إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(داعيةٌ تحتَ الطلب) نفضٌ لغبارِ الكَسَلِ الدعويٍّ!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [منقول] (داعيةٌ تحتَ الطلب) نفضٌ لغبارِ الكَسَلِ الدعويٍّ!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (اللهمَّ إني أعوذُ بك من جَلَدِ الفاجرِ وعجزِ الثِّقَة!) [عمر بن الخطَّاب]

    (ما عجبتُ لشيء عجبي من يقظة أهل الباطل واجتماعهم عليه، وغفلة أهل الحق وتشتت أهوائهم فيه!) [د. مصطفى السباعي(هكذا علمتني الحياة) ص٢٣]

    الحمد لله وحده؛ وبعد:
    فإنَّ مقامَ (الدعوة إلى الله) وشرفها، ومكانتها عند الله = لا أظنه يخفى على العامَّة بَلْهَ الخاصَّة، وليس بحاجة إلى مزيد إيضاح؛ لجلائه، وحسبُ الدَّاعية بالحكمةِ والموعظة الحسنة أنَّه يغترفُ من نهرِ النبوَّة، وينبوعِ الرسالةِ، وأن ليسَ أحدٌ أحسنَ منه قولاً (ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين).

    ومن أجلِّ مقاماتِ الدعوة إلى الله؛ الوعظُ والتذكير، والبِشارةُ والنذارة، وكلها من مُهمَّاتِ الداعيةِ الأكبر صلى الله عليه وسلم، فقد كانَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، مأمورًا بالوعظِ كما قال له ربُّه تعالى: (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا).

    ومن سَوْءاتِ الخطاب العقليِّ المعاصر، وخطيئات الثقافة والفكر التي تغلغلت في نفوس بعض المتديِّنة؛ تقبيحُ هذه الوظائف النبويَّة، والتزهيدُ فيها وفي أثرها؛ اتكاءً على بعضِ الأخطاء في الخطاب الدعويِّ والوعظي، ومواكبةً للموضةِ الثقافيَّة في الأوساط العلميَّة، وهروبًا من الاتصاف بصفةِ (الواعظ) التي قد تُرى لبعض الناسِ أنها لا تليقُ بمثقَّفٍ أو مُفكِّر!

    ومَن تأمل القرآن؛ علم يقينًا أن من أعظم مرتكزات الرسالةِ الإلهيَّة= وعظَ الناس، وتذكيرهم بالله وبأيَّامِه، وتبشيرهم بما أعده الله، وتخويفهم من وعيد الله.. وأن لا نجاةَ للإنسانِ من (الخُسْرِ) إلا بالتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر!

    وفي هذه المقالة نطلُّ من شُرفتها على (فيروس) مُعدٍ يتناقلُ عبرَ الأثير المحيط بطلاب العلم، ويتسرَّبُ للشُّعَب الهوائيَّة؛ فيُضعِفُ شُعبةً من أعظم (شُعَبِ الإيمان) فيصابُ حامله بـ (حمَّى الكسلِ الدعوي)!

    الحديثُ هنا ليسَ لمن فتح الله له بابَ البذلِ الدعويِّ، فأصبحت (الدعوةُ إلى الله) شغلَه الشاغلَ ليلَه ونهارَه، وليس لمن لم يُحصِّل أدنى مقدار من العلم يسعُه أن يقومَ بنفسه داعيًا إلى الله، بل يكتفي بتبليغ ما بلغه من ذلك، أو المساهمة في وسائل الدعوة إلى الله.

    الحديثُ هنا عن (طالبِ علمٍ يقتفي أثرَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعدُّ نفسَه لمعالي الأمور، ويُحدِّثُ نفسَه بنفعِ الناس، وتبليغِ الدِّين، وجهادِ الكلمة....)

    تجده قد حصَّل كثيرًا، وحفظ من القرآن، والنصوص النبويَّة، والمواعظ السلفيَّة، والحجج العقليَّة، والأشعار الزكيَّة= ما يجعله حقيقًا بالمشاركة في ركبِ الدعاة إلى اللهِ..

