إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله



    ولسه مكملين أحبابي في الله مع
    كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
    للعلامة السعدي رحمه الله تعالي
    وعرضنا في اللقاء الماضي القاعدةالرابعة وهي
    (إذا وقعت النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط
    أو الاستفهام دلت على العموم)

    وفي هذا اللقاء إن شاء الله نعرض القاعدةالخامسة وهي
    المقرر: أن المفرد المضاف يفيد العموم
    كما يفيد ذلك اسم الجمع

    .................................................. ...........................
    قال الشيخ رحمه الله تعالي

    القاعدة الخامسة

    المقرر: أن المفرد المضاف يفيد العموم
    كما يفيد ذلك اسم الجمع

    فكما أن قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } [النساء: 23] إلى آخرها يشمل كل أم انتسبت إليها، وإن علت . وكل بنت انتسبت إليك وإن نزلت ـ إلى آخر المذكورات ـ فكذلك قوله تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11] فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية، وقوله: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:162] فإنها تعم الصلوات كلها، والأنساك كلها، وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته، الجميع من الله فضلاً وإحساناً، وأنك قد أتيت ما أتيت منه وأوقعته وأخلصته لله وحده، لا شريك له .
    وقوله: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } [البقرة: 125] على أحد القولين: إنه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج: اتخذوه معبداً .
    وأصْرَح من هذا قوله تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [النحل: 123]، وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد والإخلاص لله تعالى، والقيام بحق العبودية .
    وأعم من ذلك وأشمل: قوله تعالى لما ذكر الأنبياء: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90] فأمره الله أن يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى، الذي هو العلوم النافعة والأخلاق الزاكية، والأعمال الصالحة، والهدى المستقيم . وهذه الآية أحد الأدلة على الأصل المعروف: [ أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه ] وشرع الأنبياء السابقين هو هداهم في أصول الدين وفروعه، وكذلك قوله تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153]، وهذا يعم جميع ما شرعه لعباده، فعلاً وتركاً، اعتقاداً وانقياداً، وأضافه إلى نفسه في هذه الآية لكونه هو الذي نصبه لعباده، كما أضافه إلى الذين أنعم عليهم في قوله { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] لكونهم هم السالكين له . فصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ما اتصفوا به من العلوم والأخلاق والأوصاف والأعمال وكذلك قوله { وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف: 110] يدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة والباطنة، العبادات الاعتقادية والعملية، كما أن وصف الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعبودية المضافة إلى الله كقوله: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } [الاسراء: 1] وكقوله { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } [البقرة:23] وقوله { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ }[الفرقان: 1] تدل على أنه وفَّي جميع مقامات العبودية، حيث نال أشرف المقامات بتوفيته لجميع مقامات العبودية، وقوله: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36] فكلما كان العبد أقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتم، وما نقص منها نقص من الكفاية بحسبه .
    وقوله: { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } [القمر:50]
    وقوله: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل:40] يشمل جميع أوامره القدرية الكونية . وهذا في القرآن شيء كثير .
    .................................
    نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
    هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
    وصحبه وسلم تسليما كثيرا
    والحمد لله رب العالمين



    تعليق


    • #17
      رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله



      ولسه مكملين أحبابي في الله مع
      كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
      للعلامة السعدي رحمه الله تعالي
      وعرضنا في اللقاء الماضي القاعدةالخامسة وهي
      المقرر: أن المفرد المضاف يفيد العموم
      كما يفيد ذلك اسم الجمع

      وفي هذا اللقاء إن شاء الله نعرض القاعدةالسادسة وهي
      في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده

      .................................................. ...........................
      قال الشيخ رحمه الله تعالي

      القاعدة السادسة: في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده:
      القرآن كله لتقرير التوحيد ونفي ضده، وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الألوهية، وإخلاص العبادة لله وحده، لا شريك له، ويخبر أن جميع الرسل إنما أرسلت تدعوا قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل بل الفطر والعقول السليمة كلها اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يَدِنْ بهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل
      {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}
      [الزمر: 65]،
      {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
      [الأنعام: 88]، ويدعوا العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن الله المنفرد بالخلق والتدبير والمنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة: هو الذي يستحق العبادة وحده، ولا ينبغي أن يكون شيء منها لغيره، وأن سائر الخلق ليس عندهم أي قدرة على خلق، ولا نفع، ولا دفع ضر، عن أنفسهم فضلا عن أن يغنوا عن أحد غيرهم من الله شيئا.
      ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يَتَمَدَّح به، ويُثني على نفسه الكريمة، من تفرده بصفات العظمة والمجد، والجلال والكمال، وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك: أحق من أُخلصت له الأعمال الظاهرة والباطنة.
      ويقرر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده، فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء
      {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}
      [يوسف: 40].
      وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً وعقلاً وفطرة، على جميع العبيد، وبذكر مساوئ الشرك وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم أضل من الأنعام سبيلا.
      وتارة يدعو إليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقب المشركين أسوأ العواقب وشرها.
      وبالجملة: فكل خير عاجل وآجل، فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شر عاجل وآجل، فإنه من ثمرات الشرك والله أعلم.


      نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
      هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
      وصحبه وسلم تسليما كثيرا
      والحمد لله رب العالمين



      تعليق


      • #18
        رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله



        ولسه مكملين أحبابي في الله مع
        كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
        للعلامة السعدي رحمه الله تعالي
        وعرضنا في اللقاء الماضي القاعدةالسادسة وهي
        في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده
        وفي هذا اللقاء إن شاء الله نعرض القاعدةالسابعة وهي
        في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

        .................................................. ...........................
        قال الشيخ رحمه الله تعالي

        القاعدة السابعة: في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:


