إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الآداب الشّرعيّة (1) أهمّية الأدب وتزكية النّفس-أبو جابر عبد الحليم توميات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الآداب الشّرعيّة (1) أهمّية الأدب وتزكية النّفس-أبو جابر عبد الحليم توميات

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
    فقد روى البخاري ومسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ:
    " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: (( نَعَمْ )).
    قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ: (( نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ )).
    قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ: (( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )).


    والشّاهد من هذا الحديث – أخي القارئ – قوله صلّى الله عليه وسلّم : (( خَيْرٌ فِيهِ دَخَنٌ ))، أي: شوائب وأخلاط تفسده.
    ولو سألت أيّ مسلم عاقل، ينظر إلى الأمور نظرة تأمّل وتدبّر، لسارع قائلا: إي والله ! نحن على خير كثير، ولكنْ هناك دخن.
    ولو زدت قليلا وتأمّلت لعلمت أنّ أهل الاستقامة والالتزام لم يُؤتوا إلاّ من أخلاقهم، ومعاملاتهم .. فالأزمة اليوم أزمة أخلاق وآداب..


    وصدق عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى حين قال:" نحن إلى قليل من الأدب أحوج منّا إلى كثير من الفقه "..
    هذا قاله في العصر الذّهبي لأمّة الإسلام، يوم انتشر الفقه انتشارا عظيما، فما القول في عصر صار من الفقه عقيما ؟!

    قال ذلك يوم كان يلتفت فإذا به يرى سفيان الثّوري وابن عيينة والحسن البصريّ والفضيل بن عياض ومنصور بن المعتمر وغيرهم من سادات الأصفياء، وخيار الأتقياء ..
    فما عسانا نقول في عصر تُحارب فيه آداب الإسلام من أصحابها، وتداس معالم الأخلاق من طلاّبها ؟!..


    فطلبا للتّحلّي بجملة من الآداب الطيّبة، جعلنا هذه الأسطر بين يديك تذكيرا بمنزلة الأدب في الإسلام، وعلوّ مرتبته عند ربّ الأنام.
    وتظهر لنا أهمّية الأدب من عدّة وجوه يصعب حصرها، وإنّما نكتفي بالإشارة إلى بعضها:


    1- من اسمه ( الأدب ).
    فالأدب كلمة تدلّ على الخير كلّه، فهي تعني:
    الأدب مع الله، كالإخلاص له في القول والعمل، ومراقبته في السرّ والعلن، والوقوف بين يديه على أحسن حال، واستحضار ما له من قدر وجلال.
    وتجمع الأدب مع الخلق، كصدق الحديث، والوفاء، وأداء الأمانة والإخاء، وإفشاء السّلام، وحسن الكلام، والابتسامة في وجوه النّاس، والرّفق بالضّعيف، والصّبر على الطّائش الخفيف.
    وتجمع أدبك مع نفسك: في سيرك، وجلوسك، وحديثك، وسمعك، ونومك، وأكلك، وشربك، وغير ذلك.
    لذلك عرّفه ابن حجر رحمه الله وغيره بأنّه:" استعمال ما يُحمد قولا وفعلا ".


    وقال غيره:" الأخذ بمكارم الأخلاق "، وقال آخر:" الدّعوة إلى مكارم الأخلاق وتهذيبها ".


    وعرّفه ابن القيّم رحمه الله بقوله:" اجتماع خصال الخير في النّفس "، وكأنّه يرى أنّ الأدب كلمة تدلّ على الاجتماع، ومنه المأدُبة تطلق على اجتماع النّاس على الطّعام.
    2- الأدب هو التّزكية التي ندبنا المولى عزّ وجلّ إليها، وعلّق الفوز والنّجاة عليها.


    يقول أهل العلم: لا يخلو قلب من القلوب من أسقام، لو أهمِلت تراكمت، وترادفت العلل وتظاهرت، فيحتاج العبد إلى تأنّق في معرفة أسبابها، ثمّ إلى التّشمير في علاجها وإصلاحها.


    التّزكية هي الّتي أقسم الله من أجل تحقيقها ثمانية أقسام حتّى قال:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}، وإهمالها هو المراد بقوله:{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}..


    تزكية النّفوس هو ربع الرّسالة النبويّة، لقوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].
    تزكية النّفوس: هي ملاك دعوة الرّسل بعد التّوحيد، فهذا موسى عليه السّلام يقول لفرعون: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}..
    تزكية النّفوس: أعظم أسباب الفوز بالدّرجات العُلى كما قال تعالى:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}..
    تزكية النّفوس: هي ما كان يكثر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الدّعاء لتحصيلها، فقد كان من دعائه صلّى الله عليه وسلّم: (( اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ))[1].
    3- كثرة النّصوص النّبويّة في الحثّ على التحلّي بالآداب الشّرعيّة:
    فمن فتح دواوين السنّة النبويّة لتعجّب أشدّ العجب من كثرة الأحاديث الدّاعية إلى التحلّي بالأخلاق الإسلاميّة، والتزيّن بالآداب الشّرعيّة، فهي ممّا يصعب استقصاؤه، ولا يمكن إحصاؤه، ولكن حسبنا ببعضها، فهي تغني عن كلام كلّ أديب، وقطعت جهيزة قول كلّ خطيب.
    - روى أحمد والتّرمذي وغيرهما عن أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اِتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ )).
    - وروى ابن حبّان عن أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي المِيزَانِ: الخُلُقُ الحَسَنُ ))، وفي رواية للبيهقيّ في "الشُّعب": (( أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ خُلُقٌ حَسَنٌ، إِنَّ اللهَ يُبغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ البَذِيَّ )).
    - وروى أحمد والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ )).


    - وروى التّرمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئِل عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ ؟ فَقَالَ: (( تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ ))، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ؟ فَقَالَ: (( الفمُ وَالفَرجُ )).
    - وروى التّرمذيّ أيضا عن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ: الثَّرْثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيْهِقُونَ ))، قَالُوا: "وَمَا المُتَفَيْهِقُونَ ؟ " قَالَ: (( المُتَكَبِّرُونَ ))[2].


    - وروى أبو داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ )).


