بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
مما يؤسف ويحزن أن نرى الكثير قد بالغوا فى التعبير عن حبهم لوطنهم وبالغوا أيضا فى طريقة التعبير عن هذا الحب حتى أصبح حب الوطن هو المحرك لكل شعلة وهو أساس كل حماس ولا حول ولا قوة الا بالله
فأذكر نفسى وأياكم بهذه الكلمات
الشيخ خالد بن صالح الغيص
فمن باب النصيحة وتبيان الحق وعدم التدليس على الناس وإلباس الوطنية ثوب شرع الله ، أقول مستعين بالله :
-
لقد فطر الله تعالى الناس على حب المال والأهل والولد والأوطان وغيرها حتى يعمروا الأرض التي جعلهم مستخلفين فيها ، وبين تعالى أن الغاية من خلق الخلق هو عبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) )) الذاريات . وجعل الولاية والمولاة والولاء لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين ، وجاء ذلك في آيات محكمات صريحات من كتاب الله كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) )) المائدة ، وغيرها من الآيات .
وجاء ذلك المعنى صريحاً من كلام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ » .وفي رواية للنسائي صححها الألباني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وَطَعْمَهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ فِى اللَّهِ وَأَنْ يُبْغِضَ فِى اللَّهِ وَأَنْ تُوقَدَ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَيَقَعُ فِيهَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا ». وقال صلى الله عليه وسلم : أوثق عرى الايمان : المولاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله عز وجل " رواه الطبراني عن ابن عباس وصححه الألباني . وحذرنا أشد الحذر من أن نحب أو نقدم شيئاً من هذه الدنيا على الله ورسوله ودينه كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
وهذه آيات وأحاديث واضحات محكمات صريحات في هذا المعنى ،في ان الولاء والموالاة لله ولرسوله فلا يُقدّم على حبهما ولا طاعتهما شيئاً ، وأن الميزان الذي يوزن به الناس هو طاعتهم لله ولرسوله فمن كان لله اتقى فهو المقرب لقلوب المؤمنين ، فأصل الولاء هو لله ولرسوله .
وقد حذرنا الله من أن نترك الآيات المحكمات ونتبع المتشابهات كما قال تعالى : (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) )) آل عمران . وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - هَذِهِ الآيَةَ ( هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( أُولُو الأَلْبَابِ ) قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ ، فَاحْذَرُوهُمْ » . فالمسلم في أي مسألة من مسائل الدين عليه أن يجمع ما جاء فيها من آيات وأحاديث ، ثم يجعل الآيات والأحاديث المحكمات هي الأصل ويحمل الآيات والأحاديث المتشابهة عليها فتتوافق بذلك نصوص الكتاب والسنة ، لا أن يتبع النصوص المتشابهة ثم يلوي النصوص المحكمة لتوافق المتشابهة منها ، أو يضرب النصوص بعضها ببعض حتى توافق ما يريد ،فالله تعالى قد رسم في هذه الآية السبيل للمؤمنين في فهم نصوص الكتاب والسنة ، ومسألة الوطنية أو حب الوطن كما يفهمه الناس اليوم هي كذلك من المسائل التي يجب أن نجمع ما جاء فيها من نصوص الكتاب والسنة
ثم نجعل المحكم منها هو الأصل ونحمل المتشابهة عليها . فنجد مثلاً آيات سورة المائدة التي يقول الله تعالى فيها : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) )) المائدة .
وآيات سورة التوبة : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
نجدها نصوص واضحة محكمة في أن الولاء والمولاة والولاية لله ولرسوله وللمؤمنين ، و أما ما جاء في المطوية من أدلة فهي نصوص مشتبهة تحمل أكثر من معنى ، فتُحمل على النصوص المحكمة فتتوافق بذلك النصوص من الكتاب والسنة ، فاستدلالهم بقول الله تعالى : (( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) )) النساء .استدلالهم بها على فضل الوطن فالآية سيقت في سياق الرد على الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الى النبي عليه السلام المحتكمين الى الطاغوت ، وان قلنا فيها اشارة على حب الاوطان , فهي اشارة لا تُقدّم على النصوص القرآنية المحكمة التي أصلت المحبة والولاء لله ولرسوله , ثم الآية لا دليل
فيها على فضل الوطن كما أرادوا في المطوية بل فيها أن الديار والأوطان مما يحبه الإنسان فطرة كما يحب نفسه ، لا أن نجعلها معياراً وسبباً للولاء والمولاة ، والدليل أن الديار في الآية عُطفت على النفس فهي كالنفس ، ومن المعلوم ديناً أن المسلم لو أحب نفسه فوق حب الله ورسوله وجعلها هي المعيار للولاء والمولاة لخالف بذلك النصوص القرآنية والحديثية المذكورة سالفاً .