        هذا الأصل الكبير: قرره الله في كتابه بالطرق المتنوعة التي يعرف بها كمال صدقه صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه صدق المرسلين، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأن جميع المحاسن التي في الأنبياء في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما نُزِّهوا عنه من النقائص والعيوب، فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أولاهم وأحقهم بهذا التنزيه، وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مهيمن على كل الكتب. فجميع محاسن الأديان والكتب قد جمعها الله في هذا الكتاب وهذا الدين، وفاق عليها بمحاسن وأوصاف لم توجد في غيره، وقرر نبوته بأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولا جالس أحداً من أهل العلم بالكتب السابقة، بل لم يَفْجَأ الناس إلا وقد جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أَتوا ولا قَدِروا، ولا هو في استطاعتهم ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وأنه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو أن يكون قد تقوَّله على ربه، أو أن يكون على الغيب ظنيناً.
        وأعاد القرآن وأبدى في هذا النوع، وقرر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطولة على جميع الواقع، الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يخبر تعالى: أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله تعالى لما ذكر قصة موسى مطولة: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص: 44] ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102].
        فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه تفصيلاً، صحح به أكثر الأخبار والحوادث التي كانت في كتب أهل الكتاب محرفة ومشوهة بما أضافوا إليها من خرافات وأساطير، حتى ما يتعلق منها بعيسى وأمه وولادتهما ونشأتهما، وبموسى وولادته ونشأته، كل ذلك وغيره لم يكن يعرفه أهل الكتاب على حقيقته حتى جاء القرآن، فقص ذلك على ما وقع وحصل، مما أدهش أهل الكتاب وغيرهم، وأخرس ألسنتهم حتى لم يقدر أحد منهم ممن كان في وقته، ولا ممن كانوا بعد ذلك، أن يكذبوا بشيء منها، فكان ذلك من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقاً.
        وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله، وتمام قدرته، وأن تأييده لرسوله ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض هو مقتضى حكمةِ ورحمةِ العزيز الحكيم، وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله وفي قدرته. وفي رحمته، بل وفي ربوبيته.
        وكذلك نصره وتأييده الباهر لهذا النبي صلى الله عليه وسلم على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأملين.
        وتارة يقرر نبوته ورسالته بما جمع له وكمله به من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأن كل خلق عال سام فلرسول الله صلى الله عليه وسلم منه أعلاه وأكمله.
        فمن عظمت صفاته، وفاقت نعوته جميع الخلق التي أعلاها: الصدق والأمانة، أليس هذا أكبرَ الأدلة على أنه رسول رب العالمين، والمصطفى المختار من الخلق أجمعين؟
        وتارة يقررها بما هو موجود في كتب الأولين، وبشارات الأنبياء والمرسلين السابقين، إما باسمه العلم أو بأوصافه الجليلة، وأوصاف أمته وأوصاف دينه، كما في قوله تعالى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
        وتارة يقرر رسالته بما أخبر به من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة، التي وقعت في زمان مضى على زمانه، أو وقعت في زمانه والتي لا تزال تقع في كل وقت، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا كان له ولا لغيره طريق إلى العلم به.
        وتارة يقررها بحفظه إياه، وعصمته له من الخلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم عليه، وجِدِّهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم، والله يعصمه ويمنعه منهم وينصره عليهم، وما ذاك إلا لأنه رسوله حقا، وأمينه على وحيه والمبلغ ما أمر به.
        وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به وهو القرآن الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ويتحدى أعداءه، ومن كفر به أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة واحدة، فعجزوا ونكصوا وباءوا بالخيبة والفشل، وهم أهل اللسان المُبَرِّزون في ميدان القول والفصاحة، ومع ذلك ما استطاعوا- مع شدة حرصهم ومحاولتِهم- أن يأتوا بسورة منه وما استطاعوا ولا قدروا- مع شدة حرصهم ومحاولتِهم- أن يجدوا فيه نقصاً أو عيباً ينزل به عن أعلى درجات الفصاحة التي ملكت أزمة قلوبهم، فلجئوا إلى السيف وإراقة دمائهم، وما كانوا يعمدون إلى هذا لولا أنهم لم يجدوا سبيلاً إلى محاربته بالقول، وما كانوا يزعمونه عندهم علوماً وحكماً، فكان عدولهم إلى السيف وإراقة الدماء أكبر الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وأقطع البراهين على أنه الحق والهدى من عند الله الذي جمع الله فيه لرسوله وللمؤمنين به كل ما يكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة في كل شئونهم. وأن هذا القرآن لأكبرُ أدلة رسالته وأجلُّها وأعمُّها.
        والله تعالى يقرر أن القرآن كاف جداً أن يكون هو الدليل الوحيد على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة، منها قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].
        وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدالِّ كل واحد منها بمفرده- فكيف إذا اجتمعت- على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
        وتارة يقررها بعظيم شفقته على الخلق، وحُنوِّه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وأنه لم يوجد ولن يوجد أحد من الخلق أعظم شفقة ولا براً وإحساناً إلى الخلق منه، وآثار ذلك ظاهرة للناظرين.
        فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه وقررها بعبارات متنوعة، ومعاني مفصلة وأساليب عجيبة، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء. والله أعلم.



        نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
        هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
        وصحبه وسلم تسليما كثيرا
        والحمد لله رب العالمين



        تعليق


        • #19
          رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله




          ............................

          ولسه مكملين أحبابي في الله مع

          كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
          للعلامة السعدي رحمه الله تعالي
          ................................................
          القاعدة الثامنة: طريقة القرآن في تقرير المعاد:
          .....................................



          وهذا الأصل الثالث من الأصول التي اتفقت عليها الرسل والشرائع كلها وهي: التوحيد، والرسالة، وأمر المعاد وحشر العباد.
          وهذا قد أكثر الله من ذكره في كتابه الكريم، وقرره بطرق متنوعة:
          منها: إخباره وهو أصدق القائلين عنه وعما يكون فيه من الجزاء الأوفى، مع إكثار الله من ذكره، فقد أقسم عليه في ثلاثة مواضع من كتابه، كقوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1].
          ومنها الإخبار بكمال قدرة الله تعالى، ونفوذ مشيئته، وأنه لا يعجزه شيء، فإعادة العباد بعد موتهم فرد من أفراد آثار قدرته.
          ومنها تذكيره العباد بالنشأة الأولى، وأن الذي أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً، لابد أن يعيدهم كما بدأهم، وأن الإعادة أهون عليه، وأعاد هذا المعنى في مواضع كثيرة بأساليب متنوعة.
          ومنها: إحياؤه الأرضَ الهامدة الميتة بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى، وقرر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك، وهو خلق السماوات والأرض، والمخلوقات العظيمة، فمتى أثبت المنكرون ذلك، ولن يقدروا على إنكاره، فلأي شيء يستبعدون إحياء الموتى؟ وقرر ذلك بسعة علمه، وكمال حكمته، وأنه لا يليق به، ولا يحسن أن يترك خلقه سدى مهملين، لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون. وهذا طريق قرر به النبوة وأمر المعاد.
          ومما قرر به البعث ومجازاة المحسنين بإحسانهم، والمسيئين بإساءتهم: ما أخبر به من أيامه وسننه سبحانه في الأمم الماضية والقرون الغابرة. وكيف نجى الأنبياء وأتباعهم، وأهلك المكذبين لهم المنكرين للبعث، ونوَّعَ عليهم العقوبات، وأحل بهم المَثُلات، فهذا جزاء معجل ونموذج من جزاء الآخرة أراه الله عباده، ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة.
          ومن ذلك: ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا كما ذكره الله عن صاحب البقرة والألوف من بني إسرائيل، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياء عيسى بن مريم للأموات وغيرها مما أراه الله عباده في هذه الدار، ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار، وأن العباد لابد أن يَرِدوا دار القرار، إما الجنة أو النار.
          وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محال كثيرة. والله أعلم.
          بالإيمان، قوموا بشكر هذه النعمة، بفعل كذا وترك كذا.
          ..............................

