كيف تكون خطيبا ناجحا
الخطابة فن من فنون الكلام يُقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر فيبين ويوضح لهم ما يلفظ به، فكلما كان الكلامُ نابعًا من أعماق القلب، وفيه تجرد وإخلاص لله تعالى فإنه سيصل إلى القلوب بقدرةِ علام الغيوب.
والخطابة رسالة ومهارة فيها يتجلى اتصال المرسل أو الملقي، وهو الخطيب بالمتلقي أو المستمع، وكذلك فهي رسالة وهي الموضوع ولن تصل الرسالة للمستقبل إلا إذا كانت هذه الرسالة دقيقة العنوان واضحة العناصر والمعاني خارجة
من القلب فتلج إلى القلب فما خرج من القلب دخل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان، وإذا أردت أن يسمعك الناس خاطبهم على قدرِ عقولهم وبلغةٍ يفهمونها فما أحوجنا اليوم إلى الخطيبِ الصادق المخلص الواعي.
والخطابة رسالة ومهارة فيها يتجلى اتصال المرسل أو الملقي، وهو الخطيب بالمتلقي أو المستمع، وكذلك فهي رسالة وهي الموضوع ولن تصل الرسالة للمستقبل إلا إذا كانت هذه الرسالة دقيقة العنوان واضحة العناصر والمعاني خارجة
من القلب فتلج إلى القلب فما خرج من القلب دخل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان، وإذا أردت أن يسمعك الناس خاطبهم على قدرِ عقولهم وبلغةٍ يفهمونها فما أحوجنا اليوم إلى الخطيبِ الصادق المخلص الواعي.
المقصود بالبيان: لا بد أن يمتلك الخطيب القدرة على بيان مقاصد الشريعة، فالبيان من مهام الرسل وما أُرسل الرسل والأنبياء
إلا لتبيلغ الناس وبيان الحق لهم لاتباعه وبيان الباطل لاجتنابه، وعليه فالبيان من مهام الأئمة والخطباء.
ويوضح صاحب كتاب "البيان والتبيين" معنى البيان فيقول: قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم المتخلجة في نفوسهم والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة وموجودة في معانى معدومة لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره- وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها وإخبارهم عنها واستعمالهم إياها-
وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم وتجلبها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهرًا والغائب شاهدًا والبعيد قريبًا، وهي التي تخلص الملتبس وتحل المنعقد وتجعل المهمل مقيدًا والمقيد مطلقًا والمجهول معروفًا والوحشي مألوفًا والغفل موسومًا والموسوم معلومًا، وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى،
وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح وكانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع، والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله تبارك وتعالى يمدحه يدعو إليه ويحث عليه وبذلك نطق القرآن وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت.
إلا لتبيلغ الناس وبيان الحق لهم لاتباعه وبيان الباطل لاجتنابه، وعليه فالبيان من مهام الأئمة والخطباء.
ويوضح صاحب كتاب "البيان والتبيين" معنى البيان فيقول: قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم المتخلجة في نفوسهم والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة وموجودة في معانى معدومة لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره- وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها وإخبارهم عنها واستعمالهم إياها-
وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم وتجلبها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهرًا والغائب شاهدًا والبعيد قريبًا، وهي التي تخلص الملتبس وتحل المنعقد وتجعل المهمل مقيدًا والمقيد مطلقًا والمجهول معروفًا والوحشي مألوفًا والغفل موسومًا والموسوم معلومًا، وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى،
وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح وكانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع، والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله تبارك وتعالى يمدحه يدعو إليه ويحث عليه وبذلك نطق القرآن وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت.
والبيان اسمٌ جامعٌ لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقته
ويهجم على محصوله كائنًا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنسٍ كان ذلك الدليل؛ لأن مدار الأمر والغاية التي عليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع.
ويهجم على محصوله كائنًا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنسٍ كان ذلك الدليل؛ لأن مدار الأمر والغاية التي عليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع.
