رد: التثبت من الأخبار و الشائعات
أما النقل بغير تثبت فالله جل وعلا كرّهه في قلوبنا بِجَعْل الناقل من غير تثبت فاسقاً، ويكفي في هذا ما يحمل القلوب على كرهه،فقال جل وعلا :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا }-وفي القراءة الأخرى فَتَثَبَّتُوا- {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]، فجعل صفة الذي ينقل بلا تثبّت جعله فاسقا، وهذا مما جعل هذا الفعل يَكْرَهُهُ كل من في قلبه إيمان لأنه آمن ليخرج من الفسوق، ولهذا سبيل الخلاص من ذلك أن تنقل ما يُحتاج في نقله شرعا، وما لا يحتاج إليه فاكتمه، ومن حدث بكل ما سمع فهو أحد الكاذبين أو أحد الكاذبين «وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» كما ثبت في الأحاديث، لهذا ما تسمعه يجب أن لا تنقله؛ لأنك قد تتعرض للإثم إلا في ما المصلحة الشرعية في نقله وما المصلحة الشرعية في نقله أحد ثلاث صور وهي الجائية في سورة النساء {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114]، فمن نقل قولا لا يريد به الصدقة بمفهومها الواسع، ولا يريد المعروف، ولا يريد به الإصلاح بين الناس فإنه ليس على خير بل هو آثم بما نقل وإن خرج سالما فإنه لا يخرج في المرة الأخرى سالما، ولهذا لكل محبّ لنفسه ولنجاتها ألاّ ينقل إلا ما هو يقين جدًّا مما سمع وما هو يقين ينقل منه ما هو داخل في أحد الثلاثة هنا قال (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ) هذه فيها خير الثلاث، وغيرها قد يكون مباحا وقد يكون إثما وهو الأكثر.
جزاكم الله خيرا
و بارك الله فيكم
شكرا لمروركم
تقبل الله منا ومنكم
المشاركة الأصلية بواسطة مسلمة معتزة بدينها
مشاهدة المشاركة
التثبت من الأخبار و الشائعات:
1- يقول فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ في شريط"نصيحة للشباب":
1- يقول فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ في شريط"نصيحة للشباب":
أما النقل بغير تثبت فالله جل وعلا كرّهه في قلوبنا بِجَعْل الناقل من غير تثبت فاسقاً، ويكفي في هذا ما يحمل القلوب على كرهه،فقال جل وعلا :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا }-وفي القراءة الأخرى فَتَثَبَّتُوا- {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]، فجعل صفة الذي ينقل بلا تثبّت جعله فاسقا، وهذا مما جعل هذا الفعل يَكْرَهُهُ كل من في قلبه إيمان لأنه آمن ليخرج من الفسوق، ولهذا سبيل الخلاص من ذلك أن تنقل ما يُحتاج في نقله شرعا، وما لا يحتاج إليه فاكتمه، ومن حدث بكل ما سمع فهو أحد الكاذبين أو أحد الكاذبين «وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» كما ثبت في الأحاديث، لهذا ما تسمعه يجب أن لا تنقله؛ لأنك قد تتعرض للإثم إلا في ما المصلحة الشرعية في نقله وما المصلحة الشرعية في نقله أحد ثلاث صور وهي الجائية في سورة النساء {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114]، فمن نقل قولا لا يريد به الصدقة بمفهومها الواسع، ولا يريد المعروف، ولا يريد به الإصلاح بين الناس فإنه ليس على خير بل هو آثم بما نقل وإن خرج سالما فإنه لا يخرج في المرة الأخرى سالما، ولهذا لكل محبّ لنفسه ولنجاتها ألاّ ينقل إلا ما هو يقين جدًّا مما سمع وما هو يقين ينقل منه ما هو داخل في أحد الثلاثة هنا قال (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ) هذه فيها خير الثلاث، وغيرها قد يكون مباحا وقد يكون إثما وهو الأكثر.
