السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين التفسير والتدبر: المشروع والمذموم!
قد عُلم يقيناً عند كل مسلم ما للقرآن من حرمة ومكانة عظيمة، فلا يصح أن يتجاسر على القول فيه وبيان معانيه وأحكامه ومطلقه ومقيده ومجمله ومبينه إلا من وُهب علماً واسعاً وفقهاً راسخاً؛ فالقرآن كلام الله تعالى وما أعظم أن يخوض في كلام ربّ البرية من لا يحسن الكلام؛ ولذا فقد تناذر المسلمون حمى الكتاب العزيز، ومن المعلوم بالضرورة كونه ليس كلأً مباحاً ولا حمى مستباحاً لكل من هب ودرج.
كان الواحد من السلف تعرض له الآية فيأبى أن يقول فيها معنى ربما ظهر له منها لكن لم يبلغ حدَّ القطع به أو الاطمئنان إليه، ودافعهم في ذلك ما نصَّت عليه الآيات البينات التي تنهى وتزجر عن القول على الله بغير علم، قال الله تعالى:{قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣] فجعل الله تعالى القول عليه بغير علم فوق الشرك به شناعةً وجُرماً وزوراً، وقال الله تعالى: {قُلْ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69] فبين سبحانه وهو أصدق القائلين أن الفلاح محجوب عمن يفتري عليه ومن أعظم صور الافتراء على الله القول في كلامه على غير هدى ولا بصيرة.
وقد عاب الله على أهل الكتاب يوم بدّلوا كلامه وحرّفوا معانيه فقال تعالى: {وَإنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 78} [آل عمران: 78]، وقال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، ولقد جاء القرآن مبيناً أن من أسباب قساوة قلوب أهل الكتاب تحريفهم معاني كلام الله الذي أنزله إليهم على ألسنة رسلهم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلَّا قَلِيلًا} [النساء: 155] وإن هذه العقوبة التي عاقب الله بها أهل الكتاب لما تجاسروا على كلامه تحريفاً وتبديلاً وتزويراً ليست قاصرة على أولئك السابقين، بل تشمل من اتصف بصفتهم وعمل عملهم.
ولقد أقبلت هذه الأمة على كتاب ربها متقفيةً في فهم معانيه ما قال نبيُّها وأصحابه الكرام، فسعدت زماناً وأقامت ما أمرت، ثم تقلبت وتنكّبت الصراط المستقيم والطريق القويم لما جاء خَلَفٌ يقولون في القرآن بأهوائهم ويخوضون فيه بآرائهم فضلّوا عن الهدى المستقيم والطريق القويم وأضلّوا غيرهم عن المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. لقد كان الصحابة الكرام يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عمَّا أشكل عليهم من فهم القرآن فيبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كلام ربهم وهو أعلم الخلق به، ثم جاء التابعون فسألوا الصحابة عما بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وعما لم يبينه لهم، فوجدوا منهم التأويل الصحيح لكونهم أقرب لمشكاة النبوة وأدنى أن يعرفوا مراد ربنا تعالى، فهم تلاميذ رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا تابعت هذه الأمة القرآن على الهدى والخير، حتى نجم قرن التأويل والرأي الفاسد، فنفى أولئك صفات لله تعالى وعطّلوها وفوَّضوها، ولم يسلكوا في فهم الآيات الواردة فيها مسلك السلف الصالح، وعمدوا إلى أفهامهم، فكانت أسقمَ الأفهام، ولجؤوا إلى عقولهم فكانت أضلَّ العقول.
إن تفسير القرآن بالرأي لا ينبغي أخذُه إلا إذا قامت عليه بينات لا تعارض المأثور الذي جاء عن الله تعالى، والأخذ بالمأثور متى خالف الرأي هو الواجب، فالقرآن يفسّر بعضه بعضاً ويبيّن بعضه بعضاً ثم ما جاءت به النقول الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فما علم كلام الله أحد بعد الله كرسول الله، ثم ما جاء عن الصحابة الكرام الذين حضروا نزول القرآن وعرفوا فيم نزل ولم نزل فكانوا أعرف جيل به، وأعمل الناس بما به أمرهم وأبعدهم عما نهاهم، ثم جاء بعد ذلك العلماء الراسخون والأئمة المجتهدون فقالوا في القرآن مهتدين بالسلف الصالح فوُفقوا وسُدّدوا. أما القائلون بآرائهم المزعومة التي لا تستند إلا إلى الأهواء فلا مكان لأقوالهم تلك إلا في مزابل الأفكار، ولقد أمد الشيطان جنده، فقالوا في القرآن بما لا يتفق مع مقاصد الشرع، ولا تحتمله اللغة العربية التي نزل بها القرآن، بل وكثير من تلك الآراء يتصادم وصريح القرآن وصحيح السنة ومقاصد الشريعة، وقد أشار إلى أشياء من هذا الإمام عثمان بن سعيد في رده على المريسي ورده على الجهمية.
