كذلك كنتم من قبل
للشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد -حفظه الله
كنت كثيرًا ما أحاول إقناع نفسي وغيري ممن أخالطهم ألا يبالغوا في الانزعاج من الأمور الصغيرة، والأخطاء غير المقصودة التي تتكرر من الطلاب، والأولاد الصغار، ومن بعض العوام، والعصاةِ، وناقصي المدارك.
ولا أعني بذلك أن يترك حبلهم على غاربهم دون توجيه أو إرشاد.
وإنما المقصود ألا يبالغ في التثريب عليهم.
وكنت أُكْبِرُ من يتغاضى أو يُحسن التعامل مع تلك الفلتات والهِنَاتِ التي تصدر ممن مضى ذكرهم.
ذلك أن الإنسان قد مرَّ ببعض تلك الأطوار حال طفولته، أو دراسته، أو غفلته؛ فتراه إذا تذكَّر تلك الأيام السالفة، وما جرى فيها مما يُنكره حال اكتمال عقله؛ تراه يُكبِر من كان يُحسن التعامل معه في تلك الأيام، ولا يروقه إلا ذاك المربي الحكيم الحليم الذي يتغاضى، ويَتَحَلَّم عن تلك الزلات التي يَعزُّ التخلص منها، والتي لا تصدر عن عناد، أو سوء طويَّة.
فإذا كان الأمر كذلك:
فلا تغضبنْ من سيرة أنت سرتَها فأول راضٍ سنةً من يسيرها
وقد وجدت أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذا المعنى الجليل بألطف إشارة، وأجمل عبارة.
قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} النساء:94.
وقد أبدع العلامة الشيخ ابن عاشور في الوقوف عند قوله -عز وجل-: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ} في تفسيره التحرير والتنوير 5/168-169.
فقال -رحمه الله-: "أي كنتم كفارًا، فدخلتم الإسلام بكلمة الإسلام؛ فلو أن أحدًا أبى أن يُصَدِّقكم في إسلامكم أكان يرضيكم ذلك.
وهذه تربية عظيمة، وهي أن يستشعر الإنسان عند مؤاخذته غيره أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، كمؤاخذة المعلم التلميذ بسوء إذا لم يقصر في إعمال جهده.
وكذلك هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم؛ فيعتادون التشديد عليهم، وتطلب عثراتهم، وكذلك ولاة الأمور وكبار الموظفين في معاملة من لنظرهم من صغار الموظفين، وكذلك الآباء مع أبنائهم إذا بلغت بهم الحماقةُ أن ينتهروهم على اللعب المعتاد، أو على الضجر من الآلام.
وقد دلت الآية على حكمة عظيمة في حفظ الجامعة الدينية، وهي بث الثقة والأمان بين أفراد الأمة، وطرح ما مِنْ شأنِه إدخالُ الشك؛ لأنه إذا فتح هذا الباب عَسُرَ سَدُّه، وكما يتهم المتهم غيره؛ فللغير أن يتهم من اتهمه، وبذلك ترتفع الثقة، ويسهل على ضعفاء الإيمان المروق؛ إذ قد أصبحت التهمة تُظِلُّ الصادق والمنافق، وانظر معاملة النبي-صلى الله عليه وسلم-المنافقين معاملة المسلمين.
على أن هذا الدين سريع السريان في القلوب؛ فيكتفي أهله بدخول الداخلين فيه من غير مناقشة؛ إذ لا يلبثون أن يألفوه، وتخالط بشاشته قلوبهم؛ فهم يقتحمونه على شك وتردد فيصير إيمانًا راسخًا، ومما يعين على ذلك ثقة السابقين فيه باللاحقين بهم.
وإنما المقصود ألا يبالغ في التثريب عليهم.
وكنت أُكْبِرُ من يتغاضى أو يُحسن التعامل مع تلك الفلتات والهِنَاتِ التي تصدر ممن مضى ذكرهم.
ذلك أن الإنسان قد مرَّ ببعض تلك الأطوار حال طفولته، أو دراسته، أو غفلته؛ فتراه إذا تذكَّر تلك الأيام السالفة، وما جرى فيها مما يُنكره حال اكتمال عقله؛ تراه يُكبِر من كان يُحسن التعامل معه في تلك الأيام، ولا يروقه إلا ذاك المربي الحكيم الحليم الذي يتغاضى، ويَتَحَلَّم عن تلك الزلات التي يَعزُّ التخلص منها، والتي لا تصدر عن عناد، أو سوء طويَّة.
فإذا كان الأمر كذلك:
فلا تغضبنْ من سيرة أنت سرتَها فأول راضٍ سنةً من يسيرها
وقد وجدت أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذا المعنى الجليل بألطف إشارة، وأجمل عبارة.
قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} النساء:94.
وقد أبدع العلامة الشيخ ابن عاشور في الوقوف عند قوله -عز وجل-: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ} في تفسيره التحرير والتنوير 5/168-169.
فقال -رحمه الله-: "أي كنتم كفارًا، فدخلتم الإسلام بكلمة الإسلام؛ فلو أن أحدًا أبى أن يُصَدِّقكم في إسلامكم أكان يرضيكم ذلك.
وهذه تربية عظيمة، وهي أن يستشعر الإنسان عند مؤاخذته غيره أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، كمؤاخذة المعلم التلميذ بسوء إذا لم يقصر في إعمال جهده.
وكذلك هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم؛ فيعتادون التشديد عليهم، وتطلب عثراتهم، وكذلك ولاة الأمور وكبار الموظفين في معاملة من لنظرهم من صغار الموظفين، وكذلك الآباء مع أبنائهم إذا بلغت بهم الحماقةُ أن ينتهروهم على اللعب المعتاد، أو على الضجر من الآلام.
وقد دلت الآية على حكمة عظيمة في حفظ الجامعة الدينية، وهي بث الثقة والأمان بين أفراد الأمة، وطرح ما مِنْ شأنِه إدخالُ الشك؛ لأنه إذا فتح هذا الباب عَسُرَ سَدُّه، وكما يتهم المتهم غيره؛ فللغير أن يتهم من اتهمه، وبذلك ترتفع الثقة، ويسهل على ضعفاء الإيمان المروق؛ إذ قد أصبحت التهمة تُظِلُّ الصادق والمنافق، وانظر معاملة النبي-صلى الله عليه وسلم-المنافقين معاملة المسلمين.
على أن هذا الدين سريع السريان في القلوب؛ فيكتفي أهله بدخول الداخلين فيه من غير مناقشة؛ إذ لا يلبثون أن يألفوه، وتخالط بشاشته قلوبهم؛ فهم يقتحمونه على شك وتردد فيصير إيمانًا راسخًا، ومما يعين على ذلك ثقة السابقين فيه باللاحقين بهم.
تعليق