*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
قوله تعالى
﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 103].
*قوله {خُذ}:* أي: اقبل.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ): وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات: أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.
قال الألوسي في روح المعاني: أي*يقبلها قبول من*يأخذ*شيئا ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول.
ومنه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): خذ: أي اقبل.
قال الواحدي في الوجيز: {خذ*العفو}*اقبل*الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم وقيل: هو أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال الجمهور في قوله*خذ*العفو*إن معناه*اقبل*من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف.
قال القرطبي في تفسيره: أي*اقبل*من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر، تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا.*
فائدة:
قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وفي قوله:*{خذ}، دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذ*الصدقات وينظر فيها.
قلت (عبدالرحيم): قوله {خذ}:*فعل أمر وفاعله أنت. (1)؛ فظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عام؛ يشمل الأئمة بعده؛ كما أخذ الخلفاء الراشدون الزكوات من المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو الأصل؛ أن الإمام من يتولى أخذ الصدقات.
وهذه إشارة عابرة؛ وإلا فيجوز لصاحب الزكاة أن يؤدها بنفسه؛ ولولا الإطالة لبسطت القول في هذه المسألة (إن شاء الله)؛ لكن الحديث عن الأصل.
وبدليل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا): والشاهد: " والعاملين عليها "؛ وهم السعاة، والجباة الذين نصبهم الإمام.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة*
يتولى*أخذها*وتفرقتها*الإمام ومن يلي من قبله، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة...".
انتهى.
*قوله {مِنْ أَموالِهِم}:* يعني: من الذين قبلت توبتهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:
الأولى: قوله {خُذْ مِنْ أَموالِهِم}: مِنْ: بيانية، أو تبعيضية.
فوجه الأول: أنه بيان للصنف المأخوذ؛ الذي بينه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فور فرض الزكاة في المدينة. ووجه الثاني: من بعض أموالهم؛ وهذا هو الواقع؛ لأنه لم يأخذ كل أموالهم.
الثانية: قوله (خُذ مِن أَموالِهِم): ابتدائي وليس سببيا؛ والمعنى خذ من أموال المسلمين؛ ليس فقط الذين تابوا واعترفوا بذنوبهم.
وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: يعني الذين اعترفوا بذنوبهم.
قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقال جماعة*من*الفقهاء: المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله: على هذا*من*أموالهم*هو لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذ*منهم كالعبيد، وصدقة*مطلق، فتصدق بأدنى شيء.*
*قوله {صَدَقَةً}:* يعني الزكاة المفروضة. لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. (2).
وقد سبق - بحمد الله - بيان أن الصدقة في الشرع أعم من الصدقة التي من قبيل النفل، والتطوع.
وقد سمى الله الزكوات المفروضات " صدقات "؛ فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ).
فمعنى قوله تعالى (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً): صَدَقَةً: يعني: الصدقة المفروضة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال النحاس في إعراب القرآن: وهي الزكاة المفروضة.
*قوله {تُطَهِّرُهُم}:* بها من آثام ذنوبهم، الذي من جملته الشح والبخل؛ الذي يحمل على ترك الواجب.
وفي الحديث: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ...» (3).
ومنه قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ}: وَأَطْهَرُ:* يعني تطهيرا لذنوبكم.
قال البقاعي في نظم الدرر: {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.
انتهى.
فمعنى قوله تعالى {تُطَهِّرُهُم}: من دنس ذنوبهم.
قاله الطبري في تفسيره.
وقال السمرقندي في بحر العلوم: (تطهرهم)، يعني: تطهر أموالهم.
*قوله {وَتُزَكّيهِم بها}:* تنمي أموالهم، ونفوسهم فترفعهم المنازل العالية.
قال أبو حيان في البحر المحيط: والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.*
قال الطبري في تفسيره: يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص.
قال البغوي في تفسيره: وتزكيهم بها، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم.
وقال السمرقندي في البحر: وتزكيهم بها، يعني: تصلح بها أعمالهم.
*قوله {وَصَلِّ عَلَيهِم}:* وادع لهم. والصلاة هنا بمعنى: الدعاء. ومنه " صلاة الجنازة " لأن كلها دعاء.
وفي الحديث الذي رواه مسلم (1431).: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم». فقوله: " فليصل ": أي فليدعُ.
ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ): وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: أي ودعوات الرسول.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وصلوات الرسول} دعاؤه.