    ثمَّ تمرُّ عليه الأيامُ، بل والشهور، بل -واللهِ - والأعوام، ولم يفتحْ شفتيه للنَّاسِ مذكِّرًا أو ناصحًا، ومبشِّرًا أو مُنذرًا!
    وربَّما وجدتَه إمامَ مسجدٍ، أو خطيبًا، أو قاضيًا، أو أستاذًا أكاديميًّا، أو شيخَ علم!

    وإذا ما سألتَه عن الأسبابِ أبدى لك رغبتَه الشديدة، ومحبَّتَه الأكيدة لدعوة الناس إلى الفضائل، ونصحهم وإرشادهم..
    ثمَّ تجد من أعذاره:
    = عدم التحضير.
    = عدم الاعتياد.
    = الخوف من الأخطاء.
    ونحو ذلك من الأعذار العجيبة!

    يقول د. محمد الشريف: (لي صاحبٌ درسَ العلوم الشرعية منتسبًا، وهو أخٌ صالح – فيما أحسبه، والله حسيبه – كنت قد ألححتُ عليه أن يخطبَ الناس أو يعظهم بموعظةٍ، أو يقرأ لهم في كتابٍ، لكنه يحجم كثيراً ويخجل أن يتقدم، ويتهيَّبُ مع قوةٍ وشجاعةٍ فيه، وتمرُّ عليه السنون وهو لم يستفد من علمه الذي تعلمه تمامَ الاستفادة، بل لعله قد نسي أكثره!) [عجز الثقات ص 30]

    وفي موضعٍ آخر يقول:
    (والعجيبُ أنَّ تاركَ الدعوةِ لا تجده –في أكثر الأحيان – مقرًا بعجزه، خَجِلاً منه، متواريًا عنه، بل تراه يعتذر بأعذارٍ واهياتٍ، أو هي قريبة من الواهيات!) [السابق ص 25]

    ولعلَّ القارئ الكريمَ يظنُّ أنَّ في كلامي مثاليَّةً، أو تكلُّفًا، أو مطالبةً بمقدارٍ من الجديَّة لا يتسع له أكثر طلاب العلم من محبي الدعوة، أو أن يكونَ كلُّ طلابِ العلم دعاةً وهم جميعًا على خيرٍ يكمِّل بعضُهم بعضًا.
    كلا؛ فليس الأمرُ كذلك أبدًا.

    المسألة لا تعدو أن تكونَ كلمةً يحضِّرُ لها صاحبُها ساعةً من حياته، ثم يكلَّم به شهورًا في مساجدَ، أو مجامعَ، أو محافل!

    أو مقالاً يجمعُ فيه كاتبُه من عيون المواعظ القرآنيَّة، والنبويَّة، وتوشيحها بالآثار والأشعار، وبديع التأملات، ثم يبثها في هذا الفضاء الواسع عبر الشبكة.

    المسألة لا تعدو أن تكونَ نفضًا لغبارِ الكسل في مقام الدعوةِ إلى الله لكلِّ محبٍّ راغبٍ من الأجور المتتابعة، والنفع المتعدي الواسع.

    المسألة -حقًا- لا تعدو أن تكونَ توفيقًا من الله للداعية؛ ليقوم بمهمَّةٍ من أجلِّ المهمَّات التي قام بها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

    المسألة لا تحتاجُ أكثرَ من سؤالِ الله العونَ على سلوك هذه الجادَّة، مع الاجتهاد وبذل الطاقة في نقاء المضمون، وجودة المحتوى، وحُسن الطرح، وسُنيَّة البلاغ.

    بالله عليك!
    أليس من المؤسف أن يتعيَّن طالبُ علمٍ متقدِّمٌ في وظيفةٍ تعليميَّة أو قضائيَّة أو غيرهما في منطقةٍ تعيش فقرًا دعويًّا، ثم تمر عليه الأيام، والشهور، وربما الأعوام، ولم يقدِّم لدعوته التي يعتزُّ بها شيئًا؟!

