بسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد ،،
الأخلاق جمع خلق ، وهو الصورة الباطنة في الإنسان : يعني السجايا والطبائع ، وهي أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، أو هي ما صار عادة للنفس وسجية لها على سبيل الرسوخ ويستحق الموجود بها المدح أو الذم، وهي تنقسم إلى قسمين : محمودة ومذمومة، فالمحمودة هي الحسنة،
والأخلاق هي إحدى الثمرات السامية من ثمار الإيمان ، يزداد الإنسان رسوخاً في إيمانه فتينع شجرة الإيمان المباركة في تربة روحه نضيج ثمرة الأخلاق، فـ الأخلاق ليست نفوذاً ، ولا جمالاً ، ولا مادة . إنها سلوك ذاتي مع الذات بالدرجة الأولى ، فتشع مواقف أخلاقية – من تلك العلاقة الذاتية - مع الآخرين والإسلام لايحض المسلم أن يكون خلوقاً مع الناس أجمعين فحسب , بل أن يكون خلوقا مع ذاته كذلك , فمن عجز أن يكون خلوقا مع ذاته,يعجز أن يكون خلوقا مع الآخرين,
وقد حث النبي صلى اللّه عليه وسلم على حسن الخلق، والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: { أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق } [رواه الترمذي والحاكم].
وحُسن الخُلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى.
وحُسن الخلق يوجب التحاب والتآلف، وسوء الخلق يُثمر التباغض والتحاسد والتدابر.
وأوصى النبي صلى اللّه عليه وسلم أبا هريرة بوصية عظيمة فقال: { يا أبا هريرة! عليك بحسن الخلق }. قال أبو هريرة رضي اللّه عنه: وما حسن الخلق يا رسول اللّه؟قال: { تصل مَنْ قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك} [رواه البيهقي].
وعن أبي ذرٍّ جُندُبِ بنِ جُنَادَةَ وأبي عبدِ الرَّحمنِ مُعاذِ بنِ جبلٍ رضِي اللهُ عَنْهُما، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: { اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ }
رواه التِّرمذيّ، وقالَ حديثٌ حَسَنٌ. وفي بعضِ النُّسَخِ حسنٌ صحيحٌ.
منزلة حسن الخلق في الإسلام
وللخلق الحسن منزلة عظيمة في الإسلام ، وتعددت الأحاديث الدالة على ذلك وتنوعت ؛ ففي حين يجعل حسن الخلق من الإيمان ، بل ويجعله أكمل خصال الإيمان فيقول صلى الله عليه وسلم : { أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا } "رواه أحمد وأبو داود والترمذي " فإيمان الذين أحسنوا الخلق زائد على من دونهم في حسن الخلق، وفي حين آخر يصرح بأن حسن الخلق من أفضل ما أعطي الإنسان، {سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما أفضل ما أعطي المرء المسلم ؟ قال: الخلق الحسن}صحيح ابن حبان.
والتوجيهات النبوية في الحث على حسن الخلق واحتمال الأذى كثيرة معروفة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بخلقه درجة الصائم القائم ، فقال: { إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم} رواه أحمد وابو داود.
كذلك أخبر أن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان ، فقال: { ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة الصوم والصلاة }رواه أحمد والترمذي .
وبين صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن أحب الناس إلى الله وأقربهم منه من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا ؛ فقال: { ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؟ قالوا : بلى، قال : أحسنكم خلقا }صحيح ابن حبان.
كذلك ذكر أن أكثر ما يدخل الناس الجنة : حسن الخلق ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : { أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق } .
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بمكارم الأخلاق، وكان هو ذاته مثلا أعلى للخلق الحسن كما بيّن ذلك قول رب العزة سبحانه وتعالى:
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) " القلم 4 "
وأوصى من كان من خواص أصحابه معاذ بن جبل بحسن الخلق فقال له :
{ اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحوها، وخالق الناس بخلق حسن }رواه أحمد وفسر صلى الله عليه وسلم البر بقوله { البر حسن الخلق }رواه مسلم. يعني أن حسن الخلق أعظم خصال البر كما قال صلى الله عليه وسلم : { الحج عرفة } رواه أحمد والترمذي.
أو أن البر يكون بمعنى الصلة ، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة ، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق .
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير حسن الخلق ، وإن كانت كلها تدور حول خصال هي:
( العطاء ، والاحتمال، والعفو، وكظم الغيظ، وبسط الوجه ).
فعن الحسن قال: " حسن الخلق : الكرم والبذلة والاحتمال " .
وعن ابن المبارك قال : " هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى " .
وعن الإمام أحمد أنه قال: " حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس " .
وقال ابن تيمية : " وجماع الخلق الحسن مع الناس : أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له. وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال ، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض " .
وقال القرطبي : " فالمحمودة على الإجمال : أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها ولا تنتصف لها " .
وقد اختلف في حسن الخلق هل هو غريزة أو مكتسب ؟
ورجح ابن حجر - رحمه الله - أن منه ما هو جبلي ومنه ما هو مكتسب .
وعلى هذا فالإنسان مأمور بالمجاهدة في خلقه حتى يصير محمودا حسنا بأن يحمل نفسه على كل عمل يوجب حسن خلقها.
وما ذكر من الآثار الدالة على فضل حسن الخلق دليل على أنها مكتسبة مقدور عليها ؛ ذلك أن الله تعالى لم يكلف العباد إلا ما يطيقون ، كما قال تعالى :
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...} البقرة 268
{ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا...} المؤمنون 62
فقد شرع الله سبحانه التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس ; وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة , لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون ; ولا ببخسهم شيئا مما يعملون , وكل ما يعملونه محسوب في سجل (ينطق بالحق)ويبرزه ظاهرا غير منقوص . والله خير الحاسبين .
وأخيرا كن داعيا بأخلاقك :
أجعل من يراك
يتمنى أن يكون مثلك ...
،،،،،
لا تحدثه عن الإيمان ،
اجعله يستشعره من النور الذي يشع من وجهك ..
،،،،،
لا تحدثه عن العقيدة ،
اجعله يعتنقها بثباتك ..
،،،،،
لا تحدثه عن العبادة ،
اجعله يراها أمام عينيه ..
،،،،،
لا تحدثه عن الأخلاق ،
اجعله يحبـــــــها منك ..
،،،،،
لا تحدثه عن الالتزام ،
اجعله يتلذذ حلاوته من رؤيتك ..
وصدق من قال :
وإذا بحثتَ عن التقي وجدتَهُ *** رجلاً يُصدِّق قولَهُ بفعالِ
وإذا اتقـى اللّه امرؤٌ وأطاعه *** فيــداه بين مكارمٍ ومعـــــالِ
وعلى التقي إذا ترسَّخ في التقى *** تاجان: تاجُ سكينةٍ وجلالِ
وإذا تناسبتِ الرجالُ فما أرى *** نسبًا يكون كصالحِ الأعمالِ
اللهم إنا نسألك العفو والعافية ، اللهم حسِّن أخلاقنا وجَمِّل أفعالنا، اللهم كما حسَّنت خلقنا فحسن بمنِّك أخلاقنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ 2 - خطى إيمانية -
تعليق