السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متى نصر الله؟
سؤال من الأهمية بمكان ذلك بأنه سؤال عن سر بقاء الأمة الإسلامية خير امة أخرجت للناس إنه سؤال عن مصيرها الذي رسمه الله لها،
يكثر هذا السؤال دائما في أزمنة انتشار الفتن وتسلط الظالمين
نعم هذا زمن الفتن فتن كقطع الليل المظلم يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا،
زمن صار القابض على دينه كالقابض على الجمر عن تمسك بها أحرقته وغن تركها كفر،
زمن صدق فيه الكاذب وكذب فيه الصادق ونطقت فيه الرويبضة التافهون يحددون مصر الأمة،
زمن فت فيه الطابور الخامس ممن يسمون بالنخبة في عضد الأمة ويزرعون فيها روح الانهزامية والتبعية،
زمن ظهر فيه مسلمون يتبرؤون من الشريعة وينفون عن أنفسهم أنهم سيطبقونها الآن ولا فيما بعد،
أو يقولون بملء أفواههم : أنهم سيضيفون نصوصا من الإنجيل إلى الكتب والمناهج الدراسية التي يتربى على عورها الحالي أولادنا.
أو يخرج علينا منتسب للدعوة والدعاة وتشدق بقوله لو صار شنودة حاكما علينا فله السمع والطاعة لا يجوز الخروج عليه.
والأمثلة المخزية في ذلك كثيرة وليس لها من دون الله كاشفة
نعم أحبتي في الله
إننا نشتاق و كل نفس مؤمنة إلى ذلك اليوم العظيم، الذي سترتفع فيه راية الشريعة الإسلامية خفاقةً في أرجاء المعمورة فضلا عن البلاد الإسلامية التي لا زالت تئن تحت وطأة حكام يفتخرون بتبعيتهم للغرب والشرق ويستمدون قوتهم في قهر شعوبهم ممن استعمروا عقولهم وتسلطوا على مقدراتهم وخيرات بلادهم،
أعلنها بكل وضوح لقد بدأ الصف الإسلامي في التمايز وهو سنة ربانية:
فهذا يسأل لماذا لم يمكن الله لنا ونحن له مسلمون؟
فمتى نصر الله؟
وآخر يسأل أليس الله يعلم بما يحدث في العالم الإسلامي من قل وتشريد وانتهاك أعراض؟
فمتى نصر الله؟
متى نصر الله؟
سؤال قد ذكره ربنا في محكم التنزيل كما ذكر إجابته
قال تعالى في سورة البقرة : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) الآية:214 .
إنها بيان لسنة الله في عباده سواء كانوا من أهل الباطل أو من أهل الحق اللذان يتدافعان حتى يوم القيامة والمعنى الإجمالي للآية يوضحه لنا الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله فيقول:
" فمعنى الكلام : أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار ، فتُبتلوا بما ابتُلوا واختبروا به من " البأساء " ، وهو شدة الحاجة والفاقة ، " والضراء " ، وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم ، يعني : ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ ، حتى يستبطئ القومُ نصرَ الله إياهم ، فيقولون : متى الله ناصرنا ؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ ، وأنه مُعليهم على عدوِّهم ، ومظهرهم عليه ، فنجَّز لهم ما وعدهم ، وأعلى كلمتهم ، وأطفأ نار حرب الذين كفروا " انتهى .
"تفسير الطبري" (4/288) .
وانظر أحبتي في الله إلى هذه التربية الربانية ببيان معالم الطريق إلى الله:
( ... وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ...)
إننا إذا قارنا أنفسنا الآن بما عندنا من بُعد عن شرع الله و استخفافا بأوامره بما وقع من بعض أصحاب رسول الله في أحد أو في حنين كما سيأتي بيانه لعرفنا أن الله عفو كريم و أنه سبحانه يعاملنا بالرحمة الشديدة و باللطف الإلهي ( لولا أن من الله علينا لخسف بنا .. ).
إن كثيرا من الناس يظنون أن كل ابتلاء من الله هو فقط للاختبار و التمحيص ، و هذه نظرة تتغافل الواقع و تتخلص من عبء المسئولية. إن كثيرا من البلاء يكون عقوبة من الله تعالى بسبب تقصير أو تفريط أو مخالفة. و نحن لا نستطيع أن نتألى على الله و لا أن نجزم في كل حالة إن كانت للاختبار أم للعقاب. و لكن حسبنا أن نتلمس في استقراء ما يحدث لنرى إن غلب على ظننا أن هذه عقوبة من الله فنرجع و نتدارك و نصحح حتى يرتفع البلاء و تنتهي العقوبة.
ينبغي أن ننظر في أقدار الله تعالى
و أي منها يقال لنا فيها ( هو من عند أنفسكم.. ).
و أي منها يقال فيها (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
أو يقال فيها (وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمة .. )
أو يقال ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ... ).
التربية بالنصر والهزيمة في حياة الرعيل الأول:
ولماذا يتأخر النصر؟
لقد اقتضت حكمته تعالى أن تقوم فئة مؤمنة بهذه الرسالة و أن تتعرض إلى العديد من الابتلاءات و العثرات و قد اعتنى الله بهذه الأمة الوليدة و صنعها على عينه و تابعها بالوحي يرشدها و يصحح لها خطاها و يقيلها من عثراتها و هذا من أسباب نزول القرآن مفرقا على امتداد ثلاثة و عشرين عاما.
و نحن الآن تحت وطأة النكبات العديدة ينبغي أن نمعن النظر في السيرة النبوية لنرى كيف نزل البلاء و كيف رفع و لنتلمس سنة الله في خلقه و قانونه في ملكوته حتى نستطيع أن نتعامل معها فسنة الله لا تتبدل و لا تتحول.