          .القاعدة التاسعة: في طريقة القرآن في أمر المؤمنين وخطابهم بالأحكام الشرعية:
          ............................



          قد أمر الله تعالى بالدعاء إلى سبيله بالتي هي أحسن، أي بأقرب طريق موصل للمقصود، محصل للمطلوب، ولا شك أن الطرق التي سلكها الله في خطاب عباده المؤمنين بالأحكام الشرعية هي أحسنها وأقربها.
          فأكثر ما يدعوهم إلى الخير وينهاهم عن الشر بالوصف الذي من عليهم به وهو الإيمان، فيقول: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا واتركوا كذا لأن في ذلك دعوة لهم من وجهين:
          أحدهما من جهة الحث على القيام بلوازم الإيمان، وشروطه ومكملاته، فكأنه يقول: يا أيها الذين آمنوا قوموا بما يقتضيه إيمانكم من امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والتخلق بكل خلق حميد والتجنب لكل خلق رذيل.
          فإن الإيمان الحقيقي هكذا يقتضي، ولهذا أجمع السلف أن الإيمان يزيد وينقص، وأن جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة من الإيمان ولوازمه، كما دلت على هذا الأصل الأدلة الكثيرة، من الكتاب والسنة- وهذا أحدها- حيث يصدر الله أمر المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أو يعلق فعل ذلك على الإيمان وأنه لا يتم الإيمان إلا بذلك المذكور.
          والوجه الثاني أن يدعوهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، أو يعلق ذلك بالإيمان، يدعوهم بمنته عليهم بهذه المنة، التي هي أجل المنن، أي: يا من مَنَّ الله عليهم.
          فالوجه الأول: دعوة لهم أن يتمموا إيمانهم، ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطن.
          والوجه الثاني: دعوة لهم إلى شكر نعمة الإيمان، ببيان تفصيل هذا الشكر، وهو الانقياد التام لأمره ونهيه، وتارة يدعوا المؤمنين إلى الخير، وينهاهم عن الشر، بذكر آثار الخير، وعواقبه الحميدة العاجلة والآجلة، وبذكر آثار الشر، وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة.
          وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر نعمه المتنوعة، وآلائه الجزيلة، وإن النعم تقتضي فهم القيام بشكرها، وشكرها هو القيام بحقوق الإيمان.
          وتارة يدعوهم إلى ذلك بالترغيب والترهيب، ويذكر ما أعد الله للمؤمنين الطائعين من الثواب وما للعصاة من العقاب.
          وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر ما له من الأسماء الحسنى، وما له من الحق العظيم على عباده، وأن حقه عليهم أن يقوموا بعبوديته ظاهراً وباطناً، ويتعبدوا له وحده، ويدعوه بأسمائه الحسنى وصفاته المقدسة.
          فالعبادات كلها شكر لله وتعظيم وتكبير، وإجلال وإكرام، وتودد إليه، وتقرب منه.
          وتارة يدعوهم إلى ذلك، لأجل أن يتخذوه وحده ولياً وملجأ، وملاذا ومَعاذا، ومفزعا إليه في الأمور كلها، وينيبوا إليه في كل حال، ويخبرهم أن هذا هو أصل سعادة العبد وصلاحه وفلاحه، وأنه إن لم يدخل في ولاية الله وتوليه الخاص تولاه عدوه الذي يريد له الشر والشقاء، ويمنيه ويغره، حتى يفوِّته المنافع والمصالح ويوقعه في المهالك.
          وهذا كله مبسوط في القرآن بعبارات متنوعة.
          وتارة يحثهم على ذلك ويحذرهم من التشبه بأهل الغفلة والإعراض، والأديان المُبَدَّلة، لئلا يلحقهم من اللوم ما لحق أولئك الأقوام. كقوله: {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين} [البقرة: 35]، {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، إلى غير ذلك من الآيات.
          ....................................

          .القاعدة العاشرة: في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم:
          ...................................



          يدعوهم إلى الإسلام، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليهتدي منْ قصد الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند.
          وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام.
          فإن محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي صلى الله عليه وسلم وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإن الحق إذا اتضح علم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال.
          ويدعوهم بما يخوفهم من أحداث الأمم وعقوبات الدنيا والآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور، والعواقب الخبيثة، وأنها إنما تقوم على الغفلة والتكذيب لآيات الله الكونية والعلمية بالوقوع تحت سلطان الجهل والتقليد الأعمى للآباء والشيوخ والسادة، ويحذرهم من طاعة هؤلاء الرؤساء، فإنهم رؤساء الشر، ودعاة النار، وأنهم لابد أن تتقطع نفوسهم على ما عملوه وقدموه حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم وموالاتهم ستتبدل بغضا وعداوة.
          ويدعوهم أيضاً بنحو ما يدعوا المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأن المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره واجتناب نهيه.
          ويدعوهم أيضاً بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، ويقارن بينها وبين دين الإسلام، ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعين اختياره، ويدعوهم بالتي هي أحسن. فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعدهم بالعقوبات الصوارم، وبين للناس طريقتهم التي كانوا عليها، وأنهم لم يخالفوا الدين جهلاً وضلالاً أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد.
          ويبين مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طبع على قلوبهم وختم عليها، وسد عليهم طريق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم وتوليهم الشيطان، وإعراضهم عن الرحمن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم.
          وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمل وتدبر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم.

          .............................................

          .القاعدة الحادية عشرة: مراعاة دلالة التضمن والمطابقة والالتزام:
          .........................................



          كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها.
          وهذه القاعدة: من أجل قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد. فإن الذي أنزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تكن الصدور، وبما تضمنه القرآن من المعاني، وما يتبعها وما يتقدمها، وتتوقف هي عليه.
          ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللوازم في كلام الله لهذا السبب.
          والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فإذا فهمتها فهماً جيداً، ففكر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها. وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرع عنها، وينبني عليها، وأكثر من هذا التفكير وداوم عليه، حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة. فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق، ذلك كله حق ولابد.
          فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقاً ونوراً، انفتحت له في القرآن العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية.
          ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه:
          منها: في أسماء الله الحسنى (الرحمن الرحيم) فإنها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة، وسعة.
          فإذا فهمت أن الرحمة التي لا يشبهها رحمة: هي وصفه الثابت، وأنه أوصل رحمته إلى كل مخلوق، ولم يخل أحد من رحمته طرفة عين: عرفت أن هذا الوصف يدل على كمال حياته، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، لتوقف الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة. ولهذا يعلل الله تعالى كثيراً من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه لأنها من مقتضاها وأثرها.
          ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] فإذا فهمت أن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها: استدللت بذلك على وجوب حفظ الأمانات، وعدم إضاعتها والتفريط والتعدي فيها، وأنه لا يتم الأداء لأهلها إلا بذلك.
          وإذا فهمت أن الله أمر بالحكم بين الناس بالعدل، استدللت بذلك على أن كل حاكم بين الناس في الأمور الكبار والصغار، لابد أن يكون عالماً بما يحكم به: فإن كان حاكماً عاماً، فلابد أن يحصل من العلم ما يؤهله إلى ذلك، وإن كان حاكماً ببعض الأمور الجزئية كالشقاق بين الزوجين، حيث أمر الله أن نبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فلابد أن يكون عارفاً بهذا الأمور التي يريد أن يحكم فيها، ويعرف الطريق التي توصله إلى الصواب منها.
          وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم، وأنه فرض عين في كل أمر يحتاجه العبد، فإن الله أمرنا بأوامر كثيرة ونهانا عن أمور كثيرة.
          ومن المعلوم أن امتثال أمره واجتناب نهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه، فكيف يتصور أن يمتثل الجاهل الأمرَ الذي لا يعرفه، أو يتجنب النهي الذي لا يعرفه؟
          وكذلك أمره لعباده أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، يتوقف ذلك على العلم بالمعروف والمنكر، ليأمروا بهذا وينهَوْا عن هذا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يحصل ترك المنهي عنه إلا به فهو واجب.
          فالعلم بالإيمان والعمل الصالح متقدم على القيام به، والعلم بضد ذلك متقدم على تركه؛ لاستحالة ترك ما لا يعرفه العبد قصداً وتقرباً وتعبداً حتى يعرفه ويميزه عن غيره.
          ومن ذلك الأمر بالجهاد، والحث عليه، من لازم ذلك الأمر بكل ما لا يتم الجهاد إلا به، من تعلم الرمي بكل ما يرمى به، والركوب لكل ما يُركب، وعمل آلاته وصناعاته، مع أن ذلك كله داخل دخولَ مطابقة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فإنها تتناول كل قوة عقلية وبدنية، وسياسية وصناعية ومالية ونحوها.
          ومن ذلك أن الله استشهد بأهل العلم على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته، وشهادة ملائكته. وهذا يدل على عدالتهم وأنهم حجة من الله تعالى على من كذب بمنزلة آياته وأدلته.
          ومن ذلك سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماما، يقتضي سؤالهم اللهَ جميع ما تتم به الإمامة في الدين، من علوم ومعارف جليلة وأعمال صالحة وأخلاق فاضلة؛ لأن سؤال العبد لربه شيئا سؤال له ولما لا يتم إلا به، كما إذا سأل العبد اللهَ الجنة، واستعاذ به من النار، فإنه يقتضي سؤاله كل ما يقرب إلى هذه ويبعِّد من هذه.
          ومن ذلك: أن الله أمر بالصلاح والإصلاح، وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يُصلح عمل المفسدين، فيُسْتدل بذلك على أن كل أمر فيه صلاح للعباد في أمر دينهم ودنياهم، وكل أمر يعين على ذلك فإنه داخل في أمر الله وترغيبه، وأن كل فساد وضرر وشر، فإنه داخل في نهيه والتحذير عنه، وأنه يجب تحصيل كل ما يعود إلى الصلاح والإصلاح، بحسب استطاعة العبد، كما قال شعيب عليه السلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88].
          ومن ذلك قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 47]، {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] يقتضي الأمر بكل ما لا تتم البشارة إلا به، والأمر بكل ما فيه حث وتحريض على القتال وما يتوقف على ذلك، ويتبعه من الاستعداد والتمرن على أسباب الشجاعة والسعي والقوة المعنوية من التآلف واجتماع الكلمة ونحو ذلك.
          ومن ذلك الأمر بتبليغ الأحكام الشرعية، والتذكير بها، وتعليمها، فإن كل أمر يحصل به التبليغ وإيصال الأحكام إلى المكلفين يدخل في ذلك، حتى إنه يدخل فيه إذا ثبتت الأحكام الشرعية، وَوُجدت أسبابها، وكانت تخفى عادة على أكثر الناس، كثبوت الصيام والفطر والحج وغيره بالأهلة إبلاغها بالأصوات والرمي، وإبلاغها بما هو أبلغ من ذلك، كالبرقيات ونحوها.
          وكذلك يدخل فيه كل ما أعان على إيصال الصوت إلى السامعين، من الآلات الحادثة، فحدوثها لا يقتضي منعها، فكل أمر ينفع الناس فإن القرآن لا يمنعه، بل يدل عليه لمن أحسن الاستدلال والانتفاع به.
          وهذا من آيات القرآن وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئاً منه، فإنه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلاً، أو يرد بما لا تهتدي إليه العقول.
          وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتمنعه فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك، فإنه مهما توسعت الاختراعات وعظمت الصناعات، وتبحرت المعارف الطبيعية، وظهر للناس في هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن- ولله الحمد- لا يخبر بإحالته، بل نجد بعض الآيات فيها إجمال أو إرشادات تدل عليه.
          وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في غير هذا الموضع. والله أعلم وأحكم وبالله التوفيق.

          نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
          هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
          وصحبه وسلم تسليما كثيرا
          والحمد لله رب العالمين




          تعليق


          • #20
            رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله





            ............................


            ولسه مكملين أحبابي في الله مع
            كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
            للعلامة السعدي رحمه الله تعالي
            ................................................