    والوعد بضمان بيت في الجنّة ليس بالشّيء الهيّن اليسير، فهو بيت في الجنّة لا كسائر البيوت.
    إنّه بيت خاصّ بمن حسَّن خلقه، وقد بلغت بحسن خلقك درجة من بنى لله مسجدا من خالص ماله، روى البخاري ومسلم عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ -وفي رواية-: بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )).


    لقد بلغت بحسن خلقك درجة المواظب والمحافظ على الصّلوات النّوافل والرّواتب ففي صحيح مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ))..
    لقد بلغت بحسن خلقك درجة من ابتُلي بذهاب ولده وفلذة كبده، فكان من الصّابرين المحتسبين، فقد روى التّرمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ! فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ !. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ.


    فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ )).
    وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمّة، تنال أيّها المسلم مثل هذا الشّرف المحمود، والمقام المشهود، بينما كان من قبلنا لا يناله إلاّ ببذل النّفس لله تعالى، فإنّ أقصى ما طلبته من الله آسيا بنت مزاحم ما يناله العبد إذا حسّن خلقه لله، قال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11].


    - وروى البخاري رحمه الله في " الأدب المفرد " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ )).
    فالعرب عُرِفوا بمكارم الأخلاق، وأبرز ما عُرِفوا به الكرم، والشّجاعة، والغَيرة، والعِفّة، والوفاء، وصِدق اللّهجة، وحماية الجوار .. وغير ذلك، إلاّ أنّ بعضها كان يصل إلى حدّ الغلوّ، فاحتاج إلى ضبطه، وقسم منها كان فيه نوع من النّقص فاحتاج إلى إصلاح غلطه.


    4- أنّ التحلّي بالآداب من أعظم صنائع المعروف..
    وصنائع المعروف تقي صاحبها مصارع السّوء، ولا أدلّ على ذلك من الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم يوم نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وسلّم لأوّل مرّة، فَرَجَعَ صلّى الله عليه وسلّم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: (( زَمِّلُونِي ! زَمِّلُونِي !)).


    فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ قَالَ لِخَدِيجَةَ: (( أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي )) فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: ( كَلَّا أَبْشِرْ ! فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ! فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ).
    فتأمّل ما ذكرته، تجدها لم تذكر إلاّ الأخلاق الحميدة الّتي بها يدفع الله عن عبده السّوء.



    5- طرد الهمّ.
    فقد أجمعت الملل والنّحل والأمم على استحسان الأدب، لأنّهم يرون أنّ أكبر طارد للهمّ هو التّحلّي بالفضائل.
    حتّى إنّ علماء الاجتماع وغيرهم، يقرّرون أنّ النّفوس الّتي لا تستطيع أن تصل إلى حدّ من الأخلاق المرضيّة تصاب باليأس والقنوط، والغمّ والإحباط !
    وهذا أمر نراه كلّ يوم، فطفرة غضب تُفسِد حالَ الرّجل يوما كاملا أو أكثر من ذلك..
    وإنّ علم المرء بتقصيره في حقوق غيره من الاحترام والتّوقير والبذل والعطاء يجعله في ضيق من العيش ونحو ذلك، وصدق الله إذ قال:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطفّفين:14]..
    ومن أعجب الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، حديث يجعل السّعادة بين يديك، والطّمأنينة مقبلة عليك، لأمور عظام في دين الله، وترى بينها أدبا من آداب البيوت:
    قد روى الإمام روى أبو داود وابن حبّان - واللّفظ له - عن أبي أمامةرضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ: إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ الجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ ))[3].
    لذلك قال الإمام ابن حزم رحمه الله في " الأخلاق والسّير " (ص14-15):


    " السّعيد من أنِست نفسه بالفضائل والطّاعات، ونفَرت من الرّذائل والسيّئات، وليس ذلك إلاّ صنع الله تعالى ..".
    6- الدّين أدب كله.
    ذلك لأنّ الآداب الإسلاميّة تشمل المعاملة مع الخالق عزّ وجلّ، ثمّ مع الخلق، ثمّ مع النّفس، وتشمل ما هو واجب وما هو مستحبّ، لذلك كثرت المصنّفات في الأدب على ثلاثة طرق:
    • الطّريقة الأولى: نثر الفقهاء لشعب الأدب في الأبواب الفقهيّة، فبوّبوا لآداب القيام، والجلوس، والاستنجاء، وستر العورة، وأدب العُطاس، والسّلام، والاستئذان، والمصافحة، والكلام، ومعاشرة الوالدين، والأزواج، والإخوان، وأدب البيع والشّراء، وغيرها..
    • الطّريقة الثّانية: كتب أُفرِدت في الأدب عموما، ككتاب :" الآداب الشّرعيّة " لابن مفلح، و" منظومة الآداب " لابن عبد القويّ، وشرحِها " غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" للإمام السّفاريني، و"أدب الدّنيا والدّين" للماوردي.



    • الطّريقة الثالثة: كتب أُفرِدت في أدب معيّن وهي كثيرة جدّا، من ذلك: ( أدب الفتيا ) للسّيوطي وغيره، و(أدب الأكل) للأقفهسي، و( أدب الأطفال ) للهيثمي، و(آداب المناظرة) للشّنقيطي، و(آداب الصّحبة) للسّلمي، و(آداب الزّفاف) للألباني، و(آداب العشرة) للغزّي، وآداب الطّبيب، وآداب معاملة الضّيف، وآداب معلّمي القرآن، وأدب الكاتب، وأدب الهاتف، وسوق السّيارة، وغير ذلك، وأكثر الأبواب حظِي بعناية العلماء آداب طالب العلم، لما ورد من الوعيد الشّديد لمن علم ولم يعمل بمقتضى ما علمه.


    [1] رواه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
    [2] قال ابن القيّم رحمه الله في " تهذيب السّنن ":" والثّرثار: هو الكثير الكلام بتكلّف. والمتشدّق: المتطاول على النّاس بكلامه الّذي يتكلّم بملء فيه تفاخما وتعظيما لكلامه. والمتفيهق: أصله من الفهق، وهو الامتلاء، وهو الّذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسّع فيه تكثّرا وارتفاعا وإظهارا لفضله على غيره ".
    [3] " صحيح التّرغيب والتّرهيب " (321).

    التعديل الأخير تم بواسطة امة الرحمن/فاطمة; الساعة 29-12-2011, 08:29 PM.

