إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عطر الفجر
    رد
    رد: ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –


    – ولجذر (خ، ل، ف) في اللغة دلالات عديدة، منها: الخَلْفُ: نقيض القدّام.
    والخَلْفُ: القرن بعد القرن[194]. ويقال: هذا خَلْفُ سوء لناس لاحقين بناس أكثر منهم، قال لبيد[195]:
    ذَهَبَ الذينَ يُعاشُ في أَكْنافهم وبقيتُ في خَلْف كجلدِ الأجربِ

    والخَلْفُ: الرَّديُّ من القول، ويقال في مَثَلٍ: ((سكتَ ألفْاً ونطقَ خَلْفاً)) للرجل يطيل الصمت فإذا تكلم تكلم بالخطأ[196].

    والخَلْفُ. الاستقاء، قال الحطيئة[197]:
    لِزُغب كأوْلادِ القطا راث خلْقُها على عاجزات النَهضِ حُمْرٍ حواصِلُهْ
    والْمسْتَخْلِف: الذي يحملُ الماء من بعد إلى أهله[198].

    والخَلْفُ: أقصر أضلاع الجنب، ومنه قول طرفة بن العبد[199]:
    وطَيِّ مَحالٍ كالحَنيِّ خُلوفُهُ وأَجرِتَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مْنّضَدِوالخَلْفُ الخَلَفْ: ما جاء من بَعْدُ، يُقال: هو خَلْفُ سوء من أبيه، وَخَلَفُ صدْق من أبيه... إذا قام مقامه[200]. والخَلَفُ أَيْضاً:
    ما استخلفته من شيء[201].
    والخِلْفُ: واحد الأخْلاف، وهو: موضع يد الحالب من ضرع الناقة[202].
    والخِلْفُ أيضاً: المخاض، وهي: الحوامل من النوق الواحدة خَلِفَةُ[203] والخُلْفُ بالضم: الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي[204].


    والاستخلاف في الآية الخامسة والخمسين من سورة النور: {وَعدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكمْ وعملوا الصالحاتِ لَيَسْتَخْلِفنَهُمْ في الأرض}، هو النيابة تشريفاً للمستخلف[205]، ولهذا ذهب المفسرون إلى أَنّ قوله – تعالى – (ليستخلفنهم) يعني: ليورثنّهم الأرض فيجعلهم ملوكها وساستها، والقول عام يشمل استخلاف الجمهور ما تحقق فيهم الإسمان والعمل الصالح[206]، المفسر بقوله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئاً).

    – وأما التمكين فالمَكْنُ في اللغة: بيض الضب، وقد وردت إشارة في شعر أبي الهندي (ت 180هـ)، إلى أَنّه من طعام العرب، فقال[207]:

    ومَكْنُ الضِباب طَعامُ العُريب ولا تَشتهيهِ نُفوسُ العَجَمْ


    قال ذلك مفتخراً على العجم، وقالوا: وهذه مَكْنَةُ الضبة ومَكِنَةُ الضبة ومَكِناتُها: مقارُّها[208].
    وعلى هذا فالمكن والمكان عند أهل اللغة: الموضع الحاوي للشيء[209].


    وتمكين الدين في الآية الخامسة والخمسين من سورة النور استعارة من هذا المعنى.
    قال الطبري في قوله: (ليمكنن لهم دينهم): لوطئّنَّ[210].


    وفسر الزمخشري: بالتثبيت[211]، وقال الرازي: هو أن يؤيدهم بالنصر والإعزاز[212]، وقال عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي هو التثبيت والتعضيد[213]، ودلالة التمكين على التوطئة والتثبيت دلالة تضمنية، ودلالته على التأييد دلالة التزامية.
    والملاحظ أَنَّ التمكين متضمن الآلة والمكان الذي يتمكن فيه. وتمكين الله الدين للمؤمنين فيه دلالة على إعطاء ما يصح به الفعل كائناً ما كان من الآلات والعدد والقوى، كما أنّ التمكين فيه دلالة على عدم امتلاك ما حازه[214] المرء، لأنَّ التمكين من الدين يكون على وفق ما أراد الله – سبحانه – من تنفيذ شريعته، لا على وفق ما يريده، الممكَن له في الأرض.

    – وأَمّا الأمن؛ فمن دلالاته الحسية؛ قولهم: ناقة أمون: للموثقة الخلق التي أمنت أن تكون ضعيفة[215].
    وفرس أمين القوي[216].


    والأمن: ضد الخوف[217]، فإذا زال الخوف واطمأنت النفس كان الأمن[218] وتلقي أسباب النزول ضوءاً على دلالات هذه الألفاظ، فقد ((أخرج الحاكم والطبراني عن أبي بن كعب قوله: لمّا قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلاّ بالسلاح، ولا يصبحون إلاّ فيه، فقالوا: ترون أنّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلاّ الله، فنزلت: {وَعَدَ الله الذين آمنوا منكم... الآية} وعن... البراء (بن عازب) قال: فينا نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد))[219].

    وعلى هذا فالآية تبيّن ((جزاء الطاعة المخلصة، والإيمان العامل، في هذه الأرض قبل يوم الحساب))[220].

    والملاحظ أَن أَلفاظ: (ليستخلفنهم، وليمكنن، وليبدلنهم) قد جاء كل منها مؤكداً بالنون، داخلة عليه اللام. وهذه اللام إنّما جاءت لتحقيق الأمر وإثباته في نفوس المؤمنين وانه كائن لا محالة[221].

    ومن الألفاظ التي دارت على معنى له علاقة بالاستخلاف لفظ:

    أورث: ذلك أَنّ الورث هو: الأصل والبقية، قال الشاعر[222]:

    فَلينْظُر في صُحُفٍ كالرِّباطِ فيهنَّ إرثُ كتاب مُحي
    والوراثه والإرث: انتقال قُنْيَة إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد، وسمي بذلك المنتقل عن الميّت، فيقال للقنية الموروثة ميراث وإرث[223].
    وحقيقة الميراث في الشرع: ((هو ما انتقل إلى الإنسان عن ملك الغير بعد موته على وجه الاستحقاق))[224].