            .القاعدة الثانية عشرة: الآيات القرآنية التي يفهم منها قصَّار النظر التعارض:




            يجب حمل كل نوع منها على ما يليق ويناسب المقام كل بحسبه.
            وهذا في مواضع متعددة من القرآن:
            منها: الإخبار في بعض الآيات أن الكفار لا ينطقون، ولا يتكلمون يوم القيامة، وفي بعضها: أنهم ينطقون ويحاجُّون ويعتذرون ويعترفون: فمحمل كلامهم ونطقهم: أنهم في أول الأمر يتكلمون ويعتذرون، وقد ينكرون ما هم عليه من الكفر، ويقسمون على ذلك، ثم إذا ختم على ألسنتهم وأفواههم، وشهدت عليهم جوارحُهم بما كانوا يكسبون، ورأوا أن الكذب غير مفيد لهم أُخْرِسوا فلم ينطقوا.
            وكذلك الإخبار بأن الله تعالى لا يكلمهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، مع أنه أثبت الكلام لهم معه، فالنفي واقع على الكلام الذي يسرهم، ويجعل لهم نوع اعتبار.
            وكذلك النظر والإثبات واقع على الكلام الواقع بين الله وبينهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع، فالنفي يدل على أن الله ساخط عليهم، غير راض عنهم، والإثبات يوضح أحوالهم، ويبين للعباد كمال عدل الله فيهم، إذ هو يضع العقوبة موضعها.
            ونظير ذلك أن في بعض الآيات أخبر أنه {لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَاْنٌ} [الرحمن: 39]، وفي بعضها: أنه يسألهم {مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الشعراء: 92] و{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، ويسألهم عن أعمالهم كلها.
            فالسؤال المنفي: هو سؤال الاستعلام والاستفهام عن الأمور المجهولة، فإنه لا حاجة إلى سؤالهم، مع كمال علم الله، واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وجليل أمورهم ودقيقها.
            والسؤال المُثْبَت: واقع على تقريرهم بأعمالهم وتوبيخهم وإظهارِ أن الله حكم فيها بعدله وحكمته.
            ومن ذلك: الإخبار في بعض الآيات أنه لا أنساب بين الناس يوم القيامة، وفي بعضها: أثبت لهم ذلك، فالمثبت هو الأمر الواقع والنسب الحاصل بين الناس؛ كقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)} [عبس: 34- 35] إلى آخرها، والمنفي: هو الانتفاع بها، فإن الكفار يدعون أن أنسابهم تنفعهم يوم القيامة فأخبر تعالى أنه {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88- 89].
            ونظير ذلك: الإخبار في بعض الآيات: أن النسب نافع يوم القيامة، كما في إلحاق ذرية المؤمنين بآبائهم في الدرجات، وإن لم يبلغوا منزلتهم، وأن الله يجمع لأهل الجنات والدرجات العالية من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، فهذا لما اشتركوا في الإيمان وأصل الصلاح زادهم من فضله وكرمه، من غير أن ينقص من أجور السابقين لهم شيئاً.
            ومن ذلك: الشفاعة فإنه أثبتها في عدة مواضع، ونفاها في مواضع من القرآن، وقيدها في بعض المواضع بإذنه ولمن ارتضى من خلقه، فتعين حمل المطلق على المقيد، وأنها حيث نفيت فهي الشفاعة بغير إذنه، ولغير من رضي الله قوله وعمله، وحيث أثبتت فهي الشفاعة التي بإذنه لمن رضيه الله وأذن فيه.
            ومن ذلك: أن الله أخبر في آيات كثيرة أنه لا يهدي القوم الكافرين والفاسقين والظالمين ونحوها، وفي بعضها: أنه يهديهم ويوفقهم، فتعين حمل المنفيات على من حقت عليه كلمة الله، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس: 96- 97]، وحمل المثبتات على من لم تحق عليهم الكلمة.
            وإنما حقت كلمة الله بالعذاب والطرد على من ارتكسوا في حمأة التقليد وغرقوا في بحر الغفلة وأبوا أن يستجيبوا لداعي آيات الله الكونية والعلمية {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} [محمد: 17].
            وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه.
            ومن ذلك: الإخبار في بعض الآيات: أنه العلي الأعلى، وأنه فوق عباده وعلى عرشه، وفي بعضها: أنه مع العباد أينما كانوا، وأنه مع الصابرين والصادقين والمحسنين ونحوهم، فعُلوُّه تعالى أمر ثابت له، وهو من لوازم ذاته.
            ودنوه ومعيته لعباده لأنه أقرب إلى كل أحد من حبل الوريد، فهو على عرشه عَليٌّ على خلقه، ومع ذلك فهو معهم في كل أحوالهم، ولا منافاة بين الأمرين؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وما يتوهم بخلاف ذلك فإنه في حق المخلوقين.
            وأما تخصيص المعية بالمحسنين ونحوها، فهي معية أخص من المعية العامة، تتضمن محبتهم وتوفيقهم وكلاءتهم وإعانتهم في كل أحوالهم، فحيث وقعت في سياق المدح والثناء فهي من هذا النوع، وحيث وقعت في سياق التحذير والترغيب والترهيب فهي من النوع الأول.
            ومن ذلك: النهي في كثير من الآيات عن موالاة الكافرين وعن مُوادَّتهم والاتصال بهم، وفي بعضها الأمر بالإحسان إلى من له حق على الإنسان منهم، ومصاحبته بالمعروف، كالوالدين والجار ونحوهم.
            فهذه الآيات العامات من الطرفين، قد وضحها الله غاية التوضيح في قوله: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8- 9].
            فالنهي واقع على التولي والمحبة لأجل الدين، والأمر بالإحسان والبر واقع على الإحسان لأجل القرابة أو لأجل الجيرة أو الإنسانية على وجه لا يُخل بدين الإنسان.
            ومن ذلك: أنه أخبر في بعض الآيات أن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وفي بعضها أنه لما أخبر عن خلق السماوات أخبر أن الأرض بعد ذلك دحاها.
            فهذه الآية تفسر المراد، وأن خلق الأرض متقدم على خلق السماوات، ثم لما خلق الله السماوات بعد ذلك دحا الأرض، فأودع فيها مصالحها المحتاج إليها سكانها.
            ومن ذلك: أنه تارة يخبر أنه بكل شيء عليم، وتارة يخبر بتعلق علمه ببعض أعمال العباد وببعض أحوالهم، وهذا الأخير فيه زيادة معنى، وهو يدل على المجازاة على ذلك العمل، سواء كان خيراً أو شراً، فيتضمن مع إحاطة علمه الترغيب والترهيب.
            ومن ذلك: الأمر بالجهاد في آيات كثيرة، وفي بعض الآيات الأمر بكف الأيدي، والإخلاد إلى السكون، فهذه حين كان المسلمون ليس لهم قوة، ولا قدرة على الجهاد باليد، والآيات الأخرى حين قووا وصار ذلك عين المصلحة؛ والطريق إلى قمع الأعداء.
            ومن ذلك: أنه تارة يضيف الأشياء إلى أسبابها التي وقعت وتقع بها، وتارة يضيفها إلى عموم قدره، وأن جميع الأشياء واقعة بإرادته ومشيئته، فيفيد مجموع الأمرين إثبات التو حيد، وتفرد الباري بإيقاع الأشياء بقدرته ومشيئته، وإثبات الأسباب والمسببَّات، والأمرَ بالمحبوب منها، والنهي عن المكروه، وإباحةَ مستوى الطرفين فيستفيد المؤمن الجد والاجتهاد في الأخذ بالأسباب النافعة وتدقيق النظر وملاحظة فضل الله في كل أحواله، وأن لا يتكل على نفسه في أمر من الأمور بل يتكل على الله ويستعين بربه.
            وقد يخبر أن ما أصاب العبد من حسنة فمن الله، وما أصاب من سيئة فمن نفسه، ليعرف عباده أن الخير والحسنات والمحاب تقع بمحض فضله وجوده، وإن جرت ببعض الأسباب الواقعة من العباد، فإنه هو الذي أنعم بالأسباب وهو الذي يسرها، وأن السيئات وهي المصائب التي تصيب العبد فإنما أسبابها من نفس العبد، وبتقصيره في حقوق ربه، وتعديه لحدوده، فالله وإن كان هو المقدر لها. فإنه قد أجراها على العبد بما كسبت يداه، ولهذا أمثلة يطول عدها.