2- قال الشيخ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي :
في كتابه [ الوصايا في الكتاب و السنة المجموعة الرابعة] في الحث على التثبت فيما يتقل عن الآخرين و الوصية بالتثبت في الأخبار و بيان بعض الأسباب التي تحول عن ذلك:
"... إلا أنه حين يحدث خلاف داخل هذه الجماعة الواحدة، لم تستطع الرجوع و التحاكم إلى القاعدة و المنهج المتفق على الرجوع إليه عند التنازع ، و هو قوله تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [النساء : 59]، لاسيما و الخلاف ناتج عن اجتهادات ووجهات نظر أكثرها يعود إلى منهج الدعوة و التوجيه.
و السؤال هو : ما سبب عدم استطاعة هؤلاء الرجوع إلى هذه القاعدة الربانية لحل ما يعترض هؤلاء السائرين على منهج الفرقة الناجية من خلاف حسب دعوى الجميع؟
و بالتأمل و الدراسة يظهر لي -و الله أعلم-أن سبب ذلك يعود لأمور أهمها:
أولا: عدم تطبيق قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات : 6]، فكثير ما ينقل عن جماعة أو شخص إلى جماعة أخرى أو إلى شخص آخر أقوال، لو طبقت عليها هذه الآية لتبين أن ما نقل إما غير صحيح أصلاً، أو نُقل بصورة على غير الصورة التي قِيلتْ.
و ذلك النقل إما لقصد سيئ و ما أكثر وُقوعه!!و إما لعدم فهم لما قيل و عدم التثبت في ذلك مخالفة لهذا التوجيه الرباني في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }[الحجرات : 6].
بل يأخذون ذلك الخبر مسلماً و لو بحث الموضوع و تثبت فيه لوُجد لصاحبه ما يُحمل عليه كلامه من أوجه الخير، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً و أنت تجد لها في الخير محملاً))، و بذلك يبقى حبل الأخوة موصولاً، و لكن لا يفعلون ذلك، فينموا بذلك النقل الخاطئ عند هؤلاء و هؤلاء التوجس و الشكوك و سوء الظن بالجماعة الأخرى.
و معلوم أن هذا العمل ليس من أخلاق و لا منهج الفرقة الناجية المنصورة، أعني: نقل الكلام من جماعة إلى أخرى، لأنه إذا كان الكلام المنقول صحيحاً فهو الغيبة و النميمة، و قد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن ذلك و شدد فيه، لأنه إفساد لقلوب الناس و إثارة للفتن و البغضاء و الإحَنِ و الأحقاد بينهم. أما إذا لم يكن الكلام المنقول صحيحاً فهو بهت، فقد روى أبو داود و الترمذي من حديث أبي هريرة قال رضي الله عنه (قيل: يا رسول الله: ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره ، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه و سلم: إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته، و إن لم يكن فيه فقد بهته))رواه الترمذي وقال :حسن صحيح.
و كذلك ليس من منهج و لا أخلاق الفرقة الناجية و آدابها تقبل الكلام المنقول إليها من غير تثبت من صحته كما سبق نص الآية الآمرة بالتثبت.
السبب الثاني:و هو مترتب عن السبب الأول-و هو عدم التثبت فيما يُنقل-:
هو أن هناك أياد خفية تدفع بعض العناصر الطيبة التي تريد فعل الخير و عمله، و هذه الأيدي لا تريد إلا تفريق تفريق الكلمة و تشتيت الصف، و بث الفرقة حسداً و بغياً و تفريقاً لكلمة هذه الجماعة، و القضاء على البقية الباقية من تعاليم هذا الدين.
و يقول الشيخ أيضاً في نفس الكتاب: ..وذكرنا أن السبب الأول هو عدم تطبيق قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات : 6]، و إنك لتعجب إلى بعض المنتسبين إلى العلم في عدم تطبيق هذه الآية الكريمة فيما يُنقل إليه عن أخيه المسلم الداعي إلى ما يدعو إليه، بل إنني قابلت شخصاً في بعض البلدان الإسلامية فعرّفته على شخص من بلده،و لكن من مدينة أخرى، فقلت له : هذا فلان، و هو يدرس لطلابه الكتاب الذي حققته، و قد سبق أنه قد تكلم عن هذا الشخص بشيء، فقال: و الله إني ما عرفته إلا الآن.
