الحمد لله والصلاة على خير البشر نبينا محمد
فهذا بحث عن الإخلاص وكيف نحصله :
كتبه : أبو عبد الرحمن سليمان أبو قمرالدمياطى
تحت إشراف:
جماعة أنصار السنة المحمدية بدمياط
مقدمة
بسم الله
والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإنى أتقدم بخالص الشكر لمشايخنا الأفاضل حفظهم الله تعالى بدار الجماعة
وهم الذين يسروا لنا سبل العلم الشرعى فجزاهم الله عنا خيراً ونسأل الله العظيم
أن يرزقهم الإخلاص فى القول والعمل اللهم آمين
ولذلك فإنى أتقدم بهذا البحث البسيط أنقل فيه نتفا ًمن أقوال أهل العلم فى حديثهم عن الإخلاص
ُموشِحاً ذلك بآيات من كتاب ربنا وبعضاً من أحاديث رسولنا عليه الصلاة والسلام.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدوعلى آله وصحبه وسلم
أولا ً: تعريف الإخلاص لغة:
هو مصدر أخلص يخلص وهو مأخوذ من مادة { خ ل ص } التى تدل علي التنقية والتهذيب.
المفردات للراغب الأصفهانى
وشرعا ً : قيل :
الإخلاص هو إفراد الله بالقصد فى الطاعة.
وقيل : هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين وإعجاب الفاعل بنفسه.
وقيل : هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق.
وقيل : هو استواء أعمال العبد فى الظاهر والباطن.
وقيل : هو ألا تطلب على عملك شاهدا ً غير الله تعالى.
قلت : ولا بأس بالجمع بين هذه الأقوال إذا أن كل تعريف منها يشير إلى المعنى المراد منتعريف الإخلاص.
ثانيا ً: حديث القرآن الكريم عن الإخلاص.
تحدث القرآن العظيم عن الإخلاص فى كثير من الأيات ليحث المؤمنين على الإجتهاد فىالتجرد وتنقية العمل من سائر الشوائب التى تعكر صفوه وتكدر صفاءه ومن ذلك قوله تعالى
{وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ .. } النساء (146) فالإخلاص فى الطاعة ترك الرياء وهو الداء العضال والسم القاتل الذى يفتك بمن تعاطاه وإن كان يسيرا ًنسأل الله السلامة والعافية , وقال سبحانه { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} الأعراف (29)
فإخلاص الموحدين أنهم قد تبرؤا من تشبيه اليهود وتثليث النصارى قبحهم الله , وقال جل شأنه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً..} الملك (2) قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى
: هو أخلصه وأصوبه . قالوا يا أبا على : ما أخلصه وأصوبه
قال : إن العمل إذا كان خالصا ً ولم يكن صوابا ً لم يقبل وإذا كان صوابا ً ولم يكن خالصا ًلم يقبل حتى يكون خالصا ً صوابا ً, والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنةثم قرأ قوله تعالى
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف (110)
قلت : وهذا كلام نفيس يكتب بماء الذهب فحرى به أن ينقش على الصدور وتعيه الأفهام فللهدره ورضى الله عنه وعن سلفنا الصالح آمين .
وقال تقدست أسماؤه {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (سورة الفرقان الآية: 23 )
وهى الأعمال التى كانت على غير السنة أو قصد بها غير الله سبحانه فما أعظم خسارتهمويا حسرة عليهم قد خسروا أنفسهم , فتبا ً لهم وسحقا ً . وقال الملك سبحانه { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } الزمر (3)
أى العبادة الخالصة لله وحده دون الطواغيت والأنداد . وقال سبحانه { ..وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ...} الزمر(47 48 ) فمن غفل عن الإخلاص فى الدنيا رأى حسناته يوم القيامة سيئات فما بعد هذا العذاب من عقاب !
فيا أخى الحبيب
أما أثر فيك هذا الكلام ويحك أتظن أن القوم قد بلغوا ما بلغوا بكلام وأوهام ؟
كلا وربى إنما طرحوا الفراش وقاموا لله والناس نيام يطلبون الإخلاص والخلاص.