مثلا انهزم المسلمون في أحد و سمى الله ما وقع لهم مصيبة ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ .. قل هو من عند أنفسكم .. ). خالفت مجموعة صغيرة من الرماة أمر النبي صلى الله عليه و سلم فوقع ما وقع ، مجموعة صغيرة لا تتعدى الثلاثين رجلا من جيش قوامه سبعمائة مقاتل ، فكانت سببا للهزيمة و لم يشفع لهم وجود رسول الله بينهم و فى صفوفهم بل أصابه صلى الله عليه و سلم من شظايا هذه الهزيمة فكسرت رباعيته و وقع في كمين و شج رأسه و لما تساءل المسلمون : كيف ننهزم و نحن على الحق و هم على الباطل جاء الجواب من السماء : قل هو من عند أنفسكم. ففهم المسلمون الدرس و عرفوا سنة الله تعالى ( و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. ) فتعلموا أن هذه الأمة يعاملها ربها كجماعة واحدة و كجسد واحد.
و انتقل المسلمون عبر أحوال مختلفة و بعد غزوة أحد بسنوات كان عودهم قد اشتد و أعدادهم قد كثرت و قوتهم قد غلبت فقابلوا المشركين في حنين و هم أقل من المسلمين في العدد و العدة فقال بعض المسلمين كلمة كشفت عن انحراف في توكلهم و نقص في إيمانهم ، قالوا ( لن نغلب اليوم من قلة .. ) ، فانهزموا
و وصف الله حالهم: ( و يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين .. ).
و مرة أخرى ذاقوا الهزيمة في أول الأمر و بيدهم كل أسباب النصر المادية و بينهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و خيرة أصحابه الكرام و مرة أخرى يتعلمون أن الله تعالى يعاملهم كجماعة واحدة و جسد واحد.
فتابعهم الوحى يكشف لهم أسرار الضعف و أسباب الخذلان فتعلموا هنا أنه " لا إله إلا الله " كما تعلموا يوم أحد أن " محمدا رسول الله " ، تعلموها واقعا في حياتهم و بلاء مروا به و خرجوا منه بهذه التربية الربانية.
وانظروا إخوتي الكرام على هذه الصورة التي تأخذ بالقلوب وتُدمع العيون: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
يعلق الشهيد صاحب الظلال - رحمه الله – على هذه الآية فيقول:
" إن سؤالهم مَتَى نَصْرُ اللهِ ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة, ولن تكون إلا محنة فوق الوصف, تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب, فتبعث منها ذلك السؤال المكروب مَتَى نَصْرُ اللهِ؟
وعندما تثبت القلوب المؤمنة على مثل هذه المحنة المزلزلة,
عندئذ تتم كلمة الله, ويجيء النصر من الله تعالى أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ,
إذاً هو مدخر لمن يستحقونه, ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية, الذين يثبتون على البأساء والضراء, الذين يصمدون للزلزلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك...
ثم يقول رحمه الله : " وها هي آيات الله تتلى إلى يوم القيامة تصور ساعات الحرج القاسية في حياة الرسل, قبيل اللحظة الحاسمة التي يتحقق فيها وعد الله, وتمضي فيها سنته التي لا تتخلف ولا تحيد [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ]يوسف.
إنها صورة رهيبة, ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل, وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود.
وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل, إنها ساعات حرجة, والباطل ينتفش ويطغى ويبطش ويغدر. والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق فتهجس في خواطرهم الهواجس.. تراهم كُذِبوا؟ ترى نفوسهم كذبتهم في رجاء النصر في هذه الحياة الدنيا؟ في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب, ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل, ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً [جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ] هكذا قال سيد قطب رحمه الله."
إذن خلاصة القول أننا نحن المسلمون – قد تخلف عنا نصر الله لبعدنا عن دينه و لكثرة نزاعنا و فرقتنا.
عودة إلى الواقع:
سبب آخر واضح لتأخر النصر عنا في الخمسين سنة الأخيرة ، و هو كثرة النزاع و الخلاف بين المتدينين. هذا النزاع هد عافية الصحوة الإسلامية و شغلها بما لم يكن لها أن تنشغل به فصرف جهود المتدينين في معارك وهمية و أنشا حالة من التوجس بين عامة الناس عندما رأوا أهل الدين يتعاركون و يقذف بعضهم بعضا و يلعن بعضهم بعضا. سألت مرة شابا نشطا فى أحد المواقع الشبابية لماذا لا تنشط في ساحة الحوار الإسلامي ، فقال : أشارك بكثافة فى ساحات الكمبيوتر و التنمية البشرية فالشباب فيها يتعاملون بلطف و مودة و يتعاونون و بينهم دائما حسن الثناء ، أما الساحة الإسلامية فكلها نزاعات و اتهامات و كأننا في حرب.
إننا لم نر نزاعا ينشأ بين طائفتين أو بين أشخاصا ، إلا و زادت الردود بينهم من حدة النزاع و وفرت أسبابا جديدة و وقودا جديدا لالتهاب و احتقان الخلاف. بينما رأينا بعض الدعاة إلى الله لا يلتفتون و يمضون في طريقهم و يتحملون الأذى الذي يصيب أشخاصهم بينما عيونهم و فكرهم مركز على تلال التحديات التي أمامهم فمليارات من البشر لا تعرف لها ربا و غارقة في وحل الفساد و الإلحاد و مئات الملايين من المسلمين مغيبون عن شرعهم و غافلون عن دينهم و غارقون في بحار من المعاصي و المخالفات. و هؤلاء الدعاة يرون أن كل التفات عن هذه المسئوليات هو شر أنواع العبث ( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم .. و أصبروا .. ).
حكمة الله في علو الظالمين
و أما بالنسبة لغير المسلمين فيشتبه على كثير من المسلمين و يحتاروا في رؤية تقدمهم و سيطرتهم مع كفرهم و إلحادهم. و هذه الشبهة تتردد على الألسنة منذ سنوات طويلة و لكنها الآن أكثر إلحاحا مع تدهور حال المسلمين.
لله تعالى فى كونه سنن و قوانين لا تتبدل و لا تتغير ، و من سننه مع الكفار أنه يمهلهم ثم يمهلهم فإذا أخذهم لم يفلتهم.
تأمل قوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ، وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) فترى بعينك أن هذا هو بالضبط ما يحدث الآن ، ثم يقول تعالى ( فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) ، فما نراه الآن من فتح أبواب الدنيا عليهم و انبساطها هو من سنة الله في خلقه ،
ثم يقول جل شأنه (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) و هذا ما سيحدث لا محالة.
