السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رب يسر و أعن بفضلك يا أكرم الأكرمين
الخصومات والجدال الجدال بالباطل الجدل اللدد في الخصومة والقدرة عليها(1) يقال: جادل مُجادلةً وجدالاً: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب(2)
والجدال نوعان:
النوع الأول: الجدال المحمود الممدوح: وهو كل جدال أيّد الحق أو أوصل إليه بنية صالحة خالصة وطريق صحيح(3).
قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(4). وقال عز وجل: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}(5).
والمجادلة بالتي هي أحسن هي التي تكون عن علم، وبصيرة، وبحسن الخلق، ولطف، ورفق، ولين، وحسن خطاب، ودعوة إلى الحق، وتحسينه، ورد الباطل وبيان قبحه بأقرب طريق موصل إلى ذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق(6).
النوع الثاني: الجدال المذموم: وهو كل جدال أيد الباطل أو أوصل إليه أو كان بغير علم وبصيرة.
وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}(7).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار“(11).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى، وينفذ ما سواه)(12).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما ضلّ قومٌ بعد هُدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}“(13).
وقد ضمن النبي صلّى الله عليه وسلّم بيتاً في الجنة لمن ترك الجدال بالباطل من أجل الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام: ”أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وأن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه“(14).
الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل لا شك أن الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل كثيرة منها:
1- الغرور، والكبرياء، والخيلاء.
2- إظهار العلم والفضل.
3- الاعتداء على الغير بإظهار نقصه وقصد أذاه.
وعلاج ذلك بالتوبة إلى الله تعالى، وبأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله، والعدوان الباعث على احتقار غيره وتنقصه (15). ــــــــــــــــــ
هامش:
(1) انظر القاموس المحيط، فصل الجيم، باب اللام، ص1261 والمصباح المنير ص93 والمعجم الوسيط 1/111.
(2) انظر المصباح المنير ص 93.
(3) انظر منهاج الجدل في القرآن الكريم ص 50.
(4) سورة النحل الآية: 125.
(5) سورة العنكبوت الآية: 46.
(6) انظر تفسير ابن كثير 2/592 و3/416 وتفسير السعدي 4/254 و6/92.
(7) سورة الحج الآية: 3-4. (8) سورة الحج الآيتان: 8، 9. (9) سورة الكهف الآية: 56. (10) سورة البقرة الآية: 197. (11) ابن ماجه 1/93 وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/46 وصحيح ابن ماجه 1/46. (12) الدارمي موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه 1/70. (13) الترمذي 5/378 وابن ماجه 1/19 وأحمد في المسند 5/252 و256 وانظر صحيح الترمذي 3/103. (14) أبو داود 4/253 وانظر جامع الأصول 11/754. (15) انظر إحياء علوم الدين للغزالي 3/116 ومنهاج الجدل ص 59.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رب يسر و أعن بفضلك يا أكرم الأكرمين
الخصومة والنزاع
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِمُ“(2). والألدُّ: هو شديد اللدد كثير الخصومة. والخَصِمُ الذي يخصم أقرانه ويحاجهم بالباطل ولا يقبل الحق(3).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم“(4). فالشيطان يحرش بين المصلين بالخصومات والشحناء، والحروب، والإغراء بين الناس بأنواع المعاصي والفتن وغيرها(5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله يبغض كل جعظريّ، جوَّاظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة“(6). الجعظري: الفظُّ الغليظُ المتكبر. والجوّاظ: الجموع المنوع. والسخاب: كالصخاب: كثير الضجيج والخصام المتكبر. جيفة: أي كالجيفة؛ لأنه يعمل كالحمار طوال النهار لدنياه، وينام طوال ليله كالجيفة التي لا تتحرك(7). عالم بأمر الدنيا: أي بما يبعده عن الله عز وجل من السعي في تحصيلها. جاهل بأمر الآخرة، أي بما يقربه ويدنيه من الآخرة(8).
وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله لا يحب الفاحش المتفحش“(9) والفاحش الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي، وذو الفحش وهو القبيح في الأقوال والأفعال. والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعاطاه ويستعمله(10).
وقال عليه الصلاة والسلام: ”هلك المتنطعون“ قالها ثلاثاً(11).
التنطع في الكلام: التعمق فيه والتفاصح: فهم المتعمقون، الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم(12).
وقال عليه الصلاة والسلام: ”إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها“(13).