فدل ذلك أن حب الوطن كحب النفس جُبل عليه الإنسان و لا دخل له في الولاء والمولاة عند المسلم ، بل الولاء والمولاة عند المسلم هي لله ولرسوله وللمؤمنين ولو قدّم شيئاً – أي شئ- على ذلك لكان مخالفاً لأمر الله ورسوله ، وكذلك نقول في بقية الأدلة التي استدلوا بها ، وهذا الأمر واضح لمن أراد الله هدايته ، واتبع سبيل المؤمنين في حمل المتشابه من النصوص على المحكم .
والعجب في الأمر أنهم استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة على معنى الوطنية وحب الوطن وهي- أي هذه الادلة- جاءت على ضد ما فهموا ، فمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم عن
مكة : " والله انك لخير أرض الله وأحب ارض الله إلى الله ولولا إني أخرجت منك ما خرجت" فهذا فيه دليل على تقديم الطاعة والولاء لله ولرسوله على كل ما سواهما حتى لو كان حب مكة وهي أحب البقاع إلى الله ولذلك تركها النبي عليه السلام لله وهاجر، وهذا يخالف ما فهموا ، فهو دليل لنا على ما قلناه ، أن الولاء والولاية لله ولرسوله ، ثم نجد أن هذا الحديث جاء في فضل مكة ومحبتها لأنها أحب البقاع إلى الله وهي بلد الله الحرام التي حرمها الله يوم خلق السموات والأرض وأقسم بها في كتابه فكيف نشبه ونقيس غيرها من البقاع والبلاد عليها هذا غلط في القياس عند أهل العلم . وكذلك حديث الرقية بالتربة الذي استدلوا به على حب الوطن ، قال النووي في شرح مسلم : " قال جمهور العلماء : المراد بأرضنا هنا جملة الأرض ، وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها ". ، فهو حديث جاء في فضل المدينة خاصة على قول بعض العلماء- فلا تقاس بقية البقاع عليها كما قلنا في فضل مكة في الحديث الأول ، ولو ذهبنا إلى ما ذهب إليه بقية العلماء بأن المراد بالأرض جملة الأرض ، فلا دليل فيه على ما فهموه فالدليل أخص من المدعى . وكذلك نقول لهم : قولكم أن في الحديث دليل على أن حب الوطن حب مشروع وحب صحيح ، فماذا تقصدون بكلمة مشروع ؟ هل يُقصد به فطري ، فمن مَن الناس مَن يُنازع في ذلك ؟
فهل جئنا نتنازع في هل حب الأوطان حب فطري أم لا ؟بل هذا مما اتفق عليه العقلاء ، بل النقاش في حب الأوطان أو الوطنية هل هي فطرة عظمها الإسلام ورفع شأنها كما جاء في المطوية؟ هل عظمها كما عظم حب الوالدين مثلاً ؟، هذه هي القضية التي نحن بصددها ، ثم هم في المطوية قد حملّوا كلام ابن القيم ما لا يحتمل ونسبوا إليه أنه ذكر أن تربة الوطن الذي يعيش فيه الإنسان لها تأثير عليه ونحن نسوق لك كلام ابن القيم كما هو لتنظر أخي القارئ هل يُفهم من كلامه ما فهموه ، يقول ابن القيم رحمه الله في فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القرحه والجرح من كتابه زاد المعاد : أخرجا في الصحيحين عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بأصبعه: هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال : [ بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ] هذا من العلاج الميسر النافع المركب وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية لا سيما عند عدم غيرها من الأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض وقد علم أن طبيعة التراب الخالص باردة يابسة مجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها وسرعة اندمالها لا سيما في البلاد الحارة وأصحاب الأمزجة الحارة فإن القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة فتقابل برودة التراب حرارة المرض لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ويتبعها أيضا كثرة الرطوبات الرديئة والسيلان والتراب مجفف لها مزيل لشدة يبسه وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج العضو العليل ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ودفعت عنه الألم بإذن الله ، ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شئ فيمسح به على الجرح ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير وهل المراد بقوله: تربة أرضنا جميع الأرض أو أرض المدينة خاصة ؟ فيه قولان ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة ويشفي به أسقاما رديئة قال جالينوس: رأيت بالإسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طين مصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة قال: وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة الرخوة قال : وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل انتفعوا بهذا الطين نفعا بينا وقوما آخرين شفوا به أوجاعا مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكنا شديدا فبرأت وذهبت أصلا وقال صاحب الكتاب المسيحي : قوة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قوة تجلو وتغسل وتنبت اللحم في القروح وتختم القروح انتهى.
