العَجَبْ مما أَحْدَثَ النَّاسُ في رَجَبْ
خالد بن أحمد بابطين
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه؛ وبعد:
فمن المعلوم عند جميع المسلمين أنَّ شهر رجب من الأشهر الحُرُمِ التي قال الله فيها : (إنَّ عدَّةَ الشُّهورِ عند الله اثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يوم خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ منها أربْعة حُرُمٌ ذلك الدِّين القَيِّم فلا تظْلِمُوا فيهنَّ أَنْفُسَكمْ). [التوبة: 36].
وثبت في "الصحيحين" أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب في حجَّة الوداع فقال في خطبته: (إنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
لِمَ سُمِّيت هذه الأشهر الأربعة حُرُماً؟
وقد اختلفوا لِمَ سمِّيت هذه الأشهر حُرُماً، فقيل: لعظم حرمتها وحرمة الذَّنب فيها.
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: اختصَّ الله أربعة أشهر جعلهنّ حُرُماً وعظَّم حُرُماتهنّ، وجعل الذَّنب فيهنّ أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم.
وقيل: بتحريم القتال فيها.
لِمَ سُمِّي رَجَبٌ رَجَباً؟
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -:
سمّي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يرجب، أي يُعظَّم، يُقال: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه.
وقيل: لأنَّ الملائكة تترجَّب للتَّسبيح والتَّحميد فيه؛ والحديث الوارد فيه موضع. اهـ كلامه بمعناه. وذكر بعضهم أنَّ لشهر رجب أربعة عشر اسماً، هي: ( شهر الله - رجب - رجب مضر - منصل الأسنَّة - الأصمّ - الأصبّ - منفس - مطهر - معلى - مقيم - هرم - مقشقش - مبرىء - فرد ).
تعظيم أهل الجاهلية لشهر رجب
ولقد كان الجاهليون يُعظِّمون هذا الشهر، خصوصاً قبيلة مُضَر، ولذا جاء في الحديث كما سبق: (رجب مُضَر) ، قال ابن الأثير في "النهاية" : (أضاف رجباً إلى مضر؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصُّوا به).
فلقد كانوا يُحرِّمون فيه القتال، حتى أنهم كانوا يُسمُّون الحرب التي تقع في هذه الأشهر (حرب الفجار!!). وكانوا يتحرَّون الدعاء في اليوم العاشر منه على الظالم، وكان يُستجاب لهم!
وقد ذُكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنَّ الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض، وإنَّ الله جعل الساعة موعدهم، والساعةُ أدهى وأمرّ.
- وكانوا يذبحون ذبيحةً تُسمَّى (العَتِيرة)، وهي شاة يذبحونها لأصنامهم، فكان يُصبُّ الدم على رأسها!
وأكثر العلماء على أنَّ الإسلام أبطلها، لحديث "الصحيحين" : (لا فرْع ولا عَتيرة).
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: (اللَّهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان) . وإسناده ضعيف.
قال بعض السلف: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السَّقي للزرع، وشهر رمضان حصاد الزرع.
جميع ما أحدث النَّاس في رجب من البدع المنكرة
ومن العجيب أنَّ الناس قد أحدثوا في شهر رجب بدعاً كثيرةً لم ينزل الله بها من سلطان، وهذه البدع التي سأذكرها نبَّه عليها أئمة الإسلام وعلماؤه، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، والشاطبي، وابن رجب الحنبلي، والطرطوشي، وابن حجر.
ومن المعاصرين: الشيخ علي محفوظ، والشُّقيري، والشيخ ابن باز، والألباني - رحمهم الله- والعُثيمين، والفوزان - حفظهما الله -.
وجميع ما سأذكره في مقالتي - أيها القاريء النبيل - من باب قول الشاعر:
عَـَرفْتُ الشَّرَّ لا للشَّر لكنْ لِتَـوَقِّيهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الشَّرَّ جَدِيرٌ أنْ يقعْ فيه
أولاً: ومن أوائل ما ابتدع النَّاس في رجب الصَّلاة، وهي عندهم على أنواع:
* منها ما يُسمَّى بـ (الصَّلاة الألفية)، وهي تُصلَّى في أول يوم من رجب، وفي نصف شعبان، وهي غير صلاة الرغائب كما سيأتي.
* صلاة أُمِّ داود، وهي تُصلَّى في نصف رجب؛ ذكرها شيخ الإسلام في » اقتضاء الصراط المستقيم« (ص293).
