سفينة النجاة :
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه ؛ وعلى آله ؛ وصحبه وسلم .
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " {النساء :1}
:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){آل عمران :110}
{آل عمران :110} قال تعالى :"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) {آل عمران : 104}
وقال تعالى:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) { العصر : 1 :3 }
أولاً : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
قال تعالى :" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) { الأعراف : 157 }
ويقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:" يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ" : هَذِهِ صِفَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَهَكَذَا كَانَ حَالُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَرٍّ.(1)
وقد جعل الله تعالى للمؤمنين أسوة حسنة في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأسيًا به ، ولعلنا نجد في الآية نفسها إشارة إلى أنهم يقومون بهذا حيث ذكر المولى عز وجل من صفاتهم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وتعزيره ونصرته ، ولا يتم تعزيزه ونصرته إلا بالأمر بما أمر به ، والنهي عما نهى عنه .(2)
ثانيًا : القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين :
ذكر الله تعالى أن من صفات المؤمنين القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله عز وجل :"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ { التوبة : 112 } وقال سبحانه وتعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ"{التوبة : 71}
وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من صفات حواريي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقد روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ".(3)
ثالثًا :مبايعة رسول الله صحابته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ومما يؤكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضًا أنه كان من بنود بيعة العقبة أن يقول الأنصار الحق حيثما كانوا ، ولا يخافوا في الله لومة لائم ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:" بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ".(4)
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".(5)
إيجابية جرير بن عبد الله بالنصح لكل مسلم لمبايعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ، وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ: " وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ .(6)
وفي رواية ،قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي :"فِيمَا اسْتَطَعْتَ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".(7)
وفي رواية ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»{8}
قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فَاخْتَرْ .(9)
يقول الإمام النووي رحمه الله : قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، وهو أيضًا من النصيحة في الدين (10)
ويقول الإمام الخطابي رحمه الله تعليقاً على الحديث : " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يُبايع عليه كالصلاة والزكاة ، فلذلك تراه قرنها بهما ".(11)
كما يقول الإمام النحاس الدمشقي : " فانظر- رحمك الله – كيف قرن النبي صلى الله عليه وسلم النصح لكل مسلم ،الذي هو عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصلاة والزكاة ، يتبين لك عظم محلهما ، وتأكيد وجوبهما "(12)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: - قَالَ حَجَّاجٌ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ. قَالَ يَزِيدُ: جَمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ، فَكُنْتُ فِي آخِرِ مَنْ أَتَاهُ، قَالَ - " إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَمُصِيبُونَ، وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ اللهَ، وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ - قَالَ يَزِيدُ - وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "(13)
إيجابية الصحابة رضوان الله عليهم بالإنكار على المخالف :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ بِهِ، وَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٍ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَلَمْ يَكُ يُخْرَجُ بِهِ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا قَالَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيَفْعَلْ " وَقَالَ مَرَّةً: " فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ "(14)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".(15)
ولذا يسأل الله تعالى عبده يوم القيامة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْأَلُهُ يَقُولُ: أَيْ عَبْدِي، رَأَيْتَ مُنْكَرًا فَلَمْ تُنْكِرْهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ وَثِقْتُ بِكَ، وَخِفْتُ النَّاسَ "(16)
رابعًا : ثمرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدنيا والآخرة:
1-الفلاح ومجانبة الخسران :
قال تعالى :"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) {آل عمران : 104}
بين الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم شروطاً لنيل الفلاح ، ومن هذه الشروط أن يكون العبد آمرًا بالمعروف وناهياً عن المنكر، وجاء في نصوص عديدة ومنها قوله تعالى:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) { العصر : 1 -3 }
بين الله تعالى أن البشرية كلها في دائرة الخسران إلا من المتصفين بصفات أربع :
والصفة الثالثة من تلك الصفات: التواصي بالحق – أي التواصي بأداء الطاعات وترك المحرمات.