  • #2
    رد: الآداب الشّرعيّة (1) أهمّية الأدب وتزكية النّفس-أبو جابر عبد الحليم توميات

    جزاكم الله خيرااااااااااااا..
    وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
    رضي الله عنك وأرضاك


    تعليق


    • #3
      الأداب الشرعية _2_الأدب مع الله :الإخلاص -عبد الحليم توميات

      الأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله تعالى، وأدب مع الخلق، وأدب مع النّفس.
      * أمّا الأدب مع الله تبارك وتعالى:
      فالأمر الجامع له هو: مراقبته في السرّ والعلن، وهو غاية الإحسان معه تعالى.
      قال الله عزّ وجلّ:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}، وقد فسّر لنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان كما في حديث جبريل عليه السّلام الطّويل، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )).
      ففتّش عن سبل الإحسان لتسلكها، وابحث عن أبوابه لتطرقها .. وها هي أمامك بعض هذه المظاهر، فاظفر بها.

      - من مظاهر الإحسان مع الله تعالى ومراقبته.
      1- الإخلاص لله في القول والعمل:
      فهو السرّ الّذي بينك وبين الله، لا يعلمه أحد سواه، وهو قطب القرآن، قال تعالى:{تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ} أي: ما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتقيم العبادة لله وحده لا شريك له.
      وما كان السّلف يحملون همّ شيء كما يحملون همّ الإخلاص، حتّى كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا حدّث بحديث الثّلاثة الذين هم أوّل من تسعّر بهم النّار يُغشى عليه.
      * وعلامة الإخلاص هو استواء الحال في السرّ والعلن، فمن كان يعمل أمام النّاس ويترك العمل في خلوته فهذا منذر شرّ.
      روى ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ:
      (( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا )).
      قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا ! أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ:
      (( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا !))
      وليس من الحكمة في شيء أن نكتفِي بذكر الدّاء دون بيان الدّواء، لذلك أرى لزاما علينا أن نجيب عن سؤال مهمّ:
      * كيف السّبيل إلى إخلاص العمل لله تعالى ؟
      1-كثرة الدّعاء، ومن أحسن الأدعية أن نقول: (( اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم )).
      فقد روى الإمام أحمد عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: (( أَيُّهَا النَّاسُ ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ !)).
      فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ:" وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟! " قَالَ: (( قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ )).
      2- معرفة صفات الله تعالى:
      قال ابن رجب رحمه الله: " ما ينظر المرائي إلى الخلق في عمله إلاّ لجهله بعظمة الخالق ".
      فإذا علم العبد أنَّ الله وحده هو الذي ينفع ويضرُّ، ويرفع ويخفض، ويقدّم ويؤخّر، طرح من قلبه الخوف من النَّاس والطّمع فيما في أيديهم، فلا يخشى ذمَّهم، ولا يطمع فِي ثنائهم.
      وكذلك، متى علم العبد أنَّ الله سميعٌ بصيرٌ، يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصُّدور، طرح مراقبة النَّاس من قلبه. قال ابنُ القيّم رحمه الله في " الفوائد " (1/ 149):
      " لا يجتمع الإخلاص فِي القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يَجتمع الماء والنار، والضب والحوت.
      فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فاقبل على الطمع أولا، فاذبَحه بسكين اليأس، وأقبل على الْمدح والثناء، فازهد فيهما زهد عشَّاق الدنيا فِي الآخرة.
      فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد فِي الثناء والْمدح، سهل عليك الإخلاص.
      فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبـح الطمع والزهد فِي الثناء والْمدح ؟ قلت:
      أمّا ذبح الطّمع فيُسهِّله عليك علمُك يقينا أنّه ليس من شيء يُطمَع فيه إلاّ وبيد الله وحده خزائنه، لا يملكها غيره، ولا يُؤتِي العبدَ منها شيئا سواه.
      وأمّا الزُّهد فِي الثّناء والمدح، فيُسهّله عليك علمُك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين، ويضرّ ذمّه ويشين إلاَّ الله وحده، كما قـال ذلك الأعرابِي للنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( ذَاكَ اللَّهُ )) [رواه التّرمذي وأحمد].
      فازهد فِي مدح من لا يَزينُك مدحُه، وفِي ذمِّ من لا يشينُك ذمُّه، وارغب فِي مدح من كلُّ الزَّينِ فِي مدحه، وكل الشَّينِ فِي ذمِّه.
      ولن يُقدَر على ذلك إلاَّ بالصبر واليقين، فمتى فقـدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السّفر فِي البحر فِي غير مركب، قال تعالى:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرّوم:60]، وقال تعالَى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] ".
      فالإخلاص لوجه الله تعالى أن تستحي منه إذ علّمك وفهّمك وأجلسك مجالس الرّحمة هذه، فمن العيب بعد ذلك أن تعمل لغيره.
      3- تكلّف إخفاء العمل أحيانا:
      كصلاة النّافلة، والصّدقة، وغير ذلك أمام من تظهر أمامه هذه الأعمال غالبا، كصديق ملازم، أو زوجة ونحوهم.
      لأنّ تعوّد إخفاء الأعمال عمّن يغلب عليهم اطّلاعهم عليك من أحسن ما يعوّد المؤمن على الإخلاص.
      وقد قالوا: عمل الخلوة أحبّ إلينا من عمل الجلوة. لذلك كان كثير من السّلف يستحبّون أن يكون للرّجل خبيئةٌ من عمل صالح لا يعلم به أحد، اقتداء بحديث أصحاب الغار الثّلاثة، وبما رواه الضّياء في " المختارة "، والخطيب في " تاريخه " عَن الزُّبير بن العوّام رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ )) [" الصّحيحة "(2313)].
      بل كانوا يكرهون إظهار حسناتهم كما يكره أحدنا إظهار عيوبه، وما قصّة عبد الله بن المبارك عنّا ببعيد.
      فقد ذكر ابن الجوزي في "صفوة الصّفوة" (4/144) عن عبدة بن سليمان قال:
      كنّا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الرّوم، فصادفنا العدوّ، فلمّا التقى الصفّان خرج رجل من العدوّ، فدعا إلى البِراز ( أي: المبارزة )، فخرج إليه رجلٌ فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثمّ آخر فقتله.
      ثمّ دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه النّاس، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو ملثِّمٌ وجهَه بكمّه، فأخذت بطرف كمّه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: و أنت يا أبا عمرو ممّن يشنّع علينا.
      ويقول الحسن:" إن كان الرّجل لَيجمع القرآن ولَمَّا يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولَمَّا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولَمَّا يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً ".
      وهذا منصور بن المعتمر كان يكتحل نهارا حتّى لا يظهر أثر دموع الأسحار في عينيه.
      وقال النّعمان بن قيس: ما رأيت عبيدة رحمه الله متطوّعا في مسجد الحيّ.
      وروى ابن المبارك في " الزّهد " عن الرّبيع بن خثيم أنّه ما رُئِي متطوّعا في مسجد الحي.
      ويقول حمّاد بن زيد:" كان أيّوب رُبَّما حدّث فِي الحديث فيرقَّ وتدمعَ عيناه، فيلتفت ويَمتخطُ، ويقول ما أشدَّ الزكام ! فيُظهرُ الزُّكامَ لإخفاءِ البكاء.
      ويقول محمّد بن واسع التابعي: إن كان الرّجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم.
      وكان علي بن الحسين يحمل الخبز بالليل على ظهره يتتبع به المساكين بالظلمة، ويقول: إنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ. قال محمّد بن إسحاق: كان أهالٍ بالْمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات وانقطع الطَّعام عرفوه، ورأوا على ظهره آثاراً مِمَّا كان ينقله من القِربِ والْجِرابِ بالليل وكان يعول مائة بيت.
      ومن عجائب أخبار المخلصين ما حصل لصاحب النَّفق، وما أدراك من صاحب النّفق ؟
      فقد حاصر المسلمون حصناً واشتد عليهم رمي الأعداء، فقام أحد المسلمين وحفر نفقاً فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل؟
      وأراد مَسلمة أن يعرف الرَّجل لمكافأته، ولَمَّا لَمْ يجده سأل الله تعالى أن يأتيه. فأتاه طارقٌ بليل، وسأله شرطاً، وهو أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً، فعاهده، فأخبره.
      و كان مسلمة يقول: اللّهم احشرنِي مع صاحب النفق.
      وذكر ابن خلّكان في ترجمة الإمام الْماوردي أنّه لم يُظهِر شيئاً من تآليفه فِي حياته، حتّى دنت وفاته فوكل بها إلى شخص يثق به فقال له: إنّ الكتب التِّي فِي المكان الفلانِي كلّها من تصنيفي، وإنَّما لَم أظهرها لأنِّي لَم أجد نيّة خالصة لله تعالى لَم يشبها كدر !