ثم اعلم- حفظك الله- أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية وممتدة إلى غير نهاية
وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصلة محدودة وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظٍ وغير لفظ خمسة أشياء لا تنقص
ولا تزيد أولها اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال وتسمى نصبة والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف ولا تقصر عن تلك الدلالات.
وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصلة محدودة وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظٍ وغير لفظ خمسة أشياء لا تنقص
ولا تزيد أولها اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال وتسمى نصبة والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف ولا تقصر عن تلك الدلالات.
ولكل واحدٍ من هذه الخمسة صورة بائنة : من صورة صاحبتها وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها وعن خاصها وعامها، وعن طبقاتها في السار والضار وعمَّا يكون منها لغوًا بهرجًا وساقطًا مطرحًا.
قد قلنا في الدلالة باللفظ فأما الإشارة فباليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب إذا تباعد الشخصان،
وبالثوب وبالسيف وقد يتهدد رافع السوط والسيف فيكون ذلك زاخرًا رادعًا ويكون وعيدًا وتحذيرًا، والإشارة واللفظ شريكان.
حسن البيان: يجب أن يتحلى الخطيب بحسن البيان فما هو حسن البيان؟ قالوا في حسن البيان وفي التخلص من الخصم بالحق..
وفي تخليص الحق من الباطل وفي الإقرار بالحق وفي ترك الفخر بالباطل.
قال أعرابي وذكر حماس بن ثامل:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل
قد قلنا في الدلالة باللفظ فأما الإشارة فباليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب إذا تباعد الشخصان،
وبالثوب وبالسيف وقد يتهدد رافع السوط والسيف فيكون ذلك زاخرًا رادعًا ويكون وعيدًا وتحذيرًا، والإشارة واللفظ شريكان.
حسن البيان: يجب أن يتحلى الخطيب بحسن البيان فما هو حسن البيان؟ قالوا في حسن البيان وفي التخلص من الخصم بالحق..
وفي تخليص الحق من الباطل وفي الإقرار بالحق وفي ترك الفخر بالباطل.
قال أعرابي وذكر حماس بن ثامل:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل
وقال ابن ربع الهذلي:
أعيني ألا فابكي رقيبة أنه... وصول لأرحام ومعطاء لسائل
فأقسم لو أدركته لحميته ... وإن كان لم يترك مقالاً لقائل
وسائل ومهارات التأثير
وهنا نتطرق لوسائل التأثير التي يجب أن يمتلكها الخطيب ومهارته في الخطابة، والتي تمكنه من إضفاء تأثير سمعي وبصري على المتلقي ما يدخل أثره عن طريق السمع:
(الأسلوب- حسن الاستهلال- الإلقاء- الصوت)
ما يدخل أثره عن طريق البصر:
(الوقفة والهيئة- الحركة والملامح)
ما يدخل أثره عن طريق السمع:
أ- الأسلوب: هو طريقة المتكلم الخاصة في تكوين أفكاره واختيار ألفاظه واختيار كلامه وتناسق حججه،
وهو الجانب الأشق في عمل الخطيب فلا بد من جودة اللفظ وجماله وتناسق الألفاظ معًا وجمال التركيب من دور وأثر عظيم في قبول الخطبة وتأثيرها في نفوس المستمعين.
أعيني ألا فابكي رقيبة أنه... وصول لأرحام ومعطاء لسائل
فأقسم لو أدركته لحميته ... وإن كان لم يترك مقالاً لقائل
وسائل ومهارات التأثير
وهنا نتطرق لوسائل التأثير التي يجب أن يمتلكها الخطيب ومهارته في الخطابة، والتي تمكنه من إضفاء تأثير سمعي وبصري على المتلقي ما يدخل أثره عن طريق السمع:
(الأسلوب- حسن الاستهلال- الإلقاء- الصوت)
ما يدخل أثره عن طريق البصر:
(الوقفة والهيئة- الحركة والملامح)
ما يدخل أثره عن طريق السمع:
أ- الأسلوب: هو طريقة المتكلم الخاصة في تكوين أفكاره واختيار ألفاظه واختيار كلامه وتناسق حججه،
وهو الجانب الأشق في عمل الخطيب فلا بد من جودة اللفظ وجماله وتناسق الألفاظ معًا وجمال التركيب من دور وأثر عظيم في قبول الخطبة وتأثيرها في نفوس المستمعين.
