
تفسير إبن كثير
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) لقمان
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} أي بحدودها وفروضها وأوقاتها،
{ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} أي بحسب طاقتك وجهدك،
{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله: { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي أن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.

تفسير القرطبى
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
قوله تعالى: " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ" وصّى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع. ولقد أحسن من قال:
وابدأ بنفسك فانهها عن غَيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
في أبيات تقدم في "البقرة" ذكرها. " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ" يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر؛ فهو إشعار بأن المغير أحيانا؛ وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله؛ وأما على اللزوم فلا، وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في "آل عمران والمائدة". وقيل: أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها،
وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل؛ وهذا قول حسن لأنه يعّم. " إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " قال ابن عباس: من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره. وقيل: إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور؛ أي مما عزمه الله وأمر به؛ قاله ابن جريج. ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة. وقول ابن جريج صوب.

تفسير الطبري
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ }.يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل لقمان لابنه يا بُنَـيّ أقِمِ الصّلاةَ بحدودها وأمُرْ بـالـمَعْرُوفِ يقول: وأمر الناس بطاعة الله, واتبـاع أمره وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ يقول: وانه الناس عن معاصي الله ومواقعة مـحارمه وَاصْبِرْ عَلـى ما أصَابَكَ يقول: واصبر علـى ما أصابك من الناس فـي ذات الله إذا أنت أمرتهم بـالـمعروف, ونهيتهم عن الـمنكر, ولا يصدّنك عن ذلك ما نالك منهم إنّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ يقول: إن ذلك مـما أمر الله به من الأمور عزما منه.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21402ـ حدثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: يا بُنَـي أقِمِ الصلاةَ وأْمرْ بـالـمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ وَاصْبِرْ علـى ما أصَابَكَ قال: اصبر علـى ما أصابك من الأذى فـي ذلك إنّ ذَلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ قال: إن ذلك مـما عزم الله علـيه من الأمور, يقول: مـما أمر الله به من الأمور.

تفسير السعدي
" يا بني أقم الصلاة "
حثه عليها ، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية .
" وأمر بالمعروف وانه عن المنكر "
وذلك يستلزم العلم بالمعروف ، ليأمر به ، والعلم بالمنكر ، لينهى عنه . والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف ، وانهي عن المنكر إلا به ، من الرفق ، والصبر ، وقد صرح به في قوله :
" واصبر على ما أصابك "
ومن كونه فاعلا لما يأمر به ، كافا لما ينهى عنه ، فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر ، وتكميل غيره بذلك ، بأمره ونهيه . ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس ، أمره بالصبر على ذلك فقال
" واصبر على ما أصابك إن ذلك " الذي وعظ به لقمان ابنه
" من عزم الأمور "
أي : من الأمور التي يعزم عليها ، ويهتم بها ، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم .

تعليق