أيُّها الأبرارُ الأكارِم .. ما أحوجَ أمَّةَ الإسلامِ اليوم إلى رجالٍ تتوفَّرُ فيهِم صِفاتُ التأثيرِ وأخلاقُ القِيادة .. بل هيَ بحاجةٍ إلى أن تستعيدَ صدارتَها بينَ الأمم عبرَ أناسٍ يتمتَّعونَ بنُضجِ الذهنِ وانقِداحِ الحِكمة والبصيرةِ ..
إنَّ هذهِ القضيَّة – أعني صناعةَ القادة - يجبُ أن تكونَ في قائمةِ الأولويَّاتِ ورأسِ الاهتمامات عندَ العظماءِ والمُصلحين .. وينبغي على الدُّعاةِ العاملين َ والمربِّينَ الناجحين أن يُهيِّئوا للأمَّةِ قادةً أفذاذاً لا يعرفونَ معنىً للعجزِ والكسل ، ولا يُعيقُهم عائقٌ عنِ البذلِ والعطاء ، لا يعرفونَ للراحةِ طعماً أو للخَوَرِ سبيلاً ..
لا تحسبنَّ المجدَ تمراً أنتَ آكلُهُ --- لن تبلُغَ المجدَ حتى تلعَقَ الصبِرا
وليسَ ذلك على اللهِ ببعيد .. فالأمّةُ – بحمدِ الله – معطاءةٌ ولود .. وقد كتبتُ هذهِ الهمسات لِتكونَ مُعيناً على ذلِك .. جمعتُها من هنا وهناك .. وانتقيُتُها بِعنايةٍ لِتكونَ مُعينةً لي أولاً ولكلِّ من يراها من إخوتي ثانياً .. أسأل الله أن يفتَحَ لها قلوباً مؤمنة .. وأن تكونَ نبراساً ومفتاحاً لكلِّ من رامَ القيادةَ ..وتطلَّعَ للتأثيرِ والرِّيادة ..
الهمسةُ الأولى : إنَّ من صفاتِ القائدِ المُسلمِ أن يكونَ مؤمناً باللهِ تعالى .. طائعاً لأوامرِه .. مخلصاً لهُ العمل .. " قل إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالمينَ لا شريكَ له " " يرفعِ اللهُ الذينَ آمنوا منكم والذينَ أوتوا العلمَ درجات " .
الهمسةُ الثانية : كما أنَّ من صفاتِ القائدِ الناجح .. علُوُّ الهِمَّةِ .. وسموّ الغاية .. ووضوحُ المنهجِ .. وسلامةِ المقصدِ .. وطهارةِ المُعتَقَد .. " وما أُمِروا إلاَّ لِيعبدوا اللهَ مُخلِصينَ لهُ الدينَ حُنفاء " .
الهمسةُ الثالثة : كذلك .. منحُ التقديرِ والاهتمامِ لكلِّ شخص .. فإن من أقوى أسرار التفوُّقِ البشريّ الرغبةُ في الثناءِ وحُبِّ التقدير وطلبِ الرِّعايةِ والحرص .. وقد طبَّقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هذا المبدأ مع شخصِ أبي سُفيانَ رضيَ اللهُ عنهُ عامَ الفتح .. قالَ العبَّاسُ رضيَ اللهُ عنه : (( يا رسولَ الله إنَّ أبا سفيان رجلٌ يُحبُّ الفخر ، فاجعل لهُ شيئاً ، قال : نعم ، من دخلَ دارَ أبو سفيان فهوَ آمن ...... )) الحديث .
الهمسةُ الرابعة : ومن أسرارِ القائدِ الناجحِ المُؤثِّر .. مُجانبةُ النقدِ وإقلالُ العِتاب .. فإنَّ طبيعةَ النفسِ البشريَّة النفورَ والابتعادَ عن كلِّ ما يخدِشُ ذاتها أو يجرحُ كبريائها .. فالأولى بالمربِّي أن يختار الطريقةَ المُثلى في المعالجةِ والتصحيح .. قالَ تعالى : " وقولوا للنَّاسِ حسناً " .