وإذا كان هذا في هذه التربات فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم وقارنت رقيته باسم ربه وتفويض الأمر إليه وقد تقدم أن قوى الرقية وتأثيرها بحسب الراقي وانفعال المرقي عن رقيته وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضل عاقل مسلم فإن انتفى أحد الأوصاف فليقل ما شاء . انتهى كلامه .فهو يتكلم عن خاصية التراب عموماً وليس عن تراب الوطن وتأثيره على الانسان .
ثم ما ذكره ابن حجر نقلاً عن البيضاوي في تأثير تراب الوطن في حفظ المزاج ودفع الضرر، فالبيضاوي ذكر أنه شهدت المباحث الطبية على ذلك فهي مباحث طبية وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى نقول أن حب الوطن حب مشروع شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمربه ونحمّل حديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحتمل.
الخلاصة : نحن لا نختلف في أن الإنسان يحب وطنه الذي ولد وعاش فيه كما يحب أهله وقومه وماله فهذه أمور فطرية فطر الله الناس عليها ، وإنما القضية التي نحن بصددها هي : مفهوم الوطنية وحب الوطن كما تريده بعض أنظمة الدول الإسلامية أن تشيعه بين المسلمين وتجعل الولاء والولاية والمولاة متعلقة به ، فالوطنية التي يريدونها ميزان يزنون به الناس وعليها يُعقد الولاء والبراء بين الناس ، هذه هي المسألة التي نناقشها ، فنحن لا ننكر أن في دلالات نصوص الكتاب والسنة إشارات إلى حب الإنسان لنفسه وماله وقومه ووطنه فهذه
أمور فطرية ،وكما هو معلوم أن دين الله لا يخالف الفطرة ، ولكن إذا كانت هذه الأمور تُقدم على حب الله ورسوله وتُقدم على طاعة الله ورسوله ويُعارض بها الدين ويُعقد الولاء والبراء عليها فهذا الخطر والخطأ كما قال تعالى : ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
وفي الختام أود أن أسوق لكم فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله في هذا الموضوع ، فسُئل رحمه
الله :
يبالغ البعض بالقول أن كلمة الولاء للوطن من التوثين في بلد إسلامي يدين أهله بالولاء لله فما ترون سماحتكم في ذلك؟
الجواب :
الواجب الولاء لله ولرسوله بمعنى أن يوالي العبد في الله ويعادي في الله وقد يكون وطنه ليس بإسلامي فكيف يوالي وطنه، أما إن كان وطنه إسلامياً فعليه أن يحب له الخير ويسعى إليه، لكن الولاء لله؛ لأن من كان من المسلمين مطيعا لله فهو وليه، ومن كان مخالفا لدين الله فهو عدوه وإن كان من أهل وطنه وإن كان أخاه أو عمه أو أباه أو نحو ذلك، فالموالاة في الله والمعاداة في الله.
أما الوطن فيحب إن كان إسلامياً، وعلى الإنسان أن يشجع على الخير في وطنه وعلى
بقائه إسلامياً، وأن يسعى لاستقرار أوضاعه وأهله، وهذا هو الواجب على كل المسلمين،
نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. المصدر : مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة الجزء التاسع.
ونقل رحمه الله في رسالته المشهوره "نقد القومية العربية" عن شيخ الاسلام ابن تيمية
رحمه الله قوله :
قال شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو
بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري،
فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) وغضب لذلك غضبا ًشديداً. انتهى والله تعالى أعلم , فان كان صوابا فمن الله وحده وله المنة والفضل , وان كان غير ذلك فاستغر الله وأتوب اليه.
