الأدب الأوّل: الوتر قبل النّوم
فمن الآداب الّتي جاء الإسلام بالتّرغيب فيها، والتحلّي بها: آداب النّوم.
وإنّ الدّاعي للحديث عن آداب النّوم أمران:
الأمّر الأوّل: أنّه من نعم اللهتعالىعلى عباده.
وحيثما كانت النّعمة، وجبَت رعايتها حقّ الرّعاية، والاعتناء بشكرها حقّ العناية، قال الله تعالى مانّا على عباده:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص:72]، وقال عزّ وجلّ:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} [الفرقان:47]، وقال:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ:9].
الأمر الثّاني: النّوم أخو الموت. فينبغي للمسلم أن يكون متقيّدا بشريعة الله في نومه؛ لأنّه يبيت قريبا من الموت، وقد سمّى الله تعالى النّوم وفاةً، فقال:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام من: 60]، وقال عزّ وجلّ:{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].
وفي الحديث الّذي رواه أبو نعيم في "الحلية" وغيره عن جابِرٍ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ قالَ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( النَّوْمُ أَخُو المَوْتِ )) ["السّلسلة الصّحيحة" (1087)].
فمن هذه الآداب:
1- الوتر قبل النّوم:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلّى الله عليه وسلّم بِثَلَاثٍ: (( صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْالضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ )).
وروى مسلم عن أبِي الدّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ: أَوْصَانِي حبيبي صلّى الله عليه وسلّم بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: (( بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ )).
وإنّ الله وتر يحبّ الوتر، فما أحسن أن يَختِم العبد يومه بما يحبّه الله عزّ وجلّ ! ولعلّ اللهَ أن يجعله خاتمة أعماله.
فائدة:
قد يوتر أحدنا ثمّ يبدو له أن يصلّي ما تيسّر له بعدما أوتَر، فذلك جائز، والدّليل على الجواز ثلاثة أحاديث:
الأوّل: ما رواه مسلم والنّسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كَانَصلّى الله عليه وسلّميُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَانَرَكَعَاتٍثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ".
الثّاني: ما رواه أبو داود عن طلقِ بنِ عليٍّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ )).
وإنّما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك فيمن أراد أن يصلِّي بعد الوتر، فليس له أن يُصلِّي الوتر مرّة أخرى.
الثّالث: ما رواه الدّرامي وابن خريمة عن ثوبانَ رضي الله عنه قال: كنّا مع االنّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ، فقال: (( إِنَّ هَذَا السَّفَرَجَهْدٌ وَثِقَلٌ، فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَإِلاَّ كَانَتَا لَهُ )) وإسناده جيّد.
أمّا الحديث المتّفق عليه: (( اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا )) فهو يدلّ على الاستحباب؛ لما ذكرناه من الأحاديث، وأنّ المقصود: أن لا يدَع المسلم الوِترَ إذا صلّى صلاة اللّيل.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
تعليق