ب- حسن الاستهلال: يقول صاحب خزانة الأدب: اعلم أنه اتفق علماء البديع على أن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة المعاني واضحة في استهلالها، وأن لا يتجافى بجنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة.. مع اجتناب الحشو.
وبراعة الاستهلال تعني أن المتكلم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداءِ رفع صوته به ورفع الصوت في اللغة هو الاستهلال يُقال استهل المولود صارخًا إذا رفع صوته عند الولادة، وأهل الحجيج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية وسُمِّي الهلال هلالاً؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته.
وبراعة الاستهلال تعني أن المتكلم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداءِ رفع صوته به ورفع الصوت في اللغة هو الاستهلال يُقال استهل المولود صارخًا إذا رفع صوته عند الولادة، وأهل الحجيج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية وسُمِّي الهلال هلالاً؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته.
فلا بد أن تكون الخطبة فصيحةً وبليغةً ومركزةً ومرتبةً من غير تخطيطٍ ولا تقصير، لذا لا بد من:
* اختيار الأساليب السهلة
* تنوع الأسلوب
* تخير الألفاظ
* اختيار الأساليب السهلة
* تنوع الأسلوب
* تخير الألفاظ
انظر إلى خطبة هانئ بن قبيصة الشيباني يُحرِّض قومه يوم ذي قار:
"يا معشر بكر، هالك معذور خير من ناجٍ فرور، إن الحذر لا ينجي من القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خيرٌ من استدباره، الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد" (جمهرة خطب العرب )
الاعتماد على العاطفة والشعور، أي يوقظ القلب ويُثير المشاعر والعواطف :
…." كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمَّرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه".
…." كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمَّرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه".
لا بد من جهارة الصوت: وصفائه وحلاوة جرسه ، ولا بد أن يخرج الكلام من القلب إلى القلب لا من اللسان إلى الآذان حتى يقوى أثره في نفوس وأفئدة المستمعين.
ج- الإلقاء: حسن الإلقاء وجمال العرض أحد عوامل جذب المستمع لسماع الخطبة، وأحد العوامل المُؤثِّرة في العقل والوجدان بالإقناع، فلا بد من الوضوح والطلاقة وتغيير اللهجة لجذب السامع فيهدأ ويسرع ويغضب ويعجب.
د- الصوت: هو من الصفات الحسنة، فلا بد أن يكون جهوريًّا مناسبًا لكل موقف، فهو قوي شديد في مواقف القوة والشدة وهادئ لين في مواقف اللين يتوقف ذلك على طبيعة الموقف وطبيعة الموضوع، ويحسن بالخطيب أن يبدأ بصوت خفيضٍ
ثم يعلو رويدًا رويدًا جاذبًا المستمع ثم يكون بين الصعود والهبوط تبعًا للموقف.
أن يكون قويًّا فصيحًا في لسانه ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي﴾ (القصص: 34.
ثم يعلو رويدًا رويدًا جاذبًا المستمع ثم يكون بين الصعود والهبوط تبعًا للموقف.
أن يكون قويًّا فصيحًا في لسانه ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي﴾ (القصص: 34.
ع- الوقفة والهيئة : يتطلب ذلك (شجاعة وهندام ووقار): أن يكون شجاعًا لا جبانًا، لا يهاب إلا الله متمالك الأعصاب
هادئ الأنفاس مستقيم الصوت.
أما عن الملبس فلا بد من حسن الهندام ووضاءة الطلعة، فهو محل أنظارِ الناس ومحل إعجابهم، فلا بد أن يكون وجيهًا ذا وقارٍ ومهابةٍ فلا يتكلف في ملبسه ولا يهمل في مظهره.
هادئ الأنفاس مستقيم الصوت.
