غريقاً في ملاحظة الحقِّ، متوجهاً إلى الحبيب المطلق، وهذه أعلى مراتب السَّعادة.



    والله عز وجل لطيفٌ بعباده، وهو أدرى بما يصلحهم،
    قال تعالى: {وَعَسى أن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}،


    فعلى العبد التسليم لأمر الله في كل أمر من أموره،
    التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن .; الساعة 26-02-2014, 01:45 AM. سبب آخر: تنسيق الخط

  • #2
    رد: هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

    جزاكم الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد: هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

      جزاكم الله خيرااا علي النقل الطيب

      تعليق


      • #4
        رد: هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
        ما شاء الله
        جزاكم الله خيراً أختنا الفاضلة
        وفقكم الله لما يُحِب ويرضى


        قال الحسن البصري - رحمه الله :
        استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
        [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


        تعليق


        • #5
          رد: هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

          ما شاء الله موضوع جميل

          يستحق التقييم

          نتظر المزيد من مواضيعكم الطيبة

          جزاكم الله خيراا
          ~وقفات مع الصحابة وامهات المؤمنين~ ♥♥♥متجدد♥♥♥

          سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

          تعليق


          • #6
            رد: هل أنتَ راضٍ عن الله ؟

            بارك الله فيكم ونفع بكم .

            جعله الله في ميزان حسناتكم .

            القمم .. لأهل الهمم ، ومن هجر الرقاد سبق العباد

            ----
            من نذر نفسه لخدمة دين الله سيعيش متعبًا ولكن سيحيا كبيرًا؛
            فالحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله .
            ________

            خاب وخسر من أبتعد عن خدمة دين الله .






            تعليق

            يعمل...
            X