      3-الصّيام: ومعلوم أنّ الصّيام مدرسة للإخلاص، إذ تكون على طاعة لا يعلمها إلاّ الله.
      وفي الحديث: (( كلّ عمل ابن آدم له، إلاّ الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به )) فهو يجعل العبد معتادا على العمل لله وحده.
      4-مراقبة النّفس قبل العمل.
      قيل للحسن رحمه الله: تعالَ نشهدْ جنازة فلان. فدخل بيته ثمّ خرج، فسئل ؟ فقال: أخلصت النيّة.
      بمعنى أنّه أشهد الله تعالى أنّه ما خرج لئلاّ يقال عنه متقاعس عن حضور الجنازة، ولولا الحياء من النّاس ما تكلّفت شهودها ! لا، ولكن خرجت طمعا في الأجر.
      وكان ابن عيينة يقول:" ما عالجت شيئا أشدّ عليّ من نيّتي تتقلّب عليّ ".
      وكان بعضهم إذا قيل له حدِّثنا، قال:" لا، حتّى تأتي النيّة ".
      ذلك لأنّ أوّل ما يطلب الإنسان العلم يأتيه الزّهو والغرور، وحبّ المناظرة والمناقشة والظّهور، والبروز على الأقران، وغير ذلك من حظوظ الدّنيا، فمن أراد الله به خيرا في بداية الطّلب كسر قلبه لخشيته.
      وتبقى المراقبة أثناء العمل، وبعد العمل.
      فقد ذكر الذّهبي عن أبِي الحسن القطان قال: أُصِبتُ ببصري، وأظن أنِّي عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة !
      قال الذهبي: صدق والله، فإنَّهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً، يخافون من الكلام وإظهار المعرفة.
      وقال هشام الدَّستوائي:" والله ما أستطيع أن أقول إنِّي ذهبت يوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عزَّ وجلَّ ".
      5-قراءة سير الصّالحين المخلصين.
      فالنّفس مجبولة على حبّ الائتساء، فلندعْها تستغلّ ذلك في الإخلاص ..
      وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: لتراجم العلماء أحبّ إليّ من كثير الفقه، وقيل قديما: تراجم الرّجال مدارس الأجيال.
      فمن أقوالهم:
      - المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
      - وقال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
      - وقال سهل بن عبد الله: ليس على النّفس شيء أشقّ من الإخلاص لأنّه ليس لها فيه نصيب.
      - وقال يوسف بن الحسين: أعزّ شيء في الدّنيا الإخلاص.
      - وقال نعيم بن حماد: ضرب السياط أهون علينا من النيّة الصّالحة.
      - وقال ابن القيم: العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه.
      - وقال الفضيل بن عياض: أدركنا أناسا يراءون بما يعملون، فصار الناس اليوم يراءون بما لا يعملون.
      - وعن الحسن أنه قال: لا يزال العبد بخير إذا قال، قال لله، وإذا عمل، يعمل لله.
      ومن أخبارهم:
      - كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائماً على أطرافــه، وكلّ ذلك ليخفي عليهم العمل.
      - وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلّي، فإذا دخل عليه الدّاخل نام على فراشه.
      - وحسان بن أبي سنان تقول عنه زوجته: كان يجيء فيدخل في فراشي، ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي.
      - قال ابن الجوزي: كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطّاه.
      - وكما كانوا يخافون الرّياء في العبادة فقد كان خوفهم أشدّ خوفهم من الرّياء في باب العلم:
      - قال الشافعي: "وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم -يقصد علمه- على أن لا ينسب إليّ حرف منه.
      - قال ابن المبارك: "ما لقيت واحدا من أهل العلم إلا قال: إياك والشهرة".
      - وذكر ابن الجوزي عن الحسن أنه قال: كنت مع ابن المبارك فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس، فزحموه ودفعوه، فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا، يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.
      6- مخالطة من تتوسم فيه الإخلاص:
      فالصّاحب ساحب، والنّاس كأسراب القطا مجبولون على أن يتشبّه بعضهم ببعض، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ )) {رواه أحمد والترمذي].
      7- المجاهدة: قال سفيان: " ما عالجت شيئا أشدّ عليّ من نيّتي، لأنّها تتقلّب عليّ ".
      8- الدنوّ من المساكين.
      فتلك وصيّة حفظها أبو ذرّ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: (( أوصاني خليلي بحبّ المساكين والدنوّ منهم )).
      وكان من دعائه صلّى الله عليه وسلّم: (( وأسألك حبّ المساكين )).
      قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في جزء سمّاه "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" حيث قال ص(84-88):
      " اعلم أنّ محبّة المساكين لها فوائد كثيرة:
      منها أنّها توجب إخلاص العمل لله عزّ وجلّ، لأنّ الإحسان إليهم لمحبّتهم لا يكون إلاّ لله عزّ وجلّ، لأنّ نفعهم في الدّنيا لا يُرجى غالبا، فأمّا من أحسن إليهم ليُمدح بذلك، فما أحسن إليهم حبّا لهم، بل حبّا لأهل الدّنيا وطلبا لمدحهم له بحب المساكين ".
      9- تذكر الموت: فقد روى التّرمذي والنّسائيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) -يَعْنِي الْمَوْتَ- زاد غيرهما: (( فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إِلاَّ وَسَّعَهُ، وَلاَ ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إِلاَّ ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ )).
      10- معرفة فوائد الإخلاص:
      ذلك لأنّ المرء إذا عرف ما يجنيه من الثّمار العظيمة حرص على العمل، وإذا علم العواقب الوخيمة تراجع وكسل.
      1- أعظم فوائده قبول العمل، ومثل المرائي كمثل المسافر يحمل جرابا من تراب، يُتعِبُهُ ولا ينفعه.
      2- النّجاة من الفواحش والمصائب، قال تعالى حكاية عن إبليس:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}.
      وهذا يوسف عليه السّلام يقول تعالى عنه:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: من الآية24].
      وفي قصّة الثّلاثة الّذين آواهم المبيت إلى غار، ترى أنّهم ما أنجاهم إلاّ إخلاصهم.
      3-الثّبات على الاستقامة .. قال مالك قولته المشهورة: " ما كان لله دام واتّصل ".. لذلك كان كلّ من زلّت به قدمه في الطّريق كان لأجل عدم أو قلّة الإخلاص.