            .............................................

            .القاعدة الثالثة عشرة: طريقة القرآن في الحجاج والمجادلة مع أهل الأديان الباطلة:.
            ..........................................



            قد أمر الله بالمجادلة بالتي هي أحسن، ومن تأمل الطرق التي نصب الله المحاجَّة بها مع المبطلين على أيدي رسله رآها من أوضح الحجج وأقواها، وأقومها وأدلها على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، على وجه لا تشويش فيه ولا إزعاج.
            فتأمل محاجة الرسل مع أممهم، وكيف دعَوْهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، من جهة أنه المتفرد بالربوبية، والمتوحد بالنعم، وهو الذي أعطاهم العافية، والأسماع والأبصار، والعقول والأرزاق، وسائر أصناف النعم، كما أنه المنفرد بدفع النقم، وأن أحداً من الخلق ليس يقدر على رفع ولا دفع، ولا ضر ولا نفع، فإنه بمجرد معرفة العبد ذلك واعترافه به لابد أن ينقاد للدين الحق، الذي به تتم النعمة، وهو الطريق الوحيد لشكرها.
            وكثيراً ما يحتج على المشركين في شركهم وعبادتهم لآلهتهم من دون ربهم بإلزامهم باعترافهم بربوبيته، وأنه الخالق لكل شيء، والرازق لكل شيء، فيتعين أن يكون هو المعبود وحده.
            فانظر إلى هذا البرهان، وكيف ينتقل الذهن منه بأول وهلة إلى وجوب عبادة من هذا شأنه، ذلك أن آثار ربوبيته تنادي بوجوب الإخلاص له.
            ويجادل المبطلين أيضاً بذكر عيب آلهتهم، وأنها ناقصة من كل وجه، لا تغنى عن نفسها فضلاً عن عابديها شيئاً.
            ويقيم الأدلة على أهل الكتاب بأن لهم من سوابق المخالفات لرسلهم ما لا يستغرب معه مخالفتهم لرسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً لما سبقه من الرسالات التي مقصدها جميعاً واحد، وهو فك أغلال التقليد عن قلوب بني آدم لينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم بالتفكر في آيات ربهم، فيعرفوا بذلك أنه الإله الحق، وأن كل ما اتخذه الناس بوحي شياطين الإنس والجن من آلهة، فلا يخرج شيء منها عن أن يكون أثراً من آثار هذه الآيات، وأنها لذلك لا تليق بأي وجه لمشاركة ربها وخالقها في الإلهية، ولا ينبغي أن تعطى إلا حقها في المخلوقية والعبودية.
            وأن الخالق الذي ليس كمثله شيء هو المستحق لكل أنواع العبادة، وأن لا يعبد إلا بما أحب وشرع.
            وينقض على رؤساء المشركين ودعاة الباطل دعاويهم الباطلة وتزكيتهم لأنفسهم بالزور، ببيان ما يضاد ذلك من أحوالهم وأوصافهم، ويجادلهم بتوضيح الحق وبيان براهينه، وأن صدقه وحقيقتَه تدفع بمجردها جميع الشبه المعارضة له. {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32].
            وهذا الأصل في القرآن كثير، فإنه يفيد في الدعوة للحق، ورد كل باطل ينافيه.
            ويجادلهم بوجوب تنزيل الأمور منازلها، وأنه لا يليق أن يجعل للمخلوق العبد الفقير العاجز من كل وجه شيئاً من حقوق الرب الخالق الغني الكامل من جميع الوجوه.
            ويتحداهم أن يأتوا بكتاب أو شريعة أهدى وأحسن من هذا الكتاب ومن هذه الشريعة، وأن يعارضوا القرآن فيأتوا بمثله إن كانوا صادقين.
            ويأمر نبيه بمباهلة من ظهرت مكابرته وعناده فينكصون عنها، لعلمهم أنه رسول الله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وأنهم لو باهلوه لهلكوا.
            وفي الجملة لا تجد طريقاً نافعاً فيه إحقاق الحق وإبطال الباطل إلا وقد رسمه القرآن على أكمل الوجوه.
            ..................................................

            .القاعدة الرابعة عشرة: حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له:
            ...............................................


