تفسير الاستعاذة
نشرع بعون الله تعالى وتوفيقه في تفسير كتاب الله الكريم تفسيرا مبسطا يسهل فهمه على من تعذر عليه الحصول على كتب التفاسير، نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص ويتقبل منا.
وقد سمى الله تعالى ذكره و تنزيله الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم أسماء أربعة:
منها: القرآن. فقال في تسميته إياه بذلك في تنزيله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ} (يوسف: 3) وقال: {إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (النمل: 76).
ومنها: الفرقان. قال جل ثناؤه في وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم يسميه بذلك: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفرقان: 1).
ومنها: الكتاب. قال تبارك اسمه في تسميته إياه به: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً} (الكهف: 1).
ومنها: الذكر. قال تعالى في تسميته إياه به: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). (1)
فاتحة الكتاب:
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني».
فهذه أسماء فاتحة الكتاب، وسميت فاتحة الكتاب لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، ويقرأ بها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة. (2)
تفسير قول {أعوذ}:
1) الاستعاذة: الاستجارة وتأويل قول القائل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أستجير بالله -دون غيره من سائر خلقه- من الشيطان أن يضرني في ديني أو يصدني عن حق يلزمني لربي. (3)
2) الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى والالتصاق بجانبه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ لطلب جلب الخير، ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله، ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه. وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن:
قال الله تعالى: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ (199)وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:96-98].
وقال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [فصلت:34-36].
فهذه ثلاث آيات ليس لها رابعة في معناها، وهو أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموالاة والمصافاة، ويأمر بالإستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة، إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا، ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل كما قال تعالى: {يَا بَنِيآدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ} [الأعراف: 27]، وقال تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]، وقال عز وجل: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50]، وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب، فكيف معاملته لنا وقد قال {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} [ص: 82-83] ؟؟
ومن لطائف الإستعاذة
أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان. (4)
3) معنى الاستعاذة: الاستجارة والتحيز إلى الشيء على معنى الامتناع به من المكروه يقال: عذت بفلان واستعذت به أي لجأت إليه، وهو عياذي أي ملجئي، وأعذت غيري به وعوذته بمعنى. ويقال: عوْذ بالله منك أي أعوذ بالله منك. (5)
4) الاستعاذة بالله هي الاعتصام به. (6)
5) معنى الاستعاذة: الاستجارة والتحيز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه. (7)
الهوامش:
(1) تفسير الطبري (1/67).
(2) تفسير الطبري (1/76).
(3) تفسير الطبري (1/76).
(4) تفسير ابن كثير (1/13-16).
(5) تفسير القرطبي (1/121).
(6) تفسير البغوي (1/46).
(7) تفسير الثعالبي (1/21).
لفضيله الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله
تعليق