      تعليق


      • #4
        الأداب الشرعية _3_الأدب مع الله في العبادة -أبو جابر عبد الحليم توميات

        ( الأدب مع الله في العبادة )
        ومن الأدب مع الله في العبادة كما يقول ابن القيّم رحمه الله في "مدارج السّالكين" (2/384):
        " والأدب هو الدّين كلّه:
        - فإنّ ستر العورة من الأدب.
        - والوضوء وغسل الجنابة من الأدب.
        - والتطهّر من الخبث من الأدب، حتّى يقف بين يدي الله طاهرا.
        - ولهذا كانوا يستحبّون أن يتجمّل الرّجل في صلاته للوقوف بين يدي ربّه.

        وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصّلاة، وهو أخذ الزّينة، فقال تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، فعلّق الأمر بأخذ الزّينة، لا بستر العورة إيذانا بأنّ العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصّلاة.
        وكان لبعض السّلف حلّة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصّلاة ويقول: ربّي أحقّ مَن تجمّلت له في صلاتي.
        ومعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيّما إذا وقف بين يديه، فأحسن ما وقف بين يديه بملابسه ونعمته الّتي ألبسه إيّاها ظاهرا وباطنا "اهـ.
        - ومن الأدب: نهي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المصلّي أن يرفع بصره إلى السماء:
        فقد روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ ؟! )) فاشتدّ قوله في ذلك حتى قال: (( لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ )).
        روى ابن أبي شيبة عن محمّد بن سيرين رحمه الله قال:" كانوا لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده ".
        قال ابن القيّم:" فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا من كمال أدب الصلاة: أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض ولا يرفع بصره إلى فوق.
        قال: والجهمية لما لم يفقهوا هذا الأدب ولا عرفوه، ظنّوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سمواته على عرشه كما أخبر به عن نفسه واتفقت عليه رسله وجميع أهل السنة.
        قال: وهذا من جهلهم، بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم على نقيض قولهم، إذ من الأدب مع الملوك: أنّ الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض ولا يرفع بصره إليهم، فما الظنّ بملك الملوك سبحانه !؟"اهـ.
        - ومن الأدب أيضا ترك الالتفات في الصّلاة:
        فقد روى الترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
        إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا.
        فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ.
        فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ.
        فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ:
        إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ:
        أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ ؟
        وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ...)) الحديث.
        وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التلفّت في الصّلاة، فقال: (( اِخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ )).
        والاختلاس هو: الاختطاف بسرعة، قال العلاّمة الطّيبي طيّب الله ثراه:
        " سمّي اختلاسا تصويرا لقبيح تلك الفِعلة، لأنّ المصلّي يقبل عليه الرّب تعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان لبفرصة فسلبه تلك الحالة، والله أعلم " اهـ.
        - ومن الأدب مع الله عزّ وجلّ السّكون في الصّلاة:
        وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه :{ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } [المعارج: 23]. ومنه حديث: (( لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ )) أي: السّاكن.
        وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه سئل عن هذه الآية، أهم الذين يصلون دائما ؟ قال:" لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه ".
        قال ابن القيم:" هما أمران: الدوام عليها، والمداومة عليها ".
        وروى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ؟! اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ )). والشُّمْس: جمع شَمُوس، وهي النَّفور.
        فمن العبث وسوء الأدب مع الله كثرة الحركة في الصّلاة، وخاصّة من غير داعٍ، كمسّ اللّحية، وتحريك اليد، ونزع القذى من البدن والثّوب وغير ذلك.
        وقد روى البخاري ومسلم عن مُعَيقِيب رضي الله عنه قال: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَسْحَ فِي الْمَسْجِدِ - يَعْنِي الْحَصَى – قَالَ: (( إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً )).
        وعن جابر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن مسح الحصى في الصّلاة ؟فقال: ((وَاحِدَةً، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ، كُلُّهَا سُودُ الحَدَق )) [رواه ابن خزيمة، وهو في " صحيح التّرغيب والتّرهيب " (557)].
        - ومن الأدب مع الله تعالى:ترك قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود.
        قال ابن القيّم:" وسمعته – يقصد شيخ الإسلام - يقول في نهيه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود:
        إنّ القرآن هو أشرف الكلام، وهو كلام الله، وحالتا الركوع والسجود حالتا ذلّ وانخفاض من العبد، فمن الأدب مع كلام الله: ألاّ يُقرَأ في هاتين الحالتين، ويكون حال القيام والانتصاب أولى به "اهـ.
        - ومن الأدب مع الله: أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة:
        كما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب، وسلمان، وأبي هريرة، وغيرهم رضي الله عنهم، والصّحيح: أنّ هذا الأدب يعمّ الفضاء والبنيان.
        - ومن الأدب مع الله في الوقوف بين يديه في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى:
        وذلك حال قيام القراءة، ففي الموطّأ لمالك عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنّه من السنة، وكان الناس يؤمرون به.
        ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء.
        والمقصود : أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا.