يقول الفخر الرازي : " هذه السورة فيها وعيد شديد ، وذلك لأن الله تعالى حكم بالخسار على جميع الناس إلا من كان آتياً بهذه الأشياء الأربع ، وهي الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر ، فدل ذلك على أن النجاة معلقة على هذه الأمور " وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه ، فكذلك يلزمه في غيره أمور منها : الدعاء إلى الدين ، والنصيحة ، والنهي عن المنكر ،وأن يحب له ما يحب لنفسه(17)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قرينة الخيرية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){آل عمران :110}
ويقول القاضي ابن عطية الأندلسي رحمه الله : " وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط: من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله "(18)
2-من أفضل الشهداء من قُتل في سبيل الله لأمره بالمعروف ولنهيه عن المنكر لإمام جائر:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ".(19)
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ "(20)
3-من أسباب مغفرة الذنوب ودخول الجنة :
عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ، قَالَ: هَاتِ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ»،..."الحديث. (21)
قال العلامة العيني : فإن قلت : ما النكتة في تعيين هذه الأشياء الخمسة ؟ قلت :
لحقوق لما كانت في الأبدان والأموال والأقوال ، فذكر من أفعال الأبدان أعلاها ، وهو الصلاة والصوم ؛ وذكر من حقوق الأموال أعلاها ، وهي الصدقة ، ومن الأقوال أعلاها ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (22)
وَعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ" قَالَ أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " يُمْسِي"(23)
4-صدقة يُؤجر بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
قال تعالى :"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) {النساء:114}
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: " أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"(24)
5-ذكر إعطاء الله جل وعلا الآمر بالمعروف وثواب العامل به من غير أن ينقص من أجره شيءl(25)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا "(26)
6-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النصر والتمكين في الأرض :
لقول الله تعالى:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) { الحج:40-41}
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله -: وفي قوله تعالى :" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ"الآية. دليل على أنه لا وعد من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالذين يمكن الله لهم في الأرض ويجعل الكلمة فيهم والسلطان لهم ، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ، فليس لهم وعد من الله بالنصر ، لأنهم ليسوا من حزبه ، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر ، بل هم من حزب الشيطان وأولياؤه ،فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه ، ثم يطلب الأجرة ، ومن هذا شأنه فلا عقل له (27)
هذا وقد أدرك سلف الأمة الكرام هذه الحقيقة ووعوها حق رعايتها فأعزهم الله تعالى في الدنيا وسلطهم على – كما يقول القاضي البيضاوي – على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم.
ويا ليت خلف هذه الأمة يدركون هذا الأمر وإلا يُخشى عليهم ما لا تحمد عقباه .
يقول السيد محمد رضا رحمه الله : " وبهذه الصفات – الصفات الأربع المذكورة في الآية المذكورة في الآية الكريمة – فتح المسلمون الفتوحات ، ودانت لهم تطوعاً ،وبتركها سلب أكثر ملكهم ، والباقي على وشك الزوال إن لم يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إلي هداية ربهم ، ولاسيما إقامة هذه الأركان الأربعة "(28)
7-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة :
لقوله تعالى :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) {الأعراف :165}
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "(29)
في هذا الحديث : دليل على أن عقوبة المعاصي ، تَعُمّ إذا تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال تعالى :" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)" { الأنفال:25}،
وأن لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة.
وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"(30)
8-براءة من أنكر المنكر بحسب استطاعته وكان كمن غاب عنه :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ، فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(31)
وَعَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً: " أَنْكَرَهَا "- كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا "(32)
9-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الطريق :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ "، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: :" فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: " غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ "(33)
يقول الإمام ابن تيمية في "الحسبة"فصل: وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي ، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر ، وهذا نعت النبي والمؤمنين ؛ كما قال تعالى : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)"
{التوبة : 71}وهذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية ، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره ،والقدرة هو السلطان والولاية ،فذوو السلطان أقدر من غيرهم ؛ وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم . فإن مناط الوجوب هو القدرة ؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته ، قال تعالى:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " {التغابن:16} . وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى : مثل نيابة السلطنة والصغرى مثل: ولاية الشرطة ، وولاية الحكم ؛ أو ولاية المال ، وهي ولاية الدواوين المالية ؛ وولاية الحسبة . لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن ؛ والمطلوب منه الصدق ؛ مثل الشهود عند الحاكم ؛ ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف ؛ والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال . ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع ؛ والمطلوب منه العدل مثل الأمير والحاكم والمحتسب وبالصدق في كل الأخبار ، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال : تصلح جميع الأحوال وهما قرينان كما قال تعالى :" وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا"{الأنعام: 115}.(34)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــإن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه ؛ وعلى آله ؛ وصحبه وسلم .