ولقد علم أعداءُ الأمة أن لا سبيل إلى تحريف هذا القرآن، بعد أن حفظه الله تعالى من التبديل والتغيير وتعهد بذلك، كما قال تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] عمدوا لما تيقَّنوا من عدم قدرتهم على تحريف القرآن إلى نشر تلك الضلالات التي قال بها أهل البدع كالرافضة والمعتزلة وغيرهم. ولقد كرّس أئمة الهدى من علماء السلف جهودهم لبيان كتاب الحقِ جلَّ وعلا، فألّفوا في ذلك المؤلفات العديدة وصنفوا التصانيف المفيدة وردوا على أهل الباطل باطلهم وعلى أصحاب الضلال ضلالهم، فلم يتركوا لمن بقي إلا أن يتَّبع آثارهم ويسترشد بهم، وذلك ليقينهم أن القرآن هو سبيل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة فلا عز للأمة بغيره ولا نجاة لها في الآخرة إلا به، قال الله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 28 هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْـحَقِّ إنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 29} [الجاثية: 28، 29]، وقال عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 35 وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 36} [الأعراف: 35، 36]. والناظر إلى المكتبة الإسلامية لن يجد علماً أُسيل فيه المداد مثل التفسير، وذلك لعلم السابقين أن القرآن تدور عليه كل علوم الشريعة، وتستقي من معينه كلُ ضروب الشريعة، فلا عقيدة بلا قرآن، ولا فقه بلا قرآن، ولا سيرة بلا قرآن، ولا آداب بلا قرآن، وهكذا سائر الدين.
ونجد من العلماء من اعتنى بجانب الأحكام، ومنهم من عني بجانب اللغة والبيان، ومنهم من عني بجانب الإعجاز العلمي، ومنهم من عني بغير ذلك، وكل هذه التقسيمات تصبُّ في مصب واحد هو هداية الأمة بكتاب ربها تعالى، وتدلُّ دلالة واحدة هي اهتمام الأمة القديم والكبير بهذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. كما يدل ذلك على حقيقة أخرى وهي ثراء القرآن، هذا الكتاب الخالد الذي أخرج الأمة الضائعة من الضلال إلى الهدى، وبصّرها من العمى، ورفع رأسها، هذا الكتاب هو كتاب عقيدة، وكتاب عبادة، وكتاب اقتصاد، وكتاب سياسة وكتاب آداب، وكتاب لغة وبيان، وكتاب اجتماع، ودستور حكم، ونظام أمة.
وذلك لأن ميدان القرآن شامل لكل ضروب الحياة، وقد أخرج الله به أمة كانت ترعى الغنم، فتقلدت مفاتيح المجد، وصعدت منابر الدنيا، وركبت صهوة العز، وجلست على عجلة القيادة.
ولقد كان السلف يتجنبون الكلام في القرآن إلا ما تيقَّنوا معناه وبدا لهم فهمُه، وليس من المذموم ولا المحرم أن يجتهد العلماء بما آتاهم الله من علم ليفسروا كلام الله تعالى لمن لم يؤت ما أوتي العلماء ولا يستطيع أن يفهم القرآن إن لم يُبيَّن له، بل ذلك واجب على أهل العلم على وجه الكفاية، لذا نجد المكتبة الإسلامية قد عمرت بذلك الكم الهائل من كتب التفسير، وإنما الإشكال حينما يعارض ذلك الاجتهاد المنقول، فيأتي صاحبه بما يخالف ما كانت عليه القرون المفضلة من قبله.
ولقد كان الصحابة يقولون في القرآن ويوضحون معانيه مهتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا أعرف بالقرآن من غيرهم ولم يروا بذلك بأساً، وإنما المنهي عنه أن يلج في مجال التفسير من ليس من أهله، وأن يفسّر كلام الله من لم يملك الآلة اللازمة لذلك، أو يعارض من يملك الآلة بفهمه فهم الرعيل الأول. كما أن أهل البدع والضلال لهم في التفسير خوض بحسب أهوائهم نصراً لمذاهبهم المنحرفة وأفكارهم الضالة.
ولقد وضّح أهل العلم أصول التفسير التي يرتكز عليها هذا العلم الشريف، وبينوا قواعد التفسير وألّفوا في ذلك المصنفات العديدة حتى يحفظوا للأمة مصدرها الذي تستقي منه دون أن تكدره وبالات الأفكار. وإن من حفظ الله تعالى للقرآن، والذي أبانه في قوله: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، أن يحُفظ من التبديل والتحريف في ألفاظه، وأن يحفظه من التأويل الفاسد والتفسير الضال، ولذا فقد قيَّض الله تعالى لهذا الكتاب من يذُبُّ عن معانيه، وينفي عنه تأويل أصحاب الأهواء والضلال والبدع، فما أتوا ببدعة وانتصروا لها بالقرآن إلا وبرز لهم أهل الحق يردُّون عليهم باطلهم ويبينون للناس فسادهم، وما تأولوا معنىً في القرآن على غير وجهه إلا وانبرى له العلماء ينفون ما ألحقوا بالكتاب العزيز من الأباطيل، وصدق الله تعالى إذ يقول: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَـمَّا جَاءَهُمْ وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ 41 لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42]، قال الطبري في تفسير هذه الآية: «وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك هو الإتيان من بين يديه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه، وذلك إتيانه من خلفه»[1].
