إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم (نظرة شرعية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم (نظرة شرعية)

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم

    (نظرة شرعية)

    الحمد لله الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل والصلاة والسلام على نبينا الجليل عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم القيامة ... وبعد ... ،

    فإن مما أيقن به العقلاء قديما وحديثا أن الذين لا يتعلمون من تاريخهم يظلون يخطئون طوال حياتهم .

    رسولنا العظيم – صلى الله عليه وسلم – خير من فاوض وخير من حارب وخير من سالم ... وكيف لا وهو المؤيد بالوحي ... فكم فاوض وسالم من ظالم ... ولنا فيه أسوة حسنة كما أخبرنا ربنا موصيا به.


    ولعلي هنا أنقل لكم ما كتبه المؤرخ الفاضل د. محمد أمحزون يصور لنا صلح الحديبية وما كان فيه من جور وظلم حتى تضجر منه بعض الصحابة فلنا فيهم أسوة حسنة ...



    يقول (د. محمد أمحزون) :

    صلح الحديبية هو امتحان..

    لكنه امتحان مغاير لامتحان الغزوات..

    هو امتحان القلوب المؤمنة التي جاشت بالحميّة الإيمانية والغيرة لله ورسوله ودينه، واستقرَّ في أعماقها صدق رسولها في وعده، وصدق وعد الله له، وإن كان هذا الوعد رؤيا في المنام -فرؤيا الأنبياء حق- وهي قلوب مفعمة باستعلاء الإيمان وعزِّ الطاعة، تأبى أن يستضيمها عدو الله، أو تنصاع لضغوطه، في أي ميدان. ومع ذلك ترى في يومها ذاك أمورًا تبدو مناقضة لهذا كله، فكانت أهوالاً وكروبًا لا يسكن أمامها إلا قلب بلغ الغاية القصوى من الانقياد والتسليم لله ورسوله، والتجرُّد مما يخالف ذلك حتى وإن كان دافعه الغضب لله، والحمية لدينه، والاعتزاز بالإيمان به. ولم يكن حينئذ قد بلغ هذه الغاية إلا قلب واحد هو قلب الصديق [1].

    دروس من صلح الحديبية
    1- تربية النفس وحملها على التسليم لأمر الله ورسوله
    إذ لا يمكن للمرء الإحاطة بجميع الأسباب والنتائج. لقد صُدمت هذه الجماعة الراشدة الزاحفة أبدًا إلى الأمام وهي تواجه منعطفًا خطيرًا يشتهي فيه الكافرون من الشروط ما يشتهون ويحملونها عليها، ثم ترى قائدها يقبلها بدون تحفظ؛ مما أثارَ حميتها وغيرتها الإيمانية، رافضة هذه الشروط التي تبدو في نظرها مجحفة.

    2- تعلم الانضباط وتهذيب الحماس
    ولعل ما حدث من موقف المؤمنين بالنسبة للصلح كان بسبب الاندفاع الجهادي الذي كانت نتيجة للتربية في الفترة السابقة، فاقتضى الأمر "مرحلة عليا من التربية؛ مرحلة تتعدّى مراحل الحضِّ والإيقاد ورفع الهمم والعزائم إلى مرحلة تهذيب الحماس وتسكين الحمية الإيمانية لتوافق الوحي في كل أمر وتنضبط عليه في كل حركة، وإن رأت موافقته شاقّة على حظِّ النفس"[2]: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].

    وفي إطار هذه الموازنة بين التوثب والانضباط -وهي مرحلة دقيقة من التربية حتى تؤتي التربية الجهادية ثمارها- يقارن سيد قطب -رحمه الله- بين سورتي القتال والفتح لتوضيح هذه المعاني، فيقول: "وبالموازنة بينها -سورة الفتح- وبين إيحاءات سورة محمد التي قبلها في ترتيب المصحف، يتبيَّن مدى ما طرأ على الجماعة المسلمة في موقفها كله من تغيرات عميقة في مدى السنوات الثلاثة التي نرجِّح أنها تفرِّق بين السورتين في زمن النزول، وتبيِّن مدى فعل القرآن الكريم، وأثر التربية النبوية الرشيدة لهذه الجماعة التي سعدت بالنشوء والنمو في ظلال القرآن وفي رعاية النبوة.