يقول صاحب الظلال:
" ثم إن الله تعالى يمد للظالم مداً [قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ]مريم, وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".
وفي القرآن الكريم ما يثبت أن الله تعالى يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ [فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا]الطارق , وفي الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم "التأني من الله, والعجلة من الشيطان" وقالوا: في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
ولقد ذكر الله لنا متى يأخذ الظلمة, وبَيَّنَ أنه لا يأتيهم أمر الله بالهلاك إلا بعد أخذِ الأرض لزخرفها وتزينها, وظنِّ أهلها أنهم قادرون عليها, ساعتها يأتيهم أمر الله الذي لا يُرَدُّ!
يقول الله تعالى [حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]يونس , على مثل هؤلاء القوم الذين لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمة يأتي أمر الله ليلاً أو نهاراً.
هؤلاء الذين قالوا [مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً] فصلت ، وقال غيرهم [نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ]النمل ، وقال أولهم [ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] الأعراف ، وقال ثانيهم [أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ]الزخرف , وقال وزيره السيئ [إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي], هؤلاء جميعاً إنما أخذهم الله يوم تكبروا في الأرض [كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ]القمر , وظلمة اليوم لن يطول حسابهم, وستشهد الأيام عويلَهم بإذن الله تعالى." انتهى من الظلال بتصرف
فانظروا رحمكم الله من حولكم:
فقد رأينا ذلك بالأمس القريب مع الإلحاد الشيوعي، انهارت إمبراطوريتهم و ذهب تسلطهم على رقاب الخلق و ينحدرون تدريجيا إلى الهاوية، وغدا ستنهار داعرة العالم أمريكا وعرابتها الصهيونية.
و أقسم بالله العظيم أن هذا سيكون مآل غيرهم ممن كفروا بالله و صدوا عن سبيله.
وهذا شأن الله مع خلقه ( و أملى لهم، إن كيدي متين )، و لا ينبغي لنا أن يكون هذا هاجسنا الأكبر، فبعض المسلمين كل همه متى سيرى اندحار الظالمين الطغاة، و يستعجل في هذا و ربما يندفع فيخرج عن شرع الله.
لله تعالى سنن لا نستعجلها و له نظام لا يخضع لاستعجالنا و لا إلى تهورنا.
و لكن ينبغي أن نتوجه بالكلية إلى إصلاح أحوالنا نحن، نرمم أخطاءنا و نصلح معاملاتنا و نقيم شرع الله في أنفسنا قبل أن نلوم الآخرين عليه. المشكلة فينا نحن ، أحوالنا الآن لا تستحق نصرة الله تعالى ، و الاعتراف بهذا أول طريق الحل. إن الأمة بحاجة ماسة الآن إلى منهج معتدل يقيم الدين في حياتها بعيدا عن التشدد المقيت أو التسيب الذي يخرج عن دائرة الشرع.
حقيقة النصر وصوره:
وقد يتساءل البعض فيقول: "قد عُلِمَ أن بعض الأنبياء قتله قومه، كيحيى وزكريا عليهما السلام، ومنهم من ترك قومه مهاجراً كإبراهيم عليه السلام، فهل يتعارض ذلك مع ما جاء في الآية السابقة ؟ "
والجواب البدهي والسريع على ذلك أن نقول: لا تعارض في ذلك أبداً؛ وذلك لأن الانتصار لأولئك الأنبياء قد حصل بعد مماتهم، كما فعل الله بقتلة يحيى وزكريا عليهما السلام، فقد سلّط الله عليهم من أعدائهم من يهينهم ويسفك دمائهم، وأما النمرود فقد أخذه الله أخذ جبّار منتقم، وانتصر الله لنبيه إبراهيم عليه السلام، وتحقق بذلك موعود الله تبارك وتعالى،
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) رواه البخاري، وهكذا نصر الله أنبياءه على من خالفهم وكذبهم، وجعل كلمته سبحانه هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وأنجى الله تعالى المؤمنين من بين أظهرهم، ونصرهم على عدوهم.
لقد أخبرنا الله عز وجل بقصة أصحاب الأخدود، حين قال تعالى في محكم كتابه: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} (البروج:10) إنها نهاية مؤلمة يتفطّر لها قلب كل مؤمن، ولا يملك عينه من الدمع عندما يتراءى له ذلك المشهد أمام مخيّلته، وبالرغم من ذلك لم يخبرنا الله تعالى بأنه أرسل جنوداً من السماء على أولئك القتلة المجرمين، ولم يخبرنا أيضاً بأنه خسف بهم الأرض أو أرسل عليهم حاصباً، كل هذا لم يخبرنا الله به، فأين النصر؟!! إن الله عز وجل يريد أن يعلم الأمة درساً عظيماً، وأمرا جليلاً، ألا وهو: أن النصر لا يكون بالأسباب الظاهرة، والعقوبات العاجلة فحسب، لكن حقيقة النصر الثبات على المبادئ.
إن أولئك الشهداء المؤمنين قد انتصروا في حقيقة الأمر؛ لأنهم استطاعوا أن يثبتوا على مبدأ الإيمان مع كل تلك الخطوب العظيمة، والآلام الجسيمة، تلك هي حقيقة النصر التي يجب أن تتعلمها الأمة وتعيها جيداً.
على أن هذا النصر الظاهر قد يتأخر، ويستبطئه المؤمنون؛ لحكمة يريدها الله، ولأسباب لا يعقلها إلا من وهبه الله نظراً ثاقباً وفهماً عميقاً للأمور والأحداث، ومن تلك الأسباب:
* كون الأمة الإسلامية غير مؤهلة لحمل راية الإسلام، فلو نالت النصر لفقدته سريعاً، لعدم قدرتها على حمايته طويلاً،
* وقد يبطيء النصر لأن الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يزيدوا صلتهم بالله، ويجردوا نواياهم من كل ما يشوبها من حب للظهور أو طلبٍ لأطماع دنيوية أو مآرب شخصية، فإذا توافرت أسباب النصر عند الأمة كانت الأمة جديرة بنصر الله تعالى لها،
*ومن ناحية أخرى قد يتأخر النصر؛ لأن الباطل الذي تحاربه الفئة المؤمنة لم تنكشف حقيقته للبسطاء من الناس، وبالتالي لم يقتنعوا بعدُ بفساده، وضرورة زواله، فيحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والجهد لكشف زيفه، وبيان بطلانه، كي يتقبّل الناس ذلك النصر، ويكون له أعظم الأثر في نفوسهم بعدما تبيّنت لهم حقيقة الباطل، وأثره السيئ على دينهم ودنياهم. فإذا غلبه المؤمنون حينئذٍ لم يجد من يذرف الدموع عليه، ويأسف على زواله.