        تعليق


        • #5
          رد: الأداب الشرعية _2_الأدب مع الله :الإخلاص -عبد الحليم توميات

          قال ابن عباس : اطلب الأدب فإنه زيادة في العقل ،
          ودليل على المروءة مؤنس في الوحدة ،
          وصاحب في الغربة ، ومال عند القلة .



          أخي الحبيب أبو حذيفة رشيد

          تعليق


          • #6
            رد: الأداب الشرعية _3_الأدب مع الله في العبادة -أبو جابر عبد الحليم توميات


            تعليق


            • #7
              رد: الأداب الشرعية _2_الأدب مع الله :الإخلاص -عبد الحليم توميات

              نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص..اللهم آمين

              جزاكم الله خيرا
              وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
              رضي الله عنك وأرضاك


              تعليق


              • #8
                رد: الأداب الشرعية _3_الأدب مع الله في العبادة -أبو جابر عبد الحليم توميات

                جزاكم الله خيرا
                وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
                رضي الله عنك وأرضاك


                تعليق


                • #9
                  الأداب الشرعية _3_الأدب مع الله في العبادة -أبو جابر عبد الحليم توميات

                  الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
                  فإنّ الأمثال في القرآن الكريم على أنواع ثلاثة: صريحة، وكامنة، ومرسلة.
                  النّوع الأوّل: الأمثال الصّريحة.
                  وهي ما صُرِّح فيها بلفظ "المثل" أو بكلّ ما يدلّ على التّشبيه.
                  وهي كثيرة في القرآن الكريم، وأبدع من غاص فيها، واستخرج جواهرها الإمام ابن القيّم رحمه الله في:" أمثال القرآن ".

                  النّوع الثّاني: الأمثال الكامنة. وهي ما لم يُقصَد به المثل أصلاً، ولكنّها صارت تجري مجرى الأمثال، وتُذكر في مقام الاستدلال؛ فتدلّ على معنى رائع عزيز، في لفظ ماتع وجيز.
                  ومن أمثلته قوله تعالى:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة من: 68]، فهو يجري مجرى قولنا:" خير الأمور أوسطها ".
                  ومنه ما سنذكره في هذه المقالة إن شاء الله.
                  وأحسن ما أُلِّف في هذا النّوع كتاب "الأمثال الكامنة في القرآن الكريم " للحُسين بن الفضل رحمه الله (تـ:282 هـ).
                  النّوع الثّالث: الأمثال المرسلة.
                  وهي تشبه الأمثال الكامنة في كونها لا يُصرّح فيها بالمثل، وتجري مجرى المثل، ولكنّ الفرق بينها:
                  أنّ الأمثال الكامنة تُساق مساق الدّليل على الدّعوى، فهي قريبة من التّشبيه الضّمني.
                  أمّا المثل المرسل فهو لا يُساق مساق الدّليل، ولكنّه ضربٌ من ضروب الاقتباس.
                  ومن أمثلته قوله تعالى:{الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ} [يوسف من: 51]، فالمتحدّث له أن يذكر الآية متى تبيّن الحقّ في مسألة ما.
                  ومنه قوله تعالى:{قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف من: 41]، في الأمر المبتوت.
                  وعلى المسلم أن يحذر استعمال هذا النّوع من الأمثال في غير مقام الجدّ، فالقرآن الكريم لا بدّ أن يُصان عن مواطن الهزل والمزاح.
                  سرد الأمثال:
                  قال ابن الجوزي رحمه الله في " المدهش " (1/17-18):" وكم من كلمة تدور على الألسن مثلاً، جاء القرآن بألخص منها وأحسن ".
                  فالأمثال الّتي قالتها العرب وإن كانت من البلاغة بمكان، إلاّ أنّها لا تقاس ببلاغة القرآن. فمن هذه الأمثال:
                  1- " القتل أنفى للقتل ".
                  هذا المثل يدلّ عليه قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ}، بل إنّ الآية أبلغ من ثلاثة أوجه:
                  الأوّل: أنّ " القصاص حياة " لفظتان، و" القتل أنفى للقتل " ثلاثة ألفاظ.
                  الثّاني: أنّ في قولهم " القتل أنفى للقتل " تكرارا ليس في الآية.
                  الثّالث: أنّه ليس كلّ قتل نافيا للقتل، إلاّ إذا كان على حكم القصاص. [انظر:" المثل السّائر" (2/117)].
                  2- " ليس الخبر كالعِيان ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
                  وهذا المثل تكلّم به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد روى أحمد عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
                  (( لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ؛ إِنَّ اللهَعزّ وجلّأَخْبَرَ مُوسَىعليه السّلامبِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَىالْأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ )) ["صحيح الجامع" (5374)].
                  3- " ما تزرعْ تحصدْ ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران من: 30].
                  4- " كما تَدينُ تُدانُ ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}.
                  وقد شاع أنّه حديث ! ولا يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. [انظر "فتح الباري" (8/156)].
                  5- " للحيطان آذان ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}، قال مجاهد، وزيد بن أسلم، وابن جرير رحمهم الله: أي: عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.
                  وهناك قولٌ آخر مفاده أنّ معنى الآية: وفيكم من يسمع كلامهم فيغترّ به ! وهذا قول قتادة، وهو الظّاهر؛ لذلك ارتضاه ابن كثير رحمهالله.
                  6- " الحمية رأس الدّواء ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا}.
                  وفي الحديث الصّحيح: (( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌلِطَعَامِهِ ،وَثُلُثٌلِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌلِنَفَسِهِ )) [أخرجه التّرمذي وغيره].
                  7- " لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين ".
                  يدلّ قوله تعالى:{هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}.
                  وهذا المثل رواه البخاري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال معَاوِيَةُ رضي الله عنه: لا حكِيمَ إلاّ ذُو تجربَةٍ.
                  8- " خير الأمور أوسطها ".
                  يدلّ عليه آيات كثيرة، مثل قوله تعالى:{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ}.
                  بل صارت الوسطيّة من خصائص هذه الملّة الحنيفيّة.
                  ولا يصحّ نسبة هذا المثل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم[انظر:"المقاصد الحسنة" (205)].
                  9- " من جهل شيئا عاداه ".
                  يدلّ عليه قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}، وقوله جلّ ذكره:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}.
                  وهذا المثل أيضا لا يصحّ رفعُه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم[انظر:"المقاصد الحسنة" (409)].
                  ورحم الله الإمام الشّافعيَّ القائل:" العلم جهل عند أهل الجهل، كما أنّ الجهلَ جهلٌ عن أهل العلم "، ثمّ أنشأ يقول:
                  ومنزلة الفقيه من السّفيـه *** كمنزلة السفيه من الفقيه
                  فهذا زاهدٌ فِي قُـرب هذا *** وهذا فيه أزهد منه فيـه
                  ["مناقب الشّافعي" للبيهقي].
                  يتبع إن شاء الله