* صلاة الرَّغائب، ويُسمِّيها البعض (الصَّلاة الإثنى عشرية)، وهي تُصلَّى في أول ليلة جمعة بعد العشاء، وقيل: بين العشائين. وهي اثنتي عشرة ركعة، يُقرأ في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و (إِنَّا أَنزلناه في ليلة القدر) ثلاثاً، و(قل هو الله أحد)؛ اثنى عشر مرة، يفصل بين كلِّ ركعتين بتسليمة. وهي صلاة محدثة أُحدثت بعد المائة الرابعة.
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص140):
( … فأما الصلاة فلم يصحّ في شهر رجب صلاة مخصوصة تختصّ به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرَّغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصحّ ).
ثانياً: ومما أحدث النَّاس في رجب الصِّيام، وهم فيه على أصناف:
* فمنهم من يحرص على صيام اليوم الأول والثاني والثالث منه، ويروون في ذلك الأحاديث الموضوعة، كحديث: (من صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرامٍ الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة). وفي لفظ: (ستين سنة). وحديث: (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً) وحديث: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أُمَّتي). وكلُّ ذلك كذب مصنوع.
*ومنهم من يصوم اليوم السابع منه فقط، ويُصلِّي صلاة الرَّغائب في تلك الليلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( والصواب الذي عليه المحقِّقون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم، وعن الصلاة المحدثة، وعن كلَّ ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك ).
* ومنهم من يصوم الشهر كلَّه. قال ابن رجب: ( وأما الصِّيام فلم يصحّ في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ) اهـ.
وجاء عن السَّلف أنهم كانوا ينهون عن صيام رجب كاملاً.
فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أكفَّ الرِّجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ويقول : (ما رجب؟! إنَّ رجباً كان يُعظِّمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام تُرِكَ).
وفي رواية: كره أن يكون صيامه سُنَّة.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان ينهى عن صيام رجب كلِّه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب، فقال لهم: (أجعلتم رجب كرمضان! وألقى السِّلال، وكسر الكِيزان). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرى أن يفطر منه أياماً، وكرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" :
(لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحُجَّة).
ثالثاً: زيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر.
وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقبره مشروع في كلِّ السنة، وهي من جملة القُرُبات والطاعات؛ ولكن تخصيصها بهذا الشهر من البدع التي لم يرد عليها دليل، فتخصيص عبادة بوقت لم يُوقِّته الله ولا رسوله من البدع المحرَّمة؛ فتنبَّه! وقد ذكره الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز وبدعها".
رابعاً: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين منه، وقراءة قصة المعراج، وإطعام الأطعمة والولائم.
وهذا مما أحدثه الناس في هذا الشهر وهو من البدع المنكرة، فيقرأون في ليلة السابع والعشرين منه قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس، وكلُّها أكاذيب وأضاليل.
وهذا الاحتفال بدعة ولا يجوز، وذلك من وجوه:
الأول: أنَّ أهل العلم مختلفون في تحديد تاريخ وقوع هذه الحادثة العظيمة اختلافاً كبيراً، ولم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه.
الثاني: لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجزْ لنا أن نحتفل فيها، ولا أنْ نُخصِّصها بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله.
الثالث: أنه يحصل في تلك الليلة وذلك الاحتفال أمورٌ منكرة. قال بعض أهل العلم : (وقد تفنَّن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرةً، كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشُّموع والمصابيح فيها).
وأودَّ في هذه العجالة أن أسوق للقاريء الكريم كلاما نفيساً لسماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - حول هذه المسألة.
قال رحمه الله: (وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، وكلُّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث).
وحول الحكمة الإلهية من عدم تعيين ومعرفة تلك الليلة بعينها، يقول الشيخ:
(ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجزْ للمسلمين أن يخصُّوها بشيء من العبادات، ولم يجزْ لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصُّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبيَّنه الرَّسول صلى الله عليه وسلم للأُمّة، إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرفَ واشتهر، ولَنَقَلهُ الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء تحتاجه الأُمّة، ولم يُفرِّطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كلِّ خير، ولو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق إليه …) إلخ كلامه رحمه الله.
وخلاصة القول: أنَّ البدع مع أنها حَدَثٌ في الدِّين وتغييرٌ للملة؛ فهي آصارٌ وأغلالٌ تُضاع فيها الأوقات، وتُنفق فيها الأموال، وتُتْعب فيها الأجساد!! ولاحول ولا قوة إلا بالله.
