بسم الله الرحمن الرحيم
هـــذا مـــا نحـــذر منــــه ...
محاولـــــة لتغــيير الأصـــــــــل !!!... إن كون الأصل في المرأة أن تقر في بيتها، لايعني أن تحبس، وألا تخرج مطلقا، بل لها أن تخرج للحاجة، من تعليم وعمل ملائم لفطرتها وخلقتها، ونزهة وترويح وزيارة ونحو ذلك، بعيدة عن الاختلاط بالرجال، ملتزمة بالحجاب..
لكن خروجها ذلك لاينفي أن الأصل في حقها القرار، كما أن الأصل في حق الرجل هو السعي في الأرض..
والمقصود من دعوات المنادين بخروج المرأة هو:
قلب هذا الأصل، حتى تغدو المرأة كالرجل تماما، خروجا وولوجا، فتتعلم كتعليمه، وتعمل كعمله، معه جنبا إلى جنب، بلا حجاب ولا حاجز.. وتسافر بغير محرم، وتلهو مع الرجال الأجانب، وغير ذلك.. فتكون لها نفس حقوق الرجل، من غير نظر للأوامر الشرعية التي فرقت بينهما، ومن غير نظر إلى اختلاف الخلقة والوظائف..
وهذا ما نحذر منه..
فينبغي على الجميع أن يفهم ويدرك حقيقة الدعوة إلى خروج المرأة، وحقيقة الدعوة إلى قرارها في البيت.. كي يحدد كل موقفه، ويدرك موقعه أين يكون:
هل هو مع دعاة الخروج، دعاة قلب الأصل، والانتكاس بالفطرة، وتعطيل الحكم الإلهي؟..
أم مع دعاة القرار، دعاة الالتزام بالأصل، والتلائم مع الفطرة، والعمل بالحكم الإلهي؟..
فأكبر مشكلة تواجه دعاة الإصلاح عدم فهم كثير من الناس لحقيقة الصراع بين دعاة تحرير المرأة، ودعاة الحفاظ عليها، للتزوير والتلفيق والخداع الذي يلجأ إليه دعاة التحرير، يلبسون الحق بالباطل، فيغتر بكلامهم من لم يفهم حقيقة كلامهم وحالهم..
فليس الكلام في حق المرأة أن تتعلم، أو تعمل، أو تقضي حاجاتها، هذا أمر مفروغ منه:
- فلها أن تتعلم ما يلائمها، والذي يلائمها هو الذي يوافق فطرتها وخلقتها، ويوافق ولا يخالف وظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
- ولها أن تعمل في بيتها، وفي خارج بيتها: في عمل يوافق فطرتها وخلقتها، ولا يخل بوظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
- ولها التنزه والترفه مع أهلها ومحارمها..
وشرط التعلم والعمل والتنـزه: الحفاظ على الحجاب، والبعد عن الرجال
وليس الكلام في أن تخرج لتبتاع وتشتري، وتزور قريباتها وصديقاتها، إذا التزمت الحجاب، وابتعدت عن الفتنة.. وكذا كل ما يكون من حاجتها الأساسية إذا خرجت بالشروط المذكورة آنفا..
إنما الكلام والإنكار على من يريد تغيير الأصل:
فتخرج المرأة كخروج الرجال تماما، بلا فرق، حتى تمتليء الشوارع بالنساء، كما يمتليء بالرجل:
فترى المرأة التي تقود السيارة، وتعمل في محطة البنزين، وفي الدكان تبيع، وفي الاستقبال تستقبل نزلاء الفنادق والمستشفيات، وتباشر خدمة الرجال، وتعمل في تنظيف الطرقات والممرات وغرف الفنادق، وكذا سكرتيرة، وموظفة، ونجارة، وسباكة، وكهربائية، وسائقة شاحنة، وفي الورشة، وكذا تلهو وتتنـزه في الملاهي، وتأكل في المطاعم، وتجلس في الطرقات، وتجري في الملاعب، وتمارس الرياضة…
كل ذلك وغيره أمام أعين الرجال؟!!.