    أليس من الغبن أن يزورك طالبُ علمٍ أوتي علمًا وبيانًا، ثم تطلب منه كلمةً في جامعٍ، وقد تهيَّأت له فرصةً دعويَّة لا تُفوَّت، ثم يعتذر بعدم استعداده مع رغبته الأكيدة، ويظل حالُه في كل مرَّة غيرَ مستعدٍّ!

    ثم تجده كثير الشكاية من حال الدعوة، ولا يفتر من نقد الدعاة في خطابهم، وطرائقهم، وأساليبهم، ومضامين أطروحاتهم! ونقدُه في موضعه، لكنَّ الدعاة كما يحتاجون نقدَه وتصحيحَه= يحتاجون مشاركته اليسيرة التي لن تكلِّفه شيئًا!

    رجوتُك أخي طالبَ العلم المحب للنفع:


    = كنْ أنت الراحلة؛ فـ (الناسُ كإبلٍ مائة لا يجد الرجلُ فيها راحلة)!
    = كن أنت القويَّ؛ فـ (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)!
    = كن أنت الوارثَ المنفق لعوائد الإرث؛ فـ (العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم...).
    = كن (داعيةً تحت الطلب)؛ فالداعية وقفٌ لله، والوقفُ تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة!
    = لا تكنْ كَلّاً على الدعوة أينما وجَّهتك لا تأتِ بخيرٍ بل كن الآخرَ الذي يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم.

    هنا – قبلَ الختام – متفرِّقات:


    = أعرف طالبَ علم إذا أراد السفر للسياحة والتنزُّه حضَّر قبل سفره كلمةً موجزةً تُقدَّرُ بـ (10 دقائق) ثم يكرِّر معانيها.. ثم يطلب من أحد أصدقائه في المدينة التي يريد السفر إليها أن ينسِّقَ له مع أئمة الجوامع مواعيدَ لإلقاء كلمته، فيعود من نزهته التي قضى فيها ثلاثة أيام، وقد ألقى ستَّ كلماتٍ بعد صلاتي المغرب والعشاء.. هنا.. من يعلم قدر النفع بها لهذه الأعداد إلا الله! فكم من موعظةٍ أحييت قلبًا هو (خيرٌ من حُمْر النَّعَم)!

    = أحدهم –كذلك- حضَّر كلمةً عن "رحمة الله" لها الآن خمسة أعوام يلقيها في أيِّ فرصةٍ سانحة، وإذا ما عُوتب من أصحابه بهذا التكرار، قال: (كلُّ مالم يسمعه الناس منك؛ فهو جديد) فلعلَّ الله يرحمه لبيانه عظيمَ رحمة الله!

    = كَتَبَ الشيخ د. فالح الصغيِّر سلسلةً بعنوان (أحاديث في الدعوة والتوجيه) طبعتها دار الأثير، كل كتاب منها لا يقل عن 60 صفحة ولا يزيد عن 150 صفحة، وتُباع في معارض الكتاب مجموعةً بأسعار مناسبة، وهي مفيدةٌ ونافعةٌ للتحضير، شرح فيها شرحًا ميسرًا سهلاً أحاديثَ جامعة؛ كحديث (احفظ الله يحفظك)، وحديث (لا تغضب)، وحديث(حلاوة الإيمان)، وحديث (قل آمنت بالله ثم استقم)، وحديث (بادروا بالأعمال ستًّا).. وغيرها.

    = للدكتور/ عبد الكريم بكَّار كتابٌ بعنوان (المتحدِّثُ الجيِّدُ؛ مفاهيم وآليات) مفيدٌ في أساليب الخطاب وأثره، وآليات الحديث.

    =
    أعظم ما ينبغي اعتماده في وعظ الناس وتذكيرهم = الكتاب والسنَّة الصحيحة، فلهما من التأثير في قلوب المؤمنين ما لا يمكن أن يكون في غيرهما.