            وهذه قاعدة مفيدة جداً، متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة.
            وذلك أن الفعل وما هو معناه متى قيد بشيء تقيد به، فإذا أطلقه الله تعالى، وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم، ويكون الحذف هنا أحسن وأفيد كثيراً من التصريح بالمتعلقات، وأجمع للمعاني النافعة.
            ولذلك أمثلة كثيرة جداً:
            منها: أنه قال في عدة آيات: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151، 152، 153] فيدل ذلك على أن المراد: لعلكم تعقلون عن الله كل ما أرشدكم إليه وكل ما علمكموه، وكل ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، ولعلكم تذكرون، فلا تنسون ولا تغفلون، فتكونون دائماً متيقظين مُرْهفي الحواس تحسون كل ما تمرون به من سنن الله وآياته، فتذكرون جميع مصالحكم الدينية والدنيوية، ولعلكم تتقون جميع ما يجب اتقاؤه من الغفلة والجهل والتقليد، وكل ما يحاول عدوكم أن يوقعكم فيه من جميع الذنوب والمعاصي، ويدخل في ذلك ما كان سياق الكلام فيه وهو فرد من أفراد هذا المعنى العام.
            ولهذا كان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]: يفيد كل ما قيل في حكمة الصيام، أي لعلكم تتقون المحارم عموماً، ولعلكم تتقون ما حرم الله على الصائمين من المفطرات والممنوعات، ومن كل الأحوال والصفات السيئة والخبيثة، ولعلكم تتصفون بصفة التقوى، وتحصلون على كل ما يقيكم مما تكرهون، وتتخلقون بأخلاقها، وهكذا سائر ما ذكر فيه هذا اللفظ مثل قوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي المتقين لكل ما يُتقى من الكفر والفسوق والعصيان، المؤدين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى.
            وكذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] أي إن الذين كانت التقوى وصفهم، واليقظة والتدبر لسنن الله وآياته حالهم، وترك المحارم شعارهم متى زين لهم الشيطان بعض الذنوب ولبس عليهم الطريق، وحاول تخديرهم بالشبهات أو الشهوات، تذكروا كل أمر يوجب لهم المبادرة إلى المتاب إجلالاً لعظمة الله، وما يقتضيه الإيمان وما توجبه التقوى، وتذكروا عقابه ونكاله، وتذكروا ما تحدثه الذنوب من العيوب والنقائص وما تسلبه من الكمالات، فإذا هم مبصرون من أين أُتوا، ومبصرون الوجه الذي فيه التخلص من هذا الذنب الذي وقعوا فيه، فبادروا بالتوبة النصوح والرجوع إلى صراط الله المستقيم، فعادوا إلى مرتبتهم وعاد الشيطان خاسئاً مدحوراً.
            وكذلك ما ذكره على وجه الإطلاق عن المؤمنين بلفظ المؤمنين وبلفظ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 62] ونحوها، فإنه يدخل فيه جميع ما يجب الإيمان به من الأصول والعقائد والأعمال والأحكام، مع أنه قيد ذلك في بعض الآيات مثل قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِالله} الآية [البقرة: 136].
            وكذلك ما أمر به من الصلاح والإصلاح، وما نهى عنه من الفساد والإفساد مطلقاً، يدخل فيه كل صلاح كما يدخل في النهي كل فساد كذلك.
            وكذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، {وَأَحْسِنُوا} [البقرة: 195]، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26]، {هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ} [الرحمن: 60].
            يدخل في ذلك كله الإحسان في عبادة الخالق بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان إلى المخلوقين بجميع وجوه الإحسان من قول وفعل وجاه، وعلم ومال وغيرها.
            وكذلك قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] فحذف المتكاثَر به ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة: من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد، وغيرها مما تتعلق به أغراض النفوس فيلهيها ذلك عن طاعة الله.
            وكذلك قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر: 1- 2] أي في خسارة لازمة من جميع الوجوه إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
            وقوله: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فذكر المسئولين وأطلق المسئول عنه، ليعم كل ما يحتاجه العبد ولا يعلمه.
            وكذلك أمره تعالى بالصبر، ومحبته للصابرين، وثناؤه عليهم، وبيان كثرة أجورهم، من غير أن يقيد ذلك بنوع، ليشمل أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
            ومقابل ذلك ذمه للكافرين والظالمين والفاسقين والمشركين والمنافقين والمعتدين ونحوهم، من غير أن يقيده بشيء ليشمل جميع ذلك المعنى.
            ومن هذا قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] ليشمل كل حصر، ومنه قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] ليعم كل خوف.
            وقد يقيد ذلك ببعض الأمور فيتقيد به ما سيق الكلام لأجله.
            وهذا شيء كثير لو ذهبنا نذكر أمثلة عليه لطالت، ولكن قد فتح لك الباب، فامش على هذا السبيل المفضي إلى رياض بهيجة من أصناف العلوم.
            .................................................
            نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
            هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
            وصحبه وسلم تسليما كثيرا
            والحمد لله رب العالمين


            تعليق


            • #21
              رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله

              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              إخواني الكرام .....أخواتنا الكريمات
              بفضل الله عرضنا 14 قاعدة من كتاب
              القواعد الحسان في تفسير القرآن للسعدي
              وفي هذه المرة بالتحديد
              أتيت لكم بدروس شرح الكتاب للقواعد التي تم نشرها
              ال14 وهي دروس للشيخ خالد بن عبد الله المصلح
              .................................................. .
              1: القاعدة 1
              http://ar.islamway.net/lesson/116737/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-
              %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89


              .................
              2: القاعدة 2
              http://ar.islamway.net/lesson/116739/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
              ..................
              3: القاعدة 3
              http://ar.islamway.net/lesson/116741/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9
              ...........................
              4: القاعدة 4
              http://ar.islamway.net/lesson/116743/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9
              ......................
              5: القاعدة 5
              http://ar.islamway.net/lesson/116745/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3%D8%A9
              .......................
              6: القاعدة 6
              http://ar.islamway.net/lesson/116747/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D8%A9
              ......................
              7: القاعدة 7
              http://ar.islamway.net/lesson/116749/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9
              ..........................................
              8: القاعدة 8
              http://ar.islamway.net/lesson/116751/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86%D8%A9
              ..................................
              9: القاعدة 9

              http://ar.islamway.net/lesson/116753/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B3%D8%B9%D8%A9
              .............................
              10: القاعدة 10

              http://ar.islamway.net/lesson/116755/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9
              .............................
              11: القاعدة 11

              http://ar.islamway.net/lesson/116757/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9
              ...................
              12: القاعدة12

              http://ar.islamway.net/lesson/116759/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9
              ......................
              13: القاعدة13
              http://ar.islamway.net/lesson/116761/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9

              ...........................
              14: القاعدة 14
              http://ar.islamway.net/lesson/116763/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9
              .............................................
              إن شاء الله في بقية القواعد سنضع القاعدة
              والدرس معها
              نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
              هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
              وصحبه وسلم تسليما كثيرا
              والحمد لله رب العالمين



              تعليق


              • #22
                رد: مقدمة القواعد الحسان في تفسير القرآن (للسعدي رحمه الله ).متجدد باذن الله

                .



