الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فالجميع يتساءل، وفريق يتشاءم وآخر يتفاءل: ما الطّريق والسّبيل، للعَوْدِ إلى الحياة تحت ظلّ كتاب العليّ الجليل !؟
سؤال تفاقمت من أجله آفات وأمراض، واستُحلّت لأجله أرواح وأعراض، والرّجوع والمآل، إلى أنّ شفاء العيّ السّؤال.
وهاك - أخي القارئ - كلاما نفيسا من أحد أساطين الدّعوة السّلفيّة، الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى، يبيّن لك بما يزيل كلّ إشكال، ويحلّ كلّ إعضال، الطّريق الرّشيد نحو بناء الكيان الإسلاميّ.
إنّها كلمات تعالِج الواقع المُحبِط، ونخْشى أن تكون قد أصيبت بالتّقادم المسقِط[1] .. إنّها كلمات سمعها الكثيرون منذ حداثة أسنانهم، ولكنّنا نرى أنّهم كبروا ولم تكبر معانيها معهم.
سأل سائل فقال:" فضيلة الشّيخ، نودّ وأنت تعرف الآن الشّباب الإسلاميّ، وما يعانونه في كلّ مكان في سبيل العودة إلى تحقيق الكيان الإسلامي، فثمّة عراقيل كثيرة تعترض العودة الرّشيدة، أو الخطوات الرّشيدة ممّا قد تصطنعه الأنظمة الجائرة، أو ينتج عن أخطاء الشّباب الإسلامي، كالتطرّف في التديّن أو التفريط .. فما هي - في رأيك - الخطوات الرّشيدة التي تنصح المسلمين بالعمل بها للوصول إلى تحقيق ما ينشدونه ؟
فأجاب الشّيخ رحمه الله قائلا:
" أقول - وبالله التّوفيق -: إنّ وضع المسلمين اليوم من حيث إنّهم محاطون بدول كافرة قويّة في مادّتها، ومبتلون بحكّام كثيرٌ منهم لا يحكم بما أنزل الله، أو لا يحكمون بما أنزل الله إلاّ في بعض النّواحي دون بعض، ممّا لا يساعدُهم على أن يعملوا جماعيّا سياسيّا، ولو كان ذلك في تمكّنهم وطوقهم، فإنّي أرى أنّ العمل الّذي ينبغي على الجماعات الإسلاميّة أن يتّجهوا إليه بكلّيتهم ينحصر في نقطتين اثنتين وضروريّتين، ولا أعتقد أنّ هناك مجالا للخلاص من هذا الضّعف والهوان والذلّ الذي عليه المسلمون [إلاّ بهما ] ...
أعود فأقول: إنّ الخلاص على أيدي هؤلاء الشّباب يتمثّل في أمرين، لا ثالث لهما: التّصفية، والتّربية.
- وأعني بالتّصفية:
تقديم الإسلام إلى الشّباب المسلم مُصَفًّى من كلّ ما دخل فيه على مدّ هذه القرون والسّنين الطّوال من العقائد، ومن الخرافات، والضّلالات، ومن ذلك ما دخل فيه من أحاديث غير صحيحة قد تكون موضوعة.
فلا بدّ من تحقيق هذه التّصفية، لأنّه بغيرها لا مجال أبدا لتحقيق أمنية هؤلاء المسلمين الّذين نعتبرهم من المصطفين المختارين في العالم الإسلامي الواسع، فالتصفية هذه إنّما يراد بها: تقديم العلاج الذي هو الإسلام الّذي عالج ما يشبه هذه المشكلة، حينما كان العرب أذلاّء وكانوا يستعبدون من الأقوياء ممّن حولهم من فارس والرّوم والحبشة ونحو ذلك من جهة، وكانوا يعبدون غير الله تبارك وتعالى من جهة أخرى.
فهذا الإسلام، كان هو العلاج الوحيد لإنقاذ العرب ممّا كانوا فيه من ذلك الوضع السيّئ، والتّاريخ - كما يقال - يعيدُ نفسَه، والعلاج إذا كان هو العلاج السّابق نفسه فسيقضي حتما - إذا استعمله المريض - على مرضه الذي هو عينُ المرض السّابق.
الإسلام هو العلاج الوحيد، وهذه الكلمة لا اختلاف فيها بين الجماعات الإسلامية أبدا، وذلك من فضل الله على المسلمين.
ولكن هناك اختلاف كبير بين الجماعات الإسلامية الموجودة اليوم على السّاحة - ساحة الإصلاح ومحاولة إعادة الحياة الإسلاميّة، واستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية - هذه الجماعات مختلفة مع الأسف الشديد أشدّ الاختلاف حول نقطة البدء بالإصلاح، فنحن نخالف كلّ الجماعات الإسلامية في هذه النّقطة، ونرى أنّه لا بدّ من البدء بالتصفية والتّربية معا.
أمّا أن نبدأ بالأمور السّياسية، والّذين يشتغلون بالسياسة قد تكون عقائدهم خرابا يبابا، وقد يكون سلوكهم من النّاحية الإسلامية بعيدا عن الشّريعة، والّذين يشتغلون بتكتيل الناس وتجميعهم على كلمة إسلام عامّة ليس لهم مفاهيم واضحة في أذهان هؤلاء المتكتّلين حول أولئك الدعاة ...
فإذا كان أكثر المسلمين اليوم لا يقيمون حُكْمَ الله في أنفسهم، ويطالبون غيْرَهم بأن يقيموا حكم الله في دولتهم ! فإنّهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك، ففاقد الشّيء لا يعطيه، لأنّ هؤلاء الحكّام هم من هذه الأمّة، وعلى الحكّام والمحكومين أن يعرفوا سبب هذا الضّعف الذي يعيشونه، يجب أن يعرفوا لماذا لا يحكم حكام المسلمين اليوم بالإسلام إلاّ في بعض النّواحي ؟ ولماذا لا يطبق هؤلاء الدّعاة الإسلام على أنفسهم قبل أن يطالبوا غيرهم بتطبيقه في دولهم ؟!
الجواب واحد، وهو:
إمّا أنّهم لا يعرفون الإسلام ولا يفهمونه إلاّ إجمالا.
وإمّا أنّهم لم يربّوا على هذا الإسلام في منطلقهم وفي حياتهم، وفي أخلاقهم، وفي تعاملهم مع بعضهم ومع غيرهم .. والغالب - كما نعلمه بالتجربة - أنّهم يعيشون في العلّة الأولى الكبرى، وهي: بُعدُهم عن فهم الإسلام فهما صحيحا...
والشّطر الثاني من هذه الكلمة، يعني أنّه لا بدّ من:
- تربية المسلمين اليوم تربيةً على أساس ألاّ يفتنوا كما فتن الذين من قبلهم بالدّنيا، ويقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا الفَقْرَأَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُمْ زَهْرَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )).
ولهذا نرى أنّه قلّ من يتنبّه لهذا المرض فيربّي الشّباب، لا سيما الشّباب الّذين فتح الله عليهم كنوز الأرض، وأغرقهم في خيراته تباركوتعالى وبركات الأرض .. مرض يجب على المسلمين أن يتحصّنوا منه، وأن لا يصل إلى قلوبهم (( حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ )).
إذاً، فهذا مرض لا بدّ من معالجته، وتربية النّاس على أن يتخلّصوا منه ".
[نقلا عن " حياة الألبانيّ " لمحمّد بن إبراهيم الشيباني ( 1/377-381)].
تعليق