حاجتنا إلى الواقعية
________________________________
من كتاب:
منهج الدعوة
في
ضوء الكتاب والسنة
للشيخ
******************************************
إنَّ من أجمل ما اتصفت به دعوة الإسلام وأعظمِه: الواقعية في التصور.. الواقعية في الطرح.. الواقعية في المعالجة.. الواقعية في التعبد.
وكيف لا يكون ذلك، وقد أنزله من خَلَق الخلق، ويعلمُ حالهم وما يحتاجون إليه.
قال تعالى: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ }. [الملك: 14]
أي لا يأمر المخلوق إلا بما يناسبه، وبما يناسب واقعه، لما يعلم من طبيعته.
وقال تعالى: { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا }. [البقرة: 286]
والمقصود بالواقعية هاهنا: فهم الواقع على حقيقته، ومعالجة ذلك معالجة شرعية متوافقة مع كل ظرف، ومتجانسة مع كل حدث، ومتلائمة مع كل حال وواقع.
والواقعية تعني كذلك: أن لا نكون خيالين في أذهاننا، حتى إذا ما نزلنا ساحة الواقع صُدمنا.. ثم فشلنا.
إنهم يريدون كمالاً في الإيمان.. فلا أحد يعصي، كمالاً في التعبد.. فلا أحد يقصر، كمالاً في الفهم.. فلا خلاف في الاجتهاد،
كمالاً في الأخلاق.. فلا أحد يخطئ. ( 1 )
إن مثل الذين يطلبون المثالية بعيدين عن الواقعية، كمثل من يطلب زوجة مثالية في جمالها، مثالية في أخلاقها، مثالية في تصرفاتها، مثالية في ثقافتها،
إنّه سيبقى عازباً أبد الدهر.
وإن تزوج فليُصدَمَّن، فإما يصبرَنّ، وإما يطلقن.. وسيبقى في خيال وعذاب.. وتقصير وقِصر.. تقصير في عمله، وقصر نظر في رؤيته.
إن عدم واقعية بعض دعاتنا، جرَّ عليهم وعلى المسلمين مشكلات كثيرةً، ومصائب جسيمة، وتقصيرًا في الأداء، ثم عجزًا وفشلاً في الدعوة إلى الله.
إنَّ الذي يظن أن يُحكم بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بمثلهما فلينتظر.. إنّا معه مُنتظرون.
وإنَّ الذي يدعو قوماً يريد أن يكونوا كالصحابة في الإيمان والعمل.. لن يحصد إلا الخيبة والفشل.
إنَّ الذين يطلبون الكمال في الدعوة، كالمُنْبَتِّ لا أرضاً قطع (2)، ولا ظهرًا أبقى.
إنَّ على الدعاة والناشئة، أن يُدركوا أن البشر لن يكونوا ملائكة أبداً، وإنه من ظن أن العباد سيهتدون بموعظة أو موعظتين.. أو بترهيب أو ترهيبين.. فقد أبعد النُّجعة ( 3 )، وطلب المحال.
إنَّ من المعلوم في دين الله، أن الله لم يوجب الكمال على العباد، لا كمالاً في الإيمان، ولا كمالاً في العمل.. ولا في شيء غير هذا.
فعن أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " صحيح مسلم - كِتَاب التَّوْبَةِ - باب سقوط الذنوب بالاستغفار)). ( 4 )
وقد وُجد في الصحابة من وقع في الذنوب، وهم بشهادة القرآن خير أمة أخرجت للناس.
وإذا كان بعض الأنبياء وقع في هفوة، كآدم عليه الصلاة والسلام، أفنطلب من أبنائه أن يكونوا معصومين.. بل يقع منهم هفوات.. بل بليات.
إن محاسبة الناس على التقصير عن الكمال، جر على المسلمين عبر تاريخهم ويلات كثيرة، ومصائب جسيمة.. من نقض البيعات، إلى اتهام العلماء، وتكفير الناس،
بل وقتلهم.. وما واقعنا اليوم عن ذلك ببعيد.
إن الانطلاق من تصور صحيح واقعي لأحوال الناس وظروفهم، ومعرفة صحيحة لما يريده الله منهم، يجعل المسلم بعامة، والداعية بخاصة موفقاً في خطابه،
مثمراً في دعوته.
وليس ثمة مانع من أن يسعى الدعاة إلى طلب الكمال المشروع، والمعقول، ولكن عليهم أن يغضوا الطرف عن المحاسبة عن الكمال.
--------------------------
(1) تعقيب للشيخ:
من جميل ما وجدت مرة: أن أحد المصلين رنّ جواله (الهاتف المحمول) فما أن انتهت الصلاة حتى رُمي بوابل الألفاظ واللوم.. ثم اجتمع معي الرجل، ومعه أشد الناس لوماً له،
وكان الرجل يعتذر بالنسيان.. وكان المعاتب لا يقبل عذراً، ويشتد في اللوم.. وبينما الموقف كذلك إذا بجوال المعاتب يرن. وعلى نغمة موسيقية منكرة.. فتلون وجهه وبدأ يعتذر..؟!؟
(2) منبت - مُنْبَتٌّ :
[ ب ت ت ]. ( فاعل من اِنْبَتَّ ).
1 ." أَمْرٌ مُنْبَتٌّ " : مَقْطُوعٌ لاَ أَصْلَ لَهُ .
2 . إِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى . ( حديث ) : يُقَالُ لِلْمُفْرِطِ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ وَالْمُبَالِغِ فِيهِ حَتَّى رُبَّمَا يُفَوِّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ .
المعجم: الغني -
(3) النُّجْعَةُ - نُجْعَةُ :
(4) - رواه مسلم (2749) وغيره.
من جميل ما وجدت مرة: أن أحد المصلين رنّ جواله (الهاتف المحمول) فما أن انتهت الصلاة حتى رُمي بوابل الألفاظ واللوم.. ثم اجتمع معي الرجل، ومعه أشد الناس لوماً له،
وكان الرجل يعتذر بالنسيان.. وكان المعاتب لا يقبل عذراً، ويشتد في اللوم.. وبينما الموقف كذلك إذا بجوال المعاتب يرن. وعلى نغمة موسيقية منكرة.. فتلون وجهه وبدأ يعتذر..؟!؟
(2) منبت - مُنْبَتٌّ :
[ ب ت ت ]. ( فاعل من اِنْبَتَّ ).
1 ." أَمْرٌ مُنْبَتٌّ " : مَقْطُوعٌ لاَ أَصْلَ لَهُ .
2 . إِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى . ( حديث ) : يُقَالُ لِلْمُفْرِطِ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ وَالْمُبَالِغِ فِيهِ حَتَّى رُبَّمَا يُفَوِّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ .
المعجم: الغني -
(3) النُّجْعَةُ - نُجْعَةُ :
- النُّجْعَةُ : طلبُ الكلإ ومَساقطِ الغيث .
و النُّجْعَةُ قَصْدُ ذي المعروف لمعروفه .
ويقال : هو نُجْعَتي : موضعُ أملي .
وهذه ليست بِدَارِ نُجْعَة : غير صَالحة للتحوّل إِليها .
المعجم: المعجم الوسيط -
(4) - رواه مسلم (2749) وغيره.
تعليق