أما عن الملبس فلا بد من حسن الهندام ووضاءة الطلعة، فهو محل أنظارِ الناس ومحل إعجابهم، فلا بد أن يكون وجيهًا ذا وقارٍ ومهابةٍ فلا يتكلف في ملبسه ولا يهمل في مظهره.
هـ- الحركة والملامح: هي إشارات اليد والرأس التي يمكن أن تشارك في التأثير على المستمع، فانفعال الخطيب بما يخطبه يأتي بإشارات تقوي أثر الكلام في المستمع وفي نفسه، فإشارات اليد تؤكد المعنى وإشارات الوجه تكشف أسرار الضمير،
فالخطيب يُعبِّر بملامح وجهه عمَّا بداخله، وبالعيون فيرفعها إلى السماء بالدعاء وإلى أسفل في التفكير والحيرة والخشوع.
منزلة الإمام الخطيب وأثره
الخطيب الناجح تكون له منزلة ومكانة عند سامعيه فيثق الناس به ويأتمنونه على أسرارهم الخاصة ويعتبرونه قدوة.
الخطيب الماهر : هو الذي يعيش مشاكل مجتمعه فلا ينعزل عنهم ويساهم في حلها فيندمج في المجتمع، مشاركًا في اقتراح الحلول للمشكلات ومتابعة تنفيذ ذلك، ولا بد أن تكون له بصمة وأثر واضح في حلِّ مشكلاتِ المجتمع وما أكثرها،
ولا بد أن يعي أنه عندما يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم ويُساهم في حل مشاكلهم فهو بذلك سوف يكون تأثيره على الناس أكبر، فكلامه محل تقدير ورأيه محبذ لدى العوام وغيرهم، وهو بذلك يكسب الكثير من الناس إلى طريق الطاعة.
ولا بد أن يعي أنه يقوم على مؤسسةٍ اجتماعيةٍ هي المسجد الذي لا بد وأن يكون مركزًا ومؤسسةً ولا يقتصر دوره على أداء الصلوات فقط.
الخطيب الماهر : يجمع بين القديم والحديث ويناقش مشاكل منطقته فهو طبيبها ومرشدها، فهو الخطيب المثقف الملم بمتغيرات العصر ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.. يجب أن يتفرَّس وجوه مستمعيه فان أحسَّ بالملل أوجز في كلامه.
أن يكون شجاعًا لا يخاف في الله لومة لائم، واثقًا بالله تعالى فيما وعد به عباده الصالحين.
ما يجب على الخطيب تجنبه .
قال صاحب "البيان والتبيين": قال بعض الربانيين من الأدباء وأهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الإغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف أكثر أدواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض.
فلا عجب ولا اغترار ولا ترفع على المتلقي بل تواضع ووقار ولا تشدق ولا تنطع ولا تفيهق.
أهم مميزات الخطابة
نستعرض بعض مميزات الخطبة في الإسلام والتي يجب على الخطيب أو مَن يشرع في سلوك طريق الخطابة أن يلم بها وأن يكون على درايةٍ بها، ومنها توسط الخطبة فلا هي بالقصيرة التي لا تضيف شيئًا ولا هي بالطويلة التي تدفع المستمع إلى الملل.
1- تقسيم الخطبة إلى مقدمة وعرض للموضوع وخاتمة
2- اشتمال الخطبة على آياتٍ وأحاديث وآثار السلف
مراحل إعداد الخطبة وتكوينها
1 - مرحلة اختيار الموضوع
2 - مرحلة إيجاد العناصر وتركيبها
3 - مرحلة اختيار الأدلة
4 - مرحلة التعبير الخطابي
(أ) مرحلة اختيار الموضوع:
هذا الموضوع لا بد أن يتناسب مع المناسبة ويتناسب مع عقلية المخاطبين فليس من المناسب أن يتحدث الخطيب عن الطلاق في حفل عرسٍ والعكس، ولاختيار الموضوع لا بد من اعتبارات ثلاث:
* مراعاة عقلية المخاطبين وتنوعها، فإن لكل مقامٍ مقال :
فالناس ثلاثة أقسام:
1- العلماء أصحاب العقول الصحيحة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: من الآية 125) ودعوتهم تكون بالدلائل القطعية.