موقع المسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
مما يؤسف ويحزن أن نرى الكثير قد بالغوا فى التعبير عن حبهم لوطنهم وبالغوا أيضا فى طريقة التعبير عن هذا الحب حتى أصبح حب الوطن هو المحرك لكل شعلة وهو أساس كل حماس ولا حول ولا قوة الا بالله
فأذكر نفسى وأياكم بهذه الكلمات
الشيخ خالد بن صالح الغيص
فمن باب النصيحة وتبيان الحق وعدم التدليس على الناس وإلباس الوطنية ثوب شرع الله ، أقول مستعين بالله :
-
لقد فطر الله تعالى الناس على حب المال والأهل والولد والأوطان وغيرها حتى يعمروا الأرض التي جعلهم مستخلفين فيها ، وبين تعالى أن الغاية من خلق الخلق هو عبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) )) الذاريات . وجعل الولاية والمولاة والولاء لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين ، وجاء ذلك في آيات محكمات صريحات من كتاب الله كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) )) المائدة ، وغيرها من الآيات .
وجاء ذلك المعنى صريحاً من كلام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ » .وفي رواية للنسائي صححها الألباني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وَطَعْمَهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ فِى اللَّهِ وَأَنْ يُبْغِضَ فِى اللَّهِ وَأَنْ تُوقَدَ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَيَقَعُ فِيهَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا ». وقال صلى الله عليه وسلم : أوثق عرى الايمان : المولاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله عز وجل " رواه الطبراني عن ابن عباس وصححه الألباني . وحذرنا أشد الحذر من أن نحب أو نقدم شيئاً من هذه الدنيا على الله ورسوله ودينه كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
وهذه آيات وأحاديث واضحات محكمات صريحات في هذا المعنى ،في ان الولاء والموالاة لله ولرسوله فلا يُقدّم على حبهما ولا طاعتهما شيئاً ، وأن الميزان الذي يوزن به الناس هو طاعتهم لله ولرسوله فمن كان لله اتقى فهو المقرب لقلوب المؤمنين ، فأصل الولاء هو لله ولرسوله .
وقد حذرنا الله من أن نترك الآيات المحكمات ونتبع المتشابهات كما قال تعالى : (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) )) آل عمران . وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - هَذِهِ الآيَةَ ( هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( أُولُو الأَلْبَابِ ) قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ ، فَاحْذَرُوهُمْ » . فالمسلم في أي مسألة من مسائل الدين عليه أن يجمع ما جاء فيها من آيات وأحاديث ، ثم يجعل الآيات والأحاديث المحكمات هي الأصل ويحمل الآيات والأحاديث المتشابهة عليها فتتوافق بذلك نصوص الكتاب والسنة ، لا أن يتبع النصوص المتشابهة ثم يلوي النصوص المحكمة لتوافق المتشابهة منها ، أو يضرب النصوص بعضها ببعض حتى توافق ما يريد ،فالله تعالى قد رسم في هذه الآية السبيل للمؤمنين في فهم نصوص الكتاب والسنة ، ومسألة الوطنية أو حب الوطن كما يفهمه الناس اليوم هي كذلك من المسائل التي يجب أن نجمع ما جاء فيها من نصوص الكتاب والسنة
ثم نجعل المحكم منها هو الأصل ونحمل المتشابهة عليها . فنجد مثلاً آيات سورة المائدة التي يقول الله تعالى فيها : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) )) المائدة .
وآيات سورة التوبة : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
نجدها نصوص واضحة محكمة في أن الولاء والمولاة والولاية لله ولرسوله وللمؤمنين ، و أما ما جاء في المطوية من أدلة فهي نصوص مشتبهة تحمل أكثر من معنى ، فتُحمل على النصوص المحكمة فتتوافق بذلك النصوص من الكتاب والسنة ، فاستدلالهم بقول الله تعالى : (( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) )) النساء .استدلالهم بها على فضل الوطن فالآية سيقت في سياق الرد على الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الى النبي عليه السلام المحتكمين الى الطاغوت ، وان قلنا فيها اشارة على حب الاوطان , فهي اشارة لا تُقدّم على النصوص القرآنية المحكمة التي أصلت المحبة والولاء لله ولرسوله , ثم الآية لا دليل
فيها على فضل الوطن كما أرادوا في المطوية بل فيها أن الديار والأوطان مما يحبه الإنسان فطرة كما يحب نفسه ، لا أن نجعلها معياراً وسبباً للولاء والمولاة ، والدليل أن الديار في الآية عُطفت على النفس فهي كالنفس ، ومن المعلوم ديناً أن المسلم لو أحب نفسه فوق حب الله ورسوله وجعلها هي المعيار للولاء والمولاة لخالف بذلك النصوص القرآنية والحديثية المذكورة سالفاً .