فكل هذا إذا حدث فقد انتقض الأصل، وهذا الخطر، وما ألزم الشارع المرأة بهذا الأصل إلا للحفاظ على حجابها وبعدها عن الرجال، إضافة إلى لتهيئتها للقيام بعمل البيت من الأمومة والتربية والترتيب..
فإذا نقض الأصل حل محله التبرج والاختلاط ولابد، وما يتبع ذلك من الفساد والفاحشة، ولانحتاج إلى التدليل على مثل هذه النتيجة، لأن كل الأمم التي سعت لإخراج المرأة من بيتها، وجعلها كالرجل في ذلك، ذاقت الفحشاء، وانتشر فيها المنكر..
وأي محاولة لوضع خطوط فاصلة تحد من الاختلاط والتبرج مع إلغاء العمل بالأصل، بخروج المرأة من بيتها كخروج الرجل، على الوصف الآنف: محاولة عابثة، لن تغني ولن تسمن من جوع..
فالشارع ما وضع هذا الخط الفاصل بين مهام الرجل ومهام المرأة، وألزم كل منهما بأصل يوافق خلقته، إلا ليكون ذلك الخط والأصل درعا وسياجا لكليهما من الاختلال والفساد، ونقض الخط الفاصل الذي وضعه الله تعالى، وإحلال خطوط أخرى من وضع البشر، إنما عاقبته كعاقبة إلغاء حكم الله تعالى، وإحلال قوانين البشر:
فساد، وظلم، وضنك، والله تعالى يقول: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}..
فإذا تبين أن هذا هو موقف دعاة الحفاظ على المرأة، دعاة القرار في بيتها، فليس لأحد بعد ذلك أن يقلب الكلام ويلبس على الناس، فيدعي أن الدعاة وطلاب العلم يبتغون حبس المرأة في بيتها، وألا تتعلم، ولا تعمل، ولاتزور، ولاتبتاع، ولاتشتري.. وقد كان نساء الصحابة يخرجن ويعملن، ويتعلمن، ويبعن ويشترين..
وغير ذلك من الحجج التي ليست محل النزاع أصلا، وغرض موردها معروف لايخفى، يتسلل بها إلى قلوب الناس، ليوهم اتباعه وعدم مخالفته للشريعة، وهو في الحقيقة داع لقلب الفطرة، ونقض العمل بالحكم الإلهي في المرأة، وبعضهم باغ في الأرض، يبتغي الفساد.
إن معنى القول بأن الأصل أن تقر المرأة في بيتها؛ هو ألا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي التي يحصل بتركها ضرر، فإذا لم تخرج تضررت لأجل ذلك: في دينها، أو نفسها، أو عرضها، أو عقلها، أو قوتها..ولايمكنها أن تقضيها إلا بالخروج..
وعلى ذلك فإن من أنواع الخروج خروج ليس له حاجة، ينافي الأصل، تذم المرأة لأجلها، مثال ذلك:
- خروج المرأة لعمل ليست هي بحاجة ماسة إليه، إنما تخرج من باب الترف وقضاء الوقت.
- خروج المرأة للأسواق كل حين، وكل يوم، بدعوى الشراء، وكذا الزيارات المتكررة الكثيرة.
- خروج المرأة للمطاعم، فلم يكن الخروج للمطاعم يوما حاجة، وكل البيوت مليئة بالمطعم والمشرب، فأكلها في بيتها هو المتوجب، وخروجها للمطاعم ليس وجه، وليس من الحاجات.
- خروجها لتمارس رياضة المشي في الشوارع، أمام الناس، وكان بمقدورها أن تمارس هذه الرياضة في بيتها، أو إذا خرجت في نـزهة مع أهلها، في مكان لاتتعرض فيه لأنظار الرجال، فخروجها لأجل رياضة المشي، لايدخل أبدا ضمن الحاجات.. ولو كانت عاملة قائمة بعمل بيتها، لما احتاجت إلى رياضة أصلا..ومن هذا النوع خروجها إلى ما يسمى بالنوادي الرياضية، فليست من الحاجات الشرعية، ويمكنها القيام بما تريد من رياضة في بيتها.
