فما أسعد أن نفهم كلام الله سبحانه وتعالى وعز وجل
فإن كان كلام الله صفة ذاتية لا تنفك عن الله فهو سبحانه وتعالى لا يزال قائلا عليما آمرا حكيما ، وهو أي كلام الله صفة فعلية أيضا فو سبحانه وتعالى وعز وجل يتكلم بما يشاء وقتما يشاء كيفما يشاء ...
نعم ربنا تعالى يتكلم كلاما يليق بذاته لا يشبه كلام المخلوقين في حقيقته ولا في صورته المعجزة وهو القرآن والذي تحدى الله سبحانه به جميع المخلوقين ،
ولولا أن يسره الله تعالى لنا لما أطقنا أن ننطق حرفا واحدا منه فلله الحمد والمنة،
وإن من أجمل وأجل العلوم التي أنعم الله بها على علمائنا علم الوقف والابتداء،
قلت (أبو أنس): ولما كنت غير متخصص في علوم القرآن فقد آثرت أن أترك الميدان لفرسانه بأن أنقل لكم مقالا يعرفنا ماهية هذا العلم الجليل من علوم القرآن سائلين الله تعالى ان يرزقنا فهما وعملا بما يرضيه عنا ... آمين
أحكام الوقف والابتداء
فإنه لا يخفى على قارئ القرآن ما لأحكام الوقف والابتداء من أهمية في معرفة معاني القرآن الكريم؛ ولأجل ذلك أحببنا أن نطل إطلالة سريعة على بعض أحكام الوقف والابتداء غير جامعين في هذا المبحث جميع الجوانب بل ما يتعلق بمعنى الوقف والابتداء. نقول:
الوقف:
يطلق الوقف على معنيين: أحدهما: القطع الذي يسكت القارئ عنده.
وثانيهما: المواضع التي نص عليها القراء، فكل موضع منها يسمى وقفاً وإن لم يقف القارئ عنده.
ومعنى قولنا "هذا وقف": أي موضع يوقف عنده، وليس المراد إن كل موضع من ذلك يجب الوقف عنده، بل المراد أنه يصلح عنده ذلك وإن كان في نفس القارئ طول ولو كان في وسع أحدنا أن يقرأ القرآن كله في نفس واحد ساغ له ذلك.
والقارئ كالمسافر، والمقاطع التي ينتهي إليها القارئ كالمنازل التي ينزلها المسافر، وهي مختلفة بالتام والحسن وغيرهما مما يأتي كاختلاف المنازل في الخصب ووجود الماء والكلأ وما يتظلل به من شجر ونحوه.
والناس مختلفون في الوقف فمنهم من جعله على مقاطع الأنفاس، ومنهم من جعله على رؤوس الآي، والأعدل أنه قد يكون في أواسط الآي، وإن كان الأغلب في أواخرها.
وليس آخر كل آية وقف، بل المعاني معتبرة و الأنفاس تابعة لها، والقارئ إذا بلغ الوقف وفي نفسه طول يبلغ الوقف الذي يليه فله مجاوزته إلى ما يليه فما بعده، فإن علم أن نفسه لا يبلغ ذلك، أي أن لا يجاوزه كالمسافر إذا لقي منزلاً خصباً ظليلاً كثير الماء و الكلأ وعلم انه أن جاوزه لا يبلغ المنزل الثاني واحتاج إلى النزول في مفازة لا شيء فيها من ذلك، فالأوفق له أن لا يجاوره، فإن عرض له -أي للقارئ- عجز بعطاس -لو قطع نفسه- أو نحوه عندما يكره الوقف عليه عاد من أول الكلام؛ ليكون الكلام متصلاً بعضه ببعض؛ ولئلا يكون الابتداء بما بعده موهماً للوقوع في محظور.
كقوله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ} (181) سورة آل عمران. فإن ابتدأ بـ{إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} كان مسيئاً إن عرف معناه.
وهل يأثم؟!
قال ابن الأنباري: "لا إثم عليه؛ لأن نيته الحكاية عمن قاله، وهو غير معتقد له، ولا خلاف أنه لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لظاهره.
ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف، وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان شديد التعلق بما بعده، كقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} (14) سورة الحجر، وقوله: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (39) سورة الحجر؛ لأن اللام في الأول واللام في الثاني متعلقان بالآية قبلهما.1
الابتداء:
الابتداء لا يكون إلا اختيارياً؛ لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة، فلا يجوز إلا بمستقبل بالمعنى موفّ بالمقصود.
وهو في أقسامه أربعة، ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته، نحو الوقف على "ومن الناس" فإن الابتداء بالناس قبيح ويؤمن تام، فلو وقف على "من يقول" كان الابتداء بـ"يقول" أحسن من ابتدائه بـ"من"، وكذلك الوقف على "ختم الله" قبيح، والابتداء بـ"الله" أقبح ويختم وقفٍ كافٍ.
والوقف على "عزير ابن الله" و"المسيح ابن عبد الله" قبيح، والابتداء بـ"ابن" أقبح، وبـ"عزير والمسيح" أشد قبحاً.
ولو وقف على "ما وعدنا الله" ضرورة كان الابتداء بالجلالة قبيحاً، وبـ"وعدنا" أقبح منه، وبـ"ما" أقبح منهما.
وقد يكون الوقف حسناً والابتداء به قبيحاً نحو "يخرجون الرسول وإياكم" الوقف عليه حسن، والابتداء به قبيح لفساد المعنى، إذ يصير تحذيراً من الإيمان بالله.
وقد يكون الوقف قبيحاً والابتداء جيداً نحو "من بعثنا من مرقدنا هذا" الوقف على "هذا" قبيح لفصله بين المبتدأ وخبره؛ ولأنه يوهم أن الإشارة إلى المرقد والابتداء بـ"هذا" كاف أو تام لاستئنافه.
مع القراء في الوقف والابتداء:
الأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء:
فنافع كان يراعي تجانسهما بحسب المعنى، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس، واستثنى ابن كثير {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ} (7) سورة آل عمران، {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} (109) سورة الأنعام، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (103) سورة النحل، فتعمد الوقف عليها.
وعاصم والكسائي حيث تم الكلام، وأبو عمرو يتعمد رؤوس الآي ويقول: هو أحب إليّ، فقد قال بعضهم: إن الوقف عليه سنة.
وقال البيهقي في الشعب: الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها اتباعاً لهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته.
روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف، الحمد لله رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم ثم يقف".2،3
هذه جملة من أحكام الوقف والابتداء، وفقنا الله وإياكم إلى معرفة أحكام كتابه، ومعرفة وقوفه من ابتدائه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 المقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء (1/2).
2 رواه الترمذي (2927) وصححه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم: (5000).
3 الإتقان في علوم القرآن: عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، (1/229).
نقلا عن موقع إمام المسجد
تعليق