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " {النساء :1}
:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
قال تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){آل عمران :110}
{آل عمران :110} قال تعالى :"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) {آل عمران : 104}
وقال تعالى:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) { العصر : 1 :3 }
أولاً : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
قال تعالى :" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) { الأعراف : 157 }
ويقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:" يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ" : هَذِهِ صِفَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَهَكَذَا كَانَ حَالُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَرٍّ.(1)
وقد جعل الله تعالى للمؤمنين أسوة حسنة في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأسيًا به ، ولعلنا نجد في الآية نفسها إشارة إلى أنهم يقومون بهذا حيث ذكر المولى عز وجل من صفاتهم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وتعزيره ونصرته ، ولا يتم تعزيزه ونصرته إلا بالأمر بما أمر به ، والنهي عما نهى عنه .(2)
ثانيًا : القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين :
ذكر الله تعالى أن من صفات المؤمنين القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله عز وجل :"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ { التوبة : 112 } وقال سبحانه وتعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ"{التوبة : 71}
وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من صفات حواريي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقد روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ".(3)
ثالثًا :مبايعة رسول الله صحابته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ومما يؤكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضًا أنه كان من بنود بيعة العقبة أن يقول الأنصار الحق حيثما كانوا ، ولا يخافوا في الله لومة لائم ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:" بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ".(4)
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".(5)
إيجابية جرير بن عبد الله بالنصح لكل مسلم لمبايعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ، وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ: " وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ .(6)
وفي رواية ،قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي :"فِيمَا اسْتَطَعْتَ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".(7)
وفي رواية ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»{8}
قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فَاخْتَرْ .(9)
يقول الإمام النووي رحمه الله : قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، وهو أيضًا من النصيحة في الدين (10)
ويقول الإمام الخطابي رحمه الله تعليقاً على الحديث : " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يُبايع عليه كالصلاة والزكاة ، فلذلك تراه قرنها بهما ".(11)
كما يقول الإمام النحاس الدمشقي : " فانظر- رحمك الله – كيف قرن النبي صلى الله عليه وسلم النصح لكل مسلم ،الذي هو عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصلاة والزكاة ، يتبين لك عظم محلهما ، وتأكيد وجوبهما "(12)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: - قَالَ حَجَّاجٌ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ. قَالَ يَزِيدُ: جَمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ، فَكُنْتُ فِي آخِرِ مَنْ أَتَاهُ، قَالَ - " إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَمُصِيبُونَ، وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ اللهَ، وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ - قَالَ يَزِيدُ - وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "(13)
إيجابية الصحابة رضوان الله عليهم بالإنكار على المخالف :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ بِهِ، وَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٍ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَلَمْ يَكُ يُخْرَجُ بِهِ فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا قَالَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيَفْعَلْ " وَقَالَ مَرَّةً: " فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ "(14)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".(15)
ولذا يسأل الله تعالى عبده يوم القيامة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْأَلُهُ يَقُولُ: أَيْ عَبْدِي، رَأَيْتَ مُنْكَرًا فَلَمْ تُنْكِرْهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ وَثِقْتُ بِكَ، وَخِفْتُ النَّاسَ "(16)
رابعًا : ثمرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدنيا والآخرة:
1-الفلاح ومجانبة الخسران :
قال تعالى :"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) {آل عمران : 104}
بين الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم شروطاً لنيل الفلاح ، ومن هذه الشروط أن يكون العبد آمرًا بالمعروف وناهياً عن المنكر، وجاء في نصوص عديدة ومنها قوله تعالى:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) { العصر : 1 -3 }
بين الله تعالى أن البشرية كلها في دائرة الخسران إلا من المتصفين بصفات أربع :
والصفة الثالثة من تلك الصفات: التواصي بالحق – أي التواصي بأداء الطاعات وترك المحرمات.