- خروجها إلى الملاهي التي يكون فيها اختلاط الرجال بالنساء، سواء في مكان الجلوس، أو الألعاب، أو المطاعم، فهذا ليس من الحاجات الشرعية، كذلك هو محرم، لما فيه من الاختلاط.
وجملة الكلام ومختصره:
أن المرأة ليست كالرجل في الخروج من البيت، فلا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي ما يحصل بتركها ضرر، ولايمكن أن تقضى وهي في بيتها، فلها أن تخرج، لكن عليها أن تحتجب، وعليها ألا تختلط بالرجال.
فإذا فهم هذا، لم نعد في حاجة إلى كثرة التفصيلات والتفريعات، وكل إنسان على نفسه رقيب..
قد قررنا أن الأصل في المرأة هو القرار، ولا أظن أنه يخالف في هذا الأصل فقيه، فالنصوص واضحة، وتاريخ المسلمين بين، وها نحن نذكر النصوص المبينة المقررة لهذا الأصل:
- قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
هذا نص صريح، لادافع له، في وجوب القرار، فالقرار هو اللزوم.. ثم إنه لما كان هذا النص صريحا ادعى المدعي أنه خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كلما جاء حكم شرعي في المرأة، واضح ينقض دعاوى المتحررين، قالوا: هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه..
ولا ندري كيف جاءوا بهذا التخصيص؟!!..
ونحن ننقض استدلالهم، ونبطل دعوى الخصوصية من نفس الآية التي استدلوا بها على الخصوص، قال تعالى:{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.. فالآية تخطاب أمهات المؤمنين بأمرين:
- تأمرهن بالقرار في البيت.
- تنهاهن عن تبرج كتبرج الجاهلية الأولى.
فهم قد ادعوى أن الآية خاصة بالأمهات، وتبعا لذلك قالوا: القرار خاص بهن!!!!..
فهل يدعون كذلك، أن النهي عن التبرج خاص بأمهات المؤمنين، فيؤذن لسائر النساء بالتبرج؟!!..
لا أظن ذلك.. وهذا هو المطلوب.
فإذا ثبت أن النهي عن التبرج عام، في نص الآية، فكذلك الأمر بالقرار، سواء بسواء، وكون الخطاب جاء في حق الأمهات، دليل مؤكد على وجوبه في حق عموم النساء، وليس العكس، فإن الطاهرات المطهرات المصطفيات إذا كن قد أمرن بالقرار ونهين عن التبرج، والمقصود من ذلك معلوم هو الحفاظ على طهارتهن، فعامة النساء باب أولى، وهذا يسمى في الاصطلاح الشرعي: خطاب الأولى، وهذا مثل قوله تعالى في حق بر الوالدين: {فلا تقل لهما أف}، فإذا نهى عن التأفف، فمن باب أولى أن يتضمن النهي عن الضرب..
فثبت بذلك من دلالة الآية عمومها، وعلى هذا قول العلماء، قال القرطبي:
" معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة" .
وقال ابن كثير: "أي : إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات)الراوي: زيد بن خالد الجهني المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 5/493
خلاصة حكم المحدث: [فيه] عبد الرحمن بن إسحاق المديني في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع عليه والأكثر منه صحاح وهو صالح الحديث
فهذا إذن للمرأة في أن تخرج للصلاة في المسجد، لكن صلاتها في بيتها خير لها وأعظم أجرا، عن أم حميد الساعدي أنها جاءت إلى النبي فقالت:
( يارسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) الراوي: أم حميد امرأة أبو حميد الساعدي المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 2/36
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري ووثقه ابن حبان
وفي حديث آخر: ( ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة)
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 1/180
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لسائر النساء من غير أزواجه، فقد تبين أن الحكم بالقرار عام لجميع النساء، فهل لمدع أن يدعي بعد هذا: أن الأمر بالقرار خاص بأمهات المؤمنين؟..