ثالثا ً: حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن الإخلاص وحثه عليه وبيان فضله
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين الرؤف الرحيم يبين عاقبة الرياء الوخيمة وكيف أنه يهلك صاحبه
ويحبط عمله فلا أجر له فضلا ً عن إثمه فقد ورد فى الحديث الحسن عن أبى أمامة رضى الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال { أرأيت غازيا ً يلتمس والأجر والذكر ماله ؟ فقال : لا شئ له . فأعادها ثلاثمرار ٍ .ويقول رسول الله : لا شئ له . ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا ً وابتغى به وجهه }
( النسائى (الجهاد) وقال العراقى :إسناده حسن والمنذرى إسناده جيد(ص)الترغيب والترهيب )
وفى حديث آخر قال { ثلاث لا يغل عليهن قلب إمرئ ٍ مؤمن إخلاص العمل لله والمناصحة لأئمة المسلمينولزوم جماعتهم } ( الترمذى وقال حسن صحيح وابن ماجه والدارمى والبغوى فى شرح السنة وصححه الالبانى )
وقال صلى الله عليه وسلم وهو يبين فضل النية الصادقة التى تنفع صاحبها فى الدنيا والأخرة وإن لم يعمل
{ إن بالمدينة أقواما ًما قطعنا واديا ًولا وطئنا موطئا ًيغيظ الكفار ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصة إلاشاركونا فى ذلك وهم بالمدينة . قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله وليسوا معنا ؟ قال : حبسهم العذر . فشاركوا فى الأجر بحسن نياتهم وفضل تجردهم لربهم ومليكهم سبحانه وبحمده }
( البخارى الجهاد ومسلم فى الإمارة عن جابر وأبو داود وأحمد فى مسنده )
وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة : قال الله عز وجل
{ أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لى عملا ًأشرك فيه غيرى فأنا برئ وهو للذى أشرك } ( مسلم فى صحيحه (2985 )
وقال وهو يبين أن النصر ثمرة من ثمرات إخلاص النية
{ إنما ينصر الله الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم } ( داود النسائى وغيره انظر صحيح الترغيب والترهيب )
وبين صلوات ربى وسلامه عليه أن الأخلاص سببا ً لقبول العمل { إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ًوابتغى به وجهه } ( رواه النسائى وجود إسناده ابن حجر وصححه العلامة الألبانى )
وصدق من لا ينطق عن الهوى .
وتأمل أخى الحبيب كيف أن الإخلاص يعظم أجر صاحبه بدون عمل منه بل بمجرد النية الصالحة فقط ,قول الصادق المصدوق { من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشة } ( صحيح مسلم )
وما أحلى وأجمل أن ندندن ونردد هذا الدعاء الجامع من كلام خير الناس وهو يستعيذ بربه من الشرك وهوالمعصوم بأبى هو وأمى حيث يقول { اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا ً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه }
( أحمد فى مسنده وصحيح الترغيب والترهيب )
هنا كلام سيد المرسلين يستعيذ بربه من الشرك وهو لم يتطرق إلى قلبه ذات يوم وحاشاه فهو المعصومفما بالنا تغافلنا عن الدعاء أو غفلنا عنه وكأننا أخذنا منشورا ً أو صكا ً بسلامة العقيدة وتمام التوحيدوكمال العبودية ؟!
رابعا ً : سلفنا الصالح والإخلاص
لله درهم أخلصوا فتخلصوا وعرفوا الطريق فسلكوه وما حادوا عنه وما تركوه واجتازوا المفاوز والأهوالحتى عبروا شاطئ اليم بعد أن خاضوا فى لججه .
كان بعضهم يقول لنفسه : أخلصى تتخلصى وقيل للإمام سهل : أى شئ أشد على النفس ؟ قال : الإخلاص
إذا ليس فيه لها نصيب ! رحمه الله : هذا الكلام يصدر من مثله ! ومن يعرف للإخلاص طريقا ً ومسلكا ًإذ لم يعرفه هؤلاء ؟
وقال بعضهم : رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية .
وقال يحيى بن كثير : تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل !
نعم فالعمل يراه غيرك وربما أعجبت به أنت فيكون حظك يا مسكين إعجابك بعملك ! ولاحظ لك عند مولاك إلا ما أشربت من هواك !
وقال بعضهم : تجارة العلماء تجارة النيات !
تعلموا كيف يتاجرون ويربحون على ربهم ما انشغلوا بتجارة الدنيا فحسب وإنما تاجروا مع ربهم فنعمت التجارة وربحت وما وراءها خسارة !
وها هو رجل من الأفذاذ الذين استناروا بنور الله يقول : إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى !
أبت نفسه إلا الانشغال بالطاعة حتى وهو نائم ! نعم وذلك لما أخلصوا اختلطت الطاعة بدمائهم وأعصابهم فما صبروا عنها حتى فى غفلتهم ورقدتهم .
وفى الأثر : لا تعملن عملا إلا بنية ! ً
نعم وإلا كان العمل هباء ً منثورا ً .
وجاء فى مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله : نقلا ً عن الفضيل بن عياض قال رحمه الله :
ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص : الخلاص من هاذين وفى رواية :والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
ولله در القائل يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما ً وسرنا نحن أرواحا ً
إنا أقمنا على عذر وعلى قدر ومن أ قام على عذر فقد راح
وكان الربيع بن خثيم يدخل عليه الداخل وفى حجره المصحف فيغطيه . ( سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبى ( 260/4 )
وبعضنا يود أن تسجل الإذاعات تلاوته إذا قرأ شيئا ًمن كلام الله !