                  تعليق


                  • #10
                    رد: الأداب الشرعية _3_الأدب مع الله في العبادة -أبو جابر عبد الحليم توميات

                    جزاكم الله خيرا
                    وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
                    رضي الله عنك وأرضاك


                    تعليق


                    • #11
                      الأداب الشرعية_38- أداب النوم -إتخاد أسباب السلامة - أبو جابر

                      الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
                      فمن آداب النّوم:
                      2- الأدب الثّاني: إطفاء النّار، وإغلاق الباب، وتغطية الآنية، وذكر الله على ذلك كلّه.
                      روى البخاري ومسلم عنْ جابِرٍ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
                      (( إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا )).

                      وفي رواية قَالَصلّى الله عليه وسلّم: (( خَمِّرُوا الْآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ؛ فَإِنَّ لِلْجِنِّانْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ؛ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ )).
                      - وقوله: ( إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ ) أي: كان جنحُ اللّيل - بضمّ الجيم وبكسرها -، وهو إقباله بعد غروب الشمس.
                      - قوله: ( فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ) وفي رواية: ( وَاكْفِتُوا )، والكفّ والكفت بمعنى واحد، وهو المنع.
                      - قوله: ( فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ): فإنّ حركتهم في اللّيل أمكنُ منها لهم في النّهار؛ لأنّ الظّلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، لذلك علّمنا ربّنا سبحانه الاستعاذة من الغاسق إذا وقب، وهو اللّيل إذا دخل.
                      قال ابن الجوزيّ رحمه الله:
                      " إنّما خِيف على الصّبيان في تلك السّاعة؛ لأنّ النّجاسة الّتي تلوذ بها الشياطين موجودةٌ معهم غالبا، والذّكر الّذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا، والشّياطين عند انتشارهم يتعلّقون بما يمكنهم التعلّق به، فلذلك خيف على الصّبيان في ذلك الوقت " [انظر:"فتح الباري"].
                      - قوله: ( وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ ): وفي الرّواية الأخرى: (( وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ ))، والإيجاف هو الإغلاق.
                      قال ابن دقيق العيد رحمه الله:" في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدّينيّة والدّنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيّما الشّياطين ".
                      ويؤيّد ذلك رواية أحمد عن جابر رضي الله عنه: (( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا )).
                      ومقتضى الحديث أنّ الشّيطان يتمكّن من دخول البيت إذا لم يذكر اسم الله، ويؤيّده ما أخرجه مسلم وغيره عَن جَابرٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
                      (( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ! وَإِذَادَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قالَ: أَدْرَكْتُمْ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ )).
                      - قوله: (( وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ )): ذلك لأنّ المصابيح أيّامئذٍ كانت توقد بالنّار، ومن المعلوم أنّ ترك النّار مشتعلَةً وقت النّوم غفلة وتقصير، ويلحق بذلك المدافئ الّتي ليس لها وقاية.
                      روى البخاري ومسلم عنْ ابن عمر رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ )).
                      وفي رواية أحمد عن جابر رضي الله عنه: (( وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ -يَعْنِي الْفَأْرَةَ-)).
                      وفي الصّحيحيين أيضا عن أبِي موسَى رضي الله عنه قالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمْ النَّبِيُّ صلّى الله عليهوسلّم قالَ: (( إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ )).
                      وروى أحمد عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( النَّارُ عَدُوٌّ؛ فَاحْذَرُوهَا ! ))، فكَانَ عبدُ اللهِ يَتَتَبَّعُ نِيرَانَ أَهْلِهِ فَيُطْفِئُهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيتَ.
                      قال ابن العربيّ رحمه الله:" معنى كون النّارِ عدوّاً لنا أنّها تنافي أبداننا وأموالنا منافاةَ العدوّ، وإن كانت لنا بها منفعة ... فأطلق أنّها عدوّ لنا لوجود معنى العداوة فيها، والله أعلم "اهـ.
                      قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" قيّده بالنّوم لحصول الغفلة به غالبا، ويستنبط منه أنّه متى وُجِدت الغفلة حصل النّهي "اهـ.
                      أي: إنّ ممّا يلحق بالنّوم مغادرة البيت مثلاً، فلا يحلّ ترك النّار مشتعلةً.
                      - قوله: (( وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ )): و( أَوْكِ ) معناه:" اربِطْ " من الوِكَاء، وهو الرّباط؛ لأنّهم كانوا يتّخذون القِرب من الأديم ونحوه.
                      ويلحق بذلك كلّ ما يوضعُ فيه الشّراب ممّا يُربط أو يُغلق، كالأكياس والقارورات والعُلب.
                      (( وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا )): أي: غطّ الآنية الّتي بها الطّعام، واذكر اسم الله تعالى على ذلك، فإن لم تجِد ما تُغطّي به الإناء فضع شيئاً عليه مثل العود ونحوه.
                      والعلّة من ذلك أمران اثنان:
                      الأولى: منع الشّيطان من آنية المسلم:
                      ويدلّ على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في رواية أحمد: (( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَلَا يَكْشِفُ غِطَاءً، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً )).
                      الثّانية: اتّقاء الوباء النّازل:
                      ففي صحيح مسلم عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ:
                      (( غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌلَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْذَلِكَ الْوَبَاءِ )).
                      ومن الجدير بالتّنبيه عليه أنّ ذكر اسم الله تعالى عند تغطية الآنية أضحى من السّنن المهجورة.
                      3- الأدب الثّالث: التماس النّوم في مكانٍ آمنٍ.
                      فقد روى أبو داود عن عليّ بن شيبان بن محرز رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ )).
                      والحِجار: هو ما يحيط بالسّطح كالسّور.
                      ومعنى الذمّة: الحفظ والرّعاية، وإنّ لكلّ مسلمٍ عهداً على الله تعالى أن يحفظه ويرعاه، بشرط اتّخاذ الأسباب المقدور عليها، أمّا إذا قصّر وأغفل أسباب السّلامة، فإنّ عناية الله تعالى تنقطع عنه، وذلك معنى: برئت منه الذمّة.
                      والله الموفّق لا ربّ سواه.