    واستعمل القرآن هذا اللفظ – في قوله – تعالى –: {وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الّذينَ كانوا يُسْتَضْعَفونَ مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبها الّتي بارَكْنا فيها وَتَمّتْ كَلمَةُ رَبّكَ الحُسْنى على بني إسْرائيلَ بما صَبَروا ودَمّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وما كانوا يَعْرِشونَ}[225] في نزول قوم ديار قوم بعدهم بما صبروا، وجاءت هذه الآية مقابلة لقول موسى: {قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلفَكُمْ في الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعمَلون}[226]، فلمّا بين الله – تعالى – إهلاك القوم بالغرق على وجه العقوبة بيّن ما فعله بالمؤمنين من الخيرات وهو أنه – تعالى – أوْرَثهم أرضهم وديارهم، فتحقق الوعد بالاستخلاف[227]. وورد اللفظ – أيضاً – في قوله – عز وجل –: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأوها وكانَ اللهُ على كُلّ شَيء قَديراً}[228].
    للدلالة على أخذ المؤمنين أموال بني قريظة بعد حربهم وَإجلائهم عن المدينة المنورة.


    – وإذا كان الله – سبحانه – قد جعل المستضعفين يرثون الأرض فقد منّ عليهم بأَنْ جعلهم أئمّة في قوله: {وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذين اسْتُضْعفوا في الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ}[229].
    والأمُّ في اللغة: القصد. يُقال أمَمْتُهُ أَؤُمُّهُ أَمّاً: إذا قصدت له[230].
    ومن الدلالات الحسية لهذه المادة؛ الإمام: لخشبة البنّاء التي يُسوى عليها البناء، قال الشاعر[231]:

    وخَلّقْتُهُ حتى إذا تَمَّ واستوى كُمخةِ ساق أو كَمَتْنِ إمامَ
    قَرنْت بِحَقْوَيهِ ثلاثاً فَلَم يَزغْ عَنِ القَصدِ حتى بُصِّرَتْ بدِمام


    والإمام: الصقع من الأرض، والطريق... والإمام الذي يقتدى به[232].

    وفي هذا المعنى ورد لفظ ((أئمة)) في الآية، قال قتادة: وتجعلهم أئمة، أَي: ولاة أمر[233]. وعن مجاهد: دعاة إلى الخير[234]. وذهب الزمخشري والرازي إلى: أنهم المقدمون في الدين و الدنيا، واقتران لفظ أئمة بلفظي ((الوارثين ونمكّن)) يقوى هذه الدلالة، لأن من لوازم تمكين الله لهم أنْ ينفذ أمرهم ويطلق أيديهم[235].

    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*
    إنَّ الوصول إلى الاستخلاف في الأرض والتمكين يتم عن طريق الجهاد، وقد قال – سبحانه وتعالى –:
    {يُجاهِدونَ في سَبيلِ الله ولا يَخافونَ لَومةَ لائِم ذلك فَضْلُ الله يُؤتيه مَنْ يَشاء}[236]، وهذه دلالة الفضل، إذ بيّن – تعالى – أنّ جهادهم على هذا الوجه فضل من الله من حيث يوفق لذلك، ومن حيث يؤديهم إلى النعم العظيمة من الثواب[237].

    إنَّ الجهاد في الإسلام حياة كاملة ممتدة، فقد قال – سبحانه –
    {يا أَيّها اللذَين آمنَوا اسْتَجيبوا لله وللرَّسول إذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ واعلموا أَنَّ الله يَحولُ بَيْنَ المَرءِ وقلبِهِ وأَنَّهُ إليه تُحشرونَ}[238].


    – ولفظ ((يحييكم)) له دلالته اللغوية الخاصة عند العرب، فقد قالوا: اخصب القوم وأحيوا.
    والحيا... كثرة الغيث[239].

    ومن دلالات جذر (ح، ي، ي) الحياة ضد الموت[240].
    وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أَنَّ سورة الأنْفال بجملتها نزلت في غزوة بدر[241] ترجح لدينا أَنَّ هذه الدعوة تختص بالدعاء إلى الجهاد وقتال العدو، وقد أعلمهم الله – سبحانه –: ((أَنَّ ذلك يحييهم من حيث كان فيه قهر المشركين، وتقليل لعددهم، وفلّ لحدهم وحسم لأطماعهم))[242] … ويجري ذلك مجرى قوله – عز وجل –: {ولكُمْ في القِصاص حياة}[243].
    إنَّ تعبير القرآن عن الجهاد بلفظ ((يحييكم)) إنّما هو دلالة على أنَّ الجهاد دعوة إلى عقيدة، تحيي القلوب والعقول وشريعة، تحرر الإنسان وتكرمه، ومنهج للفكر يحقق القوة والعزة والاستعلاء[244].
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*

    إنَّ النصر الذي يحرزه المؤمنون بجهادهم لا تتخلف عنه يد القدرة، فولاية الله لهم دائمة، وفي ذلك – يقول – تعالى –: {واللهُ أعْلَمُ بأعْدائكُمْ وكفى باللهِ وليّاً، وكفى باللهِ نَصيراً}[245].

    والولي في اللغة: القْربُ والدُّنْو، يقال: تباعد بعد وَلْي[246]، وقال ساعدة بن جؤيّة الهذلي[247]:

    هَجَرَتْ غَضوبُ وَحُبَّ مَنْ يَتَحَبّبُ وعَدَتْ عَوادٍ دون وَلْيِكَ تَشْعبُ






    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 29-12-2014, 12:18 AM.

    اترك تعليق:


  • عطر الفجر
    رد
    رد: ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –


    – ولفظ الفتح: غزير بدلالاته اللغوية ومتنوع في استعمالاته القرآنية ومن الدلالات الحسية لجذر (ف، ت، ح)، قولهم: ناقة فتوح: للواسعة الأحاليل[165].