و آخر يتهم أخاه و يضمر له شيئاً في قلبه و يقول:إنه قال عني كذا، فنقول له: لو اتصلت به ، فيقول: جاءني الخبر ممن أثق به، و نحن نقول: إن الذي نقل لك الخبر ثقة عندك، و نحن نوافقك على ذلك، و لكنه ربما فهِم خلاف ما يقصده محدثه، و لا يضرك التثبت في ذلك.و العجلة و التسرع من الشيطان، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الخبر عن بني المصطلق بأنهم منعوا زكاة أموالهم و أرادوا قتل المبعوث إليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم، بعث إليهم خالد بن الوليد، و أمره أن يتثبت و لا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام و سمعوا آذانهم و صلاتهم، فلما أصبحوا آتاهم خالد فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فأنزل الله هذه الآية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }[الحجرات : 6].
و يقول الشيخ أيضا:" ..و هو أن هناك أياد خفية تريد تفريق كلمة هذه الجماعة الواحدة، و أن هذه الأيدي تحرص على أن تظهر بمظهر الناصح المخلص الداعي إلى تطبيق ما جاء في الكتاب و السنة، و لذلك فهي تختار شبهات تثير بها الحمية في نفوس الطيبين من دعاة الخير، و لحبهم الخير يأخذون بهذه الإيحاءات، و لا يزنونها بميزان الشرع و قواعده، و لا سيما في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. انتهى كلام الشيخ حفظه الله تعالى.
3- و لشيخنا صالح الفوزان حفظه الله تعالى
تفصيل مهم في هذه المسألة التي تغاضى عنها الكثير إما جهلاً و إما نصرة للنفس و من شاء الاطلاع عليه فيراجع كلامه حفظه الله من خلال تفسيره لسورة الحجرات من موقعه و كذا من شريط " الثبت من الأخبار و الحكم عليها".
في كتابه [ الوصايا في الكتاب و السنة المجموعة الرابعة] في الحث على التثبت فيما يتقل عن الآخرين و الوصية بالتثبت في الأخبار و بيان بعض الأسباب التي تحول عن ذلك:
"... إلا أنه حين يحدث خلاف داخل هذه الجماعة الواحدة، لم تستطع الرجوع و التحاكم إلى القاعدة و المنهج المتفق على الرجوع إليه عند التنازع ، و هو قوله تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [النساء : 59]، لاسيما و الخلاف ناتج عن اجتهادات ووجهات نظر أكثرها يعود إلى منهج الدعوة و التوجيه.
و السؤال هو : ما سبب عدم استطاعة هؤلاء الرجوع إلى هذه القاعدة الربانية لحل ما يعترض هؤلاء السائرين على منهج الفرقة الناجية من خلاف حسب دعوى الجميع؟
و بالتأمل و الدراسة يظهر لي -و الله أعلم-أن سبب ذلك يعود لأمور أهمها:
أولا: عدم تطبيق قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات : 6]، فكثير ما ينقل عن جماعة أو شخص إلى جماعة أخرى أو إلى شخص آخر أقوال، لو طبقت عليها هذه الآية لتبين أن ما نقل إما غير صحيح أصلاً، أو نُقل بصورة على غير الصورة التي قِيلتْ.
و ذلك النقل إما لقصد سيئ و ما أكثر وُقوعه!!و إما لعدم فهم لما قيل و عدم التثبت في ذلك مخالفة لهذا التوجيه الرباني في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }[الحجرات : 6].