وصدق من قال:
والخـَيْرُ في اتِّبـاع مَنْ سَلَفْ والشَّرُّ في ابتداعِ مَنْ خلَفْ
رزق الله الجميع الإخلاص في عبادته، واتِّباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، والموت على ذلك. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فمن المعلوم عند جميع المسلمين أنَّ شهر رجب من الأشهر الحُرُمِ التي قال الله فيها : (إنَّ عدَّةَ الشُّهورِ عند الله اثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يوم خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ منها أربْعة حُرُمٌ ذلك الدِّين القَيِّم فلا تظْلِمُوا فيهنَّ أَنْفُسَكمْ). [التوبة: 36].
وثبت في "الصحيحين" أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب في حجَّة الوداع فقال في خطبته: (إنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
لِمَ سُمِّيت هذه الأشهر الأربعة حُرُماً؟
وقد اختلفوا لِمَ سمِّيت هذه الأشهر حُرُماً، فقيل: لعظم حرمتها وحرمة الذَّنب فيها.
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: اختصَّ الله أربعة أشهر جعلهنّ حُرُماً وعظَّم حُرُماتهنّ، وجعل الذَّنب فيهنّ أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم.
وقيل: بتحريم القتال فيها.
لِمَ سُمِّي رَجَبٌ رَجَباً؟
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -:
سمّي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يرجب، أي يُعظَّم، يُقال: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه.
وقيل: لأنَّ الملائكة تترجَّب للتَّسبيح والتَّحميد فيه؛ والحديث الوارد فيه موضع. اهـ كلامه بمعناه. وذكر بعضهم أنَّ لشهر رجب أربعة عشر اسماً، هي: ( شهر الله - رجب - رجب مضر - منصل الأسنَّة - الأصمّ - الأصبّ - منفس - مطهر - معلى - مقيم - هرم - مقشقش - مبرىء - فرد ).
تعظيم أهل الجاهلية لشهر رجب
ولقد كان الجاهليون يُعظِّمون هذا الشهر، خصوصاً قبيلة مُضَر، ولذا جاء في الحديث كما سبق: (رجب مُضَر) ، قال ابن الأثير في "النهاية" : (أضاف رجباً إلى مضر؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصُّوا به).
فلقد كانوا يُحرِّمون فيه القتال، حتى أنهم كانوا يُسمُّون الحرب التي تقع في هذه الأشهر (حرب الفجار!!). وكانوا يتحرَّون الدعاء في اليوم العاشر منه على الظالم، وكان يُستجاب لهم!
وقد ذُكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنَّ الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض، وإنَّ الله جعل الساعة موعدهم، والساعةُ أدهى وأمرّ.
- وكانوا يذبحون ذبيحةً تُسمَّى (العَتِيرة)، وهي شاة يذبحونها لأصنامهم، فكان يُصبُّ الدم على رأسها!
وأكثر العلماء على أنَّ الإسلام أبطلها، لحديث "الصحيحين" : (لا فرْع ولا عَتيرة).
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: (اللَّهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان) . وإسناده ضعيف.
قال بعض السلف: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السَّقي للزرع، وشهر رمضان حصاد الزرع.
جميع ما أحدث النَّاس في رجب من البدع المنكرة
ومن العجيب أنَّ الناس قد أحدثوا في شهر رجب بدعاً كثيرةً لم ينزل الله بها من سلطان، وهذه البدع التي سأذكرها نبَّه عليها أئمة الإسلام وعلماؤه، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، والشاطبي، وابن رجب الحنبلي، والطرطوشي، وابن حجر.
ومن المعاصرين: الشيخ علي محفوظ، والشُّقيري، والشيخ ابن باز، والألباني - رحمهم الله- والعُثيمين، والفوزان - حفظهما الله -.
وجميع ما سأذكره في مقالتي - أيها القاريء النبيل - من باب قول الشاعر:
عَـَرفْتُ الشَّرَّ لا للشَّر لكنْ لِتَـوَقِّيهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الشَّرَّ جَدِيرٌ أنْ يقعْ فيه
أولاً: ومن أوائل ما ابتدع النَّاس في رجب الصَّلاة، وهي عندهم على أنواع:
* منها ما يُسمَّى بـ (الصَّلاة الألفية)، وهي تُصلَّى في أول يوم من رجب، وفي نصف شعبان، وهي غير صلاة الرغائب كما سيأتي.
* صلاة أُمِّ داود، وهي تُصلَّى في نصف رجب؛ ذكرها شيخ الإسلام في » اقتضاء الصراط المستقيم« (ص293).