    = تعليم الناس ودعوتهم من أكبر أسباب تثبيت العلم، لا سيما إن قُرن بما يفتح الله به على المتحدث أثناء حديثه! وهذا شيءٌ قد لا يجده المنحبس على نفسه مهما قرأ ومهما حفظ!

    وختامًا (ينبغي أن يُعلم أن العجزَ مرضٌ، بل هو من أشدِّ الأمراض فتكًا في الإنسان،وعلاجُه إنما يكون بسؤال الله –تعالى – ودعائه بانكسار وخضوع وتذلل عسى أن يكشف الله تعالى هذا المرض عن عبده الضعيف هذا، ثم إنه ينبغي للعاجز أن يتخذ خطوات عملية بحَسب عجزه) [عجز الثقة 54]

    وإذا كان المفتي هو الموَقِّعَ عن ربِّ العالمين، فإنَّ (الداعية) هو الحَمَامُ الزاجلُ للدين، وكلاهما مشكورٌ ومسؤول!




    الرِّفْقُ هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف والحدّة والفظاظة و القسوة و الجفاء و التعسير، وهو سبب كل خير، لأن به تَسْهُلُ الأمور، و يَحْصُلُ المطلوب بأيسر طريق و أسلم أسلوب، و له فوائده جليلة فى الفقه والدعوة، فهو يَجْمَعُ القلوب و يجذب الناس إلى دين الله، ويرغبهم فيه، وينمّي روح المحبّة والتّعاون بينهم، وينشئ مجتمعا سالما من الغلّ والعنف ، و يُثْمِرُ محبّة الله ومحبّة النّاس ، كما أَنَّه دليل على فقه العبد وحكمته وصلاحه وحسن خلقه،
    مِنْ أَجْلِ هذه الفوائد وغيرها أرشد الله نبيه إِليه فقال له: « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» أي: لو كنت قاسياً جافاً ما تَأَلَّفَت حولك القلوب، ولا تجمعت حولك المشاعر، واذا كان مِثْلُ هذا الكلام يوجه للرسول المعصوم الذي كان قلبه و حياته مع الناس ، فكيف بغيره ؟!
    وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه فقال: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الرفق بوابة كل خير فقال «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ» ، كما بَيَّنَ أَنَّهُ زِينَةُ العمل فقال:«إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» ،
    و مِنْ أبلغ الزواجر عن الغلظة مع الناس ، وأعظم الحث على الرفق بهم دعاء النبي الكريم: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ»، وهذا دعاء مجاب كما أَنَّه حقيقة لا يشك فيه عاقل ولا يرتاب، فشواهد الاحوال التي تدل على هذا تفوق الحصر ، إِذْ قلما ترى صاحب ولاية خاصم الرفق و عامل الناس بغلظة و فظاظة إِلَّا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال ،
    أَلَا ما أحوج الدعاة والمفتين اليوم لاستحضار هذه المعاني والفوائد اقتداء بنصوص الوحيين ، واهتداء بما كان عليه السلف الصالح ، فكثيرًا ما رجَّحوا رأيًا على آخر بقولهم: « هذا أرفق بالناس» ، حتى وإن كان ذلك يخالف مذاهب أئمتهم؛
    و ثَمَّة امثلة كثيرة يمكن الاستشهاد بها في هذا الشأن ، غير اني اكتفي ببعض النقول الصريحة في عصور مختلفة :
    فهذا هو مالك ابن أنس إِمَامُ دار الهجرة (المتوفى سنة 179هـ) يذكر في كتابه الْمُدَوَّنَةِ (1/ 204) عن صلاة المريض : « إذا كان أرفق به أن يجمع بين الصلوات جمع... وإنما ذلك لصاحب البطن أو ما أشبهه من المرض أو صاحب العلة الشديدة التي تضر به أن يصلي في وقت كل صلاة، ويكون هذا أرفق به... فهو أولى بالرخصة... وقد جمع النبي – صلى الله عليه وسلم – بين المغرب والعشاء في المطر للرفق بالناس... فالمريض أولى بالرفق؛ لما يخاف عليه من غير وجه» ،