وخلاصة القول: إن الله سبحانه وتعالى سوف يعلي كلمته، وينصر دينه، ولن يتم ذلك إلا بالأخذ بأسباب النصر، وعوامل تحققه، ومهما طال ليل الهزيمة، فإن فجر النصر آت بإذن الله ووعده، وحينئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويتم الله الأمر لهم، وتنتشر الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، نسأل الله تعالى أن يرينا ذلك اليوم، وما ذلك على الله بعزيز.
ولكن من يستحق النصر؟
إن نصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان ، وزعم الإسلام ، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه ، وعمل بالإسلام بجوارحه .
قال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) النور/55 ، 56 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ، أي : أئمةَ الناس ، والولاةَ عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم ، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك ، وله الحمد والمنَّة ، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة ، وخيبر ، والبحرين ، وسائر جزيرة العرب ، وأرض اليمن بكمالها ، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر ، ومن بعض أطراف الشام ، وهاداه هرقل ملك الروم ، وصاحب مصر والإسكندرية - وهو المقوقس - ، وملوك عُمان ، والنجاشي ملك الحبشة ، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة ، رحمه الله وأكرمه .
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة : قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (6/77) .
كذلك صدق الناس في إيمانهم بربهم ، وإقامتهم لشرعه ، دليل على ما يكون من حالهم ، حين يمكن الله تعالى لهم ، وهؤلاء هم الذي وعدهم الله تعالى بالنصر والتمكين .
قال تعالى : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج/ 41 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - بعد أن ساق آيات فيها بيان نصر الله تعالى للمؤمنين - : " وفي قوله تعالى : ( الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض ) الحج/ 41 الآية : دليل على أنه لا وعدَ من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فالذين يمكِّن الله لهم في الأرض ، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم ، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة ، ولا يؤتون الزكاة ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر : فليس لهم وعدٌ من الله بالنصر ؛ لأنهم ليسوا من حزبه ، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر ، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه ، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه : فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه ، ثم يطلب الأجرة ، ومَن هذا شأنه : فلا عقل له .
"أضواء البيان" (5/272) .
أسباب النصر:
وبالإضافة لما سبق بيانه : فإنه يجب أن يُعلم أن للنصر أسبابه ، ومن أراد النصر دون القيام بأسبابه فهو مخالف للشرع والعقل .
قال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني – حفظه الله – في رسالته الجهاد: " من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم بإذن الله تعالى ، ومن هذه الأسباب ما يأتي :
1. الإيمان والعمل الصالح .
قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/55 .
2. نصر دين الله تعالى .
ومن أعظم أسباب النصر : نصر دين الله تعالى ، والقيام به ، قولاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، ودعوةً .
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) محمد /7 ، 8 .
3. التوكل على الله ، والأخذ بالأسباب .
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر .
قال تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران/ 159 .
ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب ؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين :
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى .
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة ؛ ولهذا قال الله تعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) الأنفال/ 60 .
4. المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه ، مع كمال عقله ، وسداد رأيه ؛ امتثالاً لأمر الله تعالى ، وتطييبًا لنفوس أصحابه ، قال سبحانه : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى/ 38 .
5. الثبات عند لقاء العدو .
من عوامل النصر : الثبات عند اللقاء ، وعدم الانهزام والفرار .
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أيها الناس ، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) .
6. الشجاعة والبطولة والتضحية .
من أعظم أسباب النصر : الاتصاف بالشجاعة ، والتضحية بالنفس ، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ، ولا يؤخره قال الله تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 .
7. الدعاء وكثرة الذِّكر .
من أعظم وأقوى عوامل النصر : الاستغاثة بالله ، وكثرة ذكره ؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ، ونصر أوليائه .
قال تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/ 186
8. طاعة الله ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر .
قال تعالى : ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) النور/ 52 .
9. الاجتماع وعدم النزاع .
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله ، والتكاتف ، وعدم النزاع والافتراق .
قال الله تعالى: ( وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/ 46 .
10. الصبر والمصابرة .
لابد من الصبر في الأمور كلها ، ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/ 200 .
11. الإخلاص لله تعالى .
لا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص .
قال الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ ) الأنفال/ 47 .
12. الرغبة فيما عند الله تعالى .
مما يعين على النصر على الأعداء هو : الطمع في فضل الله ، وسعادة الدنيا ، والآخرة .
13. إسناد القيادة لأهل الإيمان .
من أسباب النصر : تولية قيادة الجيوش ، والسرايا ، والأفواج ، والجبهات ، لمن عُرفوا بالإيمان الكامل ، والعمل الصالح ، ثم الأمثل فالأمثل .
قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/ 13 .
14. التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب .
أولاً: التوبة ، والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب ، كبيرها ، وصغيرها
ثانياً: تقوى الله تعالى ، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك .
ثالثاً: أداء جميع الفرائض، وإتباعها بالنوافل.
رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
خامساً: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال .
سادساً : الدعاء ، والضراعة
ختاما أحبتي في الله:
إن قوى عديدة الآن - و لأسباب مختلفة – تدفع المجتمع الإسلامي نحو طرفي نقيض - التشدد و الانفلات - و كل جهد يبذل الآن لإعادة التوازن لهذه الأمة المباركة جهد محمود و منصور من الله تبارك و تعالى.