وهو الذي يظهر التفاصح تيهاً على الغير، وتفاصحاً واستعلاءً ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم، أو تعظيم حقير، أو بقصد تعجيزه، أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه، أو يقصد إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته. وهو يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة بلسانها.
ووجه الشبه: إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل. وهذا كله ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم(14).
علاج الخصومات والغضب
من أسباب السلامة من اللجاج والخصومات كظم الغيظ والابتعاد عن الغضب وأسبابه. وعلاج الغضب بالأدوية المشروعة يكون بطريقتين:
الطريق الأول: الوقاية ومعلوم أن الوقاية خير من العلاج، وتحصل الوقاية من الغضب قبل وقوعه باجتناب أسبابه والابتعاد عنها ومن هذه الأسباب التي ينبغي لكل مسلم أن يطهر نفسه منها: الكبر، والإعجاب بالنفس، والافتخار، والتيه، والحرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة، أو الهزل، أو ما شابه ذلك(15).
الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب
وينحصر في أربعة أنواع كالتالي: النوع الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم(16). النوع الثاني: الوضوء(17). النوع الثالث: تغيير الحالة التي عليها الغضبان، بالجلوس، أو الاضطجاع، أو الخروج، أو الإمساك عن الكلام، أو غير ذلك(18). النوع الرابع: استحضار ما ورد في فضل كظم الغيظ من الثواب، وما ورد في عاقبة الغضب من الخذلان العاجل والآجل قال عليه الصلاة والسلام: ”من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيرهُ من الحور ما شاء“(19). ــــــــــــ
الهوامش:
(1) سورة البقرة الآيات: 204 – 206.
(2) البخاري مع الفتح 5/106 ومسلم 4/2054.
(3) انظر جامع الأصول لابن الأثير 2/752 وفتح الباري 13/181.
(4) مسلم 4/2166.
(5) انظر جامع الأصول لابن الأثير 2/754.
(6) البيهقي في السنن الكبرى 10/194 وابن حبان (موارد) برقم 1975 ص485 وانظر صحيح الجامع برقم 1874، 2/144 وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 195، 1/171.
(7) انظر الأحاديث الصحيحة [التعليق] 1/172.
(8) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/285.
(9) البخاري مع الفتح بنحوه 10/452 ومسلم بنحوه 4/2002 وأبو داود بلفظه 4/251.
(10) انظر جامع الأصول لابن الأثير 11/739 وفيض القدير شرح الجامع الصغير 2/285.
(11) مسلم 4/2055.
(12) انظر شرح النووي وجامع الأصول لابن الأثير 11/733.
(13) الترمذي 5/141 وأحمد في المسند 2/165، 187 وانظر صحيح الترمذي 2/375.
(14) انظر فيض القير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف المناوي 2/283.
(15) انظر الدعائم الخلقية والقوانين الشرعية لصبحي محمصاني ص 227.
(16) انظر سورة الأعراف الآية: 200 وسورة المؤمنون الآية: 97 وسورة فصلت الآية: 36، والبخاري مع الفتح 10/518 ومسلم 4/2015.
(17) انظر سنن أبي داود 4/249 وتهذيب السنن 7/165-168 وعون المعبود 13/141 وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله إسناده جيد.
(18) دليل ذلك ما أخرجه أحمد في المسند 5/152 وأبو داود 4/249 وابن حبان برقم 484 (موارد) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رجال أحمد رجال الصحيح 8/70 وانظر شرح السنة للبغوي 13/162 فقد حسنه الشيخ الأرناؤوط.
(19) أبو داود 4/248 والترمذي 4/656 وابن ماجه 2/1400 وانظر صحيح الترمذي 2/305 وصحيح ابن ماجه 2/407.
جزاكم الله خيرا كثيرا .. فقد استفدت منه كثيرا بفضل الله... فالموضوع جدا مهم وخاصة بالنسبة الى من كان في جامعات مثل التي نحن فيها فالواحد منا ان لم ينتبه على كل حرف يقوله او يقال له وقع في شر من هذه الشرور والله المستعان ... نسال الله العفو والعافية ...
" حَسبُنا الله سَيُؤتِينا الله مِن فضْلِه إنّا إلَى الله رَآغِبُونَ"
يقول عن هذه الآية الشيخ / صآلح المغآمسي ..إنها دُعــآء المُعجِزات، ويقول: والله متى ما دعوت الله بصدق وكنت في مأزق إلا وجاء الفرج من حيث لا أعلم،، وقال ابن باز رحمه الله: مادعوت بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير. في أمر عسير إلا تيسّر
تعليق