بناءً على ما سبق فإن أمر التفسير أشد خطراً من أمر التدبر، لأن المفسر يُعيِّن مراد الله جل وعلا من كلامه ويقرره لغيره، أما المتدبر فلا يسمى متدبراً إذا لم يكن متابعاً لدلالات القرآن، بل قد يحصل له قدر من التدبر وإن لم يفهم المعاني التفصيلية التي يبحث فيها علم التفسير، ولهذا اشتد نكير أهل العلم على من فسر كتاب الله برأيه فقالوا: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، قال الترمذي: «هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أنهم شدَّدوا في هذا، في أن يفسر القرآن بغير علم»[2]، وقال ابن كثير: «فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام»[3]، ثم ذكر عدداً من الآثار عن السلف يتحرَّجون فيها من تفسير آي القرآن، وقال: «فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمَّة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه»[4]، فأمر التفسير ليس لكل أحد إنما هو لمن أوتي أدواته من أهل العلم، وأما التدبر فأمره أوسع حيث أمر الله به الجميع - حتى الكفار والمنافقين - ونعى على من يعرض عن تدبر آيات القرآن الكريم كما سيأتي قريباً.
فلهذا ينبغي التنبيه على أن تدبر المسلم العامِّي للقرآن الكريم فيما يقف تدبره على فهم معانيه، ينبغي أن يكون منضبطاً بتفسير الأئمة الثقات له، فإن عرضت له فكرة أو خاطر حول آية ما ولم يكن متيقناً أنَّ ما عرض له لا يخالف التفسير فلا ينبغي له أن يصرح بهذا الرأي الذي وقع عليه مباشرة، ولا أن يزعم أن ما ظهر له هو تفسير الآية أو معناها، لأن القول على الله بغير علم من أعظم الذنوب وأكبر المعاصي، ولكنه يحتفظ بهذا المعنى دون أن يشيعه حتى يستوثق من صحته عند أهل العلم، وإلا كان هذا الذي يحسبه تدبر ضرباً من التفسير بالرأي، وفتحاً لباب شر مستطير كحال بعض المنحرفة من الزنادقة وأصحاب التفسيرات الباطنية، فإنهم أخذوا من الآيات معاني لا تمت للغة القرآن ولا لأحكام الشريعة بصلة اتباعاً لأهوائهم وما تمليه عليه شياطينهم، وزعموا أن ما هم عليه هو لباب الحقيقة فضلوا وأضلوا.
هل التدبر خاص بالعلماء؟
قال بعض العلماء: إن التدبر لا يكون إلا للعلماء كالتفسير، وهذا بعيد، وقد تطرق لجوابهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان، عند تفسير قوله سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: ٤]، حيث رد هذا الاختصاص رداً فيه كفاية ومقنع، وهو طويل يرجع إليه هناك[5]، وملخصه: أن الله عاتب الكفار والمنافقين الذين لا يتدبرون القرآن، ومعلوم أن الله لا يكلف إلا بما يطاق، فإذا كان المنافقون والكفار مأمورون بالتدبر، وهم قادرون عليه، فغير العلماء من المسلمين أقدر على التدبر من الكفار والمنافقين إذا كانوا يعرفون اللغة العربية؛ لأنهم أعظم فهماً من أولئك، ولذا فهم معاتبون من باب أولى إذا لم يتدبروا؛ لأنهم قادرون على التدبر، والقول بأن التدبر جائز بل مطلوب من الكفار والمنافقين ومحرم على غير العلماء من المسلمين قول ضعيف لا تسنده الأدلة ولا الواقع، بل إن الأمر خلاف ذلك. وهذا القول من هذا العالم العلامة هو الصحيح، وهو ما تؤيده الأدلة النقلية والعقلية، لكن لا ينبغي أن يذهب وراء فكرة بمجردها وهو لا يعلم صواب الرأي فيها، فكيف إذا كانت تدبراً وكان وراءها عمل قلبي أو عمل بالجوارح، فمتى ورد على المرء في ذلك خلاف ما عليه العلماء فليتوقف، وإذا جهل فليتحقق، فبهذا يسلم والله أعلم[6].
:: مجلة البيان العدد 346 جمادى الآخـرة 1437هـ، مـارس 2016م.
الهوامش :
[2] سنن الترمذي 5/200.
[3] تفسير ابن كثير 1/10.
[4] تفسير ابن كثير 1/13.
[5] تفسير آية سورة محمد (24)، 7/256 وما بعدها.
[6] انظر كتاب: مدارج الحفظ والتدبر للكاتب، فصل: ضوابط التدبر (ص 77).
تعليق