رد: الشّدات في القرآن
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يَـهْـدِي ... يَهَدِّي.. يَــهِـــدِّي... يهْتَدِي
قال الله تعالى:" قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 35 ) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ( 36 ) . [سورة يونس].
وبما أن القصد ليس هو تفسير الآيات الكريمات، وإنما الغرض هو الوقوف على دلالة التشديد في القراءة، فإننا لا نُفَسِّر إلا بقدر الضرورة أو لإفادة فائدة لطيفة..
فقوله تعالى:" قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؟" فــ"ينزل كتاباً، ويرسل رسولاً، ويضع نظاماً، ويشرع شريعة، وينذر ويوجه إلى الخير ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس ويوقظ القلوب الغافلة، ويحرك المدارك المعطلة. كما هو معهود لكم من الله ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق؟(1 ).
قل يا نبي الله- ومن اقتدى به- للمشركين والمنحرفين-على مرِّ العصور والدهور-هل أحدٌ من شركائكم الذين تعبدونهم وتطيعونهم في غير طاعة الله مَن يرشدكم للحق، ويدلكم على طريقه المستقيم ومنهجه القويم؟
وهو سؤال استنكاري توبيخي.. وإلا فقل :" قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ"، وهي الحقيق الوحيد بالهداية.
وقصارى ما ملك المشركون قولَه أن هؤلاء الشركاء يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى.. "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)"[الزمر].
أي إنهم مُقِرُّون- في نفوسهم- أن الذي يملك ويقدر أن يهدي للحق وإلى الحق حقيقة هو الله-سبحانه-..
و" إذ قد كانت العقول عرضة للاضطراب والخطأ احتاجت النفوس إلى هدي يتلقى من الجانب المعصوم عن الخطأ وهو جانب الله تعالى، فلذلك كان الذي يهدي إلى الحق أحق أن يتبع لأنه مصلح النفوس ومصلح نظام العالم البشري، فاتِّباعه واجب عقلا واتباع غيره لا مصحح له، إذ لا غاية ترجى من اتِّباعه. وأفعال العقلاء تصان عن العبث"(2).
فما دام ذلك كذلك، يأتي السؤال المنطقي الحِجاجي الاستنكاري التوبيخي التقريري:" أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى"؟!
وهنا مربط الفرس ومرمى السهم:".. لا يـهـدي..." بالتخفيف والتشديد.
"لا يـهـدى" فهاءُ هذه الكلمة ودالُها وردت بأشكال مختلفة، لخَّصها لنا الإمام البغوي كالتالي، قال:( قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون: بتشديد الدال، ثم قرأ أبو جعفر، وقالون : بسكون الهاء، وأبو عمرو برَوْم الهاء بين الفتح والسكون، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء، وأبو بكر بكسرهما، والباقون بفتحهما)( 3) ثم ذكر توجيهات الاختلاف.
وتركيزنا هنا-ابتداءً- على تخفيف الدال بقراءتها:" يــهْـدي" وبتشديد الدال:" يـهَـدِّي"، " يـهِدِّي" بفتح الهاء وكسرها.
فعلى قراءة التخفيف تكون:"أفمن لا يَهْدِي أحق أن يُتَّبع أم لا يَهْدِي إلا أن يُهْدَى"؟!
والأقرب في معناها على هذا التشكيل أن تُحمل على ظاهرها، فهناك من يهْدِي( وهو الله) كما قال تعالى قبلها:"أفمن يهدي"، وهناك من لا يَهْدِي( وهم الشركاء)، فتفسيرها : كيف تطلبون شيئا ممن لا يملكه، ولا يقدر عليه..
وهذا يعقله كل الناس، حتى في أمور دنياهم.. فلا يتطبَّبُون عند غير طبيب، ولا يستقرضون من غير مليءٍ، ولا يستشفعون غير ذي جاهٍ، ولا يسترضعون غير ذات لبن!!
فكيف يستهدون غير هادٍ؟!
