الْحَجُّ بَرْمّجَةٌ لِلّنَفْسِ الْبَشَرِيَةِ
تعتبر رحلة الحج أفضل طريقة لإعادة برمجة النفس البشرية، لما تحمله من منافع كثيرة لم يكشفها العلم إلا حديثاً جداً، لنقرأ هذا البحث الرائع
مَن منّا لا يتمنى أن يرى بيت الله الحرام، ومن منا لا يحلم أن يقبل الحجر الأسود الذي قبَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن منا لا يدعو الله تعالى أن يرزقه رؤية تلك الأراضي المقدسة التي عاش فيها خير البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...
الحج هو تلك الرحلة الروحانية المقدسة إلى بيت الله الحرام – الكعبة المشرفة، حيث تشتاق نفوس المؤمنين إلى تلك البقعة المباركة التي فضّلها الله على جميع بقاع الأرض فقال: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 96-97]. وقبل أن نمضي في رحلتنا هذه لابد من الإشارة إلى أن عبادة الحج تضمنت جميع العبادات، ففيها التوحيد لله والإقرار بالعبودية له وحده، وفيها الصلاة والصيام والزكاة، وفيها حسن الخُلُق، وفيها الدعاء وهو مخ العبادة....
الْحَجُّ قَبل الِإسْلاَمِ
يقوم أتباع بوذا كل عام بالحج إلى أربعة أماكن: مسقط رأس بوذا، وأرض السعادة العليا والأرض التي نزلت عليه البصيرة فيها، والمكان الذي أوصى بزيارته [1].وفي اليونان كانوا يقومون برحلة الحج كل أربع سنوات إلى معبد "زيوس" إله البرق، حتى الملحدين كان لهم حج كل عام إلى ضريح "لينين" في الساحة الحمراء في موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي السابق [2]!
أما الحج في الديانة المسيحية فقد كان ولا يزال أمراً مهماً، حيث يقوم الحجاج كل عام برحلة إلى مركز الكنيسة الغربية في روما. وهنالك أنواع كثيرة للحج مثل حج بعض المسيحيين في إسبانيا إلى موقع ظهور العذراء في Santiago de Compostela [3].
رِحْلَة إِلَى اللهِ
تعتبر رحلة الحج طريقاً سهلاً للوصول إلى مرضاة الله تعالى، ويعتبر الحاج إلى بيت الله الحرام ضيفاً حلّ في ضيافة الله تعالى، فماذا نتوقع من هذا الإله العظيم وهو أكرم الأكرمين؟؟ وقد فرض الله هذه العبادة على الناس مرة في العمر على الأقل فقال: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران: 97]. فما هي أسرار هذه الرحلة الرائعة، وما هي المنافع التي وعد الله بها كل حاجّ فقال: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 28]، وهل هنالك فائدة عظيمة من هذه الرحلة أم أنها مجرد رحلة عادية؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات والتي سنكتشف من خلالها أسراراً علمية لم يكتشفها العلم الحديث إلا مؤخراً، قبل ذلك لابد من الإجابة عن سؤال: ما هو الحج؟
رحلة الحج ببساطة هي عبارة عن مراحل: تبدأ رحلة الحج من الميقات حيث يلبس الحاج لباس الإحرام وينوي الحج، الوصول إلى مكة المكرمة ليقبل الحجر الأسود ويطوف حول الكعبة سبعة أشواط ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم ينتقل إلى منى ليقضي يوم 8 ذي الحجة فيها، ثم ينتقل إلى عرفات ليقف فيها يوم 9 ذي الحجة حتى غروب الشمس ويدعو الله، ثم يعود إلى مزدلفة ليمضي فيها ليلته، ثم يتوجه إلى منى حيث يرمي إبليس بالحصى في 10 ذي الحجة وينحر الأضاحي ويحلق الرأس، ثم يرجع في نفس اليوم إلى الكعبة ليطوف حولها. ثم يعود إلى منى ليرمي الجمرات، ويقيم فيها ثلاثة أيام 11-12-13 ذي الحجة، ثم يتوجه إلى الكعبة ليطوف حولها طواف الوداع ويشرب من ماء زمزم [4].
الْحَجُّ "فَرْمَتَة" لِلنَفْسِ الْبَشَرِيَةِ
يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن الذي ينهك قوى الإنسان هو كثرة الهموم والمشاكل التي يتعرض لها في حياته، وأن أفضل طريقة لإعادة التوازن له هو أن يفرّغ هذه "الشحنات السلبية" المتراكمة بفعل الأحداث التي يمر بها. وعملية التفريغ هذه ضرورية ليتمكن الإنسان من العيش حياة أفضل وليستطيع استثمار طاقاته بشكل أفضل.
ولذلك تجدهم كل عام يذهبون للسياحة والاصطياف ليفرغوا شيئاً من التراكمات السلبية ويستعيدوا نشاطهم وطاقتهم، ولكن إذا نظرنا للعالم الغربي فإننا نجد لديهم أكبر نسبة للاكتئاب على مستوى العالم، إذن هم يكتشفون العلاج ولكن لا يعرفون الطريق الصحيح لتطبيقه.
والعجيب أن الإسلام ومنذ أربعة عشر قرناً أعطانا الطريق الصحيح لإعادة توازن الإنسان وتفريغ ما تراكم فيه من سلبيات، ولسنا بحاجة لمعرفة فوائد هذه العبادة لأننا نمتثل أمر الله تعالى، ولكن إذا علمنا هذه الفوائد ازددنا إيماناً إلى إيماننا.
إن رحلة الحج على ما فيها من مشقة وتعب وغربة وصعوبات، تعتبر حلم كل مؤمن لما يجده من الراحة النفسية الكبيرة بعد الحج. والغريب أننا إذا سألنا أي حاجّ قدم حديثاً من الأراضي المقدسة وقلنا له: ما رأيك بالعمل الذي قمتَ به، فسيقول على الفور: أتمنى أن أحج إلى بيت الله كل عام!!
ما هو سرّ هذه الراحة النفسية التي يلمسها كل إنسان ذهب لأداء هذه الفريضة؟ إن الجواب بسيط، وهو أن هذه العبادة إذا أداها الإنسان بشكل صحيح فإنها تقوم بعملية "فرمتة" أو تفريغ الشحنات السلبية وإعادة شحن بالشحنات الإيجابية. وقد أجد في هذه الكلمة تعبيراً مفيداً لأن جهاز الكمبيوتر يحتاج إلى عملية "فرمتة" كل فترة وإلا فإنه سيتوقف عن العمل في نهاية الأمر. ومن عجائب ما وجدت في أحاديث النبي الكريم إشارة واضحة إلى هذا الأمر حيث يؤكد أن الحج يفرغ ما يحمله الإنسان من ذنوب وأخطاء، يقول عليه الصلاة والسلام: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة) [رواه ابن حبان في صحيحه]. ولكن إذا كان الحج ينفي الذنوب فكيف ينفي الحج الفقر؟ كما رأينا فإن هذه الرحلة تعيد للجسم طاقاته فيصبح أكثر قابلية للعمل وكسب الرزق ولذلك فإن الحج يساعد الإنسان على القضاء على الفقر!!
يتبع...
تعليق