فدل ذلك أن حب الوطن كحب النفس جُبل عليه الإنسان و لا دخل له في الولاء والمولاة عند المسلم ، بل الولاء والمولاة عند المسلم هي لله ولرسوله وللمؤمنين ولو قدّم شيئاً – أي شئ- على ذلك لكان مخالفاً لأمر الله ورسوله ، وكذلك نقول في بقية الأدلة التي استدلوا بها ، وهذا الأمر واضح لمن أراد الله هدايته ، واتبع سبيل المؤمنين في حمل المتشابه من النصوص على المحكم .
والعجب في الأمر أنهم استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة على معنى الوطنية وحب الوطن وهي- أي هذه الادلة- جاءت على ضد ما فهموا ، فمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم عن
مكة : " والله انك لخير أرض الله وأحب ارض الله إلى الله ولولا إني أخرجت منك ما خرجت" فهذا فيه دليل على تقديم الطاعة والولاء لله ولرسوله على كل ما سواهما حتى لو كان حب مكة وهي أحب البقاع إلى الله ولذلك تركها النبي عليه السلام لله وهاجر، وهذا يخالف ما فهموا ، فهو دليل لنا على ما قلناه ، أن الولاء والولاية لله ولرسوله ، ثم نجد أن هذا الحديث جاء في فضل مكة ومحبتها لأنها أحب البقاع إلى الله وهي بلد الله الحرام التي حرمها الله يوم خلق السموات والأرض وأقسم بها في كتابه فكيف نشبه ونقيس غيرها من البقاع والبلاد عليها هذا غلط في القياس عند أهل العلم . وكذلك حديث الرقية بالتربة الذي استدلوا به على حب الوطن ، قال النووي في شرح مسلم : " قال جمهور العلماء : المراد بأرضنا هنا جملة الأرض ، وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها ". ، فهو حديث جاء في فضل المدينة خاصة على قول بعض العلماء- فلا تقاس بقية البقاع عليها كما قلنا في فضل مكة في الحديث الأول ، ولو ذهبنا إلى ما ذهب إليه بقية العلماء بأن المراد بالأرض جملة الأرض ، فلا دليل فيه على ما فهموه فالدليل أخص من المدعى . وكذلك نقول لهم : قولكم أن في الحديث دليل على أن حب الوطن حب مشروع وحب صحيح ، فماذا تقصدون بكلمة مشروع ؟ هل يُقصد به فطري ، فمن مَن الناس مَن يُنازع في ذلك ؟
فهل جئنا نتنازع في هل حب الأوطان حب فطري أم لا ؟بل هذا مما اتفق عليه العقلاء ، بل النقاش في حب الأوطان أو الوطنية هل هي فطرة عظمها الإسلام ورفع شأنها كما جاء في المطوية؟ هل عظمها كما عظم حب الوالدين مثلاً ؟، هذه هي القضية التي نحن بصددها ، ثم هم في المطوية قد حملّوا كلام ابن القيم ما لا يحتمل ونسبوا إليه أنه ذكر أن تربة الوطن الذي يعيش فيه الإنسان لها تأثير عليه ونحن نسوق لك كلام ابن القيم كما هو لتنظر أخي القارئ هل يُفهم من كلامه ما فهموه ، يقول ابن القيم رحمه الله في فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القرحه والجرح من كتابه زاد المعاد : أخرجا في الصحيحين عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بأصبعه: هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال : [ بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ] هذا من العلاج الميسر النافع المركب وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية لا سيما عند عدم غيرها من الأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض وقد علم أن طبيعة التراب الخالص باردة يابسة مجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها وسرعة اندمالها لا سيما في البلاد الحارة وأصحاب الأمزجة الحارة فإن القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة فتقابل برودة التراب حرارة المرض لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ويتبعها أيضا كثرة الرطوبات الرديئة والسيلان والتراب مجفف لها مزيل لشدة يبسه وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج العضو العليل ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ودفعت عنه الألم بإذن الله ، ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شئ فيمسح به على الجرح ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير وهل المراد بقوله: تربة أرضنا جميع الأرض أو أرض المدينة خاصة ؟ فيه قولان ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة ويشفي به أسقاما رديئة قال جالينوس: رأيت بالإسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طين مصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة قال: وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة الرخوة قال : وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل انتفعوا بهذا الطين نفعا بينا وقوما آخرين شفوا به أوجاعا مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكنا شديدا فبرأت وذهبت أصلا وقال صاحب الكتاب المسيحي : قوة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قوة تجلو وتغسل وتنبت اللحم في القروح وتختم القروح انتهى.