وكتب ونقل
أبو أنس أمين بن عباس
متى نصر الله؟
سؤال من الأهمية بمكان ذلك بأنه سؤال عن سر بقاء الأمة الإسلامية خير امة أخرجت للناس إنه سؤال عن مصيرها الذي رسمه الله لها،
يكثر هذا السؤال دائما في أزمنة انتشار الفتن وتسلط الظالمين
نعم هذا زمن الفتن فتن كقطع الليل المظلم يصبح فيها الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا،
زمن صار القابض على دينه كالقابض على الجمر عن تمسك بها أحرقته وغن تركها كفر،
زمن صدق فيه الكاذب وكذب فيه الصادق ونطقت فيه الرويبضة التافهون يحددون مصر الأمة،
زمن فت فيه الطابور الخامس ممن يسمون بالنخبة في عضد الأمة ويزرعون فيها روح الانهزامية والتبعية،
زمن ظهر فيه مسلمون يتبرؤون من الشريعة وينفون عن أنفسهم أنهم سيطبقونها الآن ولا فيما بعد،
أو يقولون بملء أفواههم : أنهم سيضيفون نصوصا من الإنجيل إلى الكتب والمناهج الدراسية التي يتربى على عورها الحالي أولادنا.
أو يخرج علينا منتسب للدعوة والدعاة وتشدق بقوله لو صار شنودة حاكما علينا فله السمع والطاعة لا يجوز الخروج عليه.
والأمثلة المخزية في ذلك كثيرة وليس لها من دون الله كاشفة
نعم أحبتي في الله
إننا نشتاق و كل نفس مؤمنة إلى ذلك اليوم العظيم، الذي سترتفع فيه راية الشريعة الإسلامية خفاقةً في أرجاء المعمورة فضلا عن البلاد الإسلامية التي لا زالت تئن تحت وطأة حكام يفتخرون بتبعيتهم للغرب والشرق ويستمدون قوتهم في قهر شعوبهم ممن استعمروا عقولهم وتسلطوا على مقدراتهم وخيرات بلادهم،
أعلنها بكل وضوح لقد بدأ الصف الإسلامي في التمايز وهو سنة ربانية:
فهذا يسأل لماذا لم يمكن الله لنا ونحن له مسلمون؟
فمتى نصر الله؟
وآخر يسأل أليس الله يعلم بما يحدث في العالم الإسلامي من قل وتشريد وانتهاك أعراض؟
فمتى نصر الله؟
متى نصر الله؟
سؤال قد ذكره ربنا في محكم التنزيل كما ذكر إجابته
قال تعالى في سورة البقرة : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) الآية:214 .
إنها بيان لسنة الله في عباده سواء كانوا من أهل الباطل أو من أهل الحق اللذان يتدافعان حتى يوم القيامة والمعنى الإجمالي للآية يوضحه لنا الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله فيقول:
" فمعنى الكلام : أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار ، فتُبتلوا بما ابتُلوا واختبروا به من " البأساء " ، وهو شدة الحاجة والفاقة ، " والضراء " ، وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم ، يعني : ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ ، حتى يستبطئ القومُ نصرَ الله إياهم ، فيقولون : متى الله ناصرنا ؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ ، وأنه مُعليهم على عدوِّهم ، ومظهرهم عليه ، فنجَّز لهم ما وعدهم ، وأعلى كلمتهم ، وأطفأ نار حرب الذين كفروا " انتهى .
"تفسير الطبري" (4/288) .
وانظر أحبتي في الله إلى هذه التربية الربانية ببيان معالم الطريق إلى الله:
( ... وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ...)
إننا إذا قارنا أنفسنا الآن بما عندنا من بُعد عن شرع الله و استخفافا بأوامره بما وقع من بعض أصحاب رسول الله في أحد أو في حنين كما سيأتي بيانه لعرفنا أن الله عفو كريم و أنه سبحانه يعاملنا بالرحمة الشديدة و باللطف الإلهي ( لولا أن من الله علينا لخسف بنا .. ).
إن كثيرا من الناس يظنون أن كل ابتلاء من الله هو فقط للاختبار و التمحيص ، و هذه نظرة تتغافل الواقع و تتخلص من عبء المسئولية. إن كثيرا من البلاء يكون عقوبة من الله تعالى بسبب تقصير أو تفريط أو مخالفة. و نحن لا نستطيع أن نتألى على الله و لا أن نجزم في كل حالة إن كانت للاختبار أم للعقاب. و لكن حسبنا أن نتلمس في استقراء ما يحدث لنرى إن غلب على ظننا أن هذه عقوبة من الله فنرجع و نتدارك و نصحح حتى يرتفع البلاء و تنتهي العقوبة.
ينبغي أن ننظر في أقدار الله تعالى
و أي منها يقال لنا فيها ( هو من عند أنفسكم.. ).
و أي منها يقال فيها (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
أو يقال فيها (وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمة .. )
أو يقال ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ... ).
التربية بالنصر والهزيمة في حياة الرعيل الأول:
ولماذا يتأخر النصر؟
لقد اقتضت حكمته تعالى أن تقوم فئة مؤمنة بهذه الرسالة و أن تتعرض إلى العديد من الابتلاءات و العثرات و قد اعتنى الله بهذه الأمة الوليدة و صنعها على عينه و تابعها بالوحي يرشدها و يصحح لها خطاها و يقيلها من عثراتها و هذا من أسباب نزول القرآن مفرقا على امتداد ثلاثة و عشرين عاما.
و نحن الآن تحت وطأة النكبات العديدة ينبغي أن نمعن النظر في السيرة النبوية لنرى كيف نزل البلاء و كيف رفع و لنتلمس سنة الله في خلقه و قانونه في ملكوته حتى نستطيع أن نتعامل معها فسنة الله لا تتبدل و لا تتحول.