2- عوام الناس، وهم ذوي النفوس الكدرة ليس بها من العلم إلا اللمم، هؤلاء تكون مخاطبتهم بالموعظة الحسنة؛ لأنه لا عتادَ عندهم وكثيرًا ما تُستمال قلوبهم وعواطفهم.
3- أصحاب جدلٍ وخصام ومعاندة هؤلاء رسخ في عقولهم الباطل فدعوتهم تكون بالجدل المأمور به في الشرع.. ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: من الآية 125 .
* مراعاة المناسبة: خطبة النكاح لا تنفع أن تلقى في الجمعة ولا المناسبة الوطنية ولا التأبين، فلا بد أن يُراعي الخطيب المناسبة التي سوف يُلقي فيها خطبته، فما ينفع لخطبة العيد لا ينفع في النكاح أو المناسبات الوطنية أو العزاء فلكل مقامٍ مقال.
• مراعاة نفسية المخاطبين : حيث مستمع المدينة غير مستمع القرية وعوام الناس غير المثقفين؛ لذا فالخطيب الماهر هو الذي يدرس هذه المستويات ويوجد ما يناسبها من خلال معايشة أفراد هذه المجتمعات والمشاركة في مناسباتها بحزنها وفرحًا فيقف على نفسية وطبيعة تلك المجتمعات التي تختلف طبائعها ونفسياتها؛ حيث يجب على الخطيب أن يُراعي مَن يخاطب،
وأن يُحدِّث الناس ويخاطبهم على قدرِ عقولهم لغويًّا وفكريًّا فلكل فئةٍ أو طائفة من البشر ثقافات وعادات جامعة تجمع فئةً ما من البشر على الخطيب أن يراعي أنه يخاطب ألوانًا من البشر منهم المثقف ومنهم العامي والجاهل،
ومنهم مَن هو متوسط الثقافة فعليه أن يخاطب أهل الحضر بما يناسب أهل الحضر، وأن يخاطب أهل القرى بما يناسب أهل القرى لغويًّا وفكريًّا فما يصلح أن يخاطب به أهل القرى قد لا يصلح أن يخاطب به أهل المدن والحضر والعكس.
(ب) إيجاد العناصر وتركيبها
: وهي تنظيم الموضوع ووضعه في عناصر وتركيبها بحيث يراعي التسلسل المنطقي للعناصر، مثال الأمانة في ضوء قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: من الآية 58 .
تكون عناصر الموضوع كالتالي:
أمانة الإنسان مع الله- لأمانة مع نفسه- مع أهله- مع الناس
فتكون النتيجة "الأمانة وأثرها في المجتمع"
اختيار الأدلة:
- والدليل هو سبيل الإقناع لدى المستمع، وكل خطبة ولها مصادر أدلة خاصة بها.
والأدلة تنقسم إلى:
1- ذاتية: وهي من ذات الموضوع مثل إذا كان موضوع الخطبة "الصدق" فإنها تُعرِّف هذا الصدق وتذكر خواصه ومتطلباته ولوازمه.
2- أدلة عرضية: هي مصادر أدلة خارجة عن ذات الموضوع، لكنها تتصل به اتصال عرضيًا غير مباشر، وهي تساعد الأدلة الذاتية في إقناع المستمع.
* مصادر الأدلة في المجال الديني:
الدين: هو المحرك للوجدان والموقظ للضمائر والمسيطر على قلوب الشعوب.
* هذه المصادر هي:
1- القرآن: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ الأنعام 38 .
2- السنة: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾ (الحشر)
3- أقوال الأمة الأربعة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ النحل43
ويجب أن تكون من مصادر صحيحة .
4- العادات: لها تأثير كبير على الجماهير، فهي متمكنة في نفوسهم، ولقد لاقت دعوات الرسل الكثير من العناد والرفض بسبب التمسك بالعادات ولاقت الدعوات صدودًا بسبب العادات ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإلى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104)﴾ (المائدة)، ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170)﴾ (البقرة . وعلى الخطيب أن يُقرِّب ما يدعو إليه مما يألفون من عادات، وما نشأوا عليه من عرفٍ بحيث تستكين نفوسهم.
