أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة
”الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفة به، والساعدُ ساعداً قوياً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير“()، وإليك شروط الدعاء وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين:
^^^^^^^^^^^^^^^
المبحث الأول: شروط الدعاء
^^^^^^^^^^^^^^^
الشرط: لغة العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته().
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي:
---------------------------------------------
الشرط الأول:
^^^^^^^
الإخلاص: وهو تصفية الدعاء والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كله لله وحده، لا شرك فيه، ولا رياء ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه().
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(). وقال: {فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(). وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(). وقال سبحانه: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ}().
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْكَ، احفظِ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ“().
وسؤال الله تعالى: هو دعاؤه والرغبة إليه كما قال تعالى: {وَسْـئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}().
الشرط الثاني:
^^^^^^^^
المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(). والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع الله تعالى ويُراد به وجه الله سبحانه. فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم()، ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(). قال: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ”إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة“(). ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}() وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}().
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته().
فيجب على المسلم أن يكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كل أعماله، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(). وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(). وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(). وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}().
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم يكون باطلاً، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ“.
الشرط الثالث:
^^^^^^^^
الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة():
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى، وأنه على كل شيء قدير، لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(). وقال سبحانه: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(). ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}().
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى: ”... يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركُم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحْرَ“(). وهذا يدل على كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد()، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يدُ الله() ملأى لا يَغِضُها نَفَقةٌ سحّاءُ() الليلَ والنهارَ أرأيتُم ما أنفقَ مُذْ خلَقَ السماءَ() والأرض فإنه لم يغِضْ ما في يده وكان عرشُهُ على الماءِ وبيده() الميزان يخفض ويرفع“().
فالمسلم إذا علم ذلك فعليه أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، لما تقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة...“() الحديث. ولهذا بين صلى الله عليه وسلم أن الله يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع فقال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث“() الحديث.
الشرط الرابع:
^^^^^^^
حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى الله تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}().
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى()، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ“(). وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}().
الشرط الخامس:
^^^^^^^^
العزمُ والجَزم ُوالجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم ويعزم بالدعاء، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مُسْتَكْرِهَ لهُ“(). وفي رواية: ”فإن الله لا مُكْرِهَ له“().
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه“().
---------------------------------------------------
^^^^^^^^^^^^^^^^^
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء
^^^^^^^^^^^^^^^^^
المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط().
ومن هذه الموانع ما يأتي:
---------------------------
المانع الأول:
^^^^^
التوسع في الحرام: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية().
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يا أيها الناس إن الله طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك“(). وقد قيل كما ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً، فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات() والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً. ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ وكان أبو بكر يأكل من خراجه()، فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده() فقاءَ كلَّ شيء في بطنه“(). ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد ”فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به“ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة().
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
الأول: إطالة السفر، والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”ربَّ أشْعَثَ() مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره“(). والثالث: يمد يديه إلى السماء ”إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين“(). والرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ومع ذلك كله قال صلى الله عليه وسلم: ”فأنى يستجاب لذلك“ وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد().
فعلى العبد المسلم التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويرد المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني:
^^^^^^
الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء، لتأخر الإجابة()، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء().
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي“().
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل“. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: ”يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي فيستحسر() عند ذلك ويدعُ الدعاءَ“().
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء، لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، والله تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(). فما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له().
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما يسأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل().
المانع الثالث:
^^^^^^^
ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة()، ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ
ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ
كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ
قد سددْنا طريقها بالذنوب()
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}().
المانع الرابع:
^^^^^^
ترك الواجبات التي أوجبها الله:
كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء()، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم“().
المانع الخامس:
^^^^^^^
الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
المانع السادس:
^^^^^^^
الحكمة الربانية فيُعطى أفضل مما سأل:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ”الله أكثر“(). فقد يظن الإنسان أنه لم يجب وقد أجيب بأكثر مما سأل أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل أو أخَّره له إلى يوم القيامة().
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة
”الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفة به، والساعدُ ساعداً قوياً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير“()، وإليك شروط الدعاء وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين:
^^^^^^^^^^^^^^^
المبحث الأول: شروط الدعاء
^^^^^^^^^^^^^^^
الشرط: لغة العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته().
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي:
---------------------------------------------
الشرط الأول:
^^^^^^^
الإخلاص: وهو تصفية الدعاء والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كله لله وحده، لا شرك فيه، ولا رياء ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه().
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(). وقال: {فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(). وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(). وقال سبحانه: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ}().
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْكَ، احفظِ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ“().
وسؤال الله تعالى: هو دعاؤه والرغبة إليه كما قال تعالى: {وَسْـئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}().
الشرط الثاني:
^^^^^^^^
المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(). والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع الله تعالى ويُراد به وجه الله سبحانه. فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم()، ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(). قال: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ”إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة“(). ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}() وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}().
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته().
فيجب على المسلم أن يكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كل أعماله، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(). وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(). وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(). وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}().
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم يكون باطلاً، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ“.
الشرط الثالث:
^^^^^^^^
الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة():
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى، وأنه على كل شيء قدير، لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(). وقال سبحانه: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(). ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}().
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى: ”... يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركُم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحْرَ“(). وهذا يدل على كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد()، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يدُ الله() ملأى لا يَغِضُها نَفَقةٌ سحّاءُ() الليلَ والنهارَ أرأيتُم ما أنفقَ مُذْ خلَقَ السماءَ() والأرض فإنه لم يغِضْ ما في يده وكان عرشُهُ على الماءِ وبيده() الميزان يخفض ويرفع“().
فالمسلم إذا علم ذلك فعليه أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، لما تقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة...“() الحديث. ولهذا بين صلى الله عليه وسلم أن الله يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع فقال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث“() الحديث.
الشرط الرابع:
^^^^^^^
حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى الله تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}().
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى()، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ“(). وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}().
الشرط الخامس:
^^^^^^^^
العزمُ والجَزم ُوالجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم ويعزم بالدعاء، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مُسْتَكْرِهَ لهُ“(). وفي رواية: ”فإن الله لا مُكْرِهَ له“().
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه“().
---------------------------------------------------
^^^^^^^^^^^^^^^^^
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء
^^^^^^^^^^^^^^^^^
المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط().
ومن هذه الموانع ما يأتي:
---------------------------
المانع الأول:
^^^^^
التوسع في الحرام: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية().
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يا أيها الناس إن الله طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك“(). وقد قيل كما ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً، فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات() والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً. ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ وكان أبو بكر يأكل من خراجه()، فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده() فقاءَ كلَّ شيء في بطنه“(). ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد ”فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به“ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة().
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
الأول: إطالة السفر، والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”ربَّ أشْعَثَ() مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره“(). والثالث: يمد يديه إلى السماء ”إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين“(). والرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ومع ذلك كله قال صلى الله عليه وسلم: ”فأنى يستجاب لذلك“ وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد().
فعلى العبد المسلم التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويرد المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني:
^^^^^^
الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء، لتأخر الإجابة()، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء().
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي“().
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل“. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: ”يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي فيستحسر() عند ذلك ويدعُ الدعاءَ“().
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء، لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، والله تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(). فما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له().
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما يسأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل().
المانع الثالث:
^^^^^^^
ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة()، ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ
ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ
كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ
قد سددْنا طريقها بالذنوب()
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}().
المانع الرابع:
^^^^^^
ترك الواجبات التي أوجبها الله:
كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء()، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم“().
المانع الخامس:
^^^^^^^
الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
المانع السادس:
^^^^^^^
الحكمة الربانية فيُعطى أفضل مما سأل:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ”الله أكثر“(). فقد يظن الإنسان أنه لم يجب وقد أجيب بأكثر مما سأل أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل أو أخَّره له إلى يوم القيامة().
تعليق