مثلا انهزم المسلمون في أحد و سمى الله ما وقع لهم مصيبة ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ .. قل هو من عند أنفسكم .. ). خالفت مجموعة صغيرة من الرماة أمر النبي صلى الله عليه و سلم فوقع ما وقع ، مجموعة صغيرة لا تتعدى الثلاثين رجلا من جيش قوامه سبعمائة مقاتل ، فكانت سببا للهزيمة و لم يشفع لهم وجود رسول الله بينهم و فى صفوفهم بل أصابه صلى الله عليه و سلم من شظايا هذه الهزيمة فكسرت رباعيته و وقع في كمين و شج رأسه و لما تساءل المسلمون : كيف ننهزم و نحن على الحق و هم على الباطل جاء الجواب من السماء : قل هو من عند أنفسكم. ففهم المسلمون الدرس و عرفوا سنة الله تعالى ( و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. ) فتعلموا أن هذه الأمة يعاملها ربها كجماعة واحدة و كجسد واحد.
و انتقل المسلمون عبر أحوال مختلفة و بعد غزوة أحد بسنوات كان عودهم قد اشتد و أعدادهم قد كثرت و قوتهم قد غلبت فقابلوا المشركين في حنين و هم أقل من المسلمين في العدد و العدة فقال بعض المسلمين كلمة كشفت عن انحراف في توكلهم و نقص في إيمانهم ، قالوا ( لن نغلب اليوم من قلة .. ) ، فانهزموا
و وصف الله حالهم: ( و يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين .. ).
و مرة أخرى ذاقوا الهزيمة في أول الأمر و بيدهم كل أسباب النصر المادية و بينهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و خيرة أصحابه الكرام و مرة أخرى يتعلمون أن الله تعالى يعاملهم كجماعة واحدة و جسد واحد.
فتابعهم الوحى يكشف لهم أسرار الضعف و أسباب الخذلان فتعلموا هنا أنه " لا إله إلا الله " كما تعلموا يوم أحد أن " محمدا رسول الله " ، تعلموها واقعا في حياتهم و بلاء مروا به و خرجوا منه بهذه التربية الربانية.
وانظروا إخوتي الكرام على هذه الصورة التي تأخذ بالقلوب وتُدمع العيون: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
يعلق الشهيد صاحب الظلال - رحمه الله – على هذه الآية فيقول:
" إن سؤالهم مَتَى نَصْرُ اللهِ ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة, ولن تكون إلا محنة فوق الوصف, تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب, فتبعث منها ذلك السؤال المكروب مَتَى نَصْرُ اللهِ؟
وعندما تثبت القلوب المؤمنة على مثل هذه المحنة المزلزلة,
عندئذ تتم كلمة الله, ويجيء النصر من الله تعالى أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ,
إذاً هو مدخر لمن يستحقونه, ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية, الذين يثبتون على البأساء والضراء, الذين يصمدون للزلزلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك...
ثم يقول رحمه الله : " وها هي آيات الله تتلى إلى يوم القيامة تصور ساعات الحرج القاسية في حياة الرسل, قبيل اللحظة الحاسمة التي يتحقق فيها وعد الله, وتمضي فيها سنته التي لا تتخلف ولا تحيد [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ]يوسف.
إنها صورة رهيبة, ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل, وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود.
وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل, إنها ساعات حرجة, والباطل ينتفش ويطغى ويبطش ويغدر. والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق فتهجس في خواطرهم الهواجس.. تراهم كُذِبوا؟ ترى نفوسهم كذبتهم في رجاء النصر في هذه الحياة الدنيا؟ في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب, ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل, ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً [جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ] هكذا قال سيد قطب رحمه الله."
إذن خلاصة القول أننا نحن المسلمون – قد تخلف عنا نصر الله لبعدنا عن دينه و لكثرة نزاعنا و فرقتنا.
عودة إلى الواقع:
سبب آخر واضح لتأخر النصر عنا في الخمسين سنة الأخيرة ، و هو كثرة النزاع و الخلاف بين المتدينين. هذا النزاع هد عافية الصحوة الإسلامية و شغلها بما لم يكن لها أن تنشغل به فصرف جهود المتدينين في معارك وهمية و أنشا حالة من التوجس بين عامة الناس عندما رأوا أهل الدين يتعاركون و يقذف بعضهم بعضا و يلعن بعضهم بعضا. سألت مرة شابا نشطا فى أحد المواقع الشبابية لماذا لا تنشط في ساحة الحوار الإسلامي ، فقال : أشارك بكثافة فى ساحات الكمبيوتر و التنمية البشرية فالشباب فيها يتعاملون بلطف و مودة و يتعاونون و بينهم دائما حسن الثناء ، أما الساحة الإسلامية فكلها نزاعات و اتهامات و كأننا في حرب.
إننا لم نر نزاعا ينشأ بين طائفتين أو بين أشخاصا ، إلا و زادت الردود بينهم من حدة النزاع و وفرت أسبابا جديدة و وقودا جديدا لالتهاب و احتقان الخلاف. بينما رأينا بعض الدعاة إلى الله لا يلتفتون و يمضون في طريقهم و يتحملون الأذى الذي يصيب أشخاصهم بينما عيونهم و فكرهم مركز على تلال التحديات التي أمامهم فمليارات من البشر لا تعرف لها ربا و غارقة في وحل الفساد و الإلحاد و مئات الملايين من المسلمين مغيبون عن شرعهم و غافلون عن دينهم و غارقون في بحار من المعاصي و المخالفات. و هؤلاء الدعاة يرون أن كل التفات عن هذه المسئوليات هو شر أنواع العبث ( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم .. و أصبروا .. ).
حكمة الله في علو الظالمين
و أما بالنسبة لغير المسلمين فيشتبه على كثير من المسلمين و يحتاروا في رؤية تقدمهم و سيطرتهم مع كفرهم و إلحادهم. و هذه الشبهة تتردد على الألسنة منذ سنوات طويلة و لكنها الآن أكثر إلحاحا مع تدهور حال المسلمين.
لله تعالى فى كونه سنن و قوانين لا تتبدل و لا تتغير ، و من سننه مع الكفار أنه يمهلهم ثم يمهلهم فإذا أخذهم لم يفلتهم.
تأمل قوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ، وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) فترى بعينك أن هذا هو بالضبط ما يحدث الآن ، ثم يقول تعالى ( فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) ، فما نراه الآن من فتح أبواب الدنيا عليهم و انبساطها هو من سنة الله في خلقه ،
ثم يقول جل شأنه (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) و هذا ما سيحدث لا محالة.