5- آثار السلف: لآثار سلف الأمة سلطان كبير في نفوس الناس ، فعلى الخطيب أن يوصل بين أفكاره وآثار السلف.
(ج ) مرحلة التعبير الخطابي:
وهي أشق المراحل، ويبين مدى دراسة الخطيب وثقافته وإمكانيته وخبراته في مجال الخطابة، فبها لا بد من جمال الأسلوب وجمال المعنى والبعد عن غريب اللفظ ومبهمه ، وعليه أن يتخيَّر الأسلوب الشيق السلس البعيد عن التعقيد. قال بشر بن المعتمر: "مَن أراد معنى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا ؛ فإن حقَّ المعنى الشريف اللفظ الشريف".
خطب بها بلاغة القول واقتصاد الكلام
خطبة هاشم بن عبد مناف يحث قريشًا على إكرام زوار بيت الله الحرام:
كان هاشم بن عبد مناف يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشًا فيقول:
"يا معشر قريش، أنتم سادة العرب أحسنها وجوهًا وأعظمها أحلامًا، وأوسطها أنسابًا، وأقربها أرحامًا، يا معشر قريش، أنتم جيران بيت الله أكرمكم بولايته وخصَّكم بجواره دون بني إسماعيل وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته فإنهم يأتونكم شعثًا غبرًا من كلِّ بلدٍ، فوربِّ هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتكموه، ألا وإني مخرجٌ من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم ولم يُؤخَذ بظلمٍ ولم يدخل فيه حرام فواضعه فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج رجلٌ منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبًا لم يؤخذ ظلمًا ولم يقطع فيه رحم ولم يغتصب".
ومن خطبة حجة الوداع:
"الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضلَّ له ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد، أيها الناس، اسمعوا مني أُبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى مَن ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمَن زاد فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس.. ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾التوبة: 37 ، وإن الزمان قد استدار كهيئته.
---------
المصادر:
1- القرآن الكريم
2- صحيح مسلم
3- البيان والتبيين
4- جمهرة خطباء العرب
5- خزانة الأدب
6- محاضرات في علم الخطابة النظرية والعملية
فالخطيب يُعبِّر بملامح وجهه عمَّا بداخله، وبالعيون فيرفعها إلى السماء بالدعاء وإلى أسفل في التفكير والحيرة والخشوع.
منزلة الإمام الخطيب وأثره
الخطيب الناجح تكون له منزلة ومكانة عند سامعيه فيثق الناس به ويأتمنونه على أسرارهم الخاصة ويعتبرونه قدوة.
الخطيب الماهر : هو الذي يعيش مشاكل مجتمعه فلا ينعزل عنهم ويساهم في حلها فيندمج في المجتمع، مشاركًا في اقتراح الحلول للمشكلات ومتابعة تنفيذ ذلك، ولا بد أن تكون له بصمة وأثر واضح في حلِّ مشكلاتِ المجتمع وما أكثرها،
ولا بد أن يعي أنه عندما يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم ويُساهم في حل مشاكلهم فهو بذلك سوف يكون تأثيره على الناس أكبر، فكلامه محل تقدير ورأيه محبذ لدى العوام وغيرهم، وهو بذلك يكسب الكثير من الناس إلى طريق الطاعة.
ولا بد أن يعي أنه يقوم على مؤسسةٍ اجتماعيةٍ هي المسجد الذي لا بد وأن يكون مركزًا ومؤسسةً ولا يقتصر دوره على أداء الصلوات فقط.
الخطيب الماهر : يجمع بين القديم والحديث ويناقش مشاكل منطقته فهو طبيبها ومرشدها، فهو الخطيب المثقف الملم بمتغيرات العصر ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.. يجب أن يتفرَّس وجوه مستمعيه فان أحسَّ بالملل أوجز في كلامه.
