بغير الحق...بغير حق
_________________________
من الآيات المتشابهة في ألفاظها: قوله تعالى واصفاً جرائم بني إسرائيل:
{ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (البقرة:61).
وقوله سبحانه في سياق آخر:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } (آل عمران:21).
وقوله عز وجل:
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلْأَنبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ }
(آل عمران:112).
ففي الآية الأولى والثانية جاء لفظ {النبيين} مجموعاً جمعاً سالماً،
في حين أنه جاء في الآية الثالثة مجموعاً جمع تكسير {الأنبياء}.
وجاء في الآية الأولى لفظ {الحق} معرفاً بـ (أل التعريف)، في حين أنه جاء في الآيتين الأخريين نكرة {حق}.
وقد ذكروا في هذا الاختلاف أقوالاً، منها:
_________________________
من الآيات المتشابهة في ألفاظها: قوله تعالى واصفاً جرائم بني إسرائيل:
{ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (البقرة:61).
وقوله سبحانه في سياق آخر:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } (آل عمران:21).
وقوله عز وجل:
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلْأَنبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ }
(آل عمران:112).
ففي الآية الأولى والثانية جاء لفظ {النبيين} مجموعاً جمعاً سالماً،
في حين أنه جاء في الآية الثالثة مجموعاً جمع تكسير {الأنبياء}.
وجاء في الآية الأولى لفظ {الحق} معرفاً بـ (أل التعريف)، في حين أنه جاء في الآيتين الأخريين نكرة {حق}.
وقد ذكروا في هذا الاختلاف أقوالاً، منها:
القول الأول: ذكره الخطيب الإسكافي، وحاصل كلامه:
أن قوله تعالى في سورة البقرة: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
خبر عن قوم عُرفوا وعُرفت أفعالهم، ومضت أزمنتهم وأحوالهم، فلما شهروا، شُهر فعلهم بوقوعه منهم؛
ولأجل هذا جاء في أثناء هذه الآية قوله سبحانه:
{ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ}.
والموضع الثاني الذي نُكِّر فيه {حق} هو خبر عن قوم يرون ذلك، ويعتقدونه، ويدينون به،
ألا تراه قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ}
هؤلاء قوم لم يمضوا، ولم ينقرضوا؛ فلذلك قال:{فبشرهم}.
وقال في أول الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ}، ولم يقل: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ}،
فلما لم تكن هذه الحال واقعة منهم، كانت مخالفة للحال الواقعة، التي جُعلت خبراً عن قوم مضوا على هذه الأفعال:
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ}.
وهذا التوجيه الذي ذكره الإسكافي يتجه فيه الكلام فيما لو كان الأمر مقتصراً على توجيه الفرق بين آية البقرة وآية آل عمران الأولى فحسب، أما آية آل عمران الثانية، فلا يتجه ما ذكره الإسكافي من فرق؛ لأن لفظ (الحق) جاء فيها نكرة أيضاً مع أن سياق الحديث فيها أيضاً عن قوم فعلوا، ومضت أزمنتهم وأحوالهم.
القول الثاني: ذكره الكرماني، وحاصل كلامه:
أنه سبحانه قال في سورة البقرة: {بِغَيْرِ الْحَقِّ}، إشارة إلى (الحق) الذي أذن الله أن تقتل النفس به،
وهو قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام:151)،
فكان الأولى أن يُذكر معرفاً؛ لأنه من الله تعالى.
أما تنكير (الحق) في آل عمران، أي: بغير حق في معتقدهم ودينهم، فكان هذا بالتنكير أولى.
وجمع {النبيين} جمع السلامة في البقرة: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ}،
لموافقة ما بعده من جمع السلامة {الصابئين}، في قوله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ} (البقرة:62)،
وكذلك في آل عمران لموافقته جمع السلامة {ناصرين}، في قوله تعالى: {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (آل عمران:22)،
وقوله: {معرضون}، في قوله سبحانه:
{ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} (آل عمران:23)،
بخلاف {الأنبياء} في قوله سبحانه: {وَيَقْتُلُونَ ٱلْأَنبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ}
فلم يوافقه بعد جمع السلامة.
هذا حاصل كلام الكرماني في توجيه الفرق بين هذه الآيات في الآيات، وهو توجيه كما ترى ليس بالقوي، ويعوزه الدليل.
القول الثالث: قول أبي حيان، وحاصل كلامه:
أنه لا فرق في الدلالة بين {النبيين}، و{الأنبياء}؛
لأن جمع السلامة (النبيين)، وجمع التكسير (الأنبياء)، إذا دخلت عليهما (أل التعريف) تساويا،
بخلاف حالهما إذا كانا نكرتين؛
لأن جمع السلامة ظاهر في (القلة)، وجمع التكسير ظاهر في (الكثرة).
وهذا التوجه متجه أكثر من توجيه الكرماني.
قال أبو حيان : قيل: وعرَّف {بغير الحق} في البقرة؛ لأنه أشير به إلى المعهود في قوله عليه السلام:
(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) رواه البخاري ومسلم.
وأما المنكر {بغير حق}، فالمراد به تأكيد العموم،
أي: لم يكن هناك (حق) لا ما يعرفه المسلمون ولا غيره.
وأنت ترى، أن هذه الأقوال إنما هي مجرد توجيهات قائمة في الأساس على النظر والاجتهاد؛
ولا دليل يعتد به للقول أو الجزم بأحدها، فهي مجرد نظرات قد تصيب، وقد تخطئ،
والمصيب فيها له أجران، والمخطئ فيها له أجر.
ولعل فقدان الدليل هو الذي يفسر سكوت أكثر المفسرين عن الحديث عن مراد الاختلاف بين هذه الألفاظ التي أجرينا الحديث عنها في هذه السطور.
المصــــــدر
إسلام ويب
تعليق