    وَضَحَ في جوِّ سورة الفتح وإيحاءاتها أننا أمام جماعة نضج إدراكها للعقيدة وتجانست مستوياتها الإيمانية، واطمأنت نفوسها لتكاليف هذا الدين، ولم تعد محتاجة إلى حوافز عنيفة الواقع كي تنهض بهذه التكاليف في النفس والمال، بل عادت محتاجة إلى من يخفض حميتها... وفق حكمة القيادة العليا للدعوة"[3].

    3- اتهام العقل أمام النصوص الصريحة
    فقد كره بعض الصحابة الصلح مع قريش[4] لما رأوا في شروطها من الظلم والإجحاف في حقهم، لكنهم ندموا بعد ذلك على صنيعهم ورأوا أنهم قد اخطئوا؛ إذ كيف يكرهون شيئًا رضيه الله ورسوله!!
    وظلت تلك الحادثة درسًا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، وكانوا يُحذِّرون غيرهم من الوقوع فيما وقعوا فيه من الانسياق خلف الرأي؛ فكان عمر بن الخطاب t يقول: "أيها الناس، اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أردُّ أمر رسول الله برأيي اجتهادًا، فوالله ما آلو عن الحق، وذلك يوم أبي جندل، حتى قال لي رسول الله : تراني أرضى وتأبى؟!"[5].

    وكان سهل بن حنيف t يقول: "أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم؛ لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته"[6].

    فوائد صلح الحديبية
    وقد توالت الأحداث مؤكدة الحكمة البالغة والنتائج الباهرة لهذا الصلح، الذي سماه الله تعالى: {فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1][7].

    1- إذ اعترفت قريش بكيان المسلمين لأول مرة، فعاملتهم معاملة الند للند[8] عندما قبلت إبرام الصلح معهم، بعد أن كانت تصوِّرهم أمام الناس بأبشع الصور، وتنعتهم بأسوأ النعوت، مما كان له الصدى العميق في أرجاء الجزيرة العربية[9].

    2- إن هذا الصلح مكَّن قبيلة خزاعة من إعلان تحالفها الصريح مع المسلمين[10]، حيث كانت قبل الصلح تخفي تعاطفها معهم؛ "إذ كانت عَيْبَة[11] نصحٍ رسول الله مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئًا كان بمكة"[12].

    3- أتاح السلام المبرم الفرصة للمسلمين للتفرغ لآخر معاقل يهود في خيبر[13]، والتي صارت مصدر خطر كبير على المسلمين؛ إذ كان لزعمائها دور كبير في تأليب الأحزاب ضد المسلمين في غزوة الخندق[14].

    4- أتاحت هذه الهدنة الفرصة لنشر الإسلام؛ يقول ابن شهاب الزهري في هذا الشأن: "فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضًا، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يُكَلَّم أحد بالإسلام يَعْقِل شيئًا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك"[15].

    والدليل على ذلك: أن النبي خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة[16]، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف[17].

    الخلاصة
    وهكذا يُستشف من هذه النتائج عدم الركون إلى الرأي فيما فيه نص؛ فطاعة الرسول واجبة، والانقياد لأمره فريضة، وإن خالف ظاهر ذلك مقتضى القياس وحدّ الفهم، فيجب على كل مؤمن أن يتيقَّن أن الخير فيما أمر به، وأنه جار على أتمِّ الوجوه وأكملها، وإن قصرت العقول عن إدراك غايته وعاقبة أمره[18].

    ثم كانت نهاية هذا الامتحان العصيب بعد هدأة القلوب وسكون العاصفة، أن أنزل الله تعالى على رسوله وهو قافل إلى المدينة: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 1-4].

