بسم الله الرحمن الرحيم
فِقْهُ المرَاسِلِ (ماسنجر)
الحمد لله، وأصلي وأسلم على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع أثره واقتفاه، أما بعد:
فالشبكة العنكبوتية (الإنترنت) مع ما فيها من مساوئ وفتن، ولكنها أصبحت لا يُستغنى عنها؛ لما فيها من فوائد، يعرفها من عرف طريق الخير على هذه الشبكة، وقد يسر الله عبر هذه الشبكة بعض البرامج الخادمة التي تقوي الألفة والعلاقات بين طلبة العلم والمشايخ.
ومن أقوى ذلكم الخُدَّام انتشارًا، وأسهلها استخدامًا برنامج المراسل أو كما يسميه البعض (ماسنجر).
فقد انتشر استخدامه، حتى أصبح كاستخدام الهاتف، وربما استغنى البعض عن الهاتف باستخدامه لهذا البرنامج.
ومن خلال استخدامي لهذا البرنامج رأيت بعض الأخطاء التي تحدث مع بعضنا البعض بقصد أو بغيره، فأحببت التنبيه عليها، وإسداء النصائح التي أرى أن نطبقها في استخدامنا لهذا البرنامج حتى يكون استخدامنا له مرضيًا لله عز وجل. ولا يكون وبالا علينا.
ولست أخص بهذه النصائح من يستخدم هذا البرنامج بصفة خاصة، إنما النصيحة مسداة لمستخدمي برامج المحادثات بصفة عامة، وإنما ذكرت هذا تعيينًا؛ لانتشاره لا غير.
أولا: اسمه، وخصائصه:
(ماسنجر) هو اسم لكلمة «إنجليزية» بمعنى: رسول أو مبعوث أو ساعٍ، وأنا أسميه (المُرَاسِل).
وهو برنامج يقوم بإرسال الرسائل الفورية سواء كتابية أو صوتية.
أنتجته شركة الهوت ميل الشهيرة، ولشركة ياهو مراسل خاص بهم. والذي أعرف أن الخاص بالهوت ميل أكثر انتشارًا.
ثانيًا: ما يجب قبل إعداده:
أول ما يجب على الشخص أن يفعله قبل إعداده وتركيبه لهذا البرنامج الذي يُمكن أن يُستعمل في الخير أو الشر:
1- أن ينوي بتركيبه تقوى الله عز وجل. فلا يستخدمه الرجل للتعرف على النساء، وكذا النساء لا يستخدمنه في التعرف على الرجال؛ فهذا من طرق النار والعياذ بالله.
2- أن ينوي بتركيبه التعاون على البر والتقوى مع إخوانه الصالحين؛ فربما قصده قاصد في خدمة أو مساعدة أو شرح مسألة علمية ..أو أي غرض مشروع غير هذا، ونجد أن هذا يحدث كثيرًا، ولا يخفى على أكثر الناس.
3- أن ينوي بتركيبه التواصل مع إخوانه في الله، والمشايخ، وطلبة العلم الذين يستفيد منهم؛ فهذا من أفضل التواصل.
وقد يسر الله بهذا البرنامج سهولة التواصل مع كثير ممن كنا نتمنى التواصل معهم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
-وهناك نوايا عديدة يمكن للعبد أن يقصدها قبل إعداده لهذا البرنامج.
ثالثًا: آداب الإضافة:
عندما تريد أن تضيف شخصًا مَّا إلى قائمة أصدقائك فإنه يجب عليك أن تنتبه لأمرين مهمين:
الأول: أن يكون مَن تضيفه رجلا إذا كنتَ رجلا، وامرأة إذا كنتِ امرأة؛ فإنه يُمنَع على منهما التحدث للآخر؛ وذلك سدًّا لبابٍ مغلَقٍ عظيمٍ من أبواب الفتن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«اتقوا الدنيا، واتقوا النساء»
وإن كانت هناك حاجة مُلِحَّة لهذه المحادثة فلتكن على قدر الحاجة، {فَمَنْ اضُّطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، دون زيادات أو تطويل أو إلقاء الكلمات التي تُضعِف بعض النفوس المريضة.
الثاني: أحيانًا يضيق صدر البعض من الإضافة التي لا يسبقها استئذان؛ ولهذا ينبغي أن ترسل رسالة خاصة عبر البريد لمن تريد إضافته؛ لتستأذنه.
رابعًا: آداب الاستخدام:
1-إلقاء السلام:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فأول ما ينبغي في استخدامه هو إلقاء السلام على من أردت الدخول عليه؛ فكثيرًا ما ينسى البعض أن يبدأ من يحدثه بـ "السلام"، وهذا مخالف للسنة، فإنه من السنة أن تبدأ من تحدثه بتحية الإسلام.