قال الطبري في تفسيره: (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والصلاة عليهم: الدعاء لهم.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وصل عليهم): فيه مشروعية الدعاء لمؤدي الزكاة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُولُ*اللهِ*صَلَّى*اللهُ*عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ*عَلَيْهِمْ» فَأَتَاهُ*أَبِي، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ*صَلِّ*عَلَى*آلِ*أَبِي*أَوْفَى».
قلت: وفي وجوبه واستحبابه نزاع.
قال السمعاني في تفسيره: وقد قال بعض أهل العلم: إنه يجب على الإمام أن يدعو للذي جاء بالصدقة. وقال بعضهم: يستحب، ولا يجب. وقال بعضهم: يجب في الفرض ويستحب في النفل. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمعطي، ويستحب للفقير أن يدعو. ومنهم من قال: إن التمس المعطي أن يدعو له يجب؛ وإلا فلا يجب.
قال النووي في شرحه لمسلم: هذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقول الله عز وجل :*{وصل عليهم}*ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن*الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب.
*قوله {إِنَّ صَلاتَكَ}:* يعني دعاءك واستغفارك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قلت (عبدالرحيم): والصلاة في التنزيل لها عدة معان (4):
الأول: الدعاء؛ كما في الآية التي نحن بصددها.
الثاني: القراءة: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا): معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.
الثالث: بمعنى الدين: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ): أَصَلَاتُكَ: أي دينك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.
الرابع: الصلوات الخمس: ومنه قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ): قال السيوطي في الجلالين: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات ": الصلاة الخمس بأدائها في أوقاتها.
الخامس: الثناء: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ): صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ: ثناء من ربهم؛ لأن الله غاير بين الرحمة والصلاة.
قال ابن كثير في تفسيره: أي ثناء*من*الله*عليهم*ورحمة.
الخامس: مواضع الصلاة؛ أي أماكن العبادة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والبيَعُ بيَعُ النصارى، والصَّلَوَاتُ كنَائِسُ اليَهود، وهي بالعبرانية صَلُوتَا.
قال السعدي في تفسيره: أي لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين.
وقوله تعالى (على قول) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ): لا تقربوا الصلاة: أي مواضع الصلاة؛ بدليل قوله " إلا عابري سبيل"، فذات الصلاة ليس بها عبور سبيل.
قال الواحدي في الوجيز: {يا أيها الذين آمنوا*لا*تقربوا*الصلاة} أَي مواضع*الصَّلاة أي: المساجد.
*قوله {سَكَنٌ لَهُم}:* سَكَنٌ: رحمة، وطمأنينة؛ تطمئن بها نفوسهم.
قال الواحدي في البسيط: السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم.
قال السمرقندي: يعني: طمأنينة.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.
قال الطبري في تفسيره: (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم
قال النحاس في إعراب القرآن: إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
قال السمعاني في تفسيره: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك سكن لهم، أي: سكون لهم، أي: دعاؤك سكن لهم وطمأنينة وتثبيت.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة:*{ إن صلواتك سكن لهم }*تعليل للأمر* بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير . فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.
*قوله {وَاللَّهُ سَميعٌ}:* يسمع فيجيب الدعاء، وفيه صفة السمع لله - جل ذكره -.
والحديث عن صفة " السمع " لله - جل ذكره - من ناحيتين:
الأولى: أنه وسع سمعه الأصوات؛ يسمع كل شيء؛ ما أسر وأعلن. وهذا من مستلزمات الربوبية؛ إذ لا يكون ربا إلا إذا كان يسمع؛ لذا عاب إبراهيم على أبيه أن اتخذ ربا لا يسمع (يا أبت لما تعبد ما لا يسمع). وهذا بيّن.
الثانية: أنه يسمع الدعاء بمعنى يجيب الدعاء. والعامة إذا دعوت قالوا: الله يسمع منك. أي يجيب. وإلا فالله يسمع؛ سواء استجاب لعبده، أم منع الإجابة لمانع ما.
وليس الشأن أن يسمع الله دعواتك مجرد سماع؛ لأنه يسمع رغم أنفك؛ لكن الشأن أن يستجيب لك.
ومنه قوله تعالى - على لسان إبراهيم عليه السلام - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ): لَسَمِيعُ الدُّعَاء: أي لمجيب الدعاء.
*قوله {عَليمٌ}:* فيه صفة العلم لله - جل ذكره -.
..........................
(1): أنظر: إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
(2): أنظر: النكت والعيون للماوردي.
(3): قال الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم: ١٤٢٧.): قلت: إسناده حسن، وحسنه ابن قد امة والنووي.
(4): أنظر الكليات للكفوي.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
قوله تعالى
﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 103].