بل يأخذون ذلك الخبر مسلماً و لو بحث الموضوع و تثبت فيه لوُجد لصاحبه ما يُحمل عليه كلامه من أوجه الخير، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً و أنت تجد لها في الخير محملاً))، و بذلك يبقى حبل الأخوة موصولاً، و لكن لا يفعلون ذلك، فينموا بذلك النقل الخاطئ عند هؤلاء و هؤلاء التوجس و الشكوك و سوء الظن بالجماعة الأخرى.
و معلوم أن هذا العمل ليس من أخلاق و لا منهج الفرقة الناجية المنصورة، أعني: نقل الكلام من جماعة إلى أخرى، لأنه إذا كان الكلام المنقول صحيحاً فهو الغيبة و النميمة، و قد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن ذلك و شدد فيه، لأنه إفساد لقلوب الناس و إثارة للفتن و البغضاء و الإحَنِ و الأحقاد بينهم. أما إذا لم يكن الكلام المنقول صحيحاً فهو بهت، فقد روى أبو داود و الترمذي من حديث أبي هريرة قال رضي الله عنه (قيل: يا رسول الله: ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره ، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه و سلم: إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته، و إن لم يكن فيه فقد بهته))رواه الترمذي وقال :حسن صحيح.
و كذلك ليس من منهج و لا أخلاق الفرقة الناجية و آدابها تقبل الكلام المنقول إليها من غير تثبت من صحته كما سبق نص الآية الآمرة بالتثبت.
السبب الثاني:و هو مترتب عن السبب الأول-و هو عدم التثبت فيما يُنقل-:
هو أن هناك أياد خفية تدفع بعض العناصر الطيبة التي تريد فعل الخير و عمله، و هذه الأيدي لا تريد إلا تفريق تفريق الكلمة و تشتيت الصف، و بث الفرقة حسداً و بغياً و تفريقاً لكلمة هذه الجماعة، و القضاء على البقية الباقية من تعاليم هذا الدين.
و يقول الشيخ أيضاً في نفس الكتاب: ..وذكرنا أن السبب الأول هو عدم تطبيق قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات : 6]، و إنك لتعجب إلى بعض المنتسبين إلى العلم في عدم تطبيق هذه الآية الكريمة فيما يُنقل إليه عن أخيه المسلم الداعي إلى ما يدعو إليه، بل إنني قابلت شخصاً في بعض البلدان الإسلامية فعرّفته على شخص من بلده،و لكن من مدينة أخرى، فقلت له : هذا فلان، و هو يدرس لطلابه الكتاب الذي حققته، و قد سبق أنه قد تكلم عن هذا الشخص بشيء، فقال: و الله إني ما عرفته إلا الآن.
و آخر يتهم أخاه و يضمر له شيئاً في قلبه و يقول:إنه قال عني كذا، فنقول له: لو اتصلت به ، فيقول: جاءني الخبر ممن أثق به، و نحن نقول: إن الذي نقل لك الخبر ثقة عندك، و نحن نوافقك على ذلك، و لكنه ربما فهِم خلاف ما يقصده محدثه، و لا يضرك التثبت في ذلك.و العجلة و التسرع من الشيطان، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الخبر عن بني المصطلق بأنهم منعوا زكاة أموالهم و أرادوا قتل المبعوث إليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم، بعث إليهم خالد بن الوليد، و أمره أن يتثبت و لا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام و سمعوا آذانهم و صلاتهم، فلما أصبحوا آتاهم خالد فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فأنزل الله هذه الآية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }[الحجرات : 6].
و يقول الشيخ أيضا:" ..و هو أن هناك أياد خفية تريد تفريق كلمة هذه الجماعة الواحدة، و أن هذه الأيدي تحرص على أن تظهر بمظهر الناصح المخلص الداعي إلى تطبيق ما جاء في الكتاب و السنة، و لذلك فهي تختار شبهات تثير بها الحمية في نفوس الطيبين من دعاة الخير، و لحبهم الخير يأخذون بهذه الإيحاءات، و لا يزنونها بميزان الشرع و قواعده، و لا سيما في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. انتهى كلام الشيخ حفظه الله تعالى.