* صلاة الرَّغائب، ويُسمِّيها البعض (الصَّلاة الإثنى عشرية)، وهي تُصلَّى في أول ليلة جمعة بعد العشاء، وقيل: بين العشائين. وهي اثنتي عشرة ركعة، يُقرأ في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و (إِنَّا أَنزلناه في ليلة القدر) ثلاثاً، و(قل هو الله أحد)؛ اثنى عشر مرة، يفصل بين كلِّ ركعتين بتسليمة. وهي صلاة محدثة أُحدثت بعد المائة الرابعة.
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص140):
( … فأما الصلاة فلم يصحّ في شهر رجب صلاة مخصوصة تختصّ به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرَّغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصحّ ).
ثانياً: ومما أحدث النَّاس في رجب الصِّيام، وهم فيه على أصناف:
* فمنهم من يحرص على صيام اليوم الأول والثاني والثالث منه، ويروون في ذلك الأحاديث الموضوعة، كحديث: (من صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرامٍ الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة). وفي لفظ: (ستين سنة). وحديث: (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً) وحديث: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أُمَّتي). وكلُّ ذلك كذب مصنوع.
*ومنهم من يصوم اليوم السابع منه فقط، ويُصلِّي صلاة الرَّغائب في تلك الليلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( والصواب الذي عليه المحقِّقون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم، وعن الصلاة المحدثة، وعن كلَّ ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك ).
* ومنهم من يصوم الشهر كلَّه. قال ابن رجب: ( وأما الصِّيام فلم يصحّ في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ) اهـ.
وجاء عن السَّلف أنهم كانوا ينهون عن صيام رجب كاملاً.
فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أكفَّ الرِّجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ويقول : (ما رجب؟! إنَّ رجباً كان يُعظِّمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام تُرِكَ).
وفي رواية: كره أن يكون صيامه سُنَّة.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان ينهى عن صيام رجب كلِّه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب، فقال لهم: (أجعلتم رجب كرمضان! وألقى السِّلال، وكسر الكِيزان). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرى أن يفطر منه أياماً، وكرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" :
(لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحُجَّة).
ثالثاً: زيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر.
وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقبره مشروع في كلِّ السنة، وهي من جملة القُرُبات والطاعات؛ ولكن تخصيصها بهذا الشهر من البدع التي لم يرد عليها دليل، فتخصيص عبادة بوقت لم يُوقِّته الله ولا رسوله من البدع المحرَّمة؛ فتنبَّه! وقد ذكره الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز وبدعها".
رابعاً: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين منه، وقراءة قصة المعراج، وإطعام الأطعمة والولائم.
وهذا مما أحدثه الناس في هذا الشهر وهو من البدع المنكرة، فيقرأون في ليلة السابع والعشرين منه قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس، وكلُّها أكاذيب وأضاليل.
وهذا الاحتفال بدعة ولا يجوز، وذلك من وجوه:
الأول: أنَّ أهل العلم مختلفون في تحديد تاريخ وقوع هذه الحادثة العظيمة اختلافاً كبيراً، ولم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه.
الثاني: لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجزْ لنا أن نحتفل فيها، ولا أنْ نُخصِّصها بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله.
الثالث: أنه يحصل في تلك الليلة وذلك الاحتفال أمورٌ منكرة. قال بعض أهل العلم : (وقد تفنَّن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرةً، كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشُّموع والمصابيح فيها).
وأودَّ في هذه العجالة أن أسوق للقاريء الكريم كلاما نفيساً لسماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - حول هذه المسألة.
قال رحمه الله: (وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، وكلُّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث).
وحول الحكمة الإلهية من عدم تعيين ومعرفة تلك الليلة بعينها، يقول الشيخ:
(ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجزْ للمسلمين أن يخصُّوها بشيء من العبادات، ولم يجزْ لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصُّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبيَّنه الرَّسول صلى الله عليه وسلم للأُمّة، إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرفَ واشتهر، ولَنَقَلهُ الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء تحتاجه الأُمّة، ولم يُفرِّطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كلِّ خير، ولو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق إليه …) إلخ كلامه رحمه الله.
وخلاصة القول: أنَّ البدع مع أنها حَدَثٌ في الدِّين وتغييرٌ للملة؛ فهي آصارٌ وأغلالٌ تُضاع فيها الأوقات، وتُنفق فيها الأموال، وتُتْعب فيها الأجساد!! ولاحول ولا قوة إلا بالله.
وصدق من قال:
والخـَيْرُ في اتِّبـاع مَنْ سَلَفْ والشَّرُّ في ابتداعِ مَنْ خلَفْ
رزق الله الجميع الإخلاص في عبادته، واتِّباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، والموت على ذلك. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
موقع صيد الفوائد
تعليق