    والفُتوح: واحدها فتح، وهو أول مطر الوسمي، لأنّه يفتتح الشهر بالمطر[166]. قال الراجز[167]:


    كَأَنَّ تحتي مُخْلفاً قروحاً يَرْعى غُيوثَ العَهْدِ والفُتوحا


    والفِتاح: مخر الأرضي ثم حرثها[168]. والفَتْحُ: الماء يجري من عين أو غيرها[169].

    ويلاحظ أَنَّ هذه الاستعمالات تحمل دلالة الخصب والعطاء، حتى إنهم قالوا إذا ما ظهرت أمارات الخصب: ما أحسن ما افتتح عامنا به[170].

    والفتح فيه دلالة السعة – أيضاً –، فقولهم: باب فُتُحُ أي: واسع مفتوح، وقارورة فُتُحُ، أي: واسعة الرأس[171].

    ويقال: هي الفِتاحة والفِتاحة، من المفاتحة، وهي: المحاكمة، وأنشد ابن السكيت وهو للأسعر الجعفي[172]:
    الا أَبْلغْ بني عمراً ورسولاً فإنّي عن فُتاحَتكُمْ غنيُّ



    والفتّاح: الحاكم[173]. والفَتْحُ: أن تحكم بين قوم يختصمون إليك[174].
    وقال الأعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينك الفتّاح، يعني: الحاكم، وقال الفرّاء: أهل عُمان يسمون القاضي الفتّاح[175]، وقال ابن عباس في قوله – تعالى –: {إنّا فَتَحْنا لكَ فَتْحاً مُبيناً}[176]: كنت أقرؤها، ولا أدري ما هي حتى تزوجت بنت مشرح، فقالت: فتح الله بيني وبينك، أي: حكم الله بيني وبينك[177]. وعلى هذا فالفتح هو إزالة الإغلاق والإشكال[178].


    واستعمل أوجه القرآن الفتح على أربعة أوجه[179]:

    القضاء: وذلك كقوله – تعالى –: {ربّنا افْتَح بيْننا وبَيْنَ قَوْمنا بالحَقِ وأنت خَيْرُ الفاتحينَ}[180].

    الارسال: كقوله: {ما يَفْتَح اللهُ للنّاس منْ رحمة فلا ممْسكَ لَها}[181].

    – الفتح بعينه: كقوله: {حتى إذا جاءوها وفُتحَت أَبوابُها}[182].

    النصر: لأنّ الله يفتح به أمراً مغلقاً[183]، كقوله: {فَعَسى اللهٌ أَنْ يأتيَ بالفَتْحِ أَو أَمْر منْ عندهِ}[184]، وقوله: {إنْ تَستفتحوا فقَدْ جَاءكُمُ الفَتْحُ}[185]، أي: النصر[186].

    والملاحظ أن لفظ ((الفتح)) فيه دلالة الفصل بين الشيئين ليظهر ما وراءهما[187] فالنصر إذا كان بمعنى: الظفر والغلبة، فالفتح يحمل – فضلاً عن هذا – دلالة الفصل بين الحق والباطل وظهور ذلك للبصر والبصيرة، وسياق الآيات يوضح ذلك، فقد قال – سبحانه وتعالى –: {فَتَرى الذين في قُلوبهمْ مَرض يُسارعون فيهمْ يَقولون نَخشى أَنْ تُصيبنا دائرة فعسى اللهُ أن يأتَي بالفَتْح أَو أَمْر منْ عنْده، فَيُصبحوا على ما أَسَروا في أَنْفسهمْ نادمين}[188]، فالمنافقون كانوا يشكّون في أَمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – ويحدثون أَنفسهم قائلين: لا نظنّ أَنّه يتم له أمره، والأظهر أن تصير الدَّولة والغلبة لأعدائه.

    فوعد الله – سبحانه – أن يأتي بالفتح لرسوله – صلى الله عليه وسلم – على أعدائه ليظهر المسلمين بالحق على أعدائهم، ويقطع دابر اليهود، فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم[189].

    ومما يكشف عن الدلالة التي ذكرناها – أيضاً – في سبب النزول، قوله – تعالى –: {إن تستفتحوا فقدْ جاءكم الفتح}[190]، فقد روى الحاكم عن عبدالله بن ثعلبة بن صغير أَنه قال: كان المستفتح أبا جهل، فإنّه قال حين التقى القوم: اللّهم أَيُّنا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف فَأحْنهِ: (فأملكه) الغداة. وكان ذلك استفتاحاً، فأنزل الله: {إنْ تَسْتفْتحوا فقَدْ جاءكم الفتح} إلى قوله: {وأَنَّ اللهَ مع الصابرين}[191].
    والبادي من هذه الرواية أَنَّ أبا جهل كان لا يعرف الحق من الباطل مكابرة، فاستعمل القرآن لفظ ((الفتح)) ليدل على معنى الفصل بين الحق والباطل وظهور ذلك للعيان من خلال انتصار المسلمين، والمعنى: ((إنْ تَسْتنْصروا لأَهْدى الفئتين وأكرم الحزبين فقد جاءكم النصر))[192]. مظهراً أهل الحق مركساً أهل الباطل.


    وإذا ما تم الفتح فقد تحقق وعد الله الذي وعد به عباده المؤمنين وهو الاستخلاف والتمكين والأمن، وذلك في قوله – تعالى –: {وَعَدَ اللهُ الذين آمنوا منكمْ وعَملوا الصّالحاتِ ليستخْلفَنّهمْ في الأرضِ كَما استَخلفَ الّذينَ منْ قبلهمْ وليمكننَّ لهمْ دينهمُ الذي ارْتضى لهم وليبدلنهم منْ بعدِ خوفهمْ أَمناً يعبدونَني لا يُشْرِكونَ بي شيئاً ومنْ كفرَ بعدَ ذلكَ فأُولئكَ همُ الفاسقونَ}[193].



    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 29-12-2014, 12:44 AM.