    أَمَّا الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ -الفقيه الحنفي المشهور- (المتوفى سنة 483 هـ) في كتابه « الْمَبْسُوط» (11/ 25) فقد رجَّح الأيسر في مسائل ثُمَّ عَلَّلَ ذلك بِقَوْلِهِ: «هذا أرفق بالناس... وما كان أرفق بالناس فالأخذ به أولى؛ لأن الحرج مدفوع»
    وفي تُحْفَة الفقهاء (1/ 86) للفقيه الحنفي أبي بكر علاء الدين السَّمَرْقَنْدِيُّ (المتوفى نحو 540هـ) في مسألة المسح على الجوربين يقول : «إِن كَانَا ثخينيين قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز، وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا فِي آخر عمره، وَمَا قَالَاه أرْفق بِالنَّاسِ »
    وفي المرجع ذاته (1/ 156) يقول عن الصلاة قاعدا في السفينة « وَلَو صلى فِي السَّفِينَة قَائِما بركوع وَسُجُود مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة حَيْثُمَا دارت السَّفِينَة فَإِنَّهُ يجوز لِأَن السَّفِينَة بِمَنْزِلَة الأَرْض، أما إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام فصلى قَاعِدا بركوع وَسُجُود فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي حنيفَة ..وَقَول أبي حنيفَة أرْفق بِالنَّاسِ لِأَن الْغَالِب فِي السَّفِينَة دوران الرَّأْس ... » ،
    أَمَّا الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ (المتوفى سنة 620 هـ) فقد وَجَّهَ « نهي النبي عن عَسْبِ الْفَحْلِ » توجيها رائعا في كتابه «المغني» (4/ 160) فبعد أشار الى أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد أَخَذَ بعموم الحديث، فمنع أخذ صاحب الفحل أجرة أو هدية أو إكرامًا - رأى بِنَظَرِهِ الفاحص أَنَّ في هذا الرأي تشديدا على أهل زمانه، فأفتى هو بجواز أخذ الهدية ، و عَلَّلَ رأيه بقوله: «والذي ذكرناه أرفق بالناس، وأوفق للقياس، وكلام أحمد يُحْمَلُ على الورع، لا على التحريم»، ولا يغيب عن ذهن القارئ أَنَّ عَسْب الْفَحْلِ، هو ماؤه، و أَنَّ الفحل : هو الذكر من كل حيوان: فرسا أو جملا أو تيسا أو غير ذلك ،
    وفي شرح مختصر خَلِيل لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَشِيِّ المالكي (المتوفى سنة 1101هـ) ،وهو يتحدث عن وقت خروج الْإِمَام لصلاة العيد، يقول في (2/ 102) ما نَصُّهُ « وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ خُرُوجَهُ عَنْ خُرُوجِ الْمَأْمُومِينَ إذَا كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمُصَلَّى ، فَيُؤَخِّرُ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ النَّافِلَةُ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ قَلِيلًا إنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ»،
    وما زالت مسيرة الرفق بالناس تَغُذُّ سَّيْرَها الى الله، كيف لا والرفق من ميراث النبوة ، و مَنْ أَحَقُّ بهذا الميراث غير العلماء و الدعاة و المفتين !! ، فها هو العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (المتوفى سنة 1420هـ) يتحدث في مجموع فتاواه (11/ 322) عن عدد ركعات القيام ، و يَرَى أَنَّ «الأفضل في صلاة الليل في رمضان وفي غيره إحدى عشرة، ... وهذا العدد أرفق بالناس وأعون للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قراءته، وفي ترتيل القراءة وتدبرها، وعدم العجلة في كل شيء »، و لَمَّا كانت الْعِلَّةُ التي ذكرها الشيخ قد لا تحقق احيانا إِنْ الْتَزَمَ الْإِمَامُ العدد المذكور، بل قد تتحقق - هي وغيرها – بغير هذا العدد كما في الحرمين الشريفين ، لذا لَمْ يُضَيِّقُ رحمه الله على من زاد على ذلك فقال « و إِنْ صلى بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة - رضي الله عنهم - في بعض الليالي من رمضان فلا بأس؛ فالأمر واسع، .. »،