3- و لشيخنا صالح الفوزان حفظه الله تعالى
تفصيل مهم في هذه المسألة التي تغاضى عنها الكثير إما جهلاً و إما نصرة للنفس و من شاء الاطلاع عليه فيراجع كلامه حفظه الله من خلال تفسيره لسورة الحجرات من موقعه و كذا من شريط " الثبت من الأخبار و الحكم عليها".
4- يقول الإمام القرطبي رحمه الله في "تفسير الجامع لأحكام القرآن"
عند تفسير الآية 6 من سورة الحجرات:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.
الأولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيْط. وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عُقبة مُصَدِّقاً إلى بني المُصْطَلِق؛ فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم ـ
في رواية: لإحْنَة كانت بينه وبينهم ـ؛ فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد وأمره أن يتثبّت ولا يَعْجَل؛ فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً؛ فبعث عُيُونَه فلما جاءوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم؛ فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه؛ فعاد إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية؛ فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم: " التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان " وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المُصْطَلِق بعد إسلامهم؛ فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم خافهم؛ فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوا صدقاتهم. فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوِهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي إليه ما قِبَلَنَا من الصدقة، فاستمر راجعاً، وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله، واللّهِ ما خرجنا لذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ وسُمِّيَ الوليدُ فاسقاً أي كاذباً.
قال ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد الله: الفاسق الكذاب. وقال أبو الحسن الوراق: هو المعلن بالذنب. وقال ابن طاهر: الذي لا يستحي من الله. وقرأ حمزة والكسائي «فتثبتوا» من التثبت. الباقون «فَتَبَيَّنُوا» من التبيين { أَن تُصِيببُواْ } أي لئلا تصيبوا، فـ «ـأن» في محل نصب بإسقاط الخافض. { قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } أي بخطأ. { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } على العجلة وترك التأنّي.
الثانية ـ في هذه الآية دليلٌ على قبول خبر الواحد إذا كان عَدْلاً، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق. ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً؛ لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها. وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير؛ مثل أن يقول: هذا عبدي؛ فإنه يقبل قوله. وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية؛ فإنه يقبل ذلك. وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر. وكذلك إذا أقرّ لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعاً.
السادسة ـ وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجُرحة؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم؛ فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة.
السابعة ـ فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملاً بجهالة؛ كالقضاء بالشاهدين العدلين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله. ذكر هذه المسألة القُشَيْرِي، والذي قبلها المَهْدَوِي.
5-يقول ابن كثير رحمه الله في " تفسير تفسير القران الكريم"
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[الحجرات8:6]
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق؛ ليحتاط له لئلا يحكم بقوله، فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال؛ لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال، وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري، ولله تعالى الحمد والمنة، وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وقد روي ذلك من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا عيسى بن دينار، حدثني أبي: أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به. ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، وترسل إلي يا رسول الله رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول ولم يأته، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله، فدعا بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله؛ ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق، أي خاف، فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه، وأتى الحارث بأصحابه، حتى إذا استقبل البعث، وفصل عن المدينة، لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة، ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ " قال: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن يكون كانت سخطة الله تعالى ورسوله. قال: فنزلت الحجرات: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ }إلى قوله: {حَكِيمٌ } رواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به، ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به، غير أنه سماه: الحارث بن سرار، والصواب أنه الحارث بن ضرار كما تقدم. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قالت: فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلاً مصدقاً، فسررنا بذلك، وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال رضي الله عنه، فأذن بصلاة العصر.
قالت: ونزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.
وروى ابن جرير أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق؛ ليأخذ منهم الصدقات، وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم، إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، وإن النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم، فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ} إلى آخر الآية. وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق؛ ليصدقهم، فتلقوه بالصدقة، فرجع فقال: إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك، زاد قتادة: وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه، فلما جاؤوا، أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه، فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال قتادة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " التثبث من الله، والعجلة من الشيطان " وكذا ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن رومان والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم في هذه الآية: أنها أنزلت في الوليد بن عقبة، والله أعلم.