أن يكون شجاعًا لا يخاف في الله لومة لائم، واثقًا بالله تعالى فيما وعد به عباده الصالحين.
ما يجب على الخطيب تجنبه .
قال صاحب "البيان والتبيين": قال بعض الربانيين من الأدباء وأهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الإغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف أكثر أدواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض.
فلا عجب ولا اغترار ولا ترفع على المتلقي بل تواضع ووقار ولا تشدق ولا تنطع ولا تفيهق.
أهم مميزات الخطابة
نستعرض بعض مميزات الخطبة في الإسلام والتي يجب على الخطيب أو مَن يشرع في سلوك طريق الخطابة أن يلم بها وأن يكون على درايةٍ بها، ومنها توسط الخطبة فلا هي بالقصيرة التي لا تضيف شيئًا ولا هي بالطويلة التي تدفع المستمع إلى الملل.
1- تقسيم الخطبة إلى مقدمة وعرض للموضوع وخاتمة
2- اشتمال الخطبة على آياتٍ وأحاديث وآثار السلف
مراحل إعداد الخطبة وتكوينها
1 - مرحلة اختيار الموضوع
2 - مرحلة إيجاد العناصر وتركيبها
3 - مرحلة اختيار الأدلة
4 - مرحلة التعبير الخطابي
(أ) مرحلة اختيار الموضوع:
هذا الموضوع لا بد أن يتناسب مع المناسبة ويتناسب مع عقلية المخاطبين فليس من المناسب أن يتحدث الخطيب عن الطلاق في حفل عرسٍ والعكس، ولاختيار الموضوع لا بد من اعتبارات ثلاث:
* مراعاة عقلية المخاطبين وتنوعها، فإن لكل مقامٍ مقال :
فالناس ثلاثة أقسام:
1- العلماء أصحاب العقول الصحيحة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: من الآية 125) ودعوتهم تكون بالدلائل القطعية.
2- عوام الناس، وهم ذوي النفوس الكدرة ليس بها من العلم إلا اللمم، هؤلاء تكون مخاطبتهم بالموعظة الحسنة؛ لأنه لا عتادَ عندهم وكثيرًا ما تُستمال قلوبهم وعواطفهم.
3- أصحاب جدلٍ وخصام ومعاندة هؤلاء رسخ في عقولهم الباطل فدعوتهم تكون بالجدل المأمور به في الشرع.. ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: من الآية 125 .
* مراعاة المناسبة: خطبة النكاح لا تنفع أن تلقى في الجمعة ولا المناسبة الوطنية ولا التأبين، فلا بد أن يُراعي الخطيب المناسبة التي سوف يُلقي فيها خطبته، فما ينفع لخطبة العيد لا ينفع في النكاح أو المناسبات الوطنية أو العزاء فلكل مقامٍ مقال.
• مراعاة نفسية المخاطبين : حيث مستمع المدينة غير مستمع القرية وعوام الناس غير المثقفين؛ لذا فالخطيب الماهر هو الذي يدرس هذه المستويات ويوجد ما يناسبها من خلال معايشة أفراد هذه المجتمعات والمشاركة في مناسباتها بحزنها وفرحًا فيقف على نفسية وطبيعة تلك المجتمعات التي تختلف طبائعها ونفسياتها؛ حيث يجب على الخطيب أن يُراعي مَن يخاطب،
وأن يُحدِّث الناس ويخاطبهم على قدرِ عقولهم لغويًّا وفكريًّا فلكل فئةٍ أو طائفة من البشر ثقافات وعادات جامعة تجمع فئةً ما من البشر على الخطيب أن يراعي أنه يخاطب ألوانًا من البشر منهم المثقف ومنهم العامي والجاهل،
ومنهم مَن هو متوسط الثقافة فعليه أن يخاطب أهل الحضر بما يناسب أهل الحضر، وأن يخاطب أهل القرى بما يناسب أهل القرى لغويًّا وفكريًّا فما يصلح أن يخاطب به أهل القرى قد لا يصلح أن يخاطب به أهل المدن والحضر والعكس.