وإن كان لك به معرفة سابقة، فلا بد أن تردِف السلام بالسؤال عن حاله.
فالبعض يدخل على برنامجك (المُرَاسِل) ولم يكُ حدّثك منذ أشهر أو أكثر، فيبدأ كلامه بـ " هل أجد عندك موقع كذا، أو هل عرفتَ أنه قد حصل كذا ؟ ", و غير ذلك من كلام، وينسى أن يبدأ بالسلام.
حينئذ ذكّره وعلّمه، وإن عاد فلا ترد عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام؛ فلا تجيبوه»وهو حديث حسن من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (انظر زاد المعاد لابن القيم، والصحيحة للألباني).
وعند الانتهاء من المحادثة ينبغي أيضًا أن تُختَتَم بالسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «فإذا أراد أن يقوم، فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة»رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
2-عدم الإطالة في السلام:
-قلتُ آنفًا:إنه من السنة أن نبدأ بالسلام, ولكن من الأدب أن يكون السلام بطريقة لائقةٍ مَرْضِيَّةٍ مقبولةٍ.
فبعض الناس يدخل؛ فيقول:
السلام عليكم
كيفك؟
وكيف حالك؟
وكيف الأخبار؟
وماذا عن الإخوة؟
وكيف الأهل؟
طيب، وأنت كيف أحوالك، بخير؟
ويظل المرء يسأل، ويعيد ويزيد، ويسهب ويطنب!!
وهكذا سيل جرار من الأسئلة المكررة، والمُعادة،،، والغير مُستفادة!!
ولا تجد ردًّا سوى قولك: الحمد لله، طيب، بخير، نحمد الله ...الخ.
وهذه الطرق تضيع الوقت، وتُدخِل السآمة على نفس من تكلمه.
فلا تُطِل في سلامك بهذه الطريقة، ويكفيك كلمةً أو ثِنتَين في السؤال عن أحواله.
3-احرص ألا تضيع وقت من معك:
- بعض الناس أوقاتهم غالية كالذهب، وبعضٌ تجد أوقاتهم رخيصة كالتراب أو أشد رخصًا.
والأصل ألا يضيع المسلم وقته؛ فالتكاليف كثيرة، والعمر يجري، وكما قال ابن القيم رحمه الله:
(إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها).
قلت: وهذا صحيح؛ فإن كنت مضيِّعًا للوقت صِرْتَ غافلا عن الله بانشغالك عن التكاليف والشرائع بغيرها مما يضيع وقتك؛ هذا هو الانقطاع عن الله والدار الآخرة.
أما الموت فإنه حياة أخرى لا يعلمها إلا الله؛ إما جنة وإما نارًا.
فإن كانت نارًا فأنت في جزاء وعِقَاب، لا طعام شَهِيٍّ ولا شراب، إلا العذاب لمن مات وما تاب، وذلك بالغفلة عن يوم الحساب.
وإن كانت جنة فأصحاب الجنة {فِي شُغُلٍ فَاكِهون} لا وقت لديهم في الجنة يضيِّعون، ومن مائها ولبنها يشربون، وبخمرها يتلذذون، ومن طيرِها يأكلون ما يشتهون، وبالحور العين يتمتعون، على الأرائك متكئون، وإلى وجه ربهم الكريم ينظرون، ذلك بما كانوا يعملون.
فالوقتُ،، الوقتُ.
فإذا دخلت على أحد إخوانك في برنامج المُرَاسِل:
اطرح موضوعك إن كان لديك موضوعًا مهمًّا، أو ابْدِ سؤالاتك إن كانت لديك سؤالات، أو اعرض مناقشاتك إن كانت هناك مناقشات.
أما أن تستخدم هذا البرنامج أداةً لتضييع الوقت؛فحينئذ ابحث عن شخص لا يقدِّر ثمن هذا الوقت المُهدَر لتضيعانه معًا.
ولا أعني أن تكون جميع المحادثات خالية من ترفيه، إنما أعني أن لا تكون عادتك أن تستخدم هذا البرنامج لمجرد إضاعة الوقت، والثرثرة، وقيل وقال، وكثرة سؤال!.
-ينبغي أن تسأل محدثك عمَّا إن كان عنده وقت أم لا، فربما يكون محدثك ممن يخجل من التصريح بأنه مشغول.