هذا على قراءة تخفيف الدال" يَــهْــدِي"، ويشهد لهذا الحَمل قوله تعالى في الآية نفسها:" أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ.." فالفعل نفسه أو الصفة نفسها مثبتة ومنفيه؛ مثبتة لله تعالى، ومنفيه عن غيره، يهدي ولا يهدي، يعني بالمقابلة.
* * * * * * * * * *
أمــا على قراءة تشديد الدال:"لا يَــهــدِّي.." فهي أبلغ، لأنَّ فيها زيادة معنى بزيادة المبنى.
فعلى قول من أدغم التاء في الدال لتقارب المخرج، والإدغام يستدعي التشديد، فشُدِّدت الدال، لأن الإدغام هو:" إدخال حرف في حرف حتى يصرا حرفا واحدا مُشدَّدًا، حركتُه من جنس حركة الحرف الثاني"؛ فعلى هذا كان أصل الكلمة :" كمن لا يَهْـتَـدِي.."، فهو لا يهتدي ولو لنفسه، فكيف يُنَصِّبُ نفسَه لهداية الخلق، أو كيف يُنَصِّبُه الناس لهدايتهم، ففاقد الشيء لا يُعطيه! فهو لا يملك الهداية أصلا.
ومعني " يهتدي" المستفاد من قراءة التشديد، يؤكِّدُه ما بعده من قول الله تعالى:" إلا أن يُهدَى"، فهو يحتاج إلى الهداية، فكيف يهدي وهو لا يهتدي..
فتلخَّص من قراءة التشديد المعنيين:" لا يهدي ولا يهتدي"، " أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي " أي الذي لا يهتدي فضلا عن أن يهدي غيره ، أي لا يقبل الهداية فكيف يهدي غيره فلا يحق له أن يُتَّبَع، حتى عقلا لا يصوغ هذا! .والله أعلم
وفي الآية لطائف رائعة.. نذكر ها فيما بعد إن شاء الله
-----------------
1- سيد قطب، في ظلال القرآن، 3/1783.
2- الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، 11/162.
3- انظر، البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، 4/133.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يَـهْـدِي ... يَهَدِّي.. يَــهِـــدِّي... يهْتَدِي
قال الله تعالى:" قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 35 ) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ( 36 ) . [سورة يونس].
وبما أن القصد ليس هو تفسير الآيات الكريمات، وإنما الغرض هو الوقوف على دلالة التشديد في القراءة، فإننا لا نُفَسِّر إلا بقدر الضرورة أو لإفادة فائدة لطيفة..
فقوله تعالى:" قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؟" فــ"ينزل كتاباً، ويرسل رسولاً، ويضع نظاماً، ويشرع شريعة، وينذر ويوجه إلى الخير ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس ويوقظ القلوب الغافلة، ويحرك المدارك المعطلة. كما هو معهود لكم من الله ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق؟(1 ).
قل يا نبي الله- ومن اقتدى به- للمشركين والمنحرفين-على مرِّ العصور والدهور-هل أحدٌ من شركائكم الذين تعبدونهم وتطيعونهم في غير طاعة الله مَن يرشدكم للحق، ويدلكم على طريقه المستقيم ومنهجه القويم؟
وهو سؤال استنكاري توبيخي.. وإلا فقل :" قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ"، وهي الحقيق الوحيد بالهداية.
وقصارى ما ملك المشركون قولَه أن هؤلاء الشركاء يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى.. "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)"[الزمر].
أي إنهم مُقِرُّون- في نفوسهم- أن الذي يملك ويقدر أن يهدي للحق وإلى الحق حقيقة هو الله-سبحانه-..
و" إذ قد كانت العقول عرضة للاضطراب والخطأ احتاجت النفوس إلى هدي يتلقى من الجانب المعصوم عن الخطأ وهو جانب الله تعالى، فلذلك كان الذي يهدي إلى الحق أحق أن يتبع لأنه مصلح النفوس ومصلح نظام العالم البشري، فاتِّباعه واجب عقلا واتباع غيره لا مصحح له، إذ لا غاية ترجى من اتِّباعه. وأفعال العقلاء تصان عن العبث"(2).
