البحث عن السعادة ..
البحث عن السعادة ..
يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد،
فيشكو هذا ويتذمر؛ فكأنَّه حمل حملين،
ويضحك هذا ويغنِّي؛ فكأنَّه ما حمل شيئًا.
ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد،
فيتشاءم هذا، ويخاف، ويتصور الموت،
فيكون مع المرض على نفسه؛ فلا ينجو منه،
ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة؛ فتسرع إليه،
ويسرع إليها.
ويُحكم على الرجلين بالموت؛
فيجزع هذا، ويفزع؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات،
ويملك ذلك أمره ويحكِّم فكره،
فإذا لم تُنجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُه.
وهذا (بسمارك) رجل الدم والحديد
وعبقري الحرب والسِّلْم،
لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة،
وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله
فإذا افتقدها خلَّ فكرُه، وساء تدبيره.
وكان يومًا في حرب، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة،
لم يصل إلى غيرها، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتدُّ عليه
فيها الضيق ويعظم الهمُّ، وبقي أسبوعًا كاملًا من غير دخان،
صابرًا عنه أملًا بهذه الدخينة، فلمَّا رأى ذلك ترك التدخين،
وانصرف عنه؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة
بلفافة تبغ واحدة.
وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري
أصيب في أواخر عمره بتَوَهُّمِ أن في أمعائه ثعبانًا،
فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛
فكانوا يدارون الضحك حياءً منه،
ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود،
ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق،
حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات،
قد سَمِع بقصته، فسقاه مُسَهِّلًا وأدخله المستراح،
وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه،
ونشط جسمه، وأحسَّ بالعافية، ونزل يقفز قفزًا،
وكان قد صعد متحاملًا على نفسه يلهث إعياءً،
ويئنُّ ويتوجَّع، ولم يمرض بعد ذلك أبدًا.
ما شفِي الشيخ لأنَّ ثعبانًا كان في بطنه ونَزَل،
بل لأن ثعبانًا كان في رأسه وطار؛
لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة،
وإن في النفس الإنسانية لَقُوًى إذا عرفتم كيف تفيدون
منها صنعت لكم العجائب.
تنام هذه القوى، فيوقظها الخوف أو الفرح؛
ألَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضًا، خامل الجسد،
واهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب،
فرأى حيَّة تقبل عليه، ولم يجد مَنْ يدفعها عنه،
فوثب من الفراش وثبًا، كأنَّه لم يكن المريض الواهن الجسم؟
أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب،
قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كُرْسِيًّا يطرح نفسه عليه،
فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره،
أو كتابًا مستعجلًا من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته،
فأحسَّ الخفة والشبع، وعدا عدوًا إلى المحطة،
أو إلى مقرِّ الوزير؟
هذه القوى هي منبع السعادة
تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيًّا عذبًا،
فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة !
يتبع
ان شاء الله ..
البحث عن السعادة ..
يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد،
فيشكو هذا ويتذمر؛ فكأنَّه حمل حملين،
ويضحك هذا ويغنِّي؛ فكأنَّه ما حمل شيئًا.
ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد،
فيتشاءم هذا، ويخاف، ويتصور الموت،
فيكون مع المرض على نفسه؛ فلا ينجو منه،
ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة؛ فتسرع إليه،
ويسرع إليها.
ويُحكم على الرجلين بالموت؛
فيجزع هذا، ويفزع؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات،
ويملك ذلك أمره ويحكِّم فكره،
فإذا لم تُنجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُه.
وهذا (بسمارك) رجل الدم والحديد
وعبقري الحرب والسِّلْم،
لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة،
وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله
فإذا افتقدها خلَّ فكرُه، وساء تدبيره.
وكان يومًا في حرب، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة،
لم يصل إلى غيرها، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتدُّ عليه
فيها الضيق ويعظم الهمُّ، وبقي أسبوعًا كاملًا من غير دخان،
صابرًا عنه أملًا بهذه الدخينة، فلمَّا رأى ذلك ترك التدخين،
وانصرف عنه؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة
بلفافة تبغ واحدة.
وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري
أصيب في أواخر عمره بتَوَهُّمِ أن في أمعائه ثعبانًا،
فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛
فكانوا يدارون الضحك حياءً منه،
ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود،
ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق،
حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات،
قد سَمِع بقصته، فسقاه مُسَهِّلًا وأدخله المستراح،
وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه،
ونشط جسمه، وأحسَّ بالعافية، ونزل يقفز قفزًا،
وكان قد صعد متحاملًا على نفسه يلهث إعياءً،
ويئنُّ ويتوجَّع، ولم يمرض بعد ذلك أبدًا.
ما شفِي الشيخ لأنَّ ثعبانًا كان في بطنه ونَزَل،
بل لأن ثعبانًا كان في رأسه وطار؛
لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة،
وإن في النفس الإنسانية لَقُوًى إذا عرفتم كيف تفيدون
منها صنعت لكم العجائب.
تنام هذه القوى، فيوقظها الخوف أو الفرح؛
ألَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضًا، خامل الجسد،
واهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب،
فرأى حيَّة تقبل عليه، ولم يجد مَنْ يدفعها عنه،
فوثب من الفراش وثبًا، كأنَّه لم يكن المريض الواهن الجسم؟
أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب،
قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كُرْسِيًّا يطرح نفسه عليه،
فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره،
أو كتابًا مستعجلًا من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته،
فأحسَّ الخفة والشبع، وعدا عدوًا إلى المحطة،
أو إلى مقرِّ الوزير؟
هذه القوى هي منبع السعادة
تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيًّا عذبًا،
فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة !
يتبع
ان شاء الله ..
تعليق