وأنا خير منه !!
د / محمد بن صقر الدوسري
بسم الله الرحمن الرحيم
التعصب إحدى الممارسات الشاذة التي يتفق على نبذها وإدانتها العقلاء أيا كانت ملتهم ووجهتهم ، ذلك لأنها صفة تحيل اليسر إلى عسر واللطف إلى شراسة والمعروف إلى نكاية ، وهي بلوى تفسد الذوق وتهلك الحرث والنسل وتجر المصائب وتعمى البصائر ،كم سقط على أثرها من علم ، وهوى من قلم ، وظهر من ثلم وطوي من كرم !!؟وهي بقـية جاهلية وطريقة همجية ومنهج فوضوية ، وهي وليدة شر ونقيض تسامح ورديف أذى ، لا يرجى معها رحمة ولا ينفع معها مرونة ولا يسلم معها صاحب !!
تعصب إبليس لأصله الذي خلق منه ، فقال :( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) . فكان مصيره العذاب في النار التي خلق منها !
وتعصب فرعون لــذاته فقال : ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) فكان مصــيره أن أجرى الله الأنهار من فوقه !! وتعصب الملأ من قريش لمعبوداتهم من الحجارة ، فقالوا :( أجعل الآلهة إلهآ واحداً إن هذا لشيْ عجاب ) فسقطوا صرعى قليب بدر يوم الفرقان لتردمهم الرمال والحجارة !!
المتعصب مصاب في بصيرته بالقصر والضيق فلا يرى من الأشياء إلا ظاهرها ، ولا ينفذ لما وراءها من حقيقة وباطن .كلت حواسه وتبلد عقله ، وارتكنت نفسها لهواها.
( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تـعمى القلوب التي في الصدور ) الحج 46.( إن شـر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون )الأنفال 22 ـ 23.
المتعـصب لا يعرف من المبادئ إلا ما وافق مصالحه ، ولا يعرف من الحـقائق إلا ماوافق باطله ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهـيم ربي الذي يحي ويـميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين ) البقرة 258
المتعصب مبتلى في نفسه ، بلاء على غيره ( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلـــنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، وأرادوا به كيـــــــــداً فجعلناهم الأخسرين ) الأنبياء 68ـ70.
المتعصب أضل نفسه وغوى ، فقاعة هواء ، وسراب بقيعة ، وخيال مآتة . ظل زائل وسلطان جائر ، مركوب شيطان ، ونعيق بوم ، وأذان خراب . وهم خادع ، وغثاء كغثاء السيل .
المتعصبون قطيع تائه ، وسند منقطع .علاقة انتفاع ، وحب ذات ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ًيحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب .إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب .وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرئوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) البقرة 165ـ 167 .
المتعصبون أسارى الأهواء ، تتجارى بهم كما تتجارى الكلاب بجيفها ، مقـطوع بفسادهم ، ميؤوس من صلاحهم ، شهد الله عليهم بذلك ، فقال : ( أرأيت من اتخـذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيـلاً . أم تحـسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) الفرقان 43 ـ 44.
مقامات المتعصــبين ظلمات بعضها فوق بعض ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يركنوا إلى ركـن متين . ( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله ومالهم من ناصرين ) الروم 29 .
المتعصبون مدعو الحرية و الانفتاح ، لم يتذوقوا طعم الفضيلة ، ولم يستشعروا برد اليقين ، ولم يدركوا سماحة الإسلام ويسره ، فأوقعو ا المسلمين في الحرج ، وأقفلوا أمامهم أبواب الفرج .( قل من حرم زيـنة التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القــيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون .قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) الأعراف 32 ـ33 .
المتعصبون خطوا خطوط فتفرقت بهم سبل ، وأرصد لهم الشيطان أدلته ، فظنوا أنهم يحسنون صنعا ، وما دروا أنهم على طريق الهلاك صرعى .
روى النسائي في سننه ، وأحمد والـدارمي في مسنديهما ، والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( خط لنا رســول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال : "هذا سبيل الله ، ثم خط خـطوطا عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ ) وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام 153 .
المتعصبون أرداهم قول باللسان دون فهم ، وعمل بالأركان دون " استقم " .
عن أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت يارسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك .قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " رواه مسلم .
لو تأمل المتعصبون لعلموا إن طريق الاستقامة القدر الأوحد لمن أراد السلامة والنجاة والنجاة يوم القيامة ، وبغير ذلك الطريق الذي أراده الله عز وجل لعباده الراغبـــين في والحصول على ثوابه وتجنب عـقابه سيكون التردي والتخبط طريق الهلاك والضياع .( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالـجنة التي كنتم توعدون .نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تـدعون . نزلاً من غفور رحيم ) فصلت 30 .
كتبه : د / محمد بن صقر الدوسري
تعليق