فما دام ذلك كذلك، يأتي السؤال المنطقي الحِجاجي الاستنكاري التوبيخي التقريري:" أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى"؟!
وهنا مربط الفرس ومرمى السهم:".. لا يـهـدي..." بالتخفيف والتشديد.
"لا يـهـدى" فهاءُ هذه الكلمة ودالُها وردت بأشكال مختلفة، لخَّصها لنا الإمام البغوي كالتالي، قال:( قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون: بتشديد الدال، ثم قرأ أبو جعفر، وقالون : بسكون الهاء، وأبو عمرو برَوْم الهاء بين الفتح والسكون، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء، وأبو بكر بكسرهما، والباقون بفتحهما)( 3) ثم ذكر توجيهات الاختلاف.
وتركيزنا هنا-ابتداءً- على تخفيف الدال بقراءتها:" يــهْـدي" وبتشديد الدال:" يـهَـدِّي"، " يـهِدِّي" بفتح الهاء وكسرها.
فعلى قراءة التخفيف تكون:"أفمن لا يَهْدِي أحق أن يُتَّبع أم لا يَهْدِي إلا أن يُهْدَى"؟!
والأقرب في معناها على هذا التشكيل أن تُحمل على ظاهرها، فهناك من يهْدِي( وهو الله) كما قال تعالى قبلها:"أفمن يهدي"، وهناك من لا يَهْدِي( وهم الشركاء)، فتفسيرها : كيف تطلبون شيئا ممن لا يملكه، ولا يقدر عليه..
وهذا يعقله كل الناس، حتى في أمور دنياهم.. فلا يتطبَّبُون عند غير طبيب، ولا يستقرضون من غير مليءٍ، ولا يستشفعون غير ذي جاهٍ، ولا يسترضعون غير ذات لبن!!
فكيف يستهدون غير هادٍ؟!
هذا على قراءة تخفيف الدال" يَــهْــدِي"، ويشهد لهذا الحَمل قوله تعالى في الآية نفسها:" أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ.." فالفعل نفسه أو الصفة نفسها مثبتة ومنفيه؛ مثبتة لله تعالى، ومنفيه عن غيره، يهدي ولا يهدي، يعني بالمقابلة.
* * * * * * * * * *
أمــا على قراءة تشديد الدال:"لا يَــهــدِّي.." فهي أبلغ، لأنَّ فيها زيادة معنى بزيادة المبنى.
فعلى قول من أدغم التاء في الدال لتقارب المخرج، والإدغام يستدعي التشديد، فشُدِّدت الدال، لأن الإدغام هو:" إدخال حرف في حرف حتى يصرا حرفا واحدا مُشدَّدًا، حركتُه من جنس حركة الحرف الثاني"؛ فعلى هذا كان أصل الكلمة :" كمن لا يَهْـتَـدِي.."، فهو لا يهتدي ولو لنفسه، فكيف يُنَصِّبُ نفسَه لهداية الخلق، أو كيف يُنَصِّبُه الناس لهدايتهم، ففاقد الشيء لا يُعطيه! فهو لا يملك الهداية أصلا.
ومعني " يهتدي" المستفاد من قراءة التشديد، يؤكِّدُه ما بعده من قول الله تعالى:" إلا أن يُهدَى"، فهو يحتاج إلى الهداية، فكيف يهدي وهو لا يهتدي..
فتلخَّص من قراءة التشديد المعنيين:" لا يهدي ولا يهتدي"، " أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي " أي الذي لا يهتدي فضلا عن أن يهدي غيره ، أي لا يقبل الهداية فكيف يهدي غيره فلا يحق له أن يُتَّبَع، حتى عقلا لا يصوغ هذا! .والله أعلم
وفي الآية لطائف رائعة.. نذكر ها فيما بعد إن شاء الله
-----------------
1- سيد قطب، في ظلال القرآن، 3/1783.
2- الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، 11/162.
3- انظر، البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، 4/133.
تعليق