(ب) إيجاد العناصر وتركيبها
: وهي تنظيم الموضوع ووضعه في عناصر وتركيبها بحيث يراعي التسلسل المنطقي للعناصر، مثال الأمانة في ضوء قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: من الآية 58 .
تكون عناصر الموضوع كالتالي:
أمانة الإنسان مع الله- لأمانة مع نفسه- مع أهله- مع الناس
فتكون النتيجة "الأمانة وأثرها في المجتمع"
اختيار الأدلة:
- والدليل هو سبيل الإقناع لدى المستمع، وكل خطبة ولها مصادر أدلة خاصة بها.
والأدلة تنقسم إلى:
1- ذاتية: وهي من ذات الموضوع مثل إذا كان موضوع الخطبة "الصدق" فإنها تُعرِّف هذا الصدق وتذكر خواصه ومتطلباته ولوازمه.
2- أدلة عرضية: هي مصادر أدلة خارجة عن ذات الموضوع، لكنها تتصل به اتصال عرضيًا غير مباشر، وهي تساعد الأدلة الذاتية في إقناع المستمع.
* مصادر الأدلة في المجال الديني:
الدين: هو المحرك للوجدان والموقظ للضمائر والمسيطر على قلوب الشعوب.
* هذه المصادر هي:
1- القرآن: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ الأنعام 38 .
2- السنة: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾ (الحشر)
3- أقوال الأمة الأربعة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ النحل43
ويجب أن تكون من مصادر صحيحة .
4- العادات: لها تأثير كبير على الجماهير، فهي متمكنة في نفوسهم، ولقد لاقت دعوات الرسل الكثير من العناد والرفض بسبب التمسك بالعادات ولاقت الدعوات صدودًا بسبب العادات ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإلى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104)﴾ (المائدة)، ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170)﴾ (البقرة . وعلى الخطيب أن يُقرِّب ما يدعو إليه مما يألفون من عادات، وما نشأوا عليه من عرفٍ بحيث تستكين نفوسهم.
5- آثار السلف: لآثار سلف الأمة سلطان كبير في نفوس الناس ، فعلى الخطيب أن يوصل بين أفكاره وآثار السلف.
(ج ) مرحلة التعبير الخطابي:
وهي أشق المراحل، ويبين مدى دراسة الخطيب وثقافته وإمكانيته وخبراته في مجال الخطابة، فبها لا بد من جمال الأسلوب وجمال المعنى والبعد عن غريب اللفظ ومبهمه ، وعليه أن يتخيَّر الأسلوب الشيق السلس البعيد عن التعقيد. قال بشر بن المعتمر: "مَن أراد معنى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا ؛ فإن حقَّ المعنى الشريف اللفظ الشريف".
خطب بها بلاغة القول واقتصاد الكلام
خطبة هاشم بن عبد مناف يحث قريشًا على إكرام زوار بيت الله الحرام:
كان هاشم بن عبد مناف يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشًا فيقول:
"يا معشر قريش، أنتم سادة العرب أحسنها وجوهًا وأعظمها أحلامًا، وأوسطها أنسابًا، وأقربها أرحامًا، يا معشر قريش، أنتم جيران بيت الله أكرمكم بولايته وخصَّكم بجواره دون بني إسماعيل وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته فإنهم يأتونكم شعثًا غبرًا من كلِّ بلدٍ، فوربِّ هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتكموه، ألا وإني مخرجٌ من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم ولم يُؤخَذ بظلمٍ ولم يدخل فيه حرام فواضعه فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج رجلٌ منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبًا لم يؤخذ ظلمًا ولم يقطع فيه رحم ولم يغتصب".
ومن خطبة حجة الوداع:
"الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضلَّ له ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد، أيها الناس، اسمعوا مني أُبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى مَن ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمَن زاد فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس.. ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾التوبة: 37 ، وإن الزمان قد استدار كهيئته.
---------
المصادر:
1- القرآن الكريم
2- صحيح مسلم
3- البيان والتبيين
4- جمهرة خطباء العرب
5- خزانة الأدب
6- محاضرات في علم الخطابة النظرية والعملية
تعليق