يقول الفخر الرازي : " هذه السورة فيها وعيد شديد ، وذلك لأن الله تعالى حكم بالخسار على جميع الناس إلا من كان آتياً بهذه الأشياء الأربع ، وهي الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر ، فدل ذلك على أن النجاة معلقة على هذه الأمور " وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه ، فكذلك يلزمه في غيره أمور منها : الدعاء إلى الدين ، والنصيحة ، والنهي عن المنكر ،وأن يحب له ما يحب لنفسه(17)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قرينة الخيرية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){آل عمران :110}
ويقول القاضي ابن عطية الأندلسي رحمه الله : " وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط: من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله "(18)
2-من أفضل الشهداء من قُتل في سبيل الله لأمره بالمعروف ولنهيه عن المنكر لإمام جائر:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ".(19)
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ "(20)
3-من أسباب مغفرة الذنوب ودخول الجنة :
عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ، قَالَ: هَاتِ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ»،..."الحديث. (21)
قال العلامة العيني : فإن قلت : ما النكتة في تعيين هذه الأشياء الخمسة ؟ قلت :
لحقوق لما كانت في الأبدان والأموال والأقوال ، فذكر من أفعال الأبدان أعلاها ، وهو الصلاة والصوم ؛ وذكر من حقوق الأموال أعلاها ، وهي الصدقة ، ومن الأقوال أعلاها ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (22)
وَعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ" قَالَ أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " يُمْسِي"(23)
4-صدقة يُؤجر بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
قال تعالى :"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) {النساء:114}
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: " أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"(24)
5-ذكر إعطاء الله جل وعلا الآمر بالمعروف وثواب العامل به من غير أن ينقص من أجره شيءl(25)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا "(26)
6-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النصر والتمكين في الأرض :
لقول الله تعالى:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) { الحج:40-41}
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله -: وفي قوله تعالى :" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ"الآية. دليل على أنه لا وعد من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالذين يمكن الله لهم في الأرض ويجعل الكلمة فيهم والسلطان لهم ، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ، فليس لهم وعد من الله بالنصر ، لأنهم ليسوا من حزبه ، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر ، بل هم من حزب الشيطان وأولياؤه ،فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه ، ثم يطلب الأجرة ، ومن هذا شأنه فلا عقل له (27)
هذا وقد أدرك سلف الأمة الكرام هذه الحقيقة ووعوها حق رعايتها فأعزهم الله تعالى في الدنيا وسلطهم على – كما يقول القاضي البيضاوي – على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم.
ويا ليت خلف هذه الأمة يدركون هذا الأمر وإلا يُخشى عليهم ما لا تحمد عقباه .
يقول السيد محمد رضا رحمه الله : " وبهذه الصفات – الصفات الأربع المذكورة في الآية المذكورة في الآية الكريمة – فتح المسلمون الفتوحات ، ودانت لهم تطوعاً ،وبتركها سلب أكثر ملكهم ، والباقي على وشك الزوال إن لم يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إلي هداية ربهم ، ولاسيما إقامة هذه الأركان الأربعة "(28)
7-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة :
لقوله تعالى :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) {الأعراف :165}
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "(29)
في هذا الحديث : دليل على أن عقوبة المعاصي ، تَعُمّ إذا تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال تعالى :" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)" { الأنفال:25}،
وأن لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة.
وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"(30)
8-براءة من أنكر المنكر بحسب استطاعته وكان كمن غاب عنه :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ، فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(31)
وَعَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً: " أَنْكَرَهَا "- كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا "(32)
9-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الطريق :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ "، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: :" فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: " غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ "(33)
يقول الإمام ابن تيمية في "الحسبة"فصل: وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي ، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر ، وهذا نعت النبي والمؤمنين ؛ كما قال تعالى : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)"
{التوبة : 71}وهذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية ، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره ،والقدرة هو السلطان والولاية ،فذوو السلطان أقدر من غيرهم ؛ وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم . فإن مناط الوجوب هو القدرة ؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته ، قال تعالى:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " {التغابن:16} . وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى : مثل نيابة السلطنة والصغرى مثل: ولاية الشرطة ، وولاية الحكم ؛ أو ولاية المال ، وهي ولاية الدواوين المالية ؛ وولاية الحسبة . لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن ؛ والمطلوب منه الصدق ؛ مثل الشهود عند الحاكم ؛ ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف ؛ والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال . ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع ؛ والمطلوب منه العدل مثل الأمير والحاكم والمحتسب وبالصدق في كل الأخبار ، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال : تصلح جميع الأحوال وهما قرينان كما قال تعالى :" وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا"{الأنعام: 115}.(34)
[1] - تفسير ابن كثير (3/487)ط. دار طيبة للنشر والتوزيع-الطبعة الثانية-تحقيق سامي بن محمد سلامة.