                      تعليق


                      • #12
                        رد: الأداب الشرعية_38- أداب النوم -إتخاد أسباب السلامة - أبو جابر

                        جزاكم الله كل خير
                        ( مصعب عبد الرحيم ابوشيتة )
                        ( صلـــــــــــى علــــــــــ ( النبى ) ــــــــــــى )
                        عجبت لثلاث !!
                        رجل يجري وراء المال .. و المال تاركه ..!!
                        رجل يخاف على الرزق .. و الله رازقه ..!!
                        رجل يبني القصور .. و القبر مسكنه ..!!
                        يــــا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك وطاعتك ..

                        تعليق


                        • #13
                          الآداب الشّرعيّة (39) آداب النّوم: الطّهارة، وقراءة القرآن-أبو جابر عبد الحليم توميات

                          الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
                          فمن آداب النّوم:
                          4- الأدب الرّابع: الطّهارة قبل النّوم.
                          وفي هذا حديثان:
                          الأوّل: ما رواه البخاري عن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
                          (( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَلِلصَّلَاةِ )).

                          الثّاني: ما رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنْ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ )).
                          وخاصّة إذا كان على جنابة، فيتأكّد الوضوء حينئذ، وفي ذلك حديثان:
                          ما رواه أبو داود عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((َ ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ )).
                          وما رواه النّسائي عَن عائِشَةَ رضي الله عنها أنّ رسُولَ اللهِصلّى الله عليه وسلّم: ( كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْيَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ ).
                          وهذا الوضوءُ لا يرفع الحدث، وإنّما يخفّفه؛ لذلك ألغز بعضهم فقال: ما الوضوء الصّحيح الّذي لا يُبيح الصّلاة ؟
                          ومن عجز عن الوضوء لضرٍّ، أو كسل، فيتيمّم.
                          فقد روى البيهقي في "السّنن الكبرى" عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول اللهصلّى الله عليه وسلّمإِذَا أَجْنَبَ، فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَتَوَضَّأَ، أَوْ تَيَمَّمَ ).
                          5- الأدب الخامس: قراءة شيء من القرآن.
                          فقراءة القرآن حرزٌ من الشّيطان، وقد قال الله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً}.
                          وفي هذا عدّة أحاديث:
                          - روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:
                          وَكَّلَنِي رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ ! فَأَخَذْتُهُ، فقلتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ... فذكر الحديث، وفيه: فَقَالَ:" إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللهِ حَافِظٌ، وَلَايَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ "، فقالَ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ )).
                          - وفيهما أيضا عن عائِشَةَ أنَّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم ( كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌوَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِوَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِوَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ).
                          - وروى أبو داود وغيره عَن فَروَةَ بْنِ نوفل عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لنوفل: (( اِقْرَأْ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَنَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا؛ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ )).
                          تنبيه:
                          هناك أحاديث ضعيفة منتشرة في فضائل بعض السّور عند النّوم، منها:
                          - حديث بلال في قراءة سورة الواقعة، وأنّها تنفي الفاقة.
                          - وقراءة سورة الملك، وإنّما الثّابت التّرغيب في حفظها.
                          - قراءة سورة السّجدة.
                          والله أعلم.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: الآداب الشّرعيّة (39) آداب النّوم: الطّهارة، وقراءة القرآن-أبو جابر عبد الحليم توميات

                            جزاكم الله خيرااااااا..

                            ولكن أخانا الفاضل

                            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
                            فقد روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. ورواه أبو داود وغيره.
                            وقال عنها: وددت تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن. رواه الحاكم عن ابن عباس. ومما ورد في فضلها مع سورة السجدة ما رواه أحمد والترمذي عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (ألم تنزيل) و(تبارك الذي بيده الملك). وهو حديث صحيح، صححه غير واحد من أئمة أهل العلم.
                            ولذلك يستحب قراءتهما قبل النوم كل ليلة لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو قرأهما في صلاة الليل قبل النوم أجزأه ذلك.
                            والله أعلم.

                            وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
                            رضي الله عنك وأرضاك


                            تعليق

                            يعمل...
                            X