هذا، ومن أعظم مقاصد الشريعة في الأمر بالقرار، هو حفظ المجتمع من الفتنة، فأعظم ما يهدده هو فتنة النساء، إذا خرجن كن غرضا للشيطان لإفساد العيون والقلوب والجوارح، لمكانهن من قلوب الرجال، وميلهم إليهن غريزة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها)
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: ابن خزيمة - المصدر: التوحيد - الصفحة أو الرقم: 40/1
خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح]
محاولـــــة لتغــيير الأصـــــــــل !!!...
لكن خروجها ذلك لاينفي أن الأصل في حقها القرار، كما أن الأصل في حق الرجل هو السعي في الأرض..
والمقصود من دعوات المنادين بخروج المرأة هو:
قلب هذا الأصل، حتى تغدو المرأة كالرجل تماما، خروجا وولوجا، فتتعلم كتعليمه، وتعمل كعمله، معه جنبا إلى جنب، بلا حجاب ولا حاجز.. وتسافر بغير محرم، وتلهو مع الرجال الأجانب، وغير ذلك.. فتكون لها نفس حقوق الرجل، من غير نظر للأوامر الشرعية التي فرقت بينهما، ومن غير نظر إلى اختلاف الخلقة والوظائف..
وهذا ما نحذر منه..
فينبغي على الجميع أن يفهم ويدرك حقيقة الدعوة إلى خروج المرأة، وحقيقة الدعوة إلى قرارها في البيت.. كي يحدد كل موقفه، ويدرك موقعه أين يكون:
هل هو مع دعاة الخروج، دعاة قلب الأصل، والانتكاس بالفطرة، وتعطيل الحكم الإلهي؟..
أم مع دعاة القرار، دعاة الالتزام بالأصل، والتلائم مع الفطرة، والعمل بالحكم الإلهي؟..
فأكبر مشكلة تواجه دعاة الإصلاح عدم فهم كثير من الناس لحقيقة الصراع بين دعاة تحرير المرأة، ودعاة الحفاظ عليها، للتزوير والتلفيق والخداع الذي يلجأ إليه دعاة التحرير، يلبسون الحق بالباطل، فيغتر بكلامهم من لم يفهم حقيقة كلامهم وحالهم..
فليس الكلام في حق المرأة أن تتعلم، أو تعمل، أو تقضي حاجاتها، هذا أمر مفروغ منه:
- فلها أن تتعلم ما يلائمها، والذي يلائمها هو الذي يوافق فطرتها وخلقتها، ويوافق ولا يخالف وظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
- ولها أن تعمل في بيتها، وفي خارج بيتها: في عمل يوافق فطرتها وخلقتها، ولا يخل بوظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
- ولها التنزه والترفه مع أهلها ومحارمها..
وشرط التعلم والعمل والتنـزه: الحفاظ على الحجاب، والبعد عن الرجال
وليس الكلام في أن تخرج لتبتاع وتشتري، وتزور قريباتها وصديقاتها، إذا التزمت الحجاب، وابتعدت عن الفتنة.. وكذا كل ما يكون من حاجتها الأساسية إذا خرجت بالشروط المذكورة آنفا..
إنما الكلام والإنكار على من يريد تغيير الأصل:
فتخرج المرأة كخروج الرجال تماما، بلا فرق، حتى تمتليء الشوارع بالنساء، كما يمتليء بالرجل:
فترى المرأة التي تقود السيارة، وتعمل في محطة البنزين، وفي الدكان تبيع، وفي الاستقبال تستقبل نزلاء الفنادق والمستشفيات، وتباشر خدمة الرجال، وتعمل في تنظيف الطرقات والممرات وغرف الفنادق، وكذا سكرتيرة، وموظفة، ونجارة، وسباكة، وكهربائية، وسائقة شاحنة، وفي الورشة، وكذا تلهو وتتنـزه في الملاهي، وتأكل في المطاعم، وتجلس في الطرقات، وتجري في الملاعب، وتمارس الرياضة…
كل ذلك وغيره أمام أعين الرجال؟!!.
فكل هذا إذا حدث فقد انتقض الأصل، وهذا الخطر، وما ألزم الشارع المرأة بهذا الأصل إلا للحفاظ على حجابها وبعدها عن الرجال، إضافة إلى لتهيئتها للقيام بعمل البيت من الأمومة والتربية والترتيب..