2 -"الحسبة" د/ فضل إلهي- رحمه الله –ط .دار الاعتصام-مصر. (ص: 24).
3 - مسلم(50)،وأحمد(4379).
4 - البخاري(7199،7200)واللفظ له ،ومسلم (1709)،وأحمد في " المسند"(22700)، وابن ماجة(2866).
5-البخاري ، (57، 524)،ومسلم(56)، وأحمد(19175)، والترمذي(1925).
6-البخاري(58) ،وأحمد في " المسند"(19152).
7 - البخاري(7204)،والنسائي(4174،4175)وصححه الألباني.
8- البخاري(2157).
9- رواه أحمد في" المسند"( 19229) إسناده صحيح على شرط مسلم،وأبو داود(4945) وقال الألباني : صحيح الإسناد، وابن حبان(4546)وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح على شرط الصحيح.
10-شرح النووي على صحيح مسلم" (2/22)
11 -عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعلامة بدر الدين العيني (2/366)
12-"تنبيه الغافلين"( ص: )ط. ( ).
13- صحيح :رواه أحمد (4156)،والترمذي (2257)وقال : حديث حسن صحيح ، والبيهقي(5409)،وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1383).
14 -البخاري(956)، ومسلم(49)، وأحمد(11072)واللفظ له، وأبو داود(1140)والترمذي
(2172)،وابن ماجة(1275، 4013).
15-البخاري (3461)، وأحمد(6486)،وابن حبان(6256)
16 -حسن :أخرجه أحمد (11735) واللفظ له ،تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، وعبد بن حميد (974) وابن ماجه (4017) ، والحديث إسناده صحيح كما قال البوصيري (4/185) وأبو يعلى (1089) ، وابن حبان (7368) ، والبيهقي (19970)،وصححه الألباني.
17-"التفسير الكبير" (32/89-90 )، انظر"الحسبة " د/ فضل إلهي -رحمه الله – ط. دار الاعتصام (ص 52)
18-المحرر الوجيز (3/195).
19 -صحيح : رواه أبو داود(4344)، والترمذي(2174)، وابن ماجة(4011)وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (1100).
20 -حسن: رواه الحاكم في " المستدرك"( 4884)، والضياء، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(3675),و"الصحيحة" (374).
21-البخاري (3586،7096)واللفظ له، ومسلم (144)،والترمذي(2258)،وابن ماجة(3955).
22-"عمدة القاري" (5/9 )باختصار.
23 -مسلم (1007)،وابن حبان(3380).
24-مسلم (1006)،وأحمد في" المسند"( 21482).
25-ترجمة ابن حبان في "صحيحه "
26-صحيح مسلم (2674)،وأحمد في " المسند"( 9160)،وأبو داود(4609) ، والترمذي (2674)، وابن ماجة(206).
27-أضواء البيان (5/703-704).
28-" الحسبة " لفضيلة الدكتور /فضل إلهي -رحمه الله- ط. دار الاعتصام( ص :32).
29- البخاري (2493)،وأحمد في " المسند"( 18379)،والترمذي(2173).
30- البخاري(7059)،ومسلم(2880)واللفظ له.
31-صحيح : رواه النسائي في "سننه" (5009)، و"السنن الكبرى"(11740)، و صححه الألباني.
32-حسن :رواه أبو داود(4345) ، وحسنه الألباني في" مشكاة المصابيح" 5141- (5)،و "صحيح الجامع"(689)،و"السلسلة الصحيحة" (2323).
33-البخاري(2465)،وأحمد في " المسند" (11309)، وأبو داود(11309).
34-"الحسبة"للإمام ابن تيمية .
تعليق