لزوم الاستقامة.. كرامة من الله لمن شاء
بقلم: فضيلة الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر
بقلم: فضيلة الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر
قال ابن حبان في صحيحه: ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جلَّ وعلا صرف قلبه إلى طاعته، وساق فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب ابن آدم ملقى بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء) ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم اصرف قلوبنا إلى طاعتك)، والحديث في مسلم.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك الدعاء.. ويخاطب بذلك الخطاب خير قرن، ولم يأمن على الصحابة فهل يأمن بعدهم إلاّ جاهل مغرور؟ بل سأل الخليل الثبات على التوحيد، واستعاذ بالله من أبين الشرك وأظهره: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }البقرة126 إي والله كثير من الناس الأذكياء الألباء في الهند والسند والشرق والغرب؟ فمن ظن نفسه فوقهم! فليأتس بالخليل! وإلاّ فليعلم بأن عاقبة الغرور وبيلة.
وقد قال الله تعالى لخير جيل فمن جاء بعدهم بعد أن أمرهم بجماع الدين: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل: 90] ثم ثنى بأمرهم الصريح للوفاء بالعهود {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ} “وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها إذا كان الوفاء بها براً، ويشمل أيضاً ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين، وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه، فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة” (ابن سعدي)، قال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91 ، ثم جاء النهي عن الانتكاسة المتضمن للأمر بالثبات فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ } [النحل: 92] ثم عقب بقوله: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 93].
وإذا كان هذا يقال لخير جيل فحري بنا أن نخاف على أنفسنا، ومن تدبر القرآن اعتبر! وتأمل: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى”} [القصص: 76].
التعبير بكان في هذا السياق يشعر بانبتات وانفصام حدث بعد أن لم يكن..
فقد كان قارون من قوم موسى نسباً وديانة ولساناً وشرفاً فهو من جملة نسل إسرائيل عليه السلام.. وهو من القوم؛ من بني جلدتهم يتحدث بلسانهم وما من مولود إلاّ ويولد على الفطرة فلم يولد قارون طاغية فرعونياً باغياً… بل صح عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أنه قال: كان قارون ابن عم موسى، وكان يبتغي العلم حتى جمع علماً، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى… وكونه ابن عم موسى ثابت عن غير واحد من السلف وقال بعضهم ابن أخيه، وذكروا في صفاته التي كان عليها ما فيه عبرة: فذكروا طلبه للعلم، وذكروا أنه كان يدعى المنور من حسن صوته بالتوراة…
لكن الثبات عزيز ولزوم الاستقامة كرامة لا يوفَّق لها إلاّ من رحمه الله: {فّبّغّى” عّلّيًهٌمً}.. وهذه بلية في بعض المتذبذبين المائلين، لا يكتفي أحدهم بالتنازل عن الثوابت والاعتراف بالذنب والتقصير إذاً لكان الأمر أهون وهو عظيم!.. لو كان يقول: انحرفت والله يهديني كما يفعل كثير من الفساق لكان الأمر أيسر بكثير.. لكن بعض المتذبذبين المائلين يبدأ في تشريع ذلك التذبذب ومحاولة إثبات أنه الحق ومقتضى العقل والحكمة، ثم يتدرج به الشيطان إلى حرب من ثبت من إخوته الذين بقوا على العهد الأول، وهذا كثير في مَن عرف بسابقة وفضل وكانت له مكانة، فالشهوة الخفية تدفعه للذب عن تلك الحظوة والدفاع عن تلك المكانة ولا يكون هذا إلاّ بتسويغ ما هو فيه وربما رمي من بقي على العهد الأول بالباطل!
والمقصود الثبات عزيز، ولزوم الاستقامة كرامة يوفّق الله من علم من نفسه خيراً وربك أعلم بمواضع رحمته نسأل الله من فضله وكرمه.
بيد أن الواجب علينا مراقبة النفوس ومراجعتها عوضاً عن الانشغال بأحوال الآخرين، وتقلبات الهالكين، ومن أغفل نفسه فيُخشى عليه من العطب، وإن كان ذكياً نبيلاً، ومن فقد الإحساس بحال الذي بين جوانحه فطبيعي أن يفتك المرض به، ولن تنفعه حينها مراقبته لتقلبات الآخرين الذين لا يدري بماذا يختم الله لهم! فراجع نفسك، وحاسبها، ولا تأمن فهذه واحدة من خصائص السالمين الناجين المهمة بعد تحقيق الإخلاص والمتابعة؛ أعني الخوف على النفس ومحاسبتها، َقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ كما في البخاري: (أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ).. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: “مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ”.
وأثر الحسن الذي علقه البخاري أسنده البيهقي في الشعب فساق سنده إلى الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ قَالَ: (سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: “وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا أَمْسَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ، إِلَّا وَهُوَ يَتَخَوَّفُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا أَمِنَ النِّفَاقَ إِلَّا مُنَافِقٌ”)، أعاذني الله وإياكم من النفاق وأهله.