فإذا نقض الأصل حل محله التبرج والاختلاط ولابد، وما يتبع ذلك من الفساد والفاحشة، ولانحتاج إلى التدليل على مثل هذه النتيجة، لأن كل الأمم التي سعت لإخراج المرأة من بيتها، وجعلها كالرجل في ذلك، ذاقت الفحشاء، وانتشر فيها المنكر..
وأي محاولة لوضع خطوط فاصلة تحد من الاختلاط والتبرج مع إلغاء العمل بالأصل، بخروج المرأة من بيتها كخروج الرجل، على الوصف الآنف: محاولة عابثة، لن تغني ولن تسمن من جوع..
فالشارع ما وضع هذا الخط الفاصل بين مهام الرجل ومهام المرأة، وألزم كل منهما بأصل يوافق خلقته، إلا ليكون ذلك الخط والأصل درعا وسياجا لكليهما من الاختلال والفساد، ونقض الخط الفاصل الذي وضعه الله تعالى، وإحلال خطوط أخرى من وضع البشر، إنما عاقبته كعاقبة إلغاء حكم الله تعالى، وإحلال قوانين البشر:
فساد، وظلم، وضنك، والله تعالى يقول: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}..
فإذا تبين أن هذا هو موقف دعاة الحفاظ على المرأة، دعاة القرار في بيتها، فليس لأحد بعد ذلك أن يقلب الكلام ويلبس على الناس، فيدعي أن الدعاة وطلاب العلم يبتغون حبس المرأة في بيتها، وألا تتعلم، ولا تعمل، ولاتزور، ولاتبتاع، ولاتشتري.. وقد كان نساء الصحابة يخرجن ويعملن، ويتعلمن، ويبعن ويشترين..
وغير ذلك من الحجج التي ليست محل النزاع أصلا، وغرض موردها معروف لايخفى، يتسلل بها إلى قلوب الناس، ليوهم اتباعه وعدم مخالفته للشريعة، وهو في الحقيقة داع لقلب الفطرة، ونقض العمل بالحكم الإلهي في المرأة، وبعضهم باغ في الأرض، يبتغي الفساد.
إن معنى القول بأن الأصل أن تقر المرأة في بيتها؛ هو ألا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي التي يحصل بتركها ضرر، فإذا لم تخرج تضررت لأجل ذلك: في دينها، أو نفسها، أو عرضها، أو عقلها، أو قوتها..ولايمكنها أن تقضيها إلا بالخروج..
وعلى ذلك فإن من أنواع الخروج خروج ليس له حاجة، ينافي الأصل، تذم المرأة لأجلها، مثال ذلك:
- خروج المرأة لعمل ليست هي بحاجة ماسة إليه، إنما تخرج من باب الترف وقضاء الوقت.
- خروج المرأة للأسواق كل حين، وكل يوم، بدعوى الشراء، وكذا الزيارات المتكررة الكثيرة.
- خروج المرأة للمطاعم، فلم يكن الخروج للمطاعم يوما حاجة، وكل البيوت مليئة بالمطعم والمشرب، فأكلها في بيتها هو المتوجب، وخروجها للمطاعم ليس وجه، وليس من الحاجات.
- خروجها لتمارس رياضة المشي في الشوارع، أمام الناس، وكان بمقدورها أن تمارس هذه الرياضة في بيتها، أو إذا خرجت في نـزهة مع أهلها، في مكان لاتتعرض فيه لأنظار الرجال، فخروجها لأجل رياضة المشي، لايدخل أبدا ضمن الحاجات.. ولو كانت عاملة قائمة بعمل بيتها، لما احتاجت إلى رياضة أصلا..ومن هذا النوع خروجها إلى ما يسمى بالنوادي الرياضية، فليست من الحاجات الشرعية، ويمكنها القيام بما تريد من رياضة في بيتها.
- خروجها إلى الملاهي التي يكون فيها اختلاط الرجال بالنساء، سواء في مكان الجلوس، أو الألعاب، أو المطاعم، فهذا ليس من الحاجات الشرعية، كذلك هو محرم، لما فيه من الاختلاط.