    اترك تعليق:


  • عطر الفجر
    رد
    رد: ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –


    ومن أَلْطاف الله – سبحانه وتعالى – وتأييده للمؤمنين في الدنيا إمدادهم بالملائكة:
    وقد جاء ذلك في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم:


    – {فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنّي مُمدٌّكُمْ بأَلْفٍ منَ المَلائكَةِ مْرُدِفينَ}[112].

    – {
    إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ }[113] ونلحظ أَنّ الإمداد بالملائكة مترتب على الصبر والتقوى، وثمة فرق في دلالة هذه المادة اللغوية، فإذا كانت من: مدّ النهر، فالفعل لازم بمعنى: زاد أو طما، أَو زخر، وأَمّا الذي يتعدى كقولهم: مَدَّهُ نَهْر آخر وأَمْدَدْتُ الجيشَ بمَدَد فمعناه: كَثَّرَ غيره وقوّاه ووصله، كقول العجاج[114]:

    ماءُ قَرِيٍّ مَدَّهُ قَرِىُّ

    وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب كما في الآيات السابقة، والمّدُّ في المكروه[115]، كقوله – تعالى –:
    {
    كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا }[116].

    والمدّ في القرآن على خمسة أوجه[117]، وذكر يحيى بن سلام ستة[118]: فما كان من الرباعي جاء بمعنى: العطاء، كقوله – تعالى –: {وَيُمْدِدْكُمْ بأَمْوال وَبَنين}[119]، وكالآيات التي جاء فيها ذكر الإمداد بالملائكة. وقد جعَل لها يحيى بن سلام وجهاً آخر، بمعنى: التقوية[120]. وما جاء من الثلاثي فيأتي يَمُدُّهم، بمعنى: يَلِجُهمْ كقوله – تعالى –: {وَيَمُددُّهُمْ في طْغْيانهمْ}[121]، أو بمعنى المد الذي لا انقطاع له، كقوله: {
    وَظِلٍّ مَمْدُودٍ }[122]، أو البسط كقوله: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[123]، أو مدّت يعني: سَوّيت كقوله: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ }[124] وإذا كان إمداد المؤمنين بالملائكة بشرى لهم كما أنه يلقي الاطمئنان في قلوبهم. فمن هنا يعدّ:

    – الاطمئنان: من ألطاف الله بالمؤمنين في الدنيا فقد قال – سبحانه – {ومَا جََعَلَهُ اللهُ إلاّ بْشْرى لَكُمْ وَلتَطْمَئنَّ قُلوبُكُم بهِ}[125]. وأصل الاطمئنان من قولهم: أَرض مطمئنّة ومتطامنة، أي: منخفضة. واطمأَنّ بالمكان، ووتّد الله الأرض بالجبال فأطمأنت[126]. واطمأنَّ الرجل اطمئناناً وطمأنينة، أَي: سكن[127] بعد انزعاج[128]. وهذا المعنى هو وجه من الأوجه التي وردت في القرآن الكريم لهذه المادة، فقوله: (ولتطمئن قلوبكم به) يعني: ولتسكن به قلوبكم[129].

    وللمادة وجهان آخران هما:

    – الرضا: كقوله – تعالى –: {فَإنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمأَنَّ به}[130] أي رضي به.

    – و الإقامة، كقوله: {فإن اطمأننتم}[131]، يعني فإذا أَقَمتم[132] ومن ألطاف الله بالمؤمنين حينما يصيبهم الفزع أَن ينزل عليهم: السكينة، والسكينة، والسكون في اللغة: الاستقرار والثبات بعد تحرك، يقال: سَكَن الشيء سكوناً: استقرّ وثبت، وسكّنه غيره تسكيناً[133]. والمَسْكنُ والّمسْكنُ والّمسْكَنُ[134] المنزل والبيت[135]. والسّكَنُ: ما سكنت إليه[136]. قال الله – عز وجل – {وَجّعّلَ الليْلَ سَكَناً}[137] ، والسَكّنُ أَيضاً: النّار[138] قال الراجز[139]:

    أَقامَها بسَكَنٍ وَأَدْهانْ

    أي: ثقّفها بالنار والدهن. وقال[140]:

    ألجأَني الليلُ وريح بلّه إلى سواد إبل وَثُلّه[141]

    وسَكَنٍ توقَدُ في مِظَلّهْ

    وسميت النار بذلك، لأنّها يسكن بها وهذا مجاز[142].

    والسّكْنُ: أَهْلُ الدار، قال ذو الرمة[143]:

    فَيا أَكْرَمَ السّكْنِ الذين تَحَمّلوا عَنِ الدارِ والمُسّتَخْلَفِ المُتبدَّلِ

    ومن المجاز قولك: ((هي السكينة في الوقارِ))[144].
    وقد فرّق أَبو هلال العسكري بين السكينة والوقار، فقال: "إنَّ الوقار هو الهدوء وسكون الأطراف وقلّة الحركة في المجلس، ويقع – أيضاً – على مفارقة الطيش عند الغضب مأخوذ من الوقر: وهو الحمل، والسكينة: مفارقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف ألا ترى إلى قوله – تعالى –: {فأَنْزَل اللهُ سَكينَتَهُ عليه}[145]، وقال: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكينَتَهُ على رَسولهِ وَعَلى المْؤْمنينَ}[146]، ويضاف إلى القلب كما قال – تعالى –: {
    هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[147] فيكون هيبة وغير هيبة، والوقار لا يكون إلاّ هيبة"[148].

    والمراد بإنزال السكينة في قلوب المؤمنين: ((أَنّه سكّن قلوبهم وآمنهم من العدو، فمن حيث فعل ذلك كان منزلاً للسكينة في قلوبهم، ليزدادوا إيماناً، ويقووا على الجهاد، ويطلبوا الظفر، ومتى حمل الكلام على ما ذكرنا كان للكلام على الحقيقة، لأنّ الأمر الذي تأولناه عليه من فعله – تعالى))[149] وأشار برجشتراسر إلى أَنَّ الكلمة الآرامية (Skinta) – وهي مصدر في أصلها بمعنى: السكون والنزول في محل – قريبة من لفظ (سكينة) وقد تخصص دلالتها بالسكينة المضافة إلى الله – سبحانه –[150].

