مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار
المصدر/ كتاب فصول في أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار
إن «علوم القرآن» علم مترامي الأطراف بموضوعاته المتناثرة؛ كالمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وعدد الآي، والقراءات ... إلخ.
ولا يزال احتمال اكتشاف موضوعات جديدة في هذا العلم قائمًا، ومن ذلك ظهور (علم التفسير الموضوعي)، و (علم مناهج المفسرين)، وغيرها.
ومن هذه العلوم التي ظهرت ـ ولكن لم تلق عناية متكاملة ـ (علم أصول التفسير)، وهو في الحقيقة جزء من علوم القرآن، وإن كان بعضهم يجعله مرادفاً لمصطلح علوم القرآن.
أصول التفسير
الأصل في اللغة: أسفل الشيء، ويطلق الأصل على مبدأ الشيء، وما يبنى عليه غيره، وعبَّر عنه بعضهم بأنه: ما يفتقر إليه غيره، ولا يفتقر هو إلى غيره، وهذا مستوحى من المعنى اللغوي.
ويقرب من معنى الأصل: القاعدة، وهي: الأساس الذي يبنى عليه البيت.
والتفسير في اللغة: مأخوذ من مادة (فَسَرَ)، وهي تدل على ظهور الشيء وبيانه، ومنه الكشف عن المعنى الغامض.
وللتفسير في الاصطلاح تعاريف (1)، ومن أوضحها:
بيان كلام الله المعجز المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وأصول التفسير: هي الأسس والمقدمات العلمية التي تعين على فهم التفسير، وما يقع فيه من الاختلاف، وكيفية التعامل معه.
ويدور محور الدراسة في هذا العلم بين أمرين:
كيف فُسِّر القرآن؟ وكيف نفسِّر القرآن؟
ففي الأولى يكون الرجوع إلى تفاسير السابقين ومعرفة مناهجهم وطرقهم فيها، خاصة تفاسير السلف التي تُعَدُّ العمدة في هذا العلم.
وفي الثانية يكون الاعتماد على ما قُعِّدَ من أصول في تفاسير السابقين، لكي يُعتَمد الصحيح في التفسير، ويتجنب الخطأ فيه (2).
ومما يجدر ذكره، أنه لا توجد دراسة متكاملة لموضوعات هذا العلم،
الكتب التي كتبت في هذا العلم سارت على ثلاثة مناهج:
• الأول: ما غلب موضوعات علوم القرآن؛ ككتاب (الفوز الكبير في أصول التفسير)، للدهلوي.
• والثاني: ما اعتمد مسائل أصول الفقه المتعلقة بالقرآن، ودرسها من باب التفسير؛ ككتاب (دراسات في أصول تفسير القرآن) للدكتور: محسن عبد الحميد.
• والثالث: كتب قعَّدت مسائل من هذا العلم؛ ككتاب (مقدمة في أصول التفسير) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وسأجتهد في أن أسير في هذا البحث على منهج التقعيد والتجديد، وأرجو أن أستطيع تغطية شيءٍ من جوانبه، وعرض جزءٍ من مسائله على هذا الجانب التقعيدي.
مراجع هذا العلم:
1 - كتب مصدرة بهذا الاسم، وهو: (أصول التفسير)
وهذه الكتب لم تحوِ جميع مادة هذا العلم، ولكن فيها مسائل متناثرة منه، ومن أهم هذه المؤلفات:
أـ «مقدمة في أصول التفسير»، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ).
وليس هذا الاسم (مقدمة في أصول التفسير) من وضع شيخ الإسلام، بل هو من وضع مفتي الحنابلة بدمشق، جميل الشطي الذي طبع الكتاب سنة 1355هـ (3).
وقد نبه شيخ الإسلام في المقدمة على أن ما سيكتبه هو قواعد تعين على فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه (4).
ب ـ «الفوز الكبير في أصول التفسير» للدهلوي (ت:1176هـ).