4-التماس الأعذار، وحسن الظن، واحترام رغبة الآخرين:
فكثيرًا نجد من وضع علامة "مشغول"والبعض - هداهم الله- يخترقون هذه الرغبة؛ فتجد الواحد منهم يدخل عليه ويقول: (أعرف أنك مشغول، ولكن أريد كذا...الخ)
فأين نحن من قوله تعالى: { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ }؟!!
وهل تظن يا عبد الله أن من وضع علامة (مشغول) وضعها لكي تدخل عليه وتتحدث معه؟! أم لكي يُخبرك بعدم إزعاجه والدخول عليه، لأنه لا وقت لديه؟!
وإن لم يرد عليك وقتها فلا تغضب؛فهذا حقه.فلتحسن به الظن، ولا تعاتبه.
- أحيانًا نجد من يقول: "بالأمس تحدثت معك ولم ترُدَّ"، أو غير هذا من التعليقات.
والبعض يجزم!! بأنك عرفت ماذا يريد وأن كلامه وصلك,وأنك لم تُرِدْ أن تَرُد عليه رغبةً منك!
فسبحان الله! ألا نقول: عساه خيرًا !
لماذا لا نحسن الظن بإخواننا؟!
لا سيما وأن الشبكات أحيانًا تنقطع، أو تكون بطيئة، وهذه الحالات ما أكثرها، بل وكثيرًا ما يتم الخروج من البرنامج ويبقى وكأنك ما زلت متصلا بالشبكة.
لذلك ينبغي علينا أن نحسن الظن بإخواننا، وبدلا من أن نقول : " كلَّمتُك ولم تَرُدَّ" فنقول: عسى أن يكون خيرًا.
5- الاستئذان قبل الدخول:
أحيانًا تكون محادثة بين اثنين, وفجأة وإذا بثالث معهما في المحادثة.وهذا تصرف خاطئ.
لابد من الاستئذان، أو التراضي بينهما بدخول ذاك الثالث.
6-للناس خصوصيات:
لا تكُ فضوليا؛ تسأل عن كل شيء، وتحب أن تعرف أيَّ شيء.
فلا تسأل محدثك عن: مهنته، أو عمُره، أو راتبه الشهري!!
وتكرر وتلح عليه؛ فقد لا يحب هذا.
7-إشارة التنبيه:
بعض الناس يدخل عليك فأول ما يفعل يدق إشارة التنبيه (قبل السلام أو معه).
وهذا فيه مخالفتان:
المخالفة الأولى: أن هذه الإشارة تصحبها نغمة موسيقية؛ فصوتها صوت آلة موسيقية.
ونعلم جميعًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري في صحيحه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ليكونن من أُمّتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير، والخمر والمعازف». والمعازف: كل ما يُضرَب به: كالدف، والكوبة...وغيرهما من آلات العزف واللعِب.
وإنما تعارَف على اسمها بـ(إشارة تنبيه).
ولكن الحق الذي لا مِرية فيه أنها ضرب من ضروب المعازف، ولكن سُمِّيَت بغير اسمها.
وهذا من علامات آخر الزمان أن الناس يشربون الخمر فيسمونها بغير اسمها، ويتخذون المعازف ويسمونها بغير اسمها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناسٌ من أُمَّتِي الخمر يسمونها بغير اسمها» رواه أبو داود وابن ماجه.
والمُستحِلُّ للشيء: هو الذي يأخذه معتقدًا حلَّه.
والمقصود باستحلال المعازف في الحديث: هو الاعتقاد بأن المعازف والآلات مجرد سماع صوت فيه لذة. وللفائدة: انظر كتاب (تحريم آلات الطرب) للعلامة الألباني رحمه الله، ففيه تفصيل طيب لهذه المسألة.
المخالفة الثانية:أن هذه الإشارة يصدر بسببها إزعاج لبعض الناس؛ وقد نهينا عن أذية المسلمين فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين...» رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه.
وقد يقول البعض إن لهذه الإشارة فوائد:
فهي كالجرس المستخدم في الهاتف أو في البيوت.
فنقول: اعمل جاهدًا ألا تستخدمها إلا وقت الاضطرار إليها، كأن يكون الشخص بعيدًا عن الحاسوب، وأنت تعلم ذلك؛ فأحببت استدعاءه. وهكذا كما نعلم أن الضرورات تبيح المحظروات، فيجب أن نعلم أن الضرورة تُقَدّر بقدْرِها.
والمنهي عنه مطلقًا هو كثرة استعمال هذه النغمة، لِمَا ذكرنا من مخالفة، ولإزعاجها من وجه آخر.
منقول للفائدة
أولا: اسمه، وخصائصه:
منقول للفائدة
تعليق