                ولسه مكملين أحبابي في الله مع
                كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن
                للعلامة السعدي رحمه الله تعالي


                القاعدة الخامسة عشرة: جعل الله الأسباب للمطالب العالية مبشرات لتطمين القلوب وزيادة الإيمان:
                وهذا في عدة مواضع من كتابه، فمن ذلك:
                النصر قال في إنزال الملائكة به:
                {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}
                [الأنفال: 10] وقال في أسباب الرزق ونزول المطر:
                {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}
                [الروم: 46].
                وأعم من ذلك كله قوله:
                {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
                [يونس: 62- 64] وهي كل دليل وعلامة تدلهم على أن الله قد أراد بهم الخير، وأنهم من أوليائه وصفوته، فيدخل فيه الثناء الحسن والرؤيا الصالحة، ويدخل فيه ما يشاهدونه من اللطف والتوفيق، والتيسير لليسرى، وتجنيبهم العسرى؛ لأن الله يقول:
                {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
                [الليل: 5- 7]، ويقول:
                {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}
                . [الطلاق: 4]، فإذا رأيت الأمور متيسرة لك ومسهلة، وأن الله يقدر لك الخير حتى وإن كنت لا تحتسبه، فهذه لا شك أنها بشرى، وإذا رأيت الأمر بالعكس فصحح مسارك فإن فيك بلاءً، والنعم ما تكون استدراكا إلا لمن أقام على معصية الله، كما قال تعالى:
                {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}
                [الأعراف: 182]، أما إذا كانت من المؤمن فليست استدراجا.
                ومن ذلك: بل من ألطف من ذلك أنه يجعل الشدائد مبشرة بالفرج، والعسر مؤذناً باليسر، وإذا تأملت ما قصه عن أنبيائه وأصفيائه، وكيف لما اشتدت بهم الحال، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت،
                {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ}
                . [البقرة: 214]،
                {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
                [البقرة: 214] رأيت من ذلك العجب العجاب.
                وقال تعالى:
                {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)}
                . [الشرح: 5- 6] وقال صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً» وأمثلة ذلك كثيرة، والله أعلم.

                .القاعدة السادسة عشرة: حذف جواب الشرط يدل على تعظيم الأمر وشدته في مقامات الوعيد:
                وذلك كقوله:
                {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}
                [السجدة: 12]،
                {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ}
                [سبأ: 51]،
                {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}
                [البقرة: 165]،
                {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}
                [الأنعام: 30]،
                {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ}
                [الأنعام: 27]. فحذْف الجواب في هذه الآيات وشبهها أولى من ذِكْره، ليدل على عظمة ذلك المقام، وأنه لهوله وشدته وفظاعته لا يعبَّر عنه بلفظ ولا يُدرك بالوصف، مثله قوله تعالى:
                {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}
                [التكاثر: 5] أي لما أقمتم على ما أنتم عليه من التفريط والغفلة واللهو.

                .القاعدة السابعة عشرة: بعض الأسماء الواردة في القرآن إذا أفرد دل على المعنى المناسب له، وإذا قرن مع غيره دل على بعض المعنى، ودل ما قرن معه على باقيه:
                ولهذه القاعدة أمثلة كثيرة:
                منها: الإيمان، أُفرد وحده في آيات كثيرة، وقُرن مع العمل الصالح في آيات كثيرة.
                فالآيات التي أُفرد فيها يدخل فيه جميع عقائد الدين وشرائعه الظاهرة والباطنة، ولهذا يرتب الله عليه حصول الثواب، والنجاة من العقاب، ولولا دخول المذكورات ما حصلت آثاره. وهو عند السلف: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح.
                والآيات التي قرن الإيمان فيها بالعمل الصالح: كقوله:
                {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
                [البقرة: 277] يُفسَّر الإيمان فيها بما في القلوب من المعارف والتصديق، والاعتقاد والإنابة. والعمل الصالح بجميع الشرائع القولية والفعلية.
                وكذلك لفظ البر والتقوى فحيث أفرد البر دخل فيه امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكذلك إذا أفردت التقوى. ولهذا يرتب الله على البر وعلى التقوى عند الإطلاق: الثواب المطلق والنجاة المطلقة كما يرتبه على الإيمان.
                وتارة يُفسِّر أعمال البر بما يتناول أفعال الخير وترك المعاصي، وكذلك في بعض الآيات تفسير خصال التقوى، كما في قوله:
                {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}
                [آل عمران: 133- 134] إلى آخر ما ذكره من الأوصاف التي تتم بها التقوى.
                وإذا جمع بين البر والتقوى مثل قوله تعالى:
                {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
                [المائدة: 2] كان البر اسماً جامعاً لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وكانت التقوى اسمًا جامعًا يتناول ترك جميع المحرمات.
                وكذلك لفظ الإثم والعدوان إذا قرنا، فسر الإثم بالمعاصي التي بين العبد وبين ربه، والعدوان بالتجرؤ على الناس في دمائهم وأعراضهم. وإذا أفرد الإثم دخل فيه كل المعاصي التي تُؤثِّم صاحبها، سواء كانت بينه وبين ربه أو بينه وبين الخلق، وكذلك إذا أفرد العدوان.
                وكذلك لفظ العبادة والتوكل ولفظ العبادة والاستعانة إذا أفردت العبادة في القرآن تناولت جميع ما يحبه الله ويرضاه ظاهراً وباطناً، ومن أول وأهم ما يدخل فيها: التوكل والاستعانة. وإذا جُمع بينها وبين التوكل والاستعانة نحو:
                {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
                [الفاتحة: 5]،
                {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}
                [هود: 123] فسرت العبادة بجميع المأمورات الباطنة والظاهرة، وفسر التوكل باعتماد القلب على الله في حصولها وحصول جميع المنافع ودفع المضار- مع الثقة التامة بالله في حصولها.
                وكذلك الفقير والمسكين إذا أُفرد أحدهما دخل فيه الآخر كما في أكثر الآيات، وإذا جمع بينهما كما في آية الصدقات وهي قوله:
                {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
                [التوبة: 60] فسٍّر الفقير بمن اشتدت حاجته وكان لا يجد شيئاً، أو من يجد شيئاً لا يقع منه موقعاً، وفسر المسكين بمن حاجته دون ذلك.
                ومثل ذلك الألفاظ الدالة على تلاوة الكتاب والتمسك به وهو اتباعه، ويشمل ذلك: القيامَ بالدين كله، فإذا قُرِنت معه الصلاة كما في قوله تعالى:
                {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ}
                [العنكبوت: 45] وقوله:
                {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}
                [الأعراف: 170] كان ذكر الصلاة تعظيماً لها وتأكيداً لشأنها، وحثاً عليها، وإلا فهي داخلة في الاسم العام وهو التلاوة والتمسك به وما أشبه ذلك من الأسماء.
                .......................................
                روابط الدروس
                الدرس 15:

                http://ar.islamway.net/lesson/116765/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9

                ...........................
                القاعدة 16:
                http://ar.islamway.net/lesson/116767/-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9
                ........................
                القاعدة 17:
                http://ar.islamway.net/lesson/116769/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9
                ...........................................

                نسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
                هذا وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله
                وصحبه وسلم تسليما كثيرا
                والحمد لله رب العالمين


                تعليق

                يعمل...
                X