المصدر: مجلة الدعوة
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك الدعاء.. ويخاطب بذلك الخطاب خير قرن، ولم يأمن على الصحابة فهل يأمن بعدهم إلاّ جاهل مغرور؟ بل سأل الخليل الثبات على التوحيد، واستعاذ بالله من أبين الشرك وأظهره: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }البقرة126 إي والله كثير من الناس الأذكياء الألباء في الهند والسند والشرق والغرب؟ فمن ظن نفسه فوقهم! فليأتس بالخليل! وإلاّ فليعلم بأن عاقبة الغرور وبيلة.
وقد قال الله تعالى لخير جيل فمن جاء بعدهم بعد أن أمرهم بجماع الدين: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل: 90] ثم ثنى بأمرهم الصريح للوفاء بالعهود {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ} “وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها إذا كان الوفاء بها براً، ويشمل أيضاً ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين، وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه، فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة” (ابن سعدي)، قال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91 ، ثم جاء النهي عن الانتكاسة المتضمن للأمر بالثبات فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ } [النحل: 92] ثم عقب بقوله: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 93].
وإذا كان هذا يقال لخير جيل فحري بنا أن نخاف على أنفسنا، ومن تدبر القرآن اعتبر! وتأمل: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى”} [القصص: 76].
التعبير بكان في هذا السياق يشعر بانبتات وانفصام حدث بعد أن لم يكن..
فقد كان قارون من قوم موسى نسباً وديانة ولساناً وشرفاً فهو من جملة نسل إسرائيل عليه السلام.. وهو من القوم؛ من بني جلدتهم يتحدث بلسانهم وما من مولود إلاّ ويولد على الفطرة فلم يولد قارون طاغية فرعونياً باغياً… بل صح عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أنه قال: كان قارون ابن عم موسى، وكان يبتغي العلم حتى جمع علماً، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى… وكونه ابن عم موسى ثابت عن غير واحد من السلف وقال بعضهم ابن أخيه، وذكروا في صفاته التي كان عليها ما فيه عبرة: فذكروا طلبه للعلم، وذكروا أنه كان يدعى المنور من حسن صوته بالتوراة…
لكن الثبات عزيز ولزوم الاستقامة كرامة لا يوفَّق لها إلاّ من رحمه الله: {فّبّغّى” عّلّيًهٌمً}.. وهذه بلية في بعض المتذبذبين المائلين، لا يكتفي أحدهم بالتنازل عن الثوابت والاعتراف بالذنب والتقصير إذاً لكان الأمر أهون وهو عظيم!.. لو كان يقول: انحرفت والله يهديني كما يفعل كثير من الفساق لكان الأمر أيسر بكثير.. لكن بعض المتذبذبين المائلين يبدأ في تشريع ذلك التذبذب ومحاولة إثبات أنه الحق ومقتضى العقل والحكمة، ثم يتدرج به الشيطان إلى حرب من ثبت من إخوته الذين بقوا على العهد الأول، وهذا كثير في مَن عرف بسابقة وفضل وكانت له مكانة، فالشهوة الخفية تدفعه للذب عن تلك الحظوة والدفاع عن تلك المكانة ولا يكون هذا إلاّ بتسويغ ما هو فيه وربما رمي من بقي على العهد الأول بالباطل!
والمقصود الثبات عزيز، ولزوم الاستقامة كرامة يوفّق الله من علم من نفسه خيراً وربك أعلم بمواضع رحمته نسأل الله من فضله وكرمه.
بيد أن الواجب علينا مراقبة النفوس ومراجعتها عوضاً عن الانشغال بأحوال الآخرين، وتقلبات الهالكين، ومن أغفل نفسه فيُخشى عليه من العطب، وإن كان ذكياً نبيلاً، ومن فقد الإحساس بحال الذي بين جوانحه فطبيعي أن يفتك المرض به، ولن تنفعه حينها مراقبته لتقلبات الآخرين الذين لا يدري بماذا يختم الله لهم! فراجع نفسك، وحاسبها، ولا تأمن فهذه واحدة من خصائص السالمين الناجين المهمة بعد تحقيق الإخلاص والمتابعة؛ أعني الخوف على النفس ومحاسبتها، َقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ كما في البخاري: (أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ).. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: “مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ”.
وأثر الحسن الذي علقه البخاري أسنده البيهقي في الشعب فساق سنده إلى الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ قَالَ: (سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: “وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا أَمْسَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ، إِلَّا وَهُوَ يَتَخَوَّفُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا أَمِنَ النِّفَاقَ إِلَّا مُنَافِقٌ”)، أعاذني الله وإياكم من النفاق وأهله.
المصدر: مجلة الدعوة
تعليق