الهمسةُ الخامسة : ومن أهمِّ أخلاقِ القائدِ المُؤثِّر .. محبَّةُ الخيرِ للجميع .. والسعيِ لقضاءِ حوائجهم .. وتقديمُ مصالِحِ الأمةِ العامّة وحاجاتها على مصالِحِ نفسِه .. ولكم أن تتأملوا في سيرةَ حبيبنا محمدٍ – عليهِ الصلاةُ والسلام – يتبيَّنُ لكم حاجةَ ما أتحدَّثُ عنه .. ألم يقُمِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليِهِ وسلَّم ليلةً يقرأُ قولَ الله " إن تُعذِّبهم فإنهم عبادُك وإن تغفِر لهم فإنك أنتَ العزيزُ الحكيم " فرفع يديه وقال : اللهم أمَّتي أمَّتي !! وبكى .
وقد قيلَ للأحنف : من السيِّد ؟ فقال : الذليلُ في نفسه ، الأحمقُ في مالِه ، المعنيُّ بأمرِ قومِه ، الناظر للعامة .
الهمسةُ السادسة : صدقُ القائدِ قي النصيحة من أسرارِ تفوُّقِه وتأثيرِه .. فهوَ لِفرْطِ حُبِّه للمُتربِّين وشِدَّةِ شفقتِه عليهم حرِصَ على نصيحتِهِم ودِلالتِهم ..
الهمسةُ السابعة : سلامةُ الصدرِ وطهارتِها من الأحقاد والأثقال ، وتجنًُّبِ الخصومةَ والتنازُع .. " والذينَ جاءوا من بعدهم يقولونَ ربَّنا اغفِر لنا ولإخواننا الذينَ سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبِنا غِلاً للذينَ آمنوا " .. قالَ الأحنفُ بنُ قيس : كثرةُ الخصومة تُنبِتُ النِّفاقَ في القلب .
الهمسةُ الثامنة : الصبرُ وما أدراكم ما الصبر .. فالقائدُ بلا صبرٍ كالسمكِ حينَ يخرُجُ من الماء .. هل يستطيعُ العيْش ؟
الدهرُ يخنِقُ أحيناً قِلادتهُ --- فاصبِر عليهِ ولا تجزع ولا تثبِ
حتى يُفرِّجها في حالِ مُدَّتِها --- فقد يزيدُ اجتناناً كلّ مضطربِ
الهمسةُ التاسعة : كي تكونَ قائداً ناجحاً عظيماً : عليك َ أن تكونَ مُستمِعاً جيداً ومُحاوِراً يُحاورُ الآخرينَ بإقناع .. قال تعالى : " ومنهم الذينَ يُؤذونَ النبيَّ ويقولونَ هوَ أُذُنٌ قل أذنُ خيرٍ لكم يُؤمنُ بالله " ، " ومنهمُ الذينَ يُؤذونَ النبي " وهم المنافقون ، " ويقولونَ هوَ أُذُن " أي : يسمعُ مقالةَ كلِّ أحدٍ فيُصدِّقُه ، ولا يُفرَِّقُ بينَ الصحيحِ والباطِل ، " قل أذُنُ خيرٍ لكم يُؤمنُ بالله " أي : نعم هوَ يستمعُ لكم ، ولكن نعمَ الأذنُ هو ؛ لكونه يسمعُ الخيرَ ولا يسمعُ الشرّ . حتى يُفرِّجها في حالِ مُدَّتِها --- فقد يزيدُ اجتناناً كلّ مضطربِ
الهمسةُ العاشرة : أخيراً .. إنَّ من صفاتِ القائدِ الفذّ : خوفُهُ من ربِّه ، وتذلًُّلهُ إليه ، وانكِسارهُ بينَ يديه ، ومحاسبتُهُ لِنفسِهِ وتأنيبِهِ لها .. قالَ سعيدُ بنُ المسيِّب : منِ استغنى بالله اِفتقرَ الناسُ إليه .
أيُّها الأكارمُ : هذهِ قَطراتٌ من ينبوع .. وفيضٌ من غيْض .. فهذا الموضوعُ الكبير لا تُوفيهِ هذهِ الأسطُرِ حقَّه ، إنَّما هيَ مفاتيحٌ وإشاراتٌ سريعة ، ومن أحبَّ الاستزادة فأوصيهِ بهذينِ الكِتابين : الأول : كيفَ تُصبِحُ قائداً ؟ لمؤلِّفه : خالد أبو صالِح ، الثاني : أسرارُ القِيادةِ والتأثير ، لمؤلِّفه : سُليْمان بن عوض قيمان .
وفقني اللهُ وإياكم لِما يُرضيه .. واللهُ تعالى أعلمُ وأحكم .. وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على إمامِ القادة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته والتابعينَ لهم بإحسان .
عبد الرحمن بن محمد السيد
الثلاثاء 4/4/1430هـ
تعليق