الدنيا دار لها ما بعدها. والتدين الفاسد يستقبل هذه الحقيقة بالنواح والتشاؤم، لا بالعمل الجاد والاستعداد للخلود الدائم. إن تحديد الموقف من الآخرة لابد منه فى مواجهة الحضارة المعاصرة. وهذا التحديد يفرض علينا أن ندرس الحياة وأن نعرف الحكمة من الوجود الموقوت بها. إن العقل البليد الذى لا يدرس الحياة ولا يستعد لما بعدها ليس هو العقل المؤمن. وسورة الملك تنبه إلى هذا فى كلمات واعية " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا" . " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ " . " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ... " . والمحزن أن العقل الإسلامى الآن جهول بالكون، تائه عن قوانينه، ضعيف الخبرة بها والقدرة على استغلالها.. وهنا شىء آخر انضم إلى هذا العجز: شراهة فى طلب الملذات والعكوف عليها مع السماع إلى أغان تقول له الدنيا ضحك ولعب وعش أيامك عش لياليك. واليوم الفائت لن يعود أبدا، فلماذا تضيعه؟ وهكذا تجمعت على المسلمين كل الهزائم المادية والروحية.. فلا عجب إذا هددوا بمصاير الكفار الذين إذا رموا فى جهنم "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ر *قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ .. " . " وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " . المفروض أن العقل المؤمن أخبر بالحياة وأذكى فى الكون من العقل الملحد، لأن الإيمان بالله يقوم فى الإسلام على تأمل فى الكون ووعى بآيات الله فى آفاقه! إنه لشىء يثير الحزن والقلق أن نجد المسلمين فى مؤخرة القافلة البشرية على النحو الذى يقول فيه الشاعر: ويقضى الأمر حين تغيب تيم - ولا يستأمرون وهم شهود!!
ص _472
قد يكون الإيمان بالله من الغيوب التى يعمل فيها العقل عمله، ولكن أثر هذا الغيب فى النفس أقوى من الحواس كلها لأن المرء قد يضحى بروحه استجابة لهذا الغيب، وقد يترك أشهى الملذات استجابة، لوحيه ولذلك قال الله سبحانه " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " . ومع الإيمان بالغيب هناك سيطرة على عالم الشهادة ومهارة فى تطويع فجاج الأرض لما ينشده المسلم من تمكين وسيادة " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ... " ومع الأكل من هذا الرزق فمستقبل الإنسان ليس هنا.. إنه عند الله "... وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" . والآية الأولى فى هذه السورة تشير إلى أن الله بيده الملك. وقد صرحت آيات أخرى أنه بيده الفضل، وبيده الخير، وأن الأرض جميعا قبضته، وأن السموات مطويات بيمينه. إن استمكانه من ملكه - جل شأنه - لا نظير له، ويستحيل أن يقوم له معترض! ولذلك يقول للكافرين " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ... " . وتعبير " مَّن فِي السَّمَاء" نموذج من تعابير أخرى تصف الملكوت الإلهى. فإن الله، وإن كان مستويا على عرشه فعلمه وسمعه وبصره وقيامه على كل نفس وتدبيره لكل أمر وإمساكه لكل ذرة فى السموات والأرض، تجعله جل شأنه لا يغيب عن شىء ولا يغيب عنه شىء ولذلك يقول " وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " . ويقول " مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا
خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا " . ويقول "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ" . إن شهود الله علينا لاشك فيه. ومن التطاول البحث فى كنه هذا الشهود، إننا لا نعرف كيف يحول الله اللقيمات التى نطعمها إلى عيون وآذان، فكيف نعرف كنه ذاته وقربه؟ إن الله أقرب إلينا من أنفسنا ولكنا أعجز من أن نبصر!! وحسبنا إذا علمنا ذلك أن نستنصر به ونسترزقه ونعد غيره صفرا كما بين لنا فى هذه السورة "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ".
ص _473
وتتحدث السورة فى آخرها عن الكافرين الذين يحاولون نقل المعركة إلى الرسول وأتباعه من المؤمنين، فيسائلهم: ما جدوى ذلك عليكم إذا كنتم أغبياء تعمون عن الواقع حتى تصطدموا به؟ هل قصور الآخرين - كما زعمتم - يشفع لكم ويسوغ ضلالكم؟ "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ". وتختم السورة بسؤال إلى عبيد المادة الذين ينكرون ربها المسخر لها " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ " ؟ حكوا أن أحد الملاحدة سمع هذه الآية فقال: تأتينا به الفئوس والمعاول! أى أن تعميق الحفر فى البئر سيخرج الماء حتما! وشاء الله أن يغيض ماء عينه فيعمى! فهل قدر أحد على رد بصره؟ نعوذ بالله من الخذلان .
ص _474
قد يكون الإيمان بالله من الغيوب التى يعمل فيها العقل عمله، ولكن أثر هذا الغيب فى النفس أقوى من الحواس كلها لأن المرء قد يضحى بروحه استجابة لهذا الغيب، وقد يترك أشهى الملذات استجابة، لوحيه ولذلك قال الله سبحانه " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " . ومع الإيمان بالغيب هناك سيطرة على عالم الشهادة ومهارة فى تطويع فجاج الأرض لما ينشده المسلم من تمكين وسيادة " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ... " ومع الأكل من هذا الرزق فمستقبل الإنسان ليس هنا.. إنه عند الله "... وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" . والآية الأولى فى هذه السورة تشير إلى أن الله بيده الملك. وقد صرحت آيات أخرى أنه بيده الفضل، وبيده الخير، وأن الأرض جميعا قبضته، وأن السموات مطويات بيمينه. إن استمكانه من ملكه - جل شأنه - لا نظير له، ويستحيل أن يقوم له معترض! ولذلك يقول للكافرين " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ... " . وتعبير " مَّن فِي السَّمَاء" نموذج من تعابير أخرى تصف الملكوت الإلهى. فإن الله، وإن كان مستويا على عرشه فعلمه وسمعه وبصره وقيامه على كل نفس وتدبيره لكل أمر وإمساكه لكل ذرة فى السموات والأرض، تجعله جل شأنه لا يغيب عن شىء ولا يغيب عنه شىء ولذلك يقول " وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " . ويقول " مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا
خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا " . ويقول "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ" . إن شهود الله علينا لاشك فيه. ومن التطاول البحث فى كنه هذا الشهود، إننا لا نعرف كيف يحول الله اللقيمات التى نطعمها إلى عيون وآذان، فكيف نعرف كنه ذاته وقربه؟ إن الله أقرب إلينا من أنفسنا ولكنا أعجز من أن نبصر!! وحسبنا إذا علمنا ذلك أن نستنصر به ونسترزقه ونعد غيره صفرا كما بين لنا فى هذه السورة "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ".
ص _473
وتتحدث السورة فى آخرها عن الكافرين الذين يحاولون نقل المعركة إلى الرسول وأتباعه من المؤمنين، فيسائلهم: ما جدوى ذلك عليكم إذا كنتم أغبياء تعمون عن الواقع حتى تصطدموا به؟ هل قصور الآخرين - كما زعمتم - يشفع لكم ويسوغ ضلالكم؟ "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ". وتختم السورة بسؤال إلى عبيد المادة الذين ينكرون ربها المسخر لها " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ " ؟ حكوا أن أحد الملاحدة سمع هذه الآية فقال: تأتينا به الفئوس والمعاول! أى أن تعميق الحفر فى البئر سيخرج الماء حتما! وشاء الله أن يغيض ماء عينه فيعمى! فهل قدر أحد على رد بصره؟ نعوذ بالله من الخذلان .
ص _474
تعليق