Tweet
أيها الداعية: السماء قبل الأرض
الثلاثاء 28 جمادى الثانية 1432 ـ الموافق 31 مايو 2011
د. أحمد محمد زايد
الدخول إلى الشيء من غير مدخله الصحيح يضيع الوقت ويطيل الطريق, وكثيراً ما يشكو الدعاة من عدم إقبال الناس عليهم ورغبتهم عن سماع العلم من الدروس والمحاضرات, وهذا الأمر لا شك ظاهرة ملموسة لها أسباب عدة أرى أن من أهمها ما أذكره لك أخي الحبيب في هذه السطور فأقول:
عندنا طريقان للداعية لا ثالث لهما:-
الأول: غير موصل للمقصود.
والثاني: موصل له.
فالأول يمكن أن نطلق عليه طريق (أرض- أرض) وهذا غير موصل,
والثاني (أرض – سماء – أرض ) وهذا موصل قطعا إن شاء الله, ما معنى هذا الكلام؟ وما المراد به؟.
دخول الداعية على الناس مباشرة قبل الدخول على الله لا يوصله إلى قلوبهم, لأنه دخول غريب غير مستأنس للقلوب فلا يقبله الناس حينئذ, هذا هو طريق ( أرض – أرض), أما دخوله إلى الناس بعد حسن اتصاله بربه فهذا سر قبول الناس له وتقبلهم لشخصه وبالتالي لرسالته ودعوته.
وعندنا في هذا الأمر حديثان شريفان الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ] رواه البخاري.
الراوي: أبو هريرة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
فهذا النص النبوي يبين الطريق الصحيح ألا وهو: تقرب إلى الله تعالى بأفضل ما يحبه سبحانه وهو الفرائض, ثم اجتهاد في النوافل من السنن الرواتب وقيام الليل وتلاوة القرآن وصيام النفل والتصدق ودوام الذكر وغير ذلك بصيغة الاستمرار والدوام ( ولا يزال) دون انقطاع في هذه السبيل الطويلة حتى يصل العبد إلى قوله تعالى: ( حتى أحبه) وماذا بعد ( حتى أحبه).
يأتي الحديث ليكمل حلقات المشوار والحديث الثاني رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ"
الراوي: أبو هريرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2637
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أحبه الله فأحبه جبريل فأحبه أهل السماء ثم وضع له القبول في الأرض, أحبه الناس فأحبوا الرسالة التي يحملها والكلمة التي ينطق بها, فأنست به القلوب, وانشرحت برؤيته الصدور فأقبل الناس عليه وتأثروا بكلماته ووجدت تلك الكلمات طريقها إلى القلوب بعد أن عاشها صاحبها مع نفسه وبينه وبين ربه أولا.
إن طريقك أيها الداعية أولا هو طريق السماء فادخل الطريق من بابه لتختصر المسافة ولتصل إلى مرادك.
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما سكيتا لينا ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخابا ولا صياحا"
وقال:" ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس يفطرون وبحزنه إذ الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يختالون"
وعن ابن عمر كما في الطبراني "من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله وصغر ما عظم الله وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه أو يغضب فيمن يغضب أو يحتد فيمن يحتد ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن"
فيا أخي الداعية الحبيب: كيف حالنا مع الليل والسحر, مع أورادنا الروحية, مع التنفل بصورها المختلفة, أين يقف قلبك الآن ؟ وأي شيء يشغله, لا تطلب من الناس أن ينشغلوا بشيء لم تنشغل به, ولا تطلب من الناس أن يقبلوا على أمر أنت لست مقبلا عليه, فلا تضع نفسك مع العوام في صفاتهم وأحوالهم.
هذا معنى وددت لو صرخت به في أذن كل داعية, وفقني الله وإياك إلى ما فيه رضاه, وصل الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليق