السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هذه مجموعة مقالات لشيخنا أبى المعالى الرئبالى - حفظه الله تعالى - حول قيمة الوقت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هذه مجموعة مقالات لشيخنا أبى المعالى الرئبالى - حفظه الله تعالى - حول قيمة الوقت
الْمَقَالَةُ الْأُوْلَىْ
بِأَيِّ شَيْئٍ أَبْدَأُ؟!
وَكَيْفَ يَتَكَلَّمُ الْجَبَانُ فِيْ الْشَّجَاعَةِ، وَالْبَخِيْلُ عَنِ الْكَرَمِ، وَالْضَّعِيِفُ عَنِ الْقُوَّةِ. فَأَخْطَرُ مَا يَكُوْنُ اسْتِسْمَانُ ذِيْ وَرَمٍ، وَالْنَّفْخُ بِغَيْرِ ضَرَمٍ، وَاسْتِنْسَارُ الْبُغَاثِ، وتَشَجُّرُ النَّجْمِ ، وَتَرَيُّشُ الْبَرِيِّ، وَتَزَبُّبُ الْحِصْرِمِ، وَقَطَاةُ السُّلَحْفَاةِ، وَعُقَابُ الْخَفَافِيْشِ، وَاسْتِئْسَادُ الْظِبَاءِ، وَاسْتِظْبَاءُ الضَّبِّ ، واسْتِضْبابُ الْهِرّةِ وتَشَبُّهُ العُتَيْبَةِ بِالسَّمَوْأَلِ
وَعُذْرُنَا مَعْلُوْمُ الْحَالِ وَالْأَحْوَالِ
فقُلتُ كَمَا قَالَ القُتَيْبِيُّ: "قَدْ كُنَّا زَمَانًا نَعتَذِرُ مِنَ الجَهْلِ، فَقَدْ صِرْنا الآنَ نَحتاجُ إلَى الاعْتِذارِ مِنَ العِلْمِ، وكُنَّا نُؤَمِّلُ شُكْرَ النَّاسِ بالتَّنْبِيهِ والدِّلالَةِ، فِصِرْنا نَرْضَى بِالسَّلامَةِ.. وفِي اللهِ خَلَفٌ، وهُوَ المُسْتَعانُ"
فَكَتَبْتُهُ مُخْتَصِرًا؛ رِعَايَةً لِلْوَقْتِ,,,
لِمَ تَحْسِبُ؛ كَمْ مِنْ سَاعَاتِ الْيَوْمِ أَنْجَزْتَ، وَلَا تَحْسِبُ كَمْ مِنْ سَاعَاتِ الْيَوْمِ ضَيَّعْتَ؟!
إِنَّ كُلَّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِكَ مُحَاسَبٌ عَلَيْهِ، فَأَرْبَأُ بِكَ أَنْ تَرَىَ كَمْ تَنَفَّسْتَ هَبَاءَا= لَا أَنْ تَنْظُرَ كَمْ عَمِلْتَ فِيْ أَنْفَاسِكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَىَ صِغَرِ الْنَّفَسِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَىَ مِقْدَارِهِ، فَالَوَقْتُ لَا كَالْسَّيْفِ؛ بَلْ أَحَدَّ مِنْهُ، وَلَا كَالْذَّهَبِ؛ بَلْ أَغْلَىْ مِنْهُ.
فَلَقَدْ عَظَّمَهُ رَبُّ الْعَالَمِيِنَ فِيْ كِتَابِهِ، وَأَقْسَمَ بِهِ، فِيْ الْضُّحَىْ وَالْشَّمْسُ وَالْعَصْرِ، -وَلَا يُقْسِمُ بِشَيْئٍ فِيْ كِتَابِهِ إِلَا لِبَيَانِ أَنَّهُ مِنْ عَظِيْمِ مَخْلُوْقَاتِهِ- فَفِيْ إِبْرَاهِيْمَ (32- 34)، وَالْنِّحَلِ(12)، وَالْإِسْرَاءِ(12)، وَفُصِّلَتْ(37)، وَالْأَنْعَامِ(13)، وَفَاطِرَ(37)، وَغَيْرِهَا مِنْ الْآَيَاتِ الْعَظِيْمَاتِ
بَلْ جَعَلَهُ الْنَّبِيُّ الْأَمِيْنُ نِعْمَةً غُبِنَ فِيْهَا كَثِيْرٌ مِنْ الْنَّاسِ؛ لِعِظَمِهَا، وَلَهْوِ الْنَّاسِ عَنْهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَكَ عُمُرُكَ، فَكُلَّمَا ضَاعَ مِنْهُ شَيْئٌ، فَلَا قِيْمَةَ فِيْمَ يَزِيْدُ فِيْ غَيْرِهِ،
وَأَنْتَ فِيْ أَيَّامِ عِيْدٍ، فَهَلْ عَرَفْتَ ابْنَ الْمَكْوِيِّ الْقُرْطُبِيَّ، لَمْ يَدَعِ الْقِرَاءَةَ يَوْمَ الْعِيْدِ، وَهَلْ نَسِيْتَ مَنْ قَالَ: "أَمْسِكْ الْشَّمْسَ" حَتَّىَ لَا يَقِفَ فِيْ الْطَّرِيْقِ، أَمِ اسْتِنْزَافَ قَتَادَةَ عِلْمَ سَعِيْدٍ فِيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،أَمْ سُؤالُ ابْنِ الْثَّوْرِيِّ حَمَّادًا قَبْلَ أَنْ يُعَانِقَهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَمُوْتَ قَبْلَ الْإِجَابَةِ، وَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَعَهُ أَقُلَّ مِنْ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ ابْنَ سَلَمَةَ نَفْسَهُ مَا رَآَهُ أَحَدٌ ضَاحِكًا يَوْمًا؛ لِانْشِغَالِهِ بِالْعِلْمِ، أُمْ نَسِيْتَ أَنْ أَثْقَلَ الْأَوُقَاتِ عَلَىَ تِعْلَامَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْخَلِيْلِ بْنِ أَحْمَدَ، هُوَ سَاعَةُ أَكْلِهِ؛ لِضَيَاعِ الْوَقْتِ فِيْهَا، أَمْ مُبَاحَثَةَ أَبِيْ يُوسُفَ الْفِقْهَ حِيْنَ مَوْتِهِ، وَهُوَ هُوَ الَّذِيْ مَاتَ ابْنُهُ فَلَمْ يَحْضُرْ غُسْلَهُ وَلَا دَفْنَهُ؛ مَخَافَةَ فَوَاتِ دَرْسِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ، وَصِنْوُهُ الْشَّيْبَانِيُّ –الَّذِيْ لَمْ يَرَ الْشَّافِعِيُّ سَمِيْنًا أَفْلَحَ سِوَاهُ- كَانَ يُزِيلُ نَوْمَهُ بِالْمَاءِ، فَمَا أَبْغَضَهُ إِلَيْهِ، بَلْ وَأَخَذَ ابْنُ مَعِيْنٍ الْفَائِدَةَ مِنْ شَيْخِهِ قَبْلَ الْذَّهَابِ لِلْإِتْيَانِ بِالْكِتَابِ؛ خَشْيَةَ الَمَوْتِ فِيْ تِيْكَ الْلَّحْظَةِ، وَقَدْ كَتَبَ يَحْيَى بِيَدِهِ أَلْفَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، لِذَلِكَ قَدْ يَبُوْلُ عَلَىَ نَفْسِهِ مَنْ لَاقَاهَ منْ وضَّاعِي الحَدِيثِ؛ فَرَقًا مِنْهُ، وَقَدْ تَعْجَبُ حِيْنَمَا تَعْرِفُ أَنَّهُ سَأَلَ مَشَايِخَهُ وَقْتَ الْمُعَانَقَةِ؛ فَقَدْ يَمُوْتُ فِيْ تِلْكَ الْلَّحْظَةِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، وَفِيْ الْجَنَائِزِ؛ فَمَا أَسْمَقَ هِمَّتَهُ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ الْجَاحِظُ مَا وَقَعَ فِيْ يَدِهِ كِتَابٌ إِلَّا وَاستَنْزَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُوْمَ مِنْ مَقَامِهِ –فَمَنْ لِهَذِهِ؟!-، وَنِسْيَانُ ابْنِ سُحْنُونَ أَنَّهُ أَكَلَ لَّنَهِمَتِهُ وَذُهُولِ اسْتِغْرَاقِهِ فِيْ الْعِلْمِ، -وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبُ مَوْتِ مُسْلِمٍ الْإِمَامِ؛ حَيْثُ أَتَى عَلَىَ سَلَّةِ تَمْرٍ مِنْ أَجْلِ حَدِيْثٍ لَمْ يَعْرِفْهُ، عَجَبًا!! لِحَدِيْثٍ لَمْ يَعْرِفْهُ تَفَجَّرَ بُرْكَانُهُ، وَكَمْ نَحْنُ فِيْ الْجَهْلِ قَابِعِيْنَ، وَفِيْ حَمْئَةِ الْطِّيْنِ خَانِعِينَ؟!-، وَابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ حِيْنَمَا يَقْرَأُ عَلَىَ أَبِيْهِ وَقْتَ الْأَكْلِ وَالْمَشْيِ وَالْخَلاءِ، أَمْ تَعْجَبُ مِنْ مَوْتِ الْنَّحْوِيِّ ثَعْلَبٍ حِيْنَمَا وَقَعَ فِيْ حُفْرَةٍ وَهُوَ يَسِيْرُ، وَمَا كَانَ سَبَبُهُ إِلَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيْ كِتَابٍ، وَكَانَ إِذَا دُعِيَ لِلْطَّعَامِ، اشْتَرَطَ أَنْ يُفَرِّغَ لِكِتَابِهِ مَوْضِعًا بِجَانِبِهِ؛ يَقْرَأَ فِيْهِ، فَنِعْمَ الْصَّدِيقُ هُوَ، وَنِعْمَ الْتَّطَعُّمُ مَعَهُ، وَكَثُرَ صِدَامُ ابْنِ الْخَيَّاطِ الْنَّحْوِيِّ بِالْجُدُرِ وَالدَّوَابِّ، فَكَانَتْ سَبَبَ مَوْتِهِ، وَالْخَلِيْلُ صِنُوهُما فِيْ الْمَوْتِ بِسَارِيَةٍ فِيْ الْمَسْجِدِ؛ لتَفَكُّرِهِ فِيْ اخْتِرَاعِ عِلْمٍ، وَيُصَنِّفُ الْطَّبَرِيُّ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعِيْنَ وَرَقَةً، وَلَوْ حَسِبْتَ مُصَنَّفَاتِهِ لَعَجَزْتَ عَنْ تَوْفِيقِهَا مَعَ زَمَنِهِ، وَمَاتَ الْبَغَوِيُّ مُسْنَدُ الْدُّنْيَا أَبُوْ الْقَاسِمِ وَالْحَدِيْثُ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَكْتُبُ ابْنُ الْفُرَاتِ مِائَةَ تَفْسِيْرٍ وَمِائَةَ تَارِيْخٍ، مَعَ جَوْدَةِ الْخَطِّ، مَعَ شُغْلِهِ بِالْنَّهَارِ في مَجَالِسِ الْعِلْمِ، فَكَمْ كُرّاسٍ كَتَبْتَ؟!، وَأَبُوْ نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ لَمْ يَكُنْ غِذَاؤُهُ إِلَا الْتَّسْمِيعُ وَالتَّصْنِيفُ، بَلْ رُبَّمَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ فِيْ الْطَّرِيْقِ، وَالبِيَرُوْنِيُّ الرِّيَاضِيُّ الْفَذُّ يَتَعَلَّمُ مَسْأَلَةً فِيْ الْفَرَائِضِ وَهُوَ فِيْ الْغَرْغَرَةِ وَالْنَّزْعِ، وَمُؤَرِّخُ بَغْدَادَ الْخَطِيْبُ الْبَغْدَادِيُّ لَا يَسِيْرُ فِيْ طَرِيْقٍ إِلَّا وَفِيْ يَدِهِ جُزْءٌ يُطَالِعُهُ، وَذُوْ الْمَعَالِيْ أَبُوْ الْمَعَالِيْ الْجُوَيْنِيُّ، لَا يَأْكُلُ وَلَا يَنَامُ إِلَّا اضْطِرَارًا، وَصَاحِبُ كِتَابِ "الْفُنُوْنِ" فِيْ ثَمَانَمِائَةِ مُجَلَّدٍ يَكُونُ؛ ابْنُ عَقِيْلٍ، يَخْتَارُ الْكَعْكَ الْمَبْلُولَ عَلَىَ الْخُبْزِ؛ لِكَسْبِ الْوَقْتِ، وَصِنْوُهُ فِيْ الْفِعْلِ الْطَّائِيُّ دَاوُدُ يَسْتَفُّ الْفَتِيتَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَكْلِ الْخُبْزِ قِرَاءَةَ خَمْسِيْنَ آَيَةً، وَالْبَاقْلاوِيُّ يُحِسُّ بِرُوْحِهِ كَأَنَّهَا تَخْرُجُ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَاعِظُ الْدُّنْيَا الْخَطِيْرُ؛ يَخْتَرِعُ لِزُوَّارِهِ شُغْلًا؛ كَيْ لَا يَأْخُذُوَا مِنْ وَقْتِهِ، وَكَانَ يَرَىَ عَدَمَ مُجَالَسَةِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلّم- وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْسَّالِفِيْنَ مِنْ الْأَفْذَاذِ الْرَّبَّانِيِّيْنَ، حَيْثُ يَكُوْنُ مَعَ الْكُتُبِ، ويَنْصَحُكَ قَائِلًا: "وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الْأَيَّامَ تُبْسَطُ سَاعَاتٍ، وَالْسَّاعَاتِ تُبْسَطُ أَنْفَاسًا، وَكُلَّ نَفَسٍ خِزَانَةٌ، فَاحْذَرْ أَنْ يَذْهَبَ نَفَسٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَتَرَىَ فِيْ الْقِيَامَةِ خِزَانَةً فَارِغَةً فَتَنْدَمَ!
وَيَكْفِيْكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ بِرَّايَةَ أَقْلَامِهِ سُخِّنَ بِهَا مَاءُ غَسْلِ مَوْتِهِ وَزَادَتْ، وَقَاضِي الْمَرِسْتانَ يَقَعُ فِيْ الْأَسْرِ فَيَتَعَلَّمُ الْرُّوْمِيَّةَ، وَابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيْدُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنِ الْعِلْمِ إِلَا لَيْلَتَيْنِ؛ لَيْلَةِ وَفَاةِ أَبِيْهِ وَلَيْلَةِ زَوَاجِهِ، وَمِنْهُمْ مَن لَّمْ يُضَيِّعْهَا!
أَمْ نَسِيَتَ الْزَّاهِدَ ابْنَ بَازٍ؛ حِيْنَمَا حَفِظَ أَلْفِيَّةَ الْعِرَاقِيِّ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، أَمْ مُحَدِّثَ الْدُّنْيَا الْأَلْبَانِيَّ؛ يَنْقُلُ فَتْحَةَ الْبَابِ نَاحِيَةَ مَكْتَبِهِ؛ لِأَجْلِ خُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ يُمَشِّيْهِما، أَمْ فَقِيْهُ الْأُمَّةِ الْعُثَيْمِيْنَ؛ مَا قَالَ: "لو أن إنسانًا فقد درهمًا واحدًا من ماله لصار يبكي عليه ويطلبه! ولو أنه ضاع عليه في الحساب خطإٍ درهم واحد لذهب يكرر الحساب مرة بعد أخرىٰ حتىٰ يعرف أين كان هٰذا الدرهم ! لا شك أن هٰذا هو الواقع عند كثير من الناس أو أكثرهم، وهٰؤلاء مساكين يضيعون ساعات العمر واللحظة منها أفضل من الدنيا كلها، اللحظة منها إذا لم يصرفها الإنسان في طاعة الله فهي خسارة لا تعوض، المال يمكن أن يعوض بأن يتجر الإنسان ويربح، أو يموت له قريب غني ويرث؛ لكن العمر لا يعوض أبدًا، إذا فات منه لحظة أبعدتك من الدنيا وأقربتك من الآخرة. ويدُلُّك على أن العمر أغلىٰ من المال كله: أنَّ الله قال في كتابه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ "
وَعُذْرُنَا مَعْلُوْمُ الْحَالِ وَالْأَحْوَالِ
فقُلتُ كَمَا قَالَ القُتَيْبِيُّ: "قَدْ كُنَّا زَمَانًا نَعتَذِرُ مِنَ الجَهْلِ، فَقَدْ صِرْنا الآنَ نَحتاجُ إلَى الاعْتِذارِ مِنَ العِلْمِ، وكُنَّا نُؤَمِّلُ شُكْرَ النَّاسِ بالتَّنْبِيهِ والدِّلالَةِ، فِصِرْنا نَرْضَى بِالسَّلامَةِ.. وفِي اللهِ خَلَفٌ، وهُوَ المُسْتَعانُ"
فَكَتَبْتُهُ مُخْتَصِرًا؛ رِعَايَةً لِلْوَقْتِ,,,
لِمَ تَحْسِبُ؛ كَمْ مِنْ سَاعَاتِ الْيَوْمِ أَنْجَزْتَ، وَلَا تَحْسِبُ كَمْ مِنْ سَاعَاتِ الْيَوْمِ ضَيَّعْتَ؟!
إِنَّ كُلَّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِكَ مُحَاسَبٌ عَلَيْهِ، فَأَرْبَأُ بِكَ أَنْ تَرَىَ كَمْ تَنَفَّسْتَ هَبَاءَا= لَا أَنْ تَنْظُرَ كَمْ عَمِلْتَ فِيْ أَنْفَاسِكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَىَ صِغَرِ الْنَّفَسِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَىَ مِقْدَارِهِ، فَالَوَقْتُ لَا كَالْسَّيْفِ؛ بَلْ أَحَدَّ مِنْهُ، وَلَا كَالْذَّهَبِ؛ بَلْ أَغْلَىْ مِنْهُ.
فَلَقَدْ عَظَّمَهُ رَبُّ الْعَالَمِيِنَ فِيْ كِتَابِهِ، وَأَقْسَمَ بِهِ، فِيْ الْضُّحَىْ وَالْشَّمْسُ وَالْعَصْرِ، -وَلَا يُقْسِمُ بِشَيْئٍ فِيْ كِتَابِهِ إِلَا لِبَيَانِ أَنَّهُ مِنْ عَظِيْمِ مَخْلُوْقَاتِهِ- فَفِيْ إِبْرَاهِيْمَ (32- 34)، وَالْنِّحَلِ(12)، وَالْإِسْرَاءِ(12)، وَفُصِّلَتْ(37)، وَالْأَنْعَامِ(13)، وَفَاطِرَ(37)، وَغَيْرِهَا مِنْ الْآَيَاتِ الْعَظِيْمَاتِ
بَلْ جَعَلَهُ الْنَّبِيُّ الْأَمِيْنُ نِعْمَةً غُبِنَ فِيْهَا كَثِيْرٌ مِنْ الْنَّاسِ؛ لِعِظَمِهَا، وَلَهْوِ الْنَّاسِ عَنْهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَكَ عُمُرُكَ، فَكُلَّمَا ضَاعَ مِنْهُ شَيْئٌ، فَلَا قِيْمَةَ فِيْمَ يَزِيْدُ فِيْ غَيْرِهِ،
وَأَنْتَ فِيْ أَيَّامِ عِيْدٍ، فَهَلْ عَرَفْتَ ابْنَ الْمَكْوِيِّ الْقُرْطُبِيَّ، لَمْ يَدَعِ الْقِرَاءَةَ يَوْمَ الْعِيْدِ، وَهَلْ نَسِيْتَ مَنْ قَالَ: "أَمْسِكْ الْشَّمْسَ" حَتَّىَ لَا يَقِفَ فِيْ الْطَّرِيْقِ، أَمِ اسْتِنْزَافَ قَتَادَةَ عِلْمَ سَعِيْدٍ فِيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،أَمْ سُؤالُ ابْنِ الْثَّوْرِيِّ حَمَّادًا قَبْلَ أَنْ يُعَانِقَهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَمُوْتَ قَبْلَ الْإِجَابَةِ، وَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَعَهُ أَقُلَّ مِنْ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ ابْنَ سَلَمَةَ نَفْسَهُ مَا رَآَهُ أَحَدٌ ضَاحِكًا يَوْمًا؛ لِانْشِغَالِهِ بِالْعِلْمِ، أُمْ نَسِيْتَ أَنْ أَثْقَلَ الْأَوُقَاتِ عَلَىَ تِعْلَامَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْخَلِيْلِ بْنِ أَحْمَدَ، هُوَ سَاعَةُ أَكْلِهِ؛ لِضَيَاعِ الْوَقْتِ فِيْهَا، أَمْ مُبَاحَثَةَ أَبِيْ يُوسُفَ الْفِقْهَ حِيْنَ مَوْتِهِ، وَهُوَ هُوَ الَّذِيْ مَاتَ ابْنُهُ فَلَمْ يَحْضُرْ غُسْلَهُ وَلَا دَفْنَهُ؛ مَخَافَةَ فَوَاتِ دَرْسِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ، وَصِنْوُهُ الْشَّيْبَانِيُّ –الَّذِيْ لَمْ يَرَ الْشَّافِعِيُّ سَمِيْنًا أَفْلَحَ سِوَاهُ- كَانَ يُزِيلُ نَوْمَهُ بِالْمَاءِ، فَمَا أَبْغَضَهُ إِلَيْهِ، بَلْ وَأَخَذَ ابْنُ مَعِيْنٍ الْفَائِدَةَ مِنْ شَيْخِهِ قَبْلَ الْذَّهَابِ لِلْإِتْيَانِ بِالْكِتَابِ؛ خَشْيَةَ الَمَوْتِ فِيْ تِيْكَ الْلَّحْظَةِ، وَقَدْ كَتَبَ يَحْيَى بِيَدِهِ أَلْفَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، لِذَلِكَ قَدْ يَبُوْلُ عَلَىَ نَفْسِهِ مَنْ لَاقَاهَ منْ وضَّاعِي الحَدِيثِ؛ فَرَقًا مِنْهُ، وَقَدْ تَعْجَبُ حِيْنَمَا تَعْرِفُ أَنَّهُ سَأَلَ مَشَايِخَهُ وَقْتَ الْمُعَانَقَةِ؛ فَقَدْ يَمُوْتُ فِيْ تِلْكَ الْلَّحْظَةِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، وَفِيْ الْجَنَائِزِ؛ فَمَا أَسْمَقَ هِمَّتَهُ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ الْجَاحِظُ مَا وَقَعَ فِيْ يَدِهِ كِتَابٌ إِلَّا وَاستَنْزَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُوْمَ مِنْ مَقَامِهِ –فَمَنْ لِهَذِهِ؟!-، وَنِسْيَانُ ابْنِ سُحْنُونَ أَنَّهُ أَكَلَ لَّنَهِمَتِهُ وَذُهُولِ اسْتِغْرَاقِهِ فِيْ الْعِلْمِ، -وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبُ مَوْتِ مُسْلِمٍ الْإِمَامِ؛ حَيْثُ أَتَى عَلَىَ سَلَّةِ تَمْرٍ مِنْ أَجْلِ حَدِيْثٍ لَمْ يَعْرِفْهُ، عَجَبًا!! لِحَدِيْثٍ لَمْ يَعْرِفْهُ تَفَجَّرَ بُرْكَانُهُ، وَكَمْ نَحْنُ فِيْ الْجَهْلِ قَابِعِيْنَ، وَفِيْ حَمْئَةِ الْطِّيْنِ خَانِعِينَ؟!-، وَابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ حِيْنَمَا يَقْرَأُ عَلَىَ أَبِيْهِ وَقْتَ الْأَكْلِ وَالْمَشْيِ وَالْخَلاءِ، أَمْ تَعْجَبُ مِنْ مَوْتِ الْنَّحْوِيِّ ثَعْلَبٍ حِيْنَمَا وَقَعَ فِيْ حُفْرَةٍ وَهُوَ يَسِيْرُ، وَمَا كَانَ سَبَبُهُ إِلَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيْ كِتَابٍ، وَكَانَ إِذَا دُعِيَ لِلْطَّعَامِ، اشْتَرَطَ أَنْ يُفَرِّغَ لِكِتَابِهِ مَوْضِعًا بِجَانِبِهِ؛ يَقْرَأَ فِيْهِ، فَنِعْمَ الْصَّدِيقُ هُوَ، وَنِعْمَ الْتَّطَعُّمُ مَعَهُ، وَكَثُرَ صِدَامُ ابْنِ الْخَيَّاطِ الْنَّحْوِيِّ بِالْجُدُرِ وَالدَّوَابِّ، فَكَانَتْ سَبَبَ مَوْتِهِ، وَالْخَلِيْلُ صِنُوهُما فِيْ الْمَوْتِ بِسَارِيَةٍ فِيْ الْمَسْجِدِ؛ لتَفَكُّرِهِ فِيْ اخْتِرَاعِ عِلْمٍ، وَيُصَنِّفُ الْطَّبَرِيُّ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعِيْنَ وَرَقَةً، وَلَوْ حَسِبْتَ مُصَنَّفَاتِهِ لَعَجَزْتَ عَنْ تَوْفِيقِهَا مَعَ زَمَنِهِ، وَمَاتَ الْبَغَوِيُّ مُسْنَدُ الْدُّنْيَا أَبُوْ الْقَاسِمِ وَالْحَدِيْثُ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَكْتُبُ ابْنُ الْفُرَاتِ مِائَةَ تَفْسِيْرٍ وَمِائَةَ تَارِيْخٍ، مَعَ جَوْدَةِ الْخَطِّ، مَعَ شُغْلِهِ بِالْنَّهَارِ في مَجَالِسِ الْعِلْمِ، فَكَمْ كُرّاسٍ كَتَبْتَ؟!، وَأَبُوْ نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ لَمْ يَكُنْ غِذَاؤُهُ إِلَا الْتَّسْمِيعُ وَالتَّصْنِيفُ، بَلْ رُبَّمَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ فِيْ الْطَّرِيْقِ، وَالبِيَرُوْنِيُّ الرِّيَاضِيُّ الْفَذُّ يَتَعَلَّمُ مَسْأَلَةً فِيْ الْفَرَائِضِ وَهُوَ فِيْ الْغَرْغَرَةِ وَالْنَّزْعِ، وَمُؤَرِّخُ بَغْدَادَ الْخَطِيْبُ الْبَغْدَادِيُّ لَا يَسِيْرُ فِيْ طَرِيْقٍ إِلَّا وَفِيْ يَدِهِ جُزْءٌ يُطَالِعُهُ، وَذُوْ الْمَعَالِيْ أَبُوْ الْمَعَالِيْ الْجُوَيْنِيُّ، لَا يَأْكُلُ وَلَا يَنَامُ إِلَّا اضْطِرَارًا، وَصَاحِبُ كِتَابِ "الْفُنُوْنِ" فِيْ ثَمَانَمِائَةِ مُجَلَّدٍ يَكُونُ؛ ابْنُ عَقِيْلٍ، يَخْتَارُ الْكَعْكَ الْمَبْلُولَ عَلَىَ الْخُبْزِ؛ لِكَسْبِ الْوَقْتِ، وَصِنْوُهُ فِيْ الْفِعْلِ الْطَّائِيُّ دَاوُدُ يَسْتَفُّ الْفَتِيتَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَكْلِ الْخُبْزِ قِرَاءَةَ خَمْسِيْنَ آَيَةً، وَالْبَاقْلاوِيُّ يُحِسُّ بِرُوْحِهِ كَأَنَّهَا تَخْرُجُ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَاعِظُ الْدُّنْيَا الْخَطِيْرُ؛ يَخْتَرِعُ لِزُوَّارِهِ شُغْلًا؛ كَيْ لَا يَأْخُذُوَا مِنْ وَقْتِهِ، وَكَانَ يَرَىَ عَدَمَ مُجَالَسَةِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلّم- وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْسَّالِفِيْنَ مِنْ الْأَفْذَاذِ الْرَّبَّانِيِّيْنَ، حَيْثُ يَكُوْنُ مَعَ الْكُتُبِ، ويَنْصَحُكَ قَائِلًا: "وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الْأَيَّامَ تُبْسَطُ سَاعَاتٍ، وَالْسَّاعَاتِ تُبْسَطُ أَنْفَاسًا، وَكُلَّ نَفَسٍ خِزَانَةٌ، فَاحْذَرْ أَنْ يَذْهَبَ نَفَسٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَتَرَىَ فِيْ الْقِيَامَةِ خِزَانَةً فَارِغَةً فَتَنْدَمَ!
وَيَكْفِيْكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ بِرَّايَةَ أَقْلَامِهِ سُخِّنَ بِهَا مَاءُ غَسْلِ مَوْتِهِ وَزَادَتْ، وَقَاضِي الْمَرِسْتانَ يَقَعُ فِيْ الْأَسْرِ فَيَتَعَلَّمُ الْرُّوْمِيَّةَ، وَابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيْدُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنِ الْعِلْمِ إِلَا لَيْلَتَيْنِ؛ لَيْلَةِ وَفَاةِ أَبِيْهِ وَلَيْلَةِ زَوَاجِهِ، وَمِنْهُمْ مَن لَّمْ يُضَيِّعْهَا!
أَمْ نَسِيَتَ الْزَّاهِدَ ابْنَ بَازٍ؛ حِيْنَمَا حَفِظَ أَلْفِيَّةَ الْعِرَاقِيِّ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، أَمْ مُحَدِّثَ الْدُّنْيَا الْأَلْبَانِيَّ؛ يَنْقُلُ فَتْحَةَ الْبَابِ نَاحِيَةَ مَكْتَبِهِ؛ لِأَجْلِ خُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ يُمَشِّيْهِما، أَمْ فَقِيْهُ الْأُمَّةِ الْعُثَيْمِيْنَ؛ مَا قَالَ: "لو أن إنسانًا فقد درهمًا واحدًا من ماله لصار يبكي عليه ويطلبه! ولو أنه ضاع عليه في الحساب خطإٍ درهم واحد لذهب يكرر الحساب مرة بعد أخرىٰ حتىٰ يعرف أين كان هٰذا الدرهم ! لا شك أن هٰذا هو الواقع عند كثير من الناس أو أكثرهم، وهٰؤلاء مساكين يضيعون ساعات العمر واللحظة منها أفضل من الدنيا كلها، اللحظة منها إذا لم يصرفها الإنسان في طاعة الله فهي خسارة لا تعوض، المال يمكن أن يعوض بأن يتجر الإنسان ويربح، أو يموت له قريب غني ويرث؛ لكن العمر لا يعوض أبدًا، إذا فات منه لحظة أبعدتك من الدنيا وأقربتك من الآخرة. ويدُلُّك على أن العمر أغلىٰ من المال كله: أنَّ الله قال في كتابه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ "
فَلَا تَيْأَسْ: "إِنَّمَا الْسَّيْلُ اجْتِمَاعُ النُّقَطِ"
هيّا يا صَاحِ؛ انْطَلِقْ،،،
(يتبع)
هيّا يا صَاحِ؛ انْطَلِقْ،،،
(يتبع)
وسَفَرَهَا (بين أذان الظهر وإقامته يوم العيد):
العَبْدُ العَاجِزُ المُقَصِّرُ السِّبْراتُ
أَبُوالمَعَالِي الأَثَرِي الرِّئْبَالِي
عفا الله عنه وسامحه بمنه وكرمه آمين
العَبْدُ العَاجِزُ المُقَصِّرُ السِّبْراتُ
أَبُوالمَعَالِي الأَثَرِي الرِّئْبَالِي
عفا الله عنه وسامحه بمنه وكرمه آمين
تعليق