وقال بشر بن الحارث رحمه الله : ( سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبى ( 473/10 )
قد يكون الرجل مرائيا ً بعد موته يحب أن يكثر الخلق فى جنازته .
لقد تميزأهل الرياء عن غيرهم حتى فى المقابر ! وأبلغ من ذلك قوله تعالى { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } (التكاثر )
ولله در من قال :
أرى أهل القصور أذا أميتوا بنوا فوق المقابر بالصخور
أبوا إلامباهاة وفخرا على الفقراء حتى فى القبور
وهذا هو الإمام أبى حامد الغزالى رحمه الله وهو يحتضر فى الرمق الأخير إذ يطلب منه رجل النصيحةفإذا بالإمام يردد : عليك بالإخلاص . فلم يزل يكررها حتى فاضت روحه فرحمة الله عليه .
وقال الربيع بن خثيم { كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل وهو إلى زوال لا محال }
وقال بشر بن الحارث { ما اتقى الله من أحب الشهرة ! } ( المرجع السابق ( السير ) (746/10 )
وقال بعضهم { أى بعض السلف الصالح }
كانوا -السلف - يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم بها زوجته ولا غيرها .
( المرجع السابق ( السير ) (349/9 )
وقال بعضهم : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .
خامسا ً: من ثمرات الإخلاص
1-فى الدنيا - الإخلاص
من أسباب النصر على الأعداء وهو أيضا ً سبب لمحبة الناس وهو سبب لنيل الثواب بدون عمل أحيانا ً كالذى يرجو الشهادة بقلبه وهو صادق فينالها بالنية فضلا ً من الله ونعمة .
2-فى الأخرة - الإخلاص
يؤمن صاحبه من عذاب القبر ويتنعم فيه جزاء ً من ربك والجزاء من جنس العمل , والإخلاص يؤمن صاحبه يوم الحشر وييسر حسابه ويستظل فى ظل الله ويرد حوض النبى الكريم يوم الزحام فيالها من كرامات .
سادسا ً : وأخيرا ً : كيف نحصل الإخلاص ؟
وهذا الذى أعيى السلف وأقلق مضاجعهم فما ذاقوا للنوم طعما ً وما تلذذوا بلذة حتى بشروا من الله بالقبول فيا للبشرى !
فالحياء من الله وتعظيم نظره إليك من أقوى الأسباب التى تعين على الإخلاص فأى فائدة يحصلهاالمرائى بعمله إذا أسخط ربه فاستحق نعمته وعقابه .
كما أن اليأسم مما فى أيدى المخلوقين و\انقطاع الرجاء من دنياهم يقوى القلب ويخلص النفس ويبعث على الطاعات ويزجر عن المعاصى والموبقات .
والمراقبة أن تستشعر أن الله مطلع عليك فإن لم تكن تراه فهو يراك .
كما أن العبد إذا خاف يوم الزحام والعرض على الله يوم تبلى السرائر والسر عند الله علانية فالسرائر مكشوفة{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} "14" (سورة الملك)
إذا استشعر العبد ذلك خاف من يوم الفضيحة أن يفضح على رؤس الأشهاد وينادى : يا مرائى يا كاذب !!
فهذا من أعظم الزواجر والله المستعان .
كما أن الاستعاذة بالله من الرياء والشرك كما علمنا النبى صلى الله عليه وسلم { اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا ً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه }
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: الألباني
من أعظم الأسباب الجالبة للإخلاص .
والله المستعان
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدوعلى آله وصحبه وسلم .
تم البحث
بفضل الله تعالى وكتبه
أبو عبد الرحمن سليمان عبده أبو قمر الدمياطى غفر الله تعالى له و لوالديه ولمشايخه ولسائر المسلمين ءامين.
قائمه المراجع
1- القرآن الكريم .
2- البحر الرائق فى الزهد والرقائق
جمع وترتيب د . أحمد فريد { المكتبة التوفيقية } .
3- موسوعة الأخلاق الإسلامية للمسلمين عامة وللخطباء خاصة
بقلم : سعد يوسف محمود أبو عزيز { المكتبة التوفيقية } .
4- محاضرة فضيلة الشيخ :صلاح عبد الموجود { حفظه الله }
عن الإخلاص فى الأسبوع الدعوى بدار جماعة أنصار السنة بدمياط .
5- من وصايا القرآن الكريم
للشيخ : محمد بحيرى { المكتبة التوفيقية }
وغيرها من كتب الرقائق .
تعليق