وإذا كان هذا في هذه التربات فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم وقارنت رقيته باسم ربه وتفويض الأمر إليه وقد تقدم أن قوى الرقية وتأثيرها بحسب الراقي وانفعال المرقي عن رقيته وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضل عاقل مسلم فإن انتفى أحد الأوصاف فليقل ما شاء . انتهى كلامه .فهو يتكلم عن خاصية التراب عموماً وليس عن تراب الوطن وتأثيره على الانسان .
ثم ما ذكره ابن حجر نقلاً عن البيضاوي في تأثير تراب الوطن في حفظ المزاج ودفع الضرر، فالبيضاوي ذكر أنه شهدت المباحث الطبية على ذلك فهي مباحث طبية وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى نقول أن حب الوطن حب مشروع شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمربه ونحمّل حديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحتمل.
الخلاصة : نحن لا نختلف في أن الإنسان يحب وطنه الذي ولد وعاش فيه كما يحب أهله وقومه وماله فهذه أمور فطرية فطر الله الناس عليها ، وإنما القضية التي نحن بصددها هي : مفهوم الوطنية وحب الوطن كما تريده بعض أنظمة الدول الإسلامية أن تشيعه بين المسلمين وتجعل الولاء والولاية والمولاة متعلقة به ، فالوطنية التي يريدونها ميزان يزنون به الناس وعليها يُعقد الولاء والبراء بين الناس ، هذه هي المسألة التي نناقشها ، فنحن لا ننكر أن في دلالات نصوص الكتاب والسنة إشارات إلى حب الإنسان لنفسه وماله وقومه ووطنه فهذه
أمور فطرية ،وكما هو معلوم أن دين الله لا يخالف الفطرة ، ولكن إذا كانت هذه الأمور تُقدم على حب الله ورسوله وتُقدم على طاعة الله ورسوله ويُعارض بها الدين ويُعقد الولاء والبراء عليها فهذا الخطر والخطأ كما قال تعالى : ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة .
وفي الختام أود أن أسوق لكم فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله في هذا الموضوع ، فسُئل رحمه
الله :
يبالغ البعض بالقول أن كلمة الولاء للوطن من التوثين في بلد إسلامي يدين أهله بالولاء لله فما ترون سماحتكم في ذلك؟
الجواب :
الواجب الولاء لله ولرسوله بمعنى أن يوالي العبد في الله ويعادي في الله وقد يكون وطنه ليس بإسلامي فكيف يوالي وطنه، أما إن كان وطنه إسلامياً فعليه أن يحب له الخير ويسعى إليه، لكن الولاء لله؛ لأن من كان من المسلمين مطيعا لله فهو وليه، ومن كان مخالفا لدين الله فهو عدوه وإن كان من أهل وطنه وإن كان أخاه أو عمه أو أباه أو نحو ذلك، فالموالاة في الله والمعاداة في الله.
أما الوطن فيحب إن كان إسلامياً، وعلى الإنسان أن يشجع على الخير في وطنه وعلى
بقائه إسلامياً، وأن يسعى لاستقرار أوضاعه وأهله، وهذا هو الواجب على كل المسلمين،
نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. المصدر : مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة الجزء التاسع.
ونقل رحمه الله في رسالته المشهوره "نقد القومية العربية" عن شيخ الاسلام ابن تيمية
رحمه الله قوله :
قال شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو
بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري،
فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) وغضب لذلك غضبا ًشديداً. انتهى والله تعالى أعلم , فان كان صوابا فمن الله وحده وله المنة والفضل , وان كان غير ذلك فاستغر الله وأتوب اليه.
موقع المسلم
تعليق