جـ «أصول في التفسير» للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
د ـ «أصول التفسير وقواعده» لخالد العك.
هـ «بحوث في أصول التفسير» لمحمد لطفي الصباغ، وقد اعتمد مقدمات المفسرين وبعض الكتب؛ ككتاب شيخ الإسلام، وكتاب الدهلوي، وهو ـ في كل هذا ـ يذكر ملخصاً لمسائل هذه المقدمات، وهذه الكتب.
وـ «دراسات في أصول التفسير» لمحسن عبد الحميد.
ز ـ «أصول التفسير ومناهجه» للدكتور فهد الرومي.
وقد ألف ابن القيم في هذا الباب، لكن لم توجد هذه الرسالة بعد (5).
2 - مقدمات المفسرين التي يقدمون بها تفاسيرهم:
تجد في بعض التفاسير مقدماتٍ مهمة تتعلق بهذا العلم، حيث يذكرون شيئاً من مباحثه، ومن أمثلة ذلك:
• مقدمة ابن كثير، وقد استفادها من شيخ الإسلام ابن تيمية.
• مقدمة النكت والعيون، للماوردي.
• مقدمة ابن جزي الكلبي لتفسيره.
• مقدمة جامع التفاسير، للراغب الأصفهاني.
• مقدمة القاسمي لتفسيره.
• مقدمة التحرير والتنوير.
وغيرها من المقدمات التي تطول فصولها وتستوعب كثيراً من المباحث، فإنها لا تخلو من مباحث في هذا العلم.
3 - كتب علوم القرآن:
يعتبر أصول التفسير جزءاً من علوم القرآن (6) ـ وإن كان بعضهم يجعله مصطلحاً مرادفاً ـ ولذا؛ فإن الباحث في كتب علوم القرآن سيظفر بمجموعة من مسائل هذا العلم.
ومن هذه الكتب:
كتاب «البرهان في علوم القرآن» لبدر الدين الزركشي (ت:794هـ)، وكتاب «الإتقان في علوم القرآن» لجلال الدين السيوطي (ت:911هـ).
وغيرها من الكتب التي تشمل جملة من علوم القرآن.
4 - كتب التفاسير:
استقراء كتب التفسير أهم هذه المراجع، وبه تظهر فوائد هذا العلم،والرجوع إلى التفاسير واستنباط المعلومات منها يثري البحث ويزيده قوة، ومن أهم الكتب التي يمكن استقراؤها في التفسير كتب المحققين الذين يعتمدون النقاش والترجيح بعد نقل الأقوال.
ومن هذه الكتب على سبيل المثال:
1 - تفسير الإمام الطبري.
2 - تفسير ابن عطية.
3 - تفسير الشنقيطي.
4 - تفسير الطاهر بن عاشور.
(1) فصَّلت في تعريف التفسير، وناقشت بعض التعريفات فيه في موضعين: الأول في كتابي «التفسير اللغوي» (ص19 - 32)، ثم في كتابي «مفهوم التفسير والتأويل والتدبر والاستنباط والمفسر» (ص53 - 88).
(2) في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في الصحيحين، قالت: (تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذين سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُم») وجدت أنه أصل في أصول التفسير؛ لأنه يتضمن الفائدة الكبرى من أصول التفسير:
الأولى: معرفة القول الصواب وتمييزه عن غيره.
الثانية: معرفة القول الخطأ بأنه خطأ، وإلا لما أمكن الحذر منه.
وغاية أصول التفسير تمييز الصواب من الخطأ، والبرهان على ذلك بالعلم الصحيح.
(4) انظر: (ص33) من مقدمة في أصول التفسير (ت: عدنان زرزور).
(5) انظر: «جلاء الأفهام» (ص159).
(6) كتبت في هذه المسألة تفصيلاً، ينظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير»، ط. دار المحدث (ص33 - 35)؛ و «المحرر في علوم القرآن» (ص53 - 55).
تعليق