    إن نزول السكينة وزيادة الإيمان بها ثمرة للإيمان السابق المتمثل في الثقة في الله، والاستسلام لأمره مهما كان هول الموقف. وهكذا يرقى الإيمان ويسمو، وترسخ قاعدة عظمى من قواعد فقه التزكية الإيمانية وهي: أن من ثواب الإيمان: حصول إيمان أعلى منه، ومن جزاء المعصية: نقص الإيمان بمعصية أخرى، وهي قاعدة لم تثبت من خلال موعظة في مسجد، ولا محاضرة في جامعة، وإنما في موقف مهول كهذا الموقف[19].
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] انظر: سفر عبد الرحمن: ظاهرة الإرجاء في الفكر المعاصر ص40.
    [2] المصدر السابق ص41.
    [3] سيد قطب: في ظلال القرآن 6/3314، 3315.
    [4] انظر: البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الجزية، باب حدثنا عبدان 4/70، وكتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 3/182. ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية 12/141.
    [5] قال الحافظ في الفتح: رواه الطبراني في المعجم، والبيهقي في المدخل 13/289، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أبو يعلى ورجاله موثوقون، وإن كان فيه مبارك بن فضالة. 1/179.
    [6] أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الاعتصام، باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس 8/148.
    [7] انظر: البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/66، وذكره الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان رقم 436.
    [8] انظر: البخاري في كتاب الصلح، باب الصلح مع المشركين 3/168، ومسلم (بشرح النووي)، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية 12/138.
    [9] انظر: أكرم العمري: السيرة الصحيحة 2/450.
    [10] انظر: الإمام أحمد: المسند 4/325.
    [11] العيبة: موضع السر والخاصة.
    [12] أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد 3/178. وموسى بن عقبة: المغازي ص236.
    [13] لقد أشارت سورة الفتح التي نزلت بعد صلح الحديبية -على قول بعض المفسرين- إلى وعد الله تعالى للمسلمين بفتح خيبر وحيازة غنائمها، في قوله تعالى: "وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ" الآية. انظر: ابن كثير: التفسير 4/191.
    [14] انظر موسى بن عقبة: المغازي ص214، 215، والبيهقي: الدلائل 3/398.
    [15]
    [16] ابن هشام: السيرة 3/322.
    [17] انظر: البخاري الجامع الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/63.
    [18] انظر: ابن الديبع الشيباني: حدائق الأنوار ومطالع الأسرار، نقلاً عن حافظ الحكمي: مرويات غزوة الحديبية ص302.
    [19] انظر: سفر بن عبد الرحمن: ظاهرة الإرجاء في الفكر المعاصر ص42.


    .............................................
    لعل الرسالة تكون قد وصلتكم أيها العقلاء


    وفقكم الله

  • #2
    رد: صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم (نظرة شرعية)

    من الذي نقض صلح الحديبية؟!
    السؤال: سؤالي عن صلح الحديبية ، من الذي نقض العهد في هذا الصلح ؟ لأنه دار بيني وبين أحد النصارى نقاش حول ذلك ، فقال إن الذي نقض العهد هم المسلمون ، حيث يقول إن المسلمين كانوا على تعاهد مع القبائل الوثنية آنذاك ، وأن قريشا أتت لحرب بعض هؤلاء القبائل فقام المسلمون بمساعدة هؤلاء القبائل ، فخرقوا بذلك المعاهدة التي كانت بينهم وبين قريش ، فهل هذا صحيح ؟

    الجواب :
    الحمد لله

    ملخص ما حدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة ومعه ألف وأربعمائة ، متوجهًا إلى مكة يريد العمرة ، فلما كان بذي الحُلَيفة ـ ميقات أهل المدينة ـ قَلَّد الهَدْي وأشْعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث عينًا له من خُزاعة يخبره عن قريش ، فلما كان بعُسْفان أتاه عينه وأخبره أن قريشًا قد جمعوا له جموعًا ، وأنهم مقاتلوه وصادوه عن البيت .
    وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته ، فقال الناس : خلأت القصواء ، خلأت القصواء [ أي : حرنت وأبت السير ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال : ( والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا عطيتهم إياها ) ثم زجرها فوثبت به ، فعدل بها حتى نزل بأقصى الحديبية على حوض قليل الماء ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فتمضمض في ماء ومج فيه ، وألقى فيه سهمًا من كنانته ، فلم يزل يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه .

    وفزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه ، فدعا عثمان بن عفان ، فأرسله إلى قريش ، وقال : ( أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال ، وإنما جئنا عمّارًا ، وادعهم إلى الإسلام ) ، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فبلّغ الرسالة ، وقد أجاره أحد بني عمه ، وحمله على فرس حتى دخل مكة .
    ثم إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعة على أن لا يفروا ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال : ( هذه عن عثمان ) ، ولما تمت البيعة رجع عثمان إلى المسلمين .
    وسارت الرسل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين لأجل الصلح ، حتى جاء سهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم .
    ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش ، وهي ::
    . - وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات
    . - من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا يلزمون بردّه
    - أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام ، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش ، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس .
    - من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .

    ودخلت قبيلة خُزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.
    وقد كانت الحروب والعداوات بين خزاعة – التي دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين بني بكر – التي دخلت في عهد قريش - منذ غابر الأزمان , فأضحت كل واحدة في أمن من الأخرى , ولكن حصل غدر من بني بكر , فخرج نوفل بن معاوية في جماعة معه في شهر شعبان للسنة الثامنة من الهجرة فأغاروا على خزاعة ليلاً , وهم على ماء يقال له الوتير , فأصابوا منهم رجالاً , وتناوشوا واقتتلوا , وأعانت قريش بني بكر بالسلاح , بل وقاتل رجال منهم مع بني بكر مستترين بظلمة الليل , حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فقالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك ! إلهك ! فقال : لا إله اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم , فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم , أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟!
    وانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له عليه السلام : ( نصرت يا عمرو بن سالم ) .

    وسرعان ما أحست قريش بخطئها وغدرها , فخافت من عواقبه الوخيمة , فبعثت قائدها أبا سفيان ليجدد الصلح , لكنه لم يفلح , فعاد أدراجه إلى مكة .
    ثم تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالجهاز , وأعلمهم أنه سائر إلى مكة , ثم تم بعد ذلك الفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .

    والشاهد من هذا كله : أن قريشا لما أعانت بني بكر بالسلاح ، وقاتلت معهم خزاعة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك نقضا للصلح الذي أبرمته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية . وقد علمت قريش ذلك ، ومن ثَمّ جاء أبو سفيان ليجدد الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من واجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصر المتحالفين معه من خزاعة ، كما أن قريشا نصرت ، بل وحاربت مع حلفائها من بني بكر .
    فهم الغادرون الناقضون العهد ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبعد خلق الله عن تلك النقيصة ، وهذه سيرته ، وهذه سنته حاضرة بين أيدينا لمن أراد أن يعرف ذلك عنه .

    راجع :
    - تفسير الطبري (22/239-250)
    - تفسير ابن كثير (7/344-360)
    - صحيح البخاري (2734)
    - سنن أبي داود (2765)
    - مسند الإمام أحمد (18449)
    - فتح الباري (5/334-350)
    - البداية والنهاية (4/317-325)
    - سيرة ابن هشام (2/389-397)
    - عيون الأثر (2/181-190)
    والله أعلم .



    الإسلام سؤال وجواب

    تعليق


    • #3
      رد: صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم (نظرة شرعية)

      المشاركة الأصلية بواسطة أبو أنس حادي الطريق مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



      .............................................
      لعل الرسالة تكون قد وصلتكم أيها العقلاء


      وفقكم الله
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      وصلت الرسالة شيخنا الفاضل وارجوا ان يعي الجميع الدرس فنحن في اشد حاجة اليه
      جزاكم الله خيرا

      اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

      تعليق


      • #4
        رد: صلح الحديبية والصلح مع النظام الحاكم (نظرة شرعية)

        جَزَاكُم اللهُ خَيْرَاً
        أبُو سُفيَان سابقاً
        قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

        ( لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس )

        تعليق

        يعمل...
        X