الداعية القدوة (ما فيش بديل)
الأصل في الداعية أن يكون قدوة صالحة لغيره، فإذا أمر الناس بأمر كان هو من أول الناس عملاً به، وإذا نهاهم عن شيء كان هو من أبعد الناس عنه، وهذا أجدر أن يجعل لدعوته القبول بين الناس، ورسولنا صلوات ربي وسلامه عليه، كان قدوتنا وأسوتنا، وكان خلقه القرآن !
عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ! فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ! فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ فَعَرَفَتْهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ! فَقَالَتْ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ! قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ! فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ خَيْرًا! فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى! قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ" أخرجه مسلم.
فعلى الداعية أن يكون في نفسه قدوة لما يدعوا إليه.
وذم الله الذين يقولون ما لا يفعلون:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ( (الصف:2).
لكن هل معنى هذا أن الداعية إذا لم يوفقه الله للعمل بشيء من الخير الذي يعلمه يمتنع عن تعليمه للناس، ودعوة الناس إليه؟ بعبارة أخرى: هل من شرط الدعوة أن يكون الداعية كامل الحال؟
الجواب : لا ؛ وتوضيح ذلك أن نقول:
إن الداعية مطالب بأمرين :
الأول : دعوة الناس إلى الخير!
الثاني : تطبيقه على نفسه وأن يكون قدوة فيه.
فإذا قصر في أحدهما لا يجوز منه التقصير في الآخر، فإذا قصر في تطبيقه على نفسه فليس له أن يقصر في دعوة الناس إليه.
قال النووي في شرح صحيح مسلم (2/23) : " قال العلماء : ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر وان كان مخلا بما يأمر به والنهى وان كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها. ويأمر غيره وينهاه. فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال"اهـ
تعليق