    وورد جذر (س، ك، ن) في القرآن الكريم على أربعة أوجه[151]:

    – القرار، كقوله – تعالى: {اللهُ الّذي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِتسْكنوا فيه}[152]، يعني: لتستقروا فيه من التعب.

    – النزول، كقوله – تعالى –: {وَقْلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنّةَ}[153]، يعني: انزلها أنت وزوجك.

    – الإستئناس، كقوله: {وَمنْ آياتهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ منْ أَنفسكمْ أَزْواجاً لتَسْكُنوا إلَيْها}[154].

    – الطمأنينة، كقوله: {
    فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ }[155]، يعني: الطمأنينة في قلوبهم[156].

    وورد لفظ السكينة في القرآن ست مرات في أقواله – تعالى –:

    – {إنَّ آيَةَ مْلْكهِ أَنْ يَأْتيَكُمُ التّابوتُ فيهِ سَكينَة منْ ربكم}[157] وقال الرّاغب فيها:
    "زوال الرعب... وما ذكر أنّه شيء، كرأس الهرّ فما أراه قولاً صحيحاً"[158].


    – {هْوَ الّذي أَنْزَلَ السّكينَةَ في قُلوبِ المُؤمنينَ ليَزْدادو إيماناً}[159].

    – {فََعَلِم ما في قُلوبهم فَأَنْزَلَ السّكينَةَ عَلَيْهمْ وأَثابَهُمْ فَتْحاً قَريباً}[160].

    – {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكينََتَهُ على رَسولهِ وَعَلى المُؤْمنينَ}[161].

    – {ثْمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولهِ وَعَلى المُؤْمنينَ}[162].

    – {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وأيَّدهُ بجنود لم تروها}[163].



    والملاحظ أنَّ هذا اللفظ قد استعمل في القرآن في مواضع القلق والاضطراب التي انتابت الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين كالذي حدث في يوم الغار، ويوم حنين ونحوهما، فأوجبت زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات[164] وإذا ما تحقّقّت الطمأنينة والسكينة في نفوس المؤمنين يكونون أَقدر على إنجاز المهمات الجهادية فَيَمُنّ الله عليهم بالفتح.


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 29-12-2014, 02:55 AM.

    اترك تعليق:


  • عطر الفجر
    رد
    رد: ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –



    ويلاحظ أيضاً أن لفظ:


    – يربط: كان مستعملاً في الآيات التي تتحدث عن النصر والجهاد. ولجذر (ر، ب، ط) في اللغة دلالات حسية، منها:

    رَبَطْتُ الشيء أَربِطُهُ، وأَرْبُطُهُ، : شددته، والموضع مْربَط ومَرْبِطٌ.... ويقال: نعم الربيّط هذا، لما يرتبط من الخيل...
    والرباط ما تشد به القربة والدابة وغيرهما والجمع رُبُطٌ. قال الأخطل[89]:


    تموتُ طَوراً وتحيا في أَسِرَّتِها كما تُقَّلبُ في الرُّبْطِ المَراويدُ


    وفيهم رباط الخيل: حبسها واقتناؤها، قال الشاعر[90]:
    فينا رِباطُ جياد الخيلِ مُعْلَمَةً وفي كُلْيب رِباطُ اللُّؤْمِ والعارِ

    وأعدوا رباط الخيل وهي ما يرتبط منها، ومن التطور الدلالي للمادة:

    رابط الجيش: أقام في الثغر، والأصل أن يربط هؤلاء وهؤلاء خيلهم، ثم سميت الإقامة في الثغر مرابطة ورباطاً، والغزاة في مرابطهم ومرابطاتهم، وهي مواضع المرابطة، ووقف ماله على المرابطة، وهي الجماعة التي رابطت[91]. ويلاحظ أَنَّ هذه الدلالات وجدت بعد الإسلام وتوسع الفتوح، واستقرار الفاتحين في الثغور.

    ومن الدلالات الحسية للمادة – أيضاً – قولهم:
    ترابط الماء في مكان كذا، إذا لم يخرج من مجتمعه وركد فيه، ومنه ماء مترابط؛ قال الشاعر يصف سحاباً[92]:

    تَرى الماءَ منْهُ مُلْتَقٍ مُتَرابِطٌ وَمُنْجَرِدٌ ضاقت بهِ الأرضُ سائحُ

    واستعملت هذه المادة في القرآن الكريم خمس مرات، وجاءت مقترنة بالقلب ثلاث مرات، وذلك في قوله – تعالى –:
    {إنْ كادَت لَتُبْدي به لولا أَنْ رَبَطنا على قَلبِها لتكونَ منَ المؤمنين}[93].
    وهذا لطف من الله إذْ أَلهمها الصبر كما يربط الشيء المتفلت ليستقر ويطمئن[94]. وقوله: {ورَبَطنا على قُلوبِهم إذْ قاموا، فقالوا:
    {رَبٌّنا رَبُّ السمواتِ والأرضِ لَنْ ندعوَ منْ دونه إلهاً لقد قُلنا إذاً شططاً}[95].
    والربط هنا ((عبارة عن شدة عزم وقوة صبر اعطاها الله لهم... ولما كان الفزع والخور يشبه بالتناسب الانحلال، حسن في شدة النفس وقوة التصميم أَنْ يشبه الربط))[96].
    وقوله {وليربِطَ على قلوبِكم، ويُثَبت به الأقدام}[97]، المراد: أن بسبب نزول هذا المطر قويت قلوبهم، وزال الخوف والفزع عنهم، ويقال لكل من صبر على أمر: ربط قلبه عليه، كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب))[98]. والقى استعمال حرف الجر (على) الذي يفيد الاستعلاء ظلّه على دلالة اللفظ[99].


    فكأَنَّ المعنى: ((أن القلوب أمتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفَع فوقها))[100].