*قوله {خُذ}:* أي: اقبل.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ): وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات: أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.
قال الألوسي في روح المعاني: أي*يقبلها قبول من*يأخذ*شيئا ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول.
ومنه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): خذ: أي اقبل.
قال الواحدي في الوجيز: {خذ*العفو}*اقبل*الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم وقيل: هو أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال الجمهور في قوله*خذ*العفو*إن معناه*اقبل*من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف.
قال القرطبي في تفسيره: أي*اقبل*من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر، تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا.*
فائدة:
قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وفي قوله:*{خذ}، دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذ*الصدقات وينظر فيها.
قلت (عبدالرحيم): قوله {خذ}:*فعل أمر وفاعله أنت. (1)؛ فظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عام؛ يشمل الأئمة بعده؛ كما أخذ الخلفاء الراشدون الزكوات من المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو الأصل؛ أن الإمام من يتولى أخذ الصدقات.
وهذه إشارة عابرة؛ وإلا فيجوز لصاحب الزكاة أن يؤدها بنفسه؛ ولولا الإطالة لبسطت القول في هذه المسألة (إن شاء الله)؛ لكن الحديث عن الأصل.
وبدليل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا): والشاهد: " والعاملين عليها "؛ وهم السعاة، والجباة الذين نصبهم الإمام.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة*
يتولى*أخذها*وتفرقتها*الإمام ومن يلي من قبله، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة...".
انتهى.
*قوله {مِنْ أَموالِهِم}:* يعني: من الذين قبلت توبتهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:
الأولى: قوله {خُذْ مِنْ أَموالِهِم}: مِنْ: بيانية، أو تبعيضية.
فوجه الأول: أنه بيان للصنف المأخوذ؛ الذي بينه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فور فرض الزكاة في المدينة. ووجه الثاني: من بعض أموالهم؛ وهذا هو الواقع؛ لأنه لم يأخذ كل أموالهم.
الثانية: قوله (خُذ مِن أَموالِهِم): ابتدائي وليس سببيا؛ والمعنى خذ من أموال المسلمين؛ ليس فقط الذين تابوا واعترفوا بذنوبهم.
وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: يعني الذين اعترفوا بذنوبهم.
قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقال جماعة*من*الفقهاء: المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله: على هذا*من*أموالهم*هو لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذ*منهم كالعبيد، وصدقة*مطلق، فتصدق بأدنى شيء.*
*قوله {صَدَقَةً}:* يعني الزكاة المفروضة. لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. (2).
وقد سبق - بحمد الله - بيان أن الصدقة في الشرع أعم من الصدقة التي من قبيل النفل، والتطوع.
وقد سمى الله الزكوات المفروضات " صدقات "؛ فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ).
فمعنى قوله تعالى (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً): صَدَقَةً: يعني: الصدقة المفروضة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قال النحاس في إعراب القرآن: وهي الزكاة المفروضة.
*قوله {تُطَهِّرُهُم}:* بها من آثام ذنوبهم، الذي من جملته الشح والبخل؛ الذي يحمل على ترك الواجب.
وفي الحديث: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ...» (3).
ومنه قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ}: وَأَطْهَرُ:* يعني تطهيرا لذنوبكم.
قال البقاعي في نظم الدرر: {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.
انتهى.
فمعنى قوله تعالى {تُطَهِّرُهُم}: من دنس ذنوبهم.
قاله الطبري في تفسيره.
وقال السمرقندي في بحر العلوم: (تطهرهم)، يعني: تطهر أموالهم.
*قوله {وَتُزَكّيهِم بها}:* تنمي أموالهم، ونفوسهم فترفعهم المنازل العالية.
قال أبو حيان في البحر المحيط: والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.*
قال الطبري في تفسيره: يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص.
قال البغوي في تفسيره: وتزكيهم بها، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم.
وقال السمرقندي في البحر: وتزكيهم بها، يعني: تصلح بها أعمالهم.
*قوله {وَصَلِّ عَلَيهِم}:* وادع لهم. والصلاة هنا بمعنى: الدعاء. ومنه " صلاة الجنازة " لأن كلها دعاء.
وفي الحديث الذي رواه مسلم (1431).: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم». فقوله: " فليصل ": أي فليدعُ.
ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ): وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: أي ودعوات الرسول.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وصلوات الرسول} دعاؤه.
قال الطبري في تفسيره: (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والصلاة عليهم: الدعاء لهم.
قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وصل عليهم): فيه مشروعية الدعاء لمؤدي الزكاة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُولُ*اللهِ*صَلَّى*اللهُ*عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ*عَلَيْهِمْ» فَأَتَاهُ*أَبِي، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ*صَلِّ*عَلَى*آلِ*أَبِي*أَوْفَى».
قلت: وفي وجوبه واستحبابه نزاع.
قال السمعاني في تفسيره: وقد قال بعض أهل العلم: إنه يجب على الإمام أن يدعو للذي جاء بالصدقة. وقال بعضهم: يستحب، ولا يجب. وقال بعضهم: يجب في الفرض ويستحب في النفل. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمعطي، ويستحب للفقير أن يدعو. ومنهم من قال: إن التمس المعطي أن يدعو له يجب؛ وإلا فلا يجب.
قال النووي في شرحه لمسلم: هذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقول الله عز وجل :*{وصل عليهم}*ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن*الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب.
*قوله {إِنَّ صَلاتَكَ}:* يعني دعاءك واستغفارك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.
قلت (عبدالرحيم): والصلاة في التنزيل لها عدة معان (4):
الأول: الدعاء؛ كما في الآية التي نحن بصددها.
الثاني: القراءة: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا): معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.
الثالث: بمعنى الدين: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ): أَصَلَاتُكَ: أي دينك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.
الرابع: الصلوات الخمس: ومنه قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ): قال السيوطي في الجلالين: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات ": الصلاة الخمس بأدائها في أوقاتها.
الخامس: الثناء: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ): صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ: ثناء من ربهم؛ لأن الله غاير بين الرحمة والصلاة.
قال ابن كثير في تفسيره: أي ثناء*من*الله*عليهم*ورحمة.
الخامس: مواضع الصلاة؛ أي أماكن العبادة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والبيَعُ بيَعُ النصارى، والصَّلَوَاتُ كنَائِسُ اليَهود، وهي بالعبرانية صَلُوتَا.
قال السعدي في تفسيره: أي لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين.
وقوله تعالى (على قول) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ): لا تقربوا الصلاة: أي مواضع الصلاة؛ بدليل قوله " إلا عابري سبيل"، فذات الصلاة ليس بها عبور سبيل.
قال الواحدي في الوجيز: {يا أيها الذين آمنوا*لا*تقربوا*الصلاة} أَي مواضع*الصَّلاة أي: المساجد.
*قوله {سَكَنٌ لَهُم}:* سَكَنٌ: رحمة، وطمأنينة؛ تطمئن بها نفوسهم.
قال الواحدي في البسيط: السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم.
قال السمرقندي: يعني: طمأنينة.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.
قال الطبري في تفسيره: (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم
قال النحاس في إعراب القرآن: إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
قال السمعاني في تفسيره: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك سكن لهم، أي: سكون لهم، أي: دعاؤك سكن لهم وطمأنينة وتثبيت.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة:*{ إن صلواتك سكن لهم }*تعليل للأمر* بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير . فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.
*قوله {وَاللَّهُ سَميعٌ}:* يسمع فيجيب الدعاء، وفيه صفة السمع لله - جل ذكره -.
والحديث عن صفة " السمع " لله - جل ذكره - من ناحيتين:
الأولى: أنه وسع سمعه الأصوات؛ يسمع كل شيء؛ ما أسر وأعلن. وهذا من مستلزمات الربوبية؛ إذ لا يكون ربا إلا إذا كان يسمع؛ لذا عاب إبراهيم على أبيه أن اتخذ ربا لا يسمع (يا أبت لما تعبد ما لا يسمع). وهذا بيّن.
الثانية: أنه يسمع الدعاء بمعنى يجيب الدعاء. والعامة إذا دعوت قالوا: الله يسمع منك. أي يجيب. وإلا فالله يسمع؛ سواء استجاب لعبده، أم منع الإجابة لمانع ما.
وليس الشأن أن يسمع الله دعواتك مجرد سماع؛ لأنه يسمع رغم أنفك؛ لكن الشأن أن يستجيب لك.
ومنه قوله تعالى - على لسان إبراهيم عليه السلام - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ): لَسَمِيعُ الدُّعَاء: أي لمجيب الدعاء.
*قوله {عَليمٌ}:* فيه صفة العلم لله - جل ذكره -.
..........................
(1): أنظر: إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
(2): أنظر: النكت والعيون للماوردي.
(3): قال الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم: ١٤٢٧.): قلت: إسناده حسن، وحسنه ابن قد امة والنووي.
(4): أنظر الكليات للكفوي.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
تعليق