السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد رمضان نسمع الآية
إليكم التفسير من الطبري
--
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 92 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَاهِيًا عِبَادَهُ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ، وَآمِرًا بِوَفَاءِ الْعُهُودِ ، وَمُمَثِّلًا نَاقِضَ ذَلِكَ بِنَاقِضَةِ غَزْلِهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ وَنَاكَثَتِهِ مِنْ بَعْدِ إِحْكَامِهِ : وَلَا تَكُونُوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي نَقْضِكُمْ أَيْمَانَكُمْ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَإِعْطَائِكُمُ اللَّهَ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) يَعْنِي : مِنْ بَعْدِ إِبْرَامٍ . وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ : الْقُوَّةُ : مَا غُزِلَ عَلَى طَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُثَنَّ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَمْقَاءُ مَعْرُوفَةٌ بِمَكَّةَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ [ ص: 284 ] جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : خَرْقَاءُ كَانَتْ بِمَكَّةَ تَنْقُضُهُ بَعْدَ مَا تُبْرِمُهُ .
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ ، عَنِ السُّدِّيِّ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) قَالَ : هِيَ خَرْقَاءُ بِمَكَّةَ كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ ، فَشَبَّهَهُ بِامْرَأَةٍ تَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ . وَقَالُوا فِي مَعْنَى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ، نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) فَلَوْ سَمِعْتُمْ بِامْرَأَةٍ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ لَقُلْتُمْ : مَا أَحْمَقَ هَذِهِ! وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَكَثَ عَهْدَهُ .
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : غَزْلَهَا : حَبْلَهَا تَنْقُضُهُ بَعْدَ إِبْرَامِهَا إِيَّاهُ وَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدُ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي [ ص: 285 ] الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثَنَا شِبْلٌ ، جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : نَقَضَتْ حَبْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ قُوَّةٍ .
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ وَرْقَاءَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) قَالَ : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ الَّذِي يُعْطِيهِ ، ضَرَبَ اللَّهُ هَذَا لَهُ مَثَلًا بِمِثْلِ الَّتِي غَزَلَتْ ثُمَّ نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، فَقَدْ أَعْطَاهُمْ ثُمَّ رَجَعَ ، فَنَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ .
وَقَوْلُهُ : ( أَنْكَاثًا ) يَعْنِي : أَنْقَاضًا ، وَكُلُّ شَيْءٍ نُقِضَ بَعْدَ الْفَتْلِ فَهُوَ أَنْكَاثٌ ، وَاحِدُهَا : [ ص: 286 ] نِكْثٌ حَبْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَزْلًا يُقَالُ مِنْهُ : نَكَثَ فُلَانٌ هَذَا الْحَبْلَ فَهُوَ يَنْكُثُهُ نَكْثًا ، وَالْحَبْلُ مُنْتَكَثٌ : إِذَا انْتَقَضَتْ قُوَاهُ . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَكْثَ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ . وَقَوْلُهُ : ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : تَجْعَلُونَ أَيْمَانَكُمُ الَّتِي تَحْلِفُونَ بِهَا عَلَى أَنَّكُمْ مُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ ( دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يَقُولُ : خَدِيعَةً وَغُرُورًا لِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ لَهُمُ الْغَدْرَ وَتَرْكَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالنُّقْلَةَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْهُمْ . وَالدَّخَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : كُلُّ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ، يُقَالُ مِنْهُ : أَنَا أَعْلَمُ دَخَلَ فُلَانٍ وَدُخْلُلَهُ وَدَاخِلَةَ أَمْرِهِ وَدَخَلَتَهُ وَدَخِيلَتَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) فَإِنَّ قَوْلَهُ أَرْبَى : أَفْعَلُ مِنَ الرِّبَا ، يُقَالُ : هَذَا أَرْبَى مِنْ هَذَا وَأَرْبَأُ مِنْهُ ، إِذَا كَانَ أَكْثَرُ مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَأَسْمَرَ خَطِّيٌّ كَأَنَّ كُعُوبَهُ نَوَى الْقَسْبِ قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْرِ
وَإِنَّمَا يُقَالُ : أَرْبَى فُلَانٌ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي يَزِيدُهَا عَلَى غَرِيمِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَا ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : أَكْثَرُ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : نَاسٌ أَكْثَرُ مِنْ نَاسٍ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثَنَا شِبْلٌ ، جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) قَالَ : كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاءَ ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ ، وَيُحَالِفُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ .
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ وَرْقَاءَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يَقُولُ : خِيَانَةً وَغَدْرًا بَيْنَكُمْ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَوْمٍ .
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ( دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) قَالَ : خِيَانَةً بَيْنَكُمْ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يُغَرُّ بِهَا ، يُعْطِيهِ الْعَهْدَ يُؤَمِّنُهُ وَيُنْزِلُهُ مِنْ مَأْمَنِهِ ، فَتَزِلَّ قَدَمُهُ وَهُوَ فِي مَأْمَنٍ ، ثُمَّ يَعُودُ يُرِيدُ الْغَدْرَ ، قَالَ : فَأَوَّلُ بُدُوِّ هَذَا قَوْمٌ كَانُوا حُلَفَاءَ لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا ، وَأَعْطَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْعَهْدَ ، فَجَاءَهُمْ قَوْمٌ قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَرُ وَأَعَزُّ وَأَمْنَعُ ، فَانْقُضُوا عَهْدَ هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا ، فَفَعَلُوا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ) ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) هِيَ أَرْبَى : أَكْثَرُ مِنْ أَجْلِ أَنْ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أُولَئِكَ نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ ، فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا ، وَكَانَ الْأَمْرُ الْآخَرُ فِي الَّذِي يُعَاهِدُهُ فَيُنْزِلُهُ مِنْ حِصْنِهِ ثُمَّ [ ص: 287 ] يَنْكُثُ عَلَيْهِ ، الْآيَةُ الْأُولَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهِيَ مَبْدَؤُهُ ، وَالْأُخْرَى فِي هَذَا .
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : ثَنَا عُبَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ ، فِي قَوْلِهِ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : أَكْثَرُ ، يَقُولُ : فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ .
وَقَوْلُهُ : ( إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّمَا يَخْتَبِرُكُمُ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ، لِيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ مِنْكُمُ الْمُنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنَ الْعَاصِي الْمُخَالِفِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ( وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَلِيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَيْهِ بِمُجَازَاةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا ، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ ، ( مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) وَالَّذِي كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِاللَّهِ كَانَ يُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ، وَيُصَدِّقُ بِمَا ابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ ، وَكَانَ يُكَذِّبُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكَافِرُ فَذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْبَيَانِ .
تفسير الطبري
بعد رمضان نسمع الآية
إليكم التفسير من الطبري
--
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 92 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَاهِيًا عِبَادَهُ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ، وَآمِرًا بِوَفَاءِ الْعُهُودِ ، وَمُمَثِّلًا نَاقِضَ ذَلِكَ بِنَاقِضَةِ غَزْلِهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ وَنَاكَثَتِهِ مِنْ بَعْدِ إِحْكَامِهِ : وَلَا تَكُونُوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي نَقْضِكُمْ أَيْمَانَكُمْ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَإِعْطَائِكُمُ اللَّهَ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) يَعْنِي : مِنْ بَعْدِ إِبْرَامٍ . وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ : الْقُوَّةُ : مَا غُزِلَ عَلَى طَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُثَنَّ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَمْقَاءُ مَعْرُوفَةٌ بِمَكَّةَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ [ ص: 284 ] جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : خَرْقَاءُ كَانَتْ بِمَكَّةَ تَنْقُضُهُ بَعْدَ مَا تُبْرِمُهُ .
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ ، عَنِ السُّدِّيِّ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) قَالَ : هِيَ خَرْقَاءُ بِمَكَّةَ كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ ، فَشَبَّهَهُ بِامْرَأَةٍ تَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ . وَقَالُوا فِي مَعْنَى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ، نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) فَلَوْ سَمِعْتُمْ بِامْرَأَةٍ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ لَقُلْتُمْ : مَا أَحْمَقَ هَذِهِ! وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَكَثَ عَهْدَهُ .
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : غَزْلَهَا : حَبْلَهَا تَنْقُضُهُ بَعْدَ إِبْرَامِهَا إِيَّاهُ وَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدُ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي [ ص: 285 ] الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثَنَا شِبْلٌ ، جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ) قَالَ : نَقَضَتْ حَبْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ قُوَّةٍ .
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ وَرْقَاءَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) قَالَ : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ الَّذِي يُعْطِيهِ ، ضَرَبَ اللَّهُ هَذَا لَهُ مَثَلًا بِمِثْلِ الَّتِي غَزَلَتْ ثُمَّ نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، فَقَدْ أَعْطَاهُمْ ثُمَّ رَجَعَ ، فَنَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ .
وَقَوْلُهُ : ( أَنْكَاثًا ) يَعْنِي : أَنْقَاضًا ، وَكُلُّ شَيْءٍ نُقِضَ بَعْدَ الْفَتْلِ فَهُوَ أَنْكَاثٌ ، وَاحِدُهَا : [ ص: 286 ] نِكْثٌ حَبْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَزْلًا يُقَالُ مِنْهُ : نَكَثَ فُلَانٌ هَذَا الْحَبْلَ فَهُوَ يَنْكُثُهُ نَكْثًا ، وَالْحَبْلُ مُنْتَكَثٌ : إِذَا انْتَقَضَتْ قُوَاهُ . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَكْثَ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ . وَقَوْلُهُ : ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : تَجْعَلُونَ أَيْمَانَكُمُ الَّتِي تَحْلِفُونَ بِهَا عَلَى أَنَّكُمْ مُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ ( دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يَقُولُ : خَدِيعَةً وَغُرُورًا لِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ لَهُمُ الْغَدْرَ وَتَرْكَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالنُّقْلَةَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْهُمْ . وَالدَّخَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : كُلُّ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ، يُقَالُ مِنْهُ : أَنَا أَعْلَمُ دَخَلَ فُلَانٍ وَدُخْلُلَهُ وَدَاخِلَةَ أَمْرِهِ وَدَخَلَتَهُ وَدَخِيلَتَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) فَإِنَّ قَوْلَهُ أَرْبَى : أَفْعَلُ مِنَ الرِّبَا ، يُقَالُ : هَذَا أَرْبَى مِنْ هَذَا وَأَرْبَأُ مِنْهُ ، إِذَا كَانَ أَكْثَرُ مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَأَسْمَرَ خَطِّيٌّ كَأَنَّ كُعُوبَهُ نَوَى الْقَسْبِ قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْرِ
وَإِنَّمَا يُقَالُ : أَرْبَى فُلَانٌ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي يَزِيدُهَا عَلَى غَرِيمِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَا ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : أَكْثَرُ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : نَاسٌ أَكْثَرُ مِنْ نَاسٍ .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثَنَا شِبْلٌ ، جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) قَالَ : كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاءَ ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ ، وَيُحَالِفُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ .
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ وَرْقَاءَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يَقُولُ : خِيَانَةً وَغَدْرًا بَيْنَكُمْ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَوْمٍ .
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا أَبُو ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ( دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) قَالَ : خِيَانَةً بَيْنَكُمْ .
حَدَّثَنِي يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) يُغَرُّ بِهَا ، يُعْطِيهِ الْعَهْدَ يُؤَمِّنُهُ وَيُنْزِلُهُ مِنْ مَأْمَنِهِ ، فَتَزِلَّ قَدَمُهُ وَهُوَ فِي مَأْمَنٍ ، ثُمَّ يَعُودُ يُرِيدُ الْغَدْرَ ، قَالَ : فَأَوَّلُ بُدُوِّ هَذَا قَوْمٌ كَانُوا حُلَفَاءَ لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا ، وَأَعْطَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْعَهْدَ ، فَجَاءَهُمْ قَوْمٌ قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَرُ وَأَعَزُّ وَأَمْنَعُ ، فَانْقُضُوا عَهْدَ هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا ، فَفَعَلُوا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ) ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) هِيَ أَرْبَى : أَكْثَرُ مِنْ أَجْلِ أَنْ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أُولَئِكَ نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ ، فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا ، وَكَانَ الْأَمْرُ الْآخَرُ فِي الَّذِي يُعَاهِدُهُ فَيُنْزِلُهُ مِنْ حِصْنِهِ ثُمَّ [ ص: 287 ] يَنْكُثُ عَلَيْهِ ، الْآيَةُ الْأُولَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهِيَ مَبْدَؤُهُ ، وَالْأُخْرَى فِي هَذَا .
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : ثَنَا عُبَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ ، فِي قَوْلِهِ ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ) يَقُولُ : أَكْثَرُ ، يَقُولُ : فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ .
وَقَوْلُهُ : ( إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّمَا يَخْتَبِرُكُمُ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ، لِيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ مِنْكُمُ الْمُنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنَ الْعَاصِي الْمُخَالِفِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ( وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَلِيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَيْهِ بِمُجَازَاةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا ، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ ، ( مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) وَالَّذِي كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِاللَّهِ كَانَ يُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ، وَيُصَدِّقُ بِمَا ابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ ، وَكَانَ يُكَذِّبُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكَافِرُ فَذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْبَيَانِ .
تفسير الطبري
تعليق