وجملة الكلام ومختصره:
أن المرأة ليست كالرجل في الخروج من البيت، فلا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي ما يحصل بتركها ضرر، ولايمكن أن تقضى وهي في بيتها، فلها أن تخرج، لكن عليها أن تحتجب، وعليها ألا تختلط بالرجال.
فإذا فهم هذا، لم نعد في حاجة إلى كثرة التفصيلات والتفريعات، وكل إنسان على نفسه رقيب..
قد قررنا أن الأصل في المرأة هو القرار، ولا أظن أنه يخالف في هذا الأصل فقيه، فالنصوص واضحة، وتاريخ المسلمين بين، وها نحن نذكر النصوص المبينة المقررة لهذا الأصل:
- قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
هذا نص صريح، لادافع له، في وجوب القرار، فالقرار هو اللزوم.. ثم إنه لما كان هذا النص صريحا ادعى المدعي أنه خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كلما جاء حكم شرعي في المرأة، واضح ينقض دعاوى المتحررين، قالوا: هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه..
ولا ندري كيف جاءوا بهذا التخصيص؟!!..
ونحن ننقض استدلالهم، ونبطل دعوى الخصوصية من نفس الآية التي استدلوا بها على الخصوص، قال تعالى:{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.. فالآية تخطاب أمهات المؤمنين بأمرين:
- تأمرهن بالقرار في البيت.
- تنهاهن عن تبرج كتبرج الجاهلية الأولى.
فهم قد ادعوى أن الآية خاصة بالأمهات، وتبعا لذلك قالوا: القرار خاص بهن!!!!..
فهل يدعون كذلك، أن النهي عن التبرج خاص بأمهات المؤمنين، فيؤذن لسائر النساء بالتبرج؟!!..
لا أظن ذلك.. وهذا هو المطلوب.
فإذا ثبت أن النهي عن التبرج عام، في نص الآية، فكذلك الأمر بالقرار، سواء بسواء، وكون الخطاب جاء في حق الأمهات، دليل مؤكد على وجوبه في حق عموم النساء، وليس العكس، فإن الطاهرات المطهرات المصطفيات إذا كن قد أمرن بالقرار ونهين عن التبرج، والمقصود من ذلك معلوم هو الحفاظ على طهارتهن، فعامة النساء باب أولى، وهذا يسمى في الاصطلاح الشرعي: خطاب الأولى، وهذا مثل قوله تعالى في حق بر الوالدين: {فلا تقل لهما أف}، فإذا نهى عن التأفف، فمن باب أولى أن يتضمن النهي عن الضرب..
فثبت بذلك من دلالة الآية عمومها، وعلى هذا قول العلماء، قال القرطبي:
" معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة" .
وقال ابن كثير: "أي : إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات)الراوي: زيد بن خالد الجهني المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 5/493
خلاصة حكم المحدث: [فيه] عبد الرحمن بن إسحاق المديني في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع عليه والأكثر منه صحاح وهو صالح الحديث
فهذا إذن للمرأة في أن تخرج للصلاة في المسجد، لكن صلاتها في بيتها خير لها وأعظم أجرا، عن أم حميد الساعدي أنها جاءت إلى النبي فقالت:
( يارسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) الراوي: أم حميد امرأة أبو حميد الساعدي المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 2/36
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري ووثقه ابن حبان
وفي حديث آخر: ( ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة)
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 1/180
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لسائر النساء من غير أزواجه، فقد تبين أن الحكم بالقرار عام لجميع النساء، فهل لمدع أن يدعي بعد هذا: أن الأمر بالقرار خاص بأمهات المؤمنين؟..
هذا، ومن أعظم مقاصد الشريعة في الأمر بالقرار، هو حفظ المجتمع من الفتنة، فأعظم ما يهدده هو فتنة النساء، إذا خرجن كن غرضا للشيطان لإفساد العيون والقلوب والجوارح، لمكانهن من قلوب الرجال، وميلهم إليهن غريزة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها)
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: ابن خزيمة - المصدر: التوحيد - الصفحة أو الرقم: 40/1
خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح]
تعليق