يقول صاحب الظلال:
" ثم إن الله تعالى يمد للظالم مداً [قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ]مريم, وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".
وفي القرآن الكريم ما يثبت أن الله تعالى يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ [فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا]الطارق , وفي الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم "التأني من الله, والعجلة من الشيطان" وقالوا: في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
ولقد ذكر الله لنا متى يأخذ الظلمة, وبَيَّنَ أنه لا يأتيهم أمر الله بالهلاك إلا بعد أخذِ الأرض لزخرفها وتزينها, وظنِّ أهلها أنهم قادرون عليها, ساعتها يأتيهم أمر الله الذي لا يُرَدُّ!
يقول الله تعالى [حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]يونس , على مثل هؤلاء القوم الذين لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمة يأتي أمر الله ليلاً أو نهاراً.
هؤلاء الذين قالوا [مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً] فصلت ، وقال غيرهم [نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ]النمل ، وقال أولهم [ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] الأعراف ، وقال ثانيهم [أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ]الزخرف , وقال وزيره السيئ [إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي], هؤلاء جميعاً إنما أخذهم الله يوم تكبروا في الأرض [كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ]القمر , وظلمة اليوم لن يطول حسابهم, وستشهد الأيام عويلَهم بإذن الله تعالى." انتهى من الظلال بتصرف
فانظروا رحمكم الله من حولكم:
فقد رأينا ذلك بالأمس القريب مع الإلحاد الشيوعي، انهارت إمبراطوريتهم و ذهب تسلطهم على رقاب الخلق و ينحدرون تدريجيا إلى الهاوية، وغدا ستنهار داعرة العالم أمريكا وعرابتها الصهيونية.
و أقسم بالله العظيم أن هذا سيكون مآل غيرهم ممن كفروا بالله و صدوا عن سبيله.
وهذا شأن الله مع خلقه ( و أملى لهم، إن كيدي متين )، و لا ينبغي لنا أن يكون هذا هاجسنا الأكبر، فبعض المسلمين كل همه متى سيرى اندحار الظالمين الطغاة، و يستعجل في هذا و ربما يندفع فيخرج عن شرع الله.
لله تعالى سنن لا نستعجلها و له نظام لا يخضع لاستعجالنا و لا إلى تهورنا.
و لكن ينبغي أن نتوجه بالكلية إلى إصلاح أحوالنا نحن، نرمم أخطاءنا و نصلح معاملاتنا و نقيم شرع الله في أنفسنا قبل أن نلوم الآخرين عليه. المشكلة فينا نحن ، أحوالنا الآن لا تستحق نصرة الله تعالى ، و الاعتراف بهذا أول طريق الحل. إن الأمة بحاجة ماسة الآن إلى منهج معتدل يقيم الدين في حياتها بعيدا عن التشدد المقيت أو التسيب الذي يخرج عن دائرة الشرع.
حقيقة النصر وصوره:
وقد يتساءل البعض فيقول: "قد عُلِمَ أن بعض الأنبياء قتله قومه، كيحيى وزكريا عليهما السلام، ومنهم من ترك قومه مهاجراً كإبراهيم عليه السلام، فهل يتعارض ذلك مع ما جاء في الآية السابقة ؟ "
والجواب البدهي والسريع على ذلك أن نقول: لا تعارض في ذلك أبداً؛ وذلك لأن الانتصار لأولئك الأنبياء قد حصل بعد مماتهم، كما فعل الله بقتلة يحيى وزكريا عليهما السلام، فقد سلّط الله عليهم من أعدائهم من يهينهم ويسفك دمائهم، وأما النمرود فقد أخذه الله أخذ جبّار منتقم، وانتصر الله لنبيه إبراهيم عليه السلام، وتحقق بذلك موعود الله تبارك وتعالى،
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) رواه البخاري، وهكذا نصر الله أنبياءه على من خالفهم وكذبهم، وجعل كلمته سبحانه هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وأنجى الله تعالى المؤمنين من بين أظهرهم، ونصرهم على عدوهم.
لقد أخبرنا الله عز وجل بقصة أصحاب الأخدود، حين قال تعالى في محكم كتابه: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} (البروج:10) إنها نهاية مؤلمة يتفطّر لها قلب كل مؤمن، ولا يملك عينه من الدمع عندما يتراءى له ذلك المشهد أمام مخيّلته، وبالرغم من ذلك لم يخبرنا الله تعالى بأنه أرسل جنوداً من السماء على أولئك القتلة المجرمين، ولم يخبرنا أيضاً بأنه خسف بهم الأرض أو أرسل عليهم حاصباً، كل هذا لم يخبرنا الله به، فأين النصر؟!! إن الله عز وجل يريد أن يعلم الأمة درساً عظيماً، وأمرا جليلاً، ألا وهو: أن النصر لا يكون بالأسباب الظاهرة، والعقوبات العاجلة فحسب، لكن حقيقة النصر الثبات على المبادئ.
إن أولئك الشهداء المؤمنين قد انتصروا في حقيقة الأمر؛ لأنهم استطاعوا أن يثبتوا على مبدأ الإيمان مع كل تلك الخطوب العظيمة، والآلام الجسيمة، تلك هي حقيقة النصر التي يجب أن تتعلمها الأمة وتعيها جيداً.
على أن هذا النصر الظاهر قد يتأخر، ويستبطئه المؤمنون؛ لحكمة يريدها الله، ولأسباب لا يعقلها إلا من وهبه الله نظراً ثاقباً وفهماً عميقاً للأمور والأحداث، ومن تلك الأسباب:
* كون الأمة الإسلامية غير مؤهلة لحمل راية الإسلام، فلو نالت النصر لفقدته سريعاً، لعدم قدرتها على حمايته طويلاً،
* وقد يبطيء النصر لأن الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يزيدوا صلتهم بالله، ويجردوا نواياهم من كل ما يشوبها من حب للظهور أو طلبٍ لأطماع دنيوية أو مآرب شخصية، فإذا توافرت أسباب النصر عند الأمة كانت الأمة جديرة بنصر الله تعالى لها،
*ومن ناحية أخرى قد يتأخر النصر؛ لأن الباطل الذي تحاربه الفئة المؤمنة لم تنكشف حقيقته للبسطاء من الناس، وبالتالي لم يقتنعوا بعدُ بفساده، وضرورة زواله، فيحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والجهد لكشف زيفه، وبيان بطلانه، كي يتقبّل الناس ذلك النصر، ويكون له أعظم الأثر في نفوسهم بعدما تبيّنت لهم حقيقة الباطل، وأثره السيئ على دينهم ودنياهم. فإذا غلبه المؤمنون حينئذٍ لم يجد من يذرف الدموع عليه، ويأسف على زواله.