هذا ما تيسر جمعه سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.
الأولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيْط. وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عُقبة مُصَدِّقاً إلى بني المُصْطَلِق؛ فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم ـ
في رواية: لإحْنَة كانت بينه وبينهم ـ؛ فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد وأمره أن يتثبّت ولا يَعْجَل؛ فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً؛ فبعث عُيُونَه فلما جاءوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم؛ فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه؛ فعاد إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية؛ فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم: " التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان " وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المُصْطَلِق بعد إسلامهم؛ فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم خافهم؛ فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوا صدقاتهم. فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوِهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي إليه ما قِبَلَنَا من الصدقة، فاستمر راجعاً، وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله، واللّهِ ما خرجنا لذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ وسُمِّيَ الوليدُ فاسقاً أي كاذباً.
قال ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد الله: الفاسق الكذاب. وقال أبو الحسن الوراق: هو المعلن بالذنب. وقال ابن طاهر: الذي لا يستحي من الله. وقرأ حمزة والكسائي «فتثبتوا» من التثبت. الباقون «فَتَبَيَّنُوا» من التبيين { أَن تُصِيببُواْ } أي لئلا تصيبوا، فـ «ـأن» في محل نصب بإسقاط الخافض. { قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } أي بخطأ. { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } على العجلة وترك التأنّي.
الثانية ـ في هذه الآية دليلٌ على قبول خبر الواحد إذا كان عَدْلاً، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق. ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً؛ لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها. وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير؛ مثل أن يقول: هذا عبدي؛ فإنه يقبل قوله. وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية؛ فإنه يقبل ذلك. وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر. وكذلك إذا أقرّ لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعاً.
السادسة ـ وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجُرحة؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم؛ فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة.
السابعة ـ فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملاً بجهالة؛ كالقضاء بالشاهدين العدلين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله. ذكر هذه المسألة القُشَيْرِي، والذي قبلها المَهْدَوِي.
5-يقول ابن كثير رحمه الله في " تفسير تفسير القران الكريم"
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[الحجرات8:6]
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق؛ ليحتاط له لئلا يحكم بقوله، فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال؛ لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال، وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري، ولله تعالى الحمد والمنة، وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وقد روي ذلك من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا عيسى بن دينار، حدثني أبي: أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به. ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، وترسل إلي يا رسول الله رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول ولم يأته، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله، فدعا بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله؛ ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق، أي خاف، فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه، وأتى الحارث بأصحابه، حتى إذا استقبل البعث، وفصل عن المدينة، لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة، ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ " قال: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن يكون كانت سخطة الله تعالى ورسوله. قال: فنزلت الحجرات: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ }إلى قوله: {حَكِيمٌ } رواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به، ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به، غير أنه سماه: الحارث بن سرار، والصواب أنه الحارث بن ضرار كما تقدم. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قالت: فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلاً مصدقاً، فسررنا بذلك، وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال رضي الله عنه، فأذن بصلاة العصر.
قالت: ونزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.
وروى ابن جرير أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق؛ ليأخذ منهم الصدقات، وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم، إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، وإن النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم، فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ} إلى آخر الآية. وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق؛ ليصدقهم، فتلقوه بالصدقة، فرجع فقال: إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك، زاد قتادة: وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه، فلما جاؤوا، أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه، فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال قتادة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " التثبث من الله، والعجلة من الشيطان " وكذا ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن رومان والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم في هذه الآية: أنها أنزلت في الوليد بن عقبة، والله أعلم.
هذا ما تيسر جمعه سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
و بارك الله فيكم
شكرا لمروركم
تقبل الله منا ومنكم
تعليق