الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه نصيحةٌ ونداءٌ، إلى المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الّذين نأمل أن يكونوا كما وصفهم ربّ الأرض والسّماوات:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا} [الأحزاب:36]..
والّذين نرجو أن يكون شعارهم ودثارهم:{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: من الآية285].
فإنّ من الأمور التي تُحزن كلّ مسلم يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويغار على هذا الدّين وأهله، أن يجد إخوانه من بني جلدته، الذين يتكلّمون بلسانه، وينتمون إلى عقيدته، يراهم يُظهرون شعائرَ الكفّار وأعيادَهم ! في وقت: استباحوا فيه بيضتَهم، وكسرواشوكتهم، وأسقطوا عزّتهم ! في الوقت الّذي ينادي أهلُ الكفرِ من المغضوب عليهم والضّالين، بتجديد الحروب الصّليبيّة، نرى كثيرا من إخواننا قد هان عليهم دينُهم، ونسُوا وصايا نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، الّذي قال: (( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ )) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ: (( فَمَنْ )) ؟.. [رواه البخاري].
هؤلاء الّذين يتحدّث عنهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث هم: اليهود والنّصارى الذين يُوصفون بالرّهبانيّة والتعبّد والتبتّل، ينهانا ربّنا عزّ وجلّ عن مشابهتهم، ويأمرنا بمفارقتهم، فلا تتحدّث عمّن ضمّ إلى ذلك: الكفر والعصيان والعقوق، والشّرك والمجون والفسوق !..
أخي المسلم .. أختي المسلمة ..
اعلموا أنّ العلماء قاطبةً أجمعوا على أنّ مجرّد حضور أعياد الكفّار كبيرة من كبائر الذّنوب، ومعصية لعلاّم الغيوب، فكيف بمن احتفل بها أو أعان على الاحتفال بها ؟!
والأدلّة على ذلك ما يلي:
1- قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72].
قال أئمّة التّفسير كمحمّد بن سيرين والرّبيع بن أنس:" الزّور هو أعياد الكفّار ".
2- وروى النّسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى اللهعليه وسلّم الْمَدِينَةَ، قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).
ولا شكّ أنّ الّذي يزيد على هذين العيدين عيدا واحدا من أمور الإسلام كالاحتفال بالهجرة، ومحرّم، وعاشوراء فإنّه يكون قد ابتدع في الدّين، وعصى ربّ العالمين، فكيف بمن زاد يوما من أيّام أعداء الله !؟..
3- وروى أبو داود عن ثَابِت بْن الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟ )) قَالُوا: لَا !
قَالَ: (( هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ )) قَالُوا: لَا !
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ )).
بالله عليك، ما الّذي تفهمه من هذا الحديث ؟!..
ألا نفقه منه أنّ: إظهار شعائر الله عزّ وجلّ، في مكان كان يُقام فيه أعياد الكفّــار لا يحلّ ؟ فكيف بمن يُقِيمُ هو بنفسه أعيادا الكافرين والمشركين ؟!
4- وفي سنن أبي داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).
أمّا آثار السّلف وأقوال أهل العلم فمنها الكثير والكثير، نكتفي بنقل بعضها، وندعوكم إلى الاطّلاع على ما جاء في كتاب " اقتضاء الصّراط المستقيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنّه رحمه الله وأعلى مقامه قد كفى وشفى.
5- من العهود التي أخذها عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على أهل الذّمة من النّصارى: ( ألاّ يُظهروا أعيادهم وشعائرهم، وإلاّ فلا ذمّة لهم ). فكيف يأتي اليوم المسلمون فيُظهروا هم أنفسُهم هذه الأعياد الكفريّة !!
6-وقال عمر رضي الله عنه أيضا: ( لا تدخلوا على النّصارى يوم عيدهم؛ فإنّ السّخط والغضب ينزل عليهم ).
7- وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:" من بنى بأرض العجم، وشهد نيروزهم وعيدهم، فمات، فقد برئ من الإسلام ".
هذا فيمن شهد وحضر، فكيف بمن احتفل وأظهر ؟!.
8- وقال شيخ الإسلام ابن القيّم رحمه الله تعالى في " أحكام أهل الذمّة ": ( إنّ الاحتفال بأعياد الكفّار إن لم يكن كفرا فهو حرام ). وبمثله قال شيخه ابن تيمية رحمه الله.
9- وقال الفقيه المغربيّ ابن الحاجّ المالكيّرحمه الله تعالى في كتابه " المدخل " (29/47-48):
" لا يحلّ لمسلمين أن يبيعوا للنّصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما ولا ثوبا .. ولا يُعانون على شيء من دينهم؛ لأنّ ذلك من التّعظيم لشركهم، وعونهم على كفرهم، وينبغي للسّلاطين أن يَنهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لا أعلم أحدا اختلف في ذلك ..".
10- بل بالغ أبو حفص البستي الحنفيّ رحمه الله فقال:" من باع بيضة لهم فقد كفر "..
فانظر - رحمني الله وإيّاك - إلى نصوص القرآن العظيم، وأحاديث النبيّ الكريم، وأقوال العلماء سلفا وخلفا، ثمّ انظر إلى أحوال المسلمين !!
أبـكي على الإسـلام مـن كـمـد *** وأزفـر الآه تلـو الآه مـن ألـم
وقال عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ} [الممتحنة: من الآية1].
وإنّ الله تعالى قد أغنانا بشرع كامل تامّ، ومنّ علينا بإتمامه فقال:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3] .. فكيف لنا أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟!
من أين جاءوا بعيد السّنة واخترعوا***عيد المعلّم أو عيد الشّجـيرات
في كلّ يوم لهم عيـد ومـحتفـل***يضيّعون به بعـض السّويعـات
هذي التّقاليد جاءت من كنائـسهم***ومن صوامـع قسّيس وبيعـات
والنّاس أسرى تقاليد ومـا علمـوا***أنّ التّقاليد قـد تـأتي بويـلات
وشأن من غُلبـوا تقليـد غالبـهم***في مأكل أو لبـاس أو بعـادات
وصـار تقليدهم فرضـا على أمّـة***مغلوبة نسيت أزهى الـحضارات
وأختم نصيحتي هذه ببيان بعض مظاهر الاحتفال بأعياد هم:
1- تبادل التّهنئة، كقول النّاس:" كلّ عام وأنتم بخير "، فهذه بعيدة عن كلّ خير.
2- تبادل الهدايا.
3- إرسال بطاقات التّهنئة، أو بيعها.
4- إغلاق المدارس، وتعطيل العمل في هذا اليوم.
5- تخفيض بعض المحلاّت للأسعار بمناسبة العام الجديد.[وتراهم يرفعونها إلى القمّة في أيّام الله عزّ وجلّ].
6- بيع أصحاب محلاّت الحلويات ( حلويات العام الجديد )!.
وأختم كلمتي هذه بنداء أرحم الرّاحمين، وأحكم الحاكمين:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].
فإن تولّيتم فإنّما علينا البلاغ، والله يتولّى الحساب.
تعليق