    وفي الموضع ذاته يتحدث رحمه الله عن التسليم بين الركعات فيقول « والأفضل أن يُسَلِّمُ مِنْ كل اثنتين ويوتر بواحدة ،...هذا هو الأفضل وهو الأرفق بالناس أيضا، فبعض الناس قد يكون له حاجات يحب أن يذهب بعد ركعتين أو بعد تسليمتين أو بعد ثلاث تسليمات، فالأفضل والأولى بالإمام أن يصلي اثنتين اثنتين ولا يسرد خمسا أو سبعا»
    وعلى النهج ذاته سار الفقيه الهُمَام العلامة بن عثيمين (المتوفى سنة 1421هـ) فيتحدث في مجموع فتاواه (12/ 360) عن جواز الطواف في الحج على غير وضوء - وما أحوجنا الى هذا الفقه في هذا الزمان - فيقول رحمه الله :
    «يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطواف على طهارة أكمل وأفضل، لكنها ليست بواجبة، ولا شك أن كلام شيخ الإسلام في الوقت الحاضر في أيام الزحام هو الأنسب، وهذا القول أرفق بالناس؛ لأنه لا دليل على أن الطواف لابد فيه من الوضوء».
    وفي سؤال له عن الوسواس: هل يبطل الصلاة؟ (14/ 87).
    فأجاب: «الوسواس لا تبطل الصلاة به، وهذا القول أرفق بالناس، وأقرب إلى ما تقتضيه الشريعة الإسلامية في اليسر والتسهيل؛ لأننا لو قلنا ببطلان الصلاة في حال غفلة الإنسان، وعدم حضور قلبه لبطلت صلاة كثير من الناس».
    وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 362) في حكم نظَر غير المسلمة إِلَى الْمُسْلِمَةِ: عَلَّلَ المجيزون اختيارهم بأنَّ « الْمَعْنَى الَّذِي مُنِعَ به الرجال مِنَ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ غير موجود في النَّظَرِ بَيْنَ النِّسَاءِ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الدِّينُ أَم اختلف، وَلأِنَّ هَذَا الْقَوْل أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَرْفَعُ حَرَجًا عنهم، إِذْ لاَ يكاد يُمْكِنُ احْتِجَابُ الْمُسْلِمَاتِ عن الذِّمِّيَّاتِ» ،
    مِنْ خلال هذه النصوص والنماذج ، وهي غيض من فيض ، يتضح لنا - بما لا يدع مجالا للشك - أَنَّ الرفق في الدعوة والفتوى هو منهاج القران والسنة في هداية الخلق ودلالتهم على طريق الله ، وأَنَّه مسلك اسلامي أصيل سلكه الدعاة والمفتون ومازالوا ،
    و مِمَّا يجب لفت الأنظار اليه أَنَّ الرفق لا يعنى التراخي أو التباطؤ في الأخذ بأحكام الشريعة ، أو التسيب أو الفوضى أو التساهل المذموم ، أو الترخص المفضى إِلى الانحلال من ربقة الدين ، بل لا بُدَّ أَنْ يكون جاريا على أصول الشريعة محققا لمقاصدها ،
    اللهم اجعلنا حكماء رفقاء ، وانزع من قلوبنا الغلظة والفظاظة ، آمين


    دعواتكم لإأخيكم الداعي إلي الله تعالى بالتوفيق في الإختبارات




  • #2
    رد: (داعيةٌ تحتَ الطلب) نفضٌ لغبارِ الكَسَلِ الدعويٍّ!

    ​وفقكم الله تعالى لما يحب ويرضى

    دخول متقطع لظروف الإجازة
    اللهم احفظ أهلنا في غزة

    تعليق


    • #3
      رد: (داعيةٌ تحتَ الطلب) نفضٌ لغبارِ الكَسَلِ الدعويٍّ!

      اللهم امين واياكم

      تعليق

      يعمل...
      X