الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
سيدنا وإمامنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد..
قال الله تعالى :
{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }
[النحل: 125]
إن الدعوة دعوة إلى سبيل اللّه، لا لشخص الداعي ولا لقومه.
فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه للّه،
لا فضل له يتحدث به، لا على الدعوة ولا على من يهتدون به،
وأجره بعد ذلك على اللّه.
والدعوة بالحكمة، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة
حتى لا يثقل عليهم ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها.
والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها.
فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه،
وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف،
لا بالزجر والتأنيب في غير موجب.
ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية.
فإن الرفق في الموعظة كثيرا ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة،
ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
وبالجدل بالتي هي أحسن.. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح.
حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل،
ولكن الإقناع والوصول إلى الحق.
فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق،
حتى لا تشعر بالهزيمة.
وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلا عن هيبتها واحترامها وكيانها.
والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة،
ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها..
في سبيل اللّه، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر!
ولكي يطامن الداعية من حماسته واندفاعه يشير النص القرآني إلى أن اللّه هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين.
فلا ضرورة للجاجة في الجدل؛ إنما هو البيان والأمر بعد ذلك للّه.
من كتاب:
توجيهاتٌ قرآنيةٌ لأصحابِ الدَّعوةِ
للشيخ
علي بن نايف الشحود
تعليق