بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما بعد :
فهذه بعض الأسئلة والإجابة عليها في موضوع " الإجازات القرآنية " وهي ضمن بحث وجيز كتبه لنفسي ولإخواني منذ فترة فأسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه وأن يتقبله منا ، وأرجوا من كل أخ كريم رأى خللا أو نقصا أن ينبهنا عليه وجزاه الله خيرا .
س1 : هل الإجازة القرآنية قديمة أم حديثة ؟ وهل أجاز النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحابة في القرآن ؟
قال الدكتور / محمد الفوزان في كتابه " إجازات القراء " ص 19-22 :
إن الإجازة شهادة من المجيز } المقرئ{ إلى المجاز } القارئ{ ،وهذه الشهادة تزكية للقارئ على حسن أدائه وجودة قراءته .
وإن الناظر في تزكية النبي – صلى الله عليه وسلم – لبعض أصحابه – رضي الله عنهم – على حسن قراءتهم وجودتها إنما هي إجازة لفظية من خير البرية – صلى الله عليه وسلم –لخير القرون ، وهو أصحابه – رضوان الله عليهم –وهي أوثق بلا شك من الإجازة الكتابية وذلك باعتبار المجيز والمجاز له .
وإليك بعض النصوص الدالة على ما أوردت بيانه ومن ذلك :
1- ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –يقول : " خذوا القرآن من أربعة ، من عبد الله ابن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب ".
2- وما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال لي النبي – صلى الله عنه وسلم – " اقرأ عليّ القرآن ، قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري " .
3- ما أخرجه الشيخان أيضا عن انس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لأبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك ، قال : آلله سمّاني لك ؟ قال : آلله سمّاك لي ، قال فجعل أبي يبكي " واللفظ لمسلم .
إن هذه الأحاديث بمجموعها لتدل دلالة واضحة بينة على تزكية النبي – صلى الله عليه وسلم – لأولئك الأصحاب – رضوان الله عليهم – لإجازته لهم إجازة لفظية وشهادة عظمى من خير مجيز لخير مجاز .
4- أخرج البغوي في شرح السنة : أن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله على جبريل ، وهي التي بيَّن فيها ما نُسخ وما بقي .
قال أبو عبد الرحمن السلمي هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت ، لأنه كتبها لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقرأها عليه ، وشهد العرضة الأخيرة ، وكان يقرئ الناس بها حتى مات ، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه ، وولاه عثمان كتبة المصاحف – رضي الله عنهم أجمعين " اهـ
إذ يستفاد من هذا النص ما يأتي :
أولا : أن الاعتماد على زيد بن ثابت – رضي الله عنه – في بيان ما نسخ وما بقي من كتاب الله تعالى بناء على حضوره العرضة الأخيرة تعدُّ هذه بمثابة إجازة سماع لزيد – رضي الله عنه- من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- واعتماد الصحابة على زيد في كتبة المصاحف بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا : عرض زيد – رضي الله عنه – القرآن على رسول الله شرف ومزية ورفعة له – رضي الله عنه – على غيره من الصحابة – رضي اللع عنهم – أجمعين " .
- لم أقف على نص قاطع في بداية مصطلح الإجازة القرآنية ، ولكن الذي يظهر لي والله أعلم أن ] ظهور هذا المصطلح متزامن مع بداية التصنيف في القراءات القرآنية في القرن الثالث الهجري .
كما جاء في ترجمة : محمد بن ادريس بن المنذر – أبو حاتم الرازي المتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين ؛ إذ روى القراءة إجازة الإمام أبو بكر بم مجاهد المتوفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة .
وكما جاء أيضا في ترجمة : عبد الصمد بن محمد بن أبي عمران أبو محمد الهمداني المقدسي المتوفى سنة أربع وتسعين ومائتين ؛ إذ روى عنه القراءة إجازة أحمد بن يعقوب التائب المتوفى سنة أربعين وثلاثمائة . اهـ من إجازات القراء
س2 ) هل الإجازة تكون في القرآن فقط ؟ وهل الأصل إجازة القرآن أم الحديث ؟
قال الدكتور محمد بن فوزان في إجازات القراء 12 -13:
" إن الإجازة القرآنية نوع من الإجازات العلمية المتعددة، وهناك إجازات المحدثين وهي الأصل في هذا الباب، وإجازات الفقهاء وإجازات القراء وإجازات القضاة وإجازات الخطاطين وإجازات الشعراء بل وإجازات الأطباء، وإن هناك إجازات أخرى تقديرية وتكريمية بين العلماء بعضهم بعضاً وبين العلماء والملوك والأمراء، فشملت الإجازات العلمية سائر العلوم الدينية وتجاوزتها بشكل سريع إلى العلوم الإنسانية والمادية بل وأصبحت الإجازة بحدّ ذاتها أمنية لكل مسلم في نيلها والحصول عليها بل ويلحون في طلبها.
وقال الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشتري :
أقول إنَّ إجازات القراء كما سمعنا أن الأصل في الإجازات هو لأهل الحديث، أنا أقول إن الأصل في الإجازات هو لأهل القراءات لأن لهذا أصل في القرآن وفي السنة، أما الأصل الذي في القرآن فهو قوله تعالى ( لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه)، وأما في السنة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أجاز شفهياً بعض أصحابه حينما قال لأبي: \"أقرؤكم أبيّ\" وحينما استمع لقراءة عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري وأثنى عليه في قراءته وهذه إجازة شفهية، وكذلك لعبدالله بن مسعود، وكذلك لغيرهم من القراء الذين اشتهروا في زمن الصحابة.
والأسانيد في القراءات هي مبثوثة في كتب أهل العلم، حتى إن من أهل الحديث من كان متقدماً في الإسناد في القراءات ثم الحديث، وكذلك الفقهاء كانوا كذلك ومن اطلع على كتب القراءات وكتب تراجم القراء مثل غاية النهاية وطبقات القراء للإمام الذهبي وغيرهم فإنه سيجد الكمَّ الهائل من علماء الحديث وعلماء اللغة وعلماء الفقه كانوا أهل إقراء وكانوا يجيزون حينما أخذوا هذه الإجازات، فالإجازات والإسناد أمرها كبير وشأنها عظيم، ولكنها في الأزمان المتأخرة خبت أو خفيت عن كثير من الناس حتى جاء هذا الوقت بحمد الله تعالى وأحيا هذا العلم، ونتطلع أن يكون لهذه الجمعية إن شاء الله تعالى بمساعدة أعضائها وتكاتفهم في الأعمال أن يكون لهذا العلم وغيره من العلوم التي تخدم القرآن الأثر الظاهر لهذه الأمة الذي به عصمتها وحمايتها وعزها ونصرها، اهـ من الندوة الأولى للملتقى الأول للجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بتاريخ 22 / 10 / 1424 هـ .وذلك بالقاعة
الكبرى بكلية أصول الدين ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميةــــــــ الرياض
تعليق