وخلاصة القول: إن الله سبحانه وتعالى سوف يعلي كلمته، وينصر دينه، ولن يتم ذلك إلا بالأخذ بأسباب النصر، وعوامل تحققه، ومهما طال ليل الهزيمة، فإن فجر النصر آت بإذن الله ووعده، وحينئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويتم الله الأمر لهم، وتنتشر الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، نسأل الله تعالى أن يرينا ذلك اليوم، وما ذلك على الله بعزيز.
ولكن من يستحق النصر؟
إن نصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان ، وزعم الإسلام ، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه ، وعمل بالإسلام بجوارحه .
قال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) النور/55 ، 56 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ، أي : أئمةَ الناس ، والولاةَ عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم ، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك ، وله الحمد والمنَّة ، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة ، وخيبر ، والبحرين ، وسائر جزيرة العرب ، وأرض اليمن بكمالها ، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر ، ومن بعض أطراف الشام ، وهاداه هرقل ملك الروم ، وصاحب مصر والإسكندرية - وهو المقوقس - ، وملوك عُمان ، والنجاشي ملك الحبشة ، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة ، رحمه الله وأكرمه .
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة : قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (6/77) .
كذلك صدق الناس في إيمانهم بربهم ، وإقامتهم لشرعه ، دليل على ما يكون من حالهم ، حين يمكن الله تعالى لهم ، وهؤلاء هم الذي وعدهم الله تعالى بالنصر والتمكين .
قال تعالى : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج/ 41 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - بعد أن ساق آيات فيها بيان نصر الله تعالى للمؤمنين - : " وفي قوله تعالى : ( الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض ) الحج/ 41 الآية : دليل على أنه لا وعدَ من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فالذين يمكِّن الله لهم في الأرض ، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم ، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة ، ولا يؤتون الزكاة ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر : فليس لهم وعدٌ من الله بالنصر ؛ لأنهم ليسوا من حزبه ، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر ، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه ، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه : فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه ، ثم يطلب الأجرة ، ومَن هذا شأنه : فلا عقل له .
"أضواء البيان" (5/272) .
أسباب النصر:
وبالإضافة لما سبق بيانه : فإنه يجب أن يُعلم أن للنصر أسبابه ، ومن أراد النصر دون القيام بأسبابه فهو مخالف للشرع والعقل .
قال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني – حفظه الله – في رسالته الجهاد: " من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم بإذن الله تعالى ، ومن هذه الأسباب ما يأتي :
1. الإيمان والعمل الصالح .
قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/55 .
2. نصر دين الله تعالى .
ومن أعظم أسباب النصر : نصر دين الله تعالى ، والقيام به ، قولاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، ودعوةً .
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) محمد /7 ، 8 .
3. التوكل على الله ، والأخذ بالأسباب .
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر .
قال تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران/ 159 .
ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب ؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين :
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى .
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة ؛ ولهذا قال الله تعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) الأنفال/ 60 .
4. المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه ، مع كمال عقله ، وسداد رأيه ؛ امتثالاً لأمر الله تعالى ، وتطييبًا لنفوس أصحابه ، قال سبحانه : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى/ 38 .
5. الثبات عند لقاء العدو .
من عوامل النصر : الثبات عند اللقاء ، وعدم الانهزام والفرار .
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أيها الناس ، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) .
6. الشجاعة والبطولة والتضحية .
من أعظم أسباب النصر : الاتصاف بالشجاعة ، والتضحية بالنفس ، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ، ولا يؤخره قال الله تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 .
7. الدعاء وكثرة الذِّكر .
من أعظم وأقوى عوامل النصر : الاستغاثة بالله ، وكثرة ذكره ؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ، ونصر أوليائه .
قال تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/ 186
8. طاعة الله ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر .
قال تعالى : ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) النور/ 52 .
9. الاجتماع وعدم النزاع .
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله ، والتكاتف ، وعدم النزاع والافتراق .
قال الله تعالى: ( وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/ 46 .
10. الصبر والمصابرة .
لابد من الصبر في الأمور كلها ، ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/ 200 .
11. الإخلاص لله تعالى .
لا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص .
قال الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ ) الأنفال/ 47 .
12. الرغبة فيما عند الله تعالى .
مما يعين على النصر على الأعداء هو : الطمع في فضل الله ، وسعادة الدنيا ، والآخرة .
13. إسناد القيادة لأهل الإيمان .
من أسباب النصر : تولية قيادة الجيوش ، والسرايا ، والأفواج ، والجبهات ، لمن عُرفوا بالإيمان الكامل ، والعمل الصالح ، ثم الأمثل فالأمثل .
قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/ 13 .
14. التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب .
أولاً: التوبة ، والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب ، كبيرها ، وصغيرها
ثانياً: تقوى الله تعالى ، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك .
ثالثاً: أداء جميع الفرائض، وإتباعها بالنوافل.
رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
خامساً: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال .
سادساً : الدعاء ، والضراعة
ختاما أحبتي في الله:
إن قوى عديدة الآن - و لأسباب مختلفة – تدفع المجتمع الإسلامي نحو طرفي نقيض - التشدد و الانفلات - و كل جهد يبذل الآن لإعادة التوازن لهذه الأمة المباركة جهد محمود و منصور من الله تبارك و تعالى.
وكتب ونقل
أبو أنس أمين بن عباس
تعليق