    وَأَمّا قوله – تعالى –: {يا أَيُّها الّذين آمَنوا اصْبِروا وصَابروا وَرابطوا}[101]، ((فمعناه عند الجمهور: رابطوا أعداءكم الخيل، أي:

    ارتبطوها، كما يرتبطها أعداؤكم))[102]. وكذلك – قوله – تعالى –: {وَأَعدّوا لَهْمْ مااسْتَطَعْتْمْ منْ قُوةٍ وَمنْ رِباطِ الخيْلِ}[103]، وذكر الراغب أن المرابطة ضربان:

    1 - مرابطة في ثغور المسلمين وهي كمرابطة النفس البدن فإنّها كمن أقيم في ثغر وفوّض إليه مراعاته، فيحتاج أن يراعيه غير مخل به وذلك كالمجاهدة قال – عليه السلام –: ((من الرِّباطِ انتظارُ الصّلاة))[104].

    2 - ومرابطة بمعنى: قوة القلب، قال – تعالى –: {وَرَبّطْنا على قُلوبهمْ}[105] وبنحو هذا قيل: فلان رابط الجأش[106].


    وقد عبّر القرآن عن الربط بلفظ آخر هو:



    – الختم: وذلك في قوله – تعالى –: {فَإنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتمْ على قَلْبِكَ}[107]، أي: يحفظه ويربطه[108]، قال مجاهد يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يشق عليك قولهم: إنّه مفتر كذّاب[109]. وهذا المعنى فيه صلة بالدلالة اللغوية للمادة، إذ الختم ضد الفتح[110]. وهو التغطية والاستيثاق من أَنْ لا يدخله شيء[111]، وفي ذلك حفظ القلب من أي مداخلة تشق عليه.


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 28-12-2014, 01:06 AM.

    اترك تعليق:


  • عطر الفجر
    رد
    رد: ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –

    قد عبر القرآن الكريم عن النصر والغنيمة أيضاً بألفاظ:

    – الحسنة: وقد عبر بها عن كل ما يسر من نعمة، تنالُ الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة ضدها[31]، ومن ذلك قوله:
    {
    وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[32] وقوله:

    {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }[33] فالحسنة هنا تعني: النصر والغنيمة، يوم بدر، والسيئة تعني: القتل والهزيمة يوم احد وهو تفسير اسماعيل بن عبدالرحمن السدي[34] ومقاتل[35] والذي يرجح تخصيص دلالة اللفظ هنا بالنصر هو السياق، لأنه يتحدث عن القتال في سبيل الله[36].
    وقد خص لفظ ((الحسنة)) بدلالة معينة في كل سياق ورد فيه، فمن ذلك: الرخاء والخصب[37] في قوله – تعالى –: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ }[38]، والذكر الطيب والثناء الجميل[39] في قوله – تعالى –: {وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ..}[40]، إلى غير ذلك من الدلالات كالنبوة ولسان الصدق واجتماع الملل على ولايته، والصلاة عليه، والأولاد الأبرار على الكبر[41].



    وقد يستعمل القرآن لفظ:


    – الفرقان: للدلالة على النصر أو ماله علاقة التزامية به. الفَرْقُ في اللغة: ((يقارب الفَلْق، لكَّن الفَلْق يُقال اعتباراً بالانشقاق والفَرْق يقال اعتباراً بالانفصال))[42]. والفَرْق، مصدر فَرَقت الشعر[43]. والمِفْرِقُ والمَفْرَقُ: وسط الرأس، وكذلك: مَفْرِقُ الطريق ومَفْرَقَه، للموضع الذي يتشعب منه طريق آخر[44]. والفَرْقُ أنْ تفرق بين الحق والباطل فَرْقاً وفُرْقاناً[45]. والفَرَقُ بالتحريك: الخوف، والفَرقُ أيضاً تباعد مابين الثنيتين، ... وفي الخيل: إشراف إحدى الوركين على الأخرى... والفِرْقُ[46]: الفِلْقُ من الشّيء إذا انفلق، ومنه قوله – تعالى –: { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }[47].

    والفرقان: القرآن، وكل ما فرَق به بين الحق والباطل، فهو فرقان[48].

    وأوجه الفرقان في القرآن ثلاثة[49]:


    الأول: النصر وذلك قوله: {وإذْ آتينا مْوُسى الكتابَ والفُرْقان}[50] يعني: النصر، فرق الله بين الحق والباطل، فنصر موسى وأهلك عدوه.

    الثاني: المخرج، وذلك قوله: {وَبَيّناتٍ منَ الهُدى والفُرقان}[51]، يعني: المخرج في الدين من الشبهة والضلالة.
    الثالث: القرآن، وذلك قوله: {تَباركَ الذي نَزَّل الفرْقانَ}[52].
    أما قوله – عز وجل –: {يا أَيها الذين آمنوا إنْ تتقُوا الله يجعَل لكم فُرقاناً}[53] فقد اختلف أهل اللغة والتفسير في تحديد دلالته، فقالوا:
    - المخرج، وهو قول مجاهد.
    - النجاة، وهو قول ابن عباس وعكرمة وابن زيد والسدي.
    - الفصل بين الحق والباطل، وهو قول ابن اسحاق[54].
    - الفتح والنصر وهو قول الفرّاء[55].
    - النور والتوفيق على قلوب المؤمنين، يفرق بين الحق والباطل، فكان الفرقان كالسكينة والروح في غيره، وهو قول الراغب[56].
    - النصر، لأنّه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله وهو قول الزمخشري[57].
    والبادي لنا: أَنَّ الفرقان جعل جزاء مترتباً على التقوى كما جعل تكفير السيئات والمغفرة، ولفظ ((فرقان)) مطلق يمكن أَنْ يحمل على جميع الفروق الحاصلة بين المؤمنين والكفار في الدنيا والآخرة، ومن ذلك: أَنّ الله يخص المسلمين بالعلو والفتح والنصر والظفر في الدنيا، وبالثواب والمنافع الدائمة في الآخرة[58].

