فى أول هذه السورة وصف الحق نفسه بأنه ذو المعارج. وذلك كقوله فى سورة أخرى " رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ " . والملكوت الإلهى من الفرش إلى العرش أو من الأرض السفلى إلى سدرة المنتهى قد يقطعه البشر فى خمسين ألف سنة، أما الروح الأمين وجمهرة الملائكة فتقطعه فى زمن محدود وقد رأينا كيف انتقل عرش بلقيس من اليمن إلى الشام فى لمح البصر! والمراد هنا أن الذى دعا بعذاب واقع من الله ذى المعارج لم يدع بشئ صعب. إن إهلاكه ليس أصعب من إهلاك بعوضة، لكن هذا الداعى لا يصدق بعذاب قريب أو بعيد، إنه أحمق أو كافر! وسيرى هذا العذاب حتما " يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ *وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا " . إن الله خلق البشر على غرائز تشدهم إلى تحت، وطلب منهم أن يقاوموها صاعدين إلى أعلى فمن أخلد إلى الأرض هلك، ومن اتبع الوحى نجا.. والإيمان فى حقيقته قوة صاعدة طاهرة تتلمس الطريق إلى مرضاة الله "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿20﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴿22﴾ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴿23﴾ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴿24﴾ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) . . " . وإن المسلم ليأسى عندما يرى أمته لم تألف طريق الكمال، ولم تحصل الشمائل التى تفتح لها أبواب السماء، مع أنها أحصيت إحصاء فى هذا الكتاب الكريم. لقد بين الله سبحانه أن فى طريق الجنة عقبات يجب اقتحامها ومشقات يجب التغلب عليها، وما تعرف معادن الناس إلا بهذا الاختبار الجاد. يقول أبو الطيب: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال وفى هذه السورة نتلو هذا التساؤل " فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ " . والإهطاع إمالة الرأس والعين لتدقيق النظر. وقد تحول المشركون إلى جماعات تلتف بالرسول تريد استكشاف أمره، إنهم يقتربون منه ولا يصدقونه ولا يتبعونه! هل يحقق هذا أملا؟ كلا لابد من
ص _479
الاتباع والإخلاص والجهاد، إن الله خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا. والجيل الذى يعييه الحق ويعجزه السباق، سوف يطويه الردى ويهال عليه التراب، ويجىء القدر بأنشط منه وأزكى. " فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ *عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" ذاك فى الدنيا حيث تتخلف الأمم الكسول، أما فى الآخرة فالتفاوت بين الأفراد والشعوب يجعل أمما فى الحضيض وأخرى فى الثريا . .
ص _480
الاتباع والإخلاص والجهاد، إن الله خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا. والجيل الذى يعييه الحق ويعجزه السباق، سوف يطويه الردى ويهال عليه التراب، ويجىء القدر بأنشط منه وأزكى. " فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ *عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" ذاك فى الدنيا حيث تتخلف الأمم الكسول، أما فى الآخرة فالتفاوت بين الأفراد والشعوب يجعل أمما فى الحضيض وأخرى فى الثريا . .
ص _480
مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي.
الشيخ محمد الغزالي.
تعليق