    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*

    ومن الألفاظ التي اقترنت بالنصر لفظ:


    - يؤيد: والتأييد في اللغة، هو التقوية، يقال: آدَ الرجل يَئيد أَيْداً: اشتَدَّ وقَويَ. قال العجاج[59].
    مِنْ أَنْ تَبدَّلْتُ بِآدي آذا لَمْ يَكُ يَنْآد فأمسى آنْآدا
    يعني: بشبابي قوة المشيب.
    وقال الأعشى[60]:
    قَطَعْتُ إذا خَبَّ رَيْعانُها بِعْرفاء تَنْهَضُ في آدِها
    ورجل أَيْد أي: قَوِّي[61].
    ومن الدلالات الحسية لجذر (أ، ي، د): الأيادُ: وهو تراب يجعل هو الحوض أو الخباء، يقوّى به، أو يمنع ماء المطر. قال ذو الرمة يصف الظليم[62]:
    ذَعَرْناهُ عَنْ بيضٍ حِسانِ بأجْرَعِ حَوى حَولَها مِنْ تٌربهِ بإيادِ

    وسئل عبدالله بن عباس عن قوله - تعالى -: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ}[63]، فقال: يقوي، ونبه على أَنَّ العرب تعرف ذلك واستشهد بقول حسان بن ثابت[64]:
    برجال لَسْتُم أَمْثالَهمْ أُيِدُّوا جِبْريَل نَصْراً فَنَزَلْ

    والتّأييد من الله - عز وجل - يكون بضروب من الألطاف: كإمداد المؤمنين بالملائكة، أو بأن يخطر ببالهم ما أعدّ لهم من نعيم الجَنّة، فتقوى بذلك أنفسهم، أو بأن يلقي الخوف في قلوب أعدائهم، فيكون ذلك سبباً لتمكينهم[65].
    والملاحظ أَنَّ هذه المادة قد استعملت في سياق الحديث عن النصر والجهاد في خمس سور مدنية[66]، وجاءت بالصيغة الماضية، لأنها في سياق التذكير بألطاف الله في حوادث معينة، كقوله – تعالى –:{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}[67]، ما عدا قوله – تعالى –: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ}[68].
    فقد جاءت فيه بصيغة المضارع، لأن مقصود هذه الآية هو بيان حقيقة، أنّ النصر والظفر من الله، ومما لاشك فيه أَن بناء الفعل المضارع في العربية يفيد الحدوث والتجدد والاستمرار[69] مما يشير إلى أَنَّ التأييد من الله للمؤمنين ملازم لحالة الجهاد ما دامت قائمة.
    ويلاحظ – كذلك – أَنها جاءت بصيغة ((فعّل)). الدالة على الكثرة والقوة الشديدة[70].
    إنَّ تأييد الله المؤمنين بالنصر كان مسبوقاً بفضل آخر في الدنيا ذلكم هو – الإيواء: فقال – سبحانه – {واذْكروا إذْ أَنْتْم قَليل مُسْتَضْعَفونَ في الأرض تَخافونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ الناسُ فَآواكُمْ وأَيدكمْ بنصره}[71]. والمأوى: كل مكان يأوي إليه شيئ ليلاً أو نهاراً[72]. وفيه معنى: الجمع والضم[73]، فقوله – تعالى –: (فآواكم) يعني: ضمكم إلى المدينة[74]. وذكر مقاتل ويحيى بن سلام وجهاً آخر للفظ، وهو الانتهاء إلى الشيء[75] كقوله – تعالى –:{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}[76].

    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*



    وما اقترن بالنصر أيضاً مادة:

    – ثبت: والثبات في اللغة ضد الزوال، يقال: يَثْبتُ الشيء ثَباتاً وثْبوتاً، وَأَثّبَتَهُ غيره وثَبّتَهُ غيره وثَبّتُهُ، بمعنى واحد[77]، والمُثْبَتُ هو الذي قد ثقل وأثبت فلا يبرح الفراش[78]. ويقال: أثبته السُّقم إذا لم يفارقه[79].
    والثَّبْتُ والتَّثْبيتُ: هو الفارس الذي لا يُصْرَع، ولم يزلّ في خصام أو قتال، قال العجاج[80]:
    وَمِنْ قُرَيْشٍ كُلُّ مَشْبوبٍ أَعَزُّ مُعاوِدُ الإقدامِ قدْ كرَّ وكَرْ
    في الغمَراتِ بَعْدَ ما فرَّ وفر ثَبْتٍ إذا ما صيح بالقومِ وَقَر

    ومن الدلالات الحسية لجذر (ث، ب، ت) الثِباتُ وهو سير يُشَدُّ به الرحْلُ والمُثْبَتُ هو الرحل المشدود به[81].

    ويستشف من هذه الدلالات معنى: القوة[82]، وهذا المعنى يلمح في استعمال القرآن الكريم لهذه المادة؛ ومن ذلك قوله – تعالى – {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }[83]، تثبيت الأقدام مترتب على قوة القلوب في جهاد العدو، ولا يتم ذلك إلا حينما يكون الثبات على الدين[84]، وعلى هذا ((يكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب))[85]. وهي على حد قول استاذنا محيي الدين توفيق: ((كتابة عن الصمود في وجه الأعداء والصبر على مقارعتهم والانتصار عليهم))[86]. وفيما يتعلق بسياق النص فقد لمح استاذنا كاصد الزيدي ملمحاً لطيفاً في نعمة الماء المنزل الذي له منفعة مادية متمثلة بتطهير الأجسام. ومنفعة معنوية تتمثل في الربط على القلوب وتثبيت الأقدام، فأشار إلى أنهما ((عنصران نفسيان لأنهما يقترنان بالطمأنينة والثقة النفسيتين، ولاسيما أَنَّ المسلمين كانوا في مجال حرب، وهم بأشد الحاجة إلى ما يثبتهم، ويقوي معنوياتهم، بعد أَنْ عدموا الماء لنزولهم في كثيب أَعفر تسوخ فيه الأقدام))[87].
    وأما تثبيت الملائكة للمؤمنين فهو بُشْرَى لهم بالنصر، أو قتال معهم، أو حضور بهيئة الرجال يمدونهم بالنصر، وفي ذلك كله قوة للمسلمين[88].








    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 28-12-2014, 11:39 PM.

    اترك تعليق:


  • ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –









    ألفاظ النصر والتمكين في القرآن الكريم – دراسة دلالية –


    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،نبينا وشفيعنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم،
    وبعــــــــــد،

    إنَّ النصر الذي وعد الله المؤمنين به ليس سهلاً، بيد أنّه يتحقق للذين يستحقونه بإخلاصهم لعقيدتهم وثباتهم عليها وجهادهم في سبيلها. فثمرة هذا الجهاد الطويل كما بيّن القرآن{
    نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ }[1]، وتمكين في الأرض واستخلاف لمن ثبت على البأساء والضرّاء[2]، ويقابل هذا خذلان وانتكاس لأهل الباطل في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    وقد تضافرت ألفاظ عديدة في القرآن الكريم لتدل على أنّ النصر والتمكين للمؤمنين في الحياة الدنيا مترتبان على ما يبذله المؤمنون في سبيل عقيدتهم، وهذا الأمر يجعلنا نعد هذه الألفاظ مستعملة للدلالة على الثواب الدنيوي في جانب من جوانبه.
    ويأتي جذر: (ن، ص، ر) في مقدمة المواد اللغوية في هذه المجموعة من الألفاظ.


    ولهذا الجذر في اللغة دلالات حسية تلقى ظلالها على الاستعمال القرآني، ومن ذلك: نَصر المَطرُ أو الغَيْثُ الأرض: سقاها وغاثها، وَنُصَرَتِ الأرضُ: إذا مُطِرَت[3]. وسُمِّيَ المطر نَصراً، كما سُمِّيَ: فَتْحنا، وقيل: ومدت الوادي النواصر: وهي المسايل التي تأتي بالماء من بعيد[4]. والنّصر أيضاً: الرزق[5]، أو العطاء[6]. وحكي أنَّ سائلاً وقف على قوم، فقال: انصروني، نصركم الله، يريد: اعطوني، أعطاكم الله[7]. وهو مستعار من نصر الأرض[8]. والنصر: التأييد[9] والعون[10].
    ومما لاشك فيه أَنّ العلاقة واضحة بين المعنى الحسي والدلالة المعنوية للنصر، وقد أدرك العربي عمق هذه العلاقة لأنّه يعرف
    أهمية الغيث في حياته الصحراوية الظامئة الصعبة.


    والنصر – كما بيّن القرآن الكريم – يكون دنيوياً وأخروياً، فقد قال الله – سبحانه وتعالى –:
    {مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ ينصَرَهُ الله في الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السماء ثمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هل يُذْهِبَنَّ كيدُهُ ما يَغيظُ}[11]، ويكون النصر في الدنيا بإعلاء كلمة الله وإظهار دينه، ويكون في الآخرة بإعلاء الدرجة والمنزلة في الجنة[12]، قال – تعالى –: {
    إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }[13]، والنصر في الدنيا قد يكون بالحجة وبأخذ الظالمين[14]، ولهذا اللفظ في القرآن الكريم أربعة وجوه[15]:

    الأول: النصر بمعنى: المنع، قال – تعالى –: {ولا يُؤْخذُ منها عَدْلٌ ولا هُمْ يُنْصَرونَ}[16]، ويعني: ولا هُم يمنعون من العذاب، ويقابل ذلك إثبات النصرة للمؤمنين، وهي النجاة من العذاب كما مر بنا في عرضنا المبسوط لألفاظ النجاة[17].
    الثاني: النصر بمعنى: العون، ومن ذلك قوله – تعالى –: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ .. }[18] فنصرة العبد لله ((هو نصرته لعباده والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتناق احكامه واجتناب (مناهيه)[19]، ويترتب على هذا الجهد من العبد نصر الله وهو عونه لعبده، وكذلك قوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[20]. وذهب أبو هلال العسكري إلى أنَّ هناك فرقاً بين النصرة والإعانة، وذلك ((أَنَّ النصرة لا تكون إلا على المنازع المغالب والخصم المناوئ المشاغب، والإعانة تكون على ذلك وعلى غيره، يقول: أَعانه على من غالبه، ونازعه، ونصر عليه، واعانه على فقره: إذا اعطاه ما يعينه، وأعانه على الأحمال، ولا يقال: نصره على ذلك، فالإعانة عامة والنصرة خاصة))[21].
    وهذا الفرق الدلالي ليس مُطرداً، فقد ورد النصر بمعنى: طلب العطاء، ولكن يمكن القول: إنَّ القرآن خصص دلالة النصر في استعماله بأن تكون على الخصم، وهذا التخصيص يجعل اللفظ منصرفاً إلى عون الله للعبد وتقويته على الجهاد[22]، ومما لاشك فيه أَنَّ النصر – هنا – غير مقيد بالغلبة الظاهرة ((لأن المغلوب إذا كان مستحقاً للثواب فهو المنصور والغالب إذا كان من أهل العقاب، فهو مخذول غير منصور))[23]، ((والغلبة على المؤمن لا تخرجه عن كونه المنصور لأنّه المحمود العاقبة))[24].
    الوجه الثالث: النصر بمعنى: الظفر، وذلك قوله: {وما النَّصرُ إلاّ منْ عِندِ اللهِ}[25] ، وقد خص القرآن النصر بأنه من عند الله لكي يكون توكلهم على الله لا على الملائكة الذين وعدم الله بإمدادهم بها[26].
    والوجه الرابع: النصر بمعنى: الانتقام، وذلك قوله: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ }[27].
    – وقد يعبر القرآن عن النصر ((بالروح)) كما في قوله: { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ }[28]، فالروح ((ههنا هو: النصر والغلبة والإظهار والدولة، وقد يعبر عن ذلك بالريح، والروح والريح كلاهما يرجعان إلى معنى واحد، وقال – سبحانه –:
    {
    وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[29] أي: دولتكم واستظهاركم))[